هل حماس صناعة إسرائيلية؟

هل حماس صناعة إسرائيلية؟

حماس هي ذراع الاخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية، وهي تحارب إسرائيل وتصارع منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق منطقة آمنة تسيطر عليهاحركة الاخوان المسلمين وتنمو. فالحركات الإسلامية عموماً، والاخوان المسلمون ضمنها تستغل المناطق الرخوة لنشر عقائدها وسلطتها. وهكذا فإنّ حروب حماس التي لا تنتهي ضد إسرائيل، وصراعها الذي لا يحسم مع منظمة التحرير الفلسطينية، توفر بشكل مستمر تلك الأرض الرخوة الضرورية لنمو الحركة وثباتها في الأرض.

ويذهب كثيرون في ضوء هذا التوصيف إلى القول إنّأهداف حماس تتماهى مع أهداف الحكومة الإسرائيلية، فكلاهما تسعيان إلى تشكيل دولة/ منطقة تقوم على سلطة دينية، وهما تتصارعان في سبيل هذا الهدف، وهذا التماهي مقروناً بالصراع المستمر بينهما هو من يوفر لهما الديمومة والحركة. اختلفت الأهداف واتفقت الاستراتيجية، ولكم حماس الاخوان غادرت هذا التوافق الضمني في 7 أكتوبر 2023.

رداً على هذا التصور، يرى كثيرون، ومن بينهم منصات الذكاء الاصطناعي أنّ حماس هي منظمة سياسية وعسكرية فلسطينية تسعى لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وتختلف أيديولوجيًا عن الحكومة الإسرائيلية بشكل جذري. حماس تعتبر إسرائيل كيانًا محتلاً ولا تعترف بشرعيته، بينما الحكومة الإسرائيلية تعتبر حماس منظمة إرهابية وتحاربها بشراسة. لذلك، لا يوجد تماهٍ بين الطرفين، بل هناك صراع مستمر منذ سنوات. أي ادعاء بوجود تقارب أو تماهٍ بينهما لا يتوافق مع الوقائع التاريخية والسياسية المعروفة.

ويروج بعض المهتمين بشؤون الشرق الأوسط، وشؤون الجماعات الإرهابية أنّ حماس هي صناعة اسرائيلية،لاسيما أن وجود حماس يكرّس الانقسام الفلسطيني ويسهل على إسرائيل السيطرة والاستمرار بضرب الطرفين، فهل يوجد على الأرض ما يدعم هذه الادعاءات؟

تشير بعض التقارير إلى أن إسرائيل سمحت في بداياتها بظهور حركات إسلامية كوسيلة لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية (فتح تحديداً)، التي كانت تعتبرها تهديدًا أكبر في ذلك الوقت. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل خلقت حماس أو خططت لظهورها كمنظمة مقاومة مسلحة. حماس تطورت بشكل مستقل وأصبحت لاحقًا عدوًا رئيسيًا لإسرائيل، خاصة بعد تبنيها لخطاب مقاومة مسلحة ضد الاحتلال.

وتأسيساً على ذلك، يرد البعض على هذا الادعاء بأنه افتراض مشتق من نظرية مؤامرة ويفتقر إلى أدلة موثوقة ولا تدعمه الوقائع التاريخية أو السياسية. حيث أنّ حماس تأسست في أواخر الثمانينيات كجزء من حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وبرزت كقوة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي (كما تعلن وتفعل)، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.

ويذهب الداعمون لهذا الرفض إلى أنّ مثل هذه الادعاءات غالبًا ما تكون جزءًا من خطابات سياسية أو إعلامية تهدف إلى تشويه سمعة أحد الأطراف دون أساس واقعي.

ويرد الذكاء الاصطناعي على الفرضية القائلة بأن حماس تُكرّس الانقسام الفلسطيني وبالتالي تخدم مصالح إسرائيل بالقول إنّ الانقسام الفلسطيني لا يقتصر على حماس وفتح، بل هناك العديد من الفصائل المختلفة سياسياً والتي ينضوي أغلبها تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية. الانقسام الفلسطيني له جذور تاريخية ومعقدة، الانقسام بين فتح وحماس ليس بسيطًا ولا يمكن اختزاله في دور طرف واحد. وجذور هذا الخلاف تتغذى على الخلافات الأيديولوجية (علمانية مقابل إسلامية)، والصراع على السلطة، والولاءات الخارجية. وإسرائيل لم تخلق هذه الخلافات، لكنها بالتأكيد تستفيد منها وفق مبدأ “فرّق تسد“.

صحيح أن وجود حماس كقوة منافسة لفتح أدى إلى شرخ فلسطيني مدمر، لكن هذا الانقسام هو نتيجة طبيعية لتعدد القوى السياسية في أي سياق وطني، وليس بالضرورة مؤامرة مدبرة.

من الصحيح أن إسرائيل استفادت من الانقسام الفلسطيني، لكن هذا لا يعني أنها خلقت حماس لهذا الغرض. إسرائيل تستفيد من أي انقسام أو ضعف في الجانب الفلسطيني، سواء كان بين فتح وحماس أو داخل فتح نفسها.

سياسة إسرائيل تجاه حماس كانت متقلبة: في بعض الأحيان سمحت بتمويلها في بداياتها لمواجهة فتح، لكن لاحقًا اعتبرتها عدوًا رئيسيًا وحاربتها بعنف.

حماس ليست أداة بيد إسرائيل، بل هي خصم لها، وقد اشتبكت معها في حروب متعددة (حروب 2008-2009، 2014، 2021، وهجوم 7 أكتوبر 2023 الكارثي). هذه الصدامات تظهر أن حماس ليست أداة في يد إسرائيل، بل هي قوة معادية لها.

والسؤال البسيط الصعب هنا هو: إذا كانت حماس “صناعة إسرائيلية”، فلماذا تخوض حروبًا دامية ضدإسرائيل؟

التركيز على دور إسرائيل في خلق الانقسام يهمش العوامل الداخلية الفلسطينية التي ساهمت في هذا الانقسام، مثل فشل القيادة الفلسطينية في تحقيق الوحدة، والفساد، والخلافات السياسية.

تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الانقسام يقلل من مسؤولية القوى الفلسطينية نفسها في إدارة خلافاتها.

سياسات حماس ورغبتها العارمة في تأسيس دولة الإسلام السياسي في غزة، جرّت شعب غزة المقهور المغلوب على أمره تحت فوهات بنادق الاخوان المسلمين إلى مغامرة (7 أكتوبر 2023) التي أعطت إسرائيل كل الذرائع لتشن حرباً شاملة على الوجود الفلسطيني برمته.

ورغم إصرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على حذف حماس من المشهد السياسي والإداري في غزة في اليوم التالي للصراع، فإن مستقبل حماس بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 يعتمد على عدة عوامل داخلية وخارجية، وسيكون محكومًا بتطورات الأحداث على الأرض، والمواقف الإقليمية والدولية، وكذلك ردود الفعل الفلسطينية. وتحلل منصات الذكاء الاصطناعي هذا المستقبل من خلال النقاط التالية:

1. الوضع العسكري والأمني:

بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023، ردت إسرائيل بعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، مما أدى إلى تدمير بنية تحتية كبيرة وخسائر بشرية جسيمة.

مستقبل حماس كحركة مقاومة سيعتمد على قدرتها على الصمود أمام هذه الحملة العسكرية، وإعادة بناء قوتها العسكرية والأمنية.

إذا خرجت حماس من هذه المواجهة وهي لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ أو تنفيذ عمليات مقاومة، فقد تعزز ذلك من شرعيتها كحركة مقاومة في أعين الكثيرين. ولهذا يركز اليمين الإسرائيلي على ضرورة إلغاء حماس من مكونات غزة في اليوم التالي.

2. الشرعية الشعبية:

داخل فلسطين، قد تزيد شعبية حماس إذا عد شعب غزةالهجوم انتصارًا رمزيًا ضد إسرائيل، خاصة في ظل استمرار الاحتلال وعدم وجود حلول سياسية.

ومع ذلك، إذا أدت المواجهات إلى خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين في غزة، فقد يتأثر دعم حماس سلبًا، خاصة إذا شعر الفلسطينيون أن هذه المواجهات لم تحقق مكاسب ملموسة.

في الضفة الغربية، حيث تسيطر فتح، قد تتعرض حماس لانتقادات بسبب عواقب الهجوم على الوضع العام للفلسطينيين.

3. العلاقات الإقليمية والدولية:

دول مثل إيران وتركيا وقطر قد تواصل دعم حماس مالياً وسياسياً، مما يساعدها على الصمود.

من ناحية أخرى، قد تواجه حماس ضغوطًا دولية أكبر، خاصة من الدول الغربية التي تعتبرها منظمة إرهابية. هذا قد يؤدي إلى زيادة عزلة حماس دوليًا.

الدول العربية التي لديها علاقات مع إسرائيل (مثل مصر والأردن والإمارات) قد تزيد من ضغوطها على حماس لاحتواء الموقف، مما قد يحد من قدرتها على المناورة.

4. المشهد الفلسطيني الداخلي:

قد يؤدي الهجوم وتبعاته إلى تعميق الانقسام بين حماس وفتح، خاصة إذا رأت فتح أن حماس تتصرف بشكل منفرد دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية. في المقابل، إذا شعر الفلسطينيون أن السلطة الفلسطينية عاجزة عن تحقيق أي تقدم سياسي، فقد تزيد شعبية حماس كبديل مقاوم.

هناك أيضًا احتمال أن تدفع الأحداث إلى حوار فلسطيني داخلي لتحقيق مصالحة وطنية، لكن هذا يعتمد على مدى استعداد الطرفين للتساوم.

في الجانب الآخر، قد تدفع الأحداث المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في القضية الفلسطينية، خاصة إذا أدت إلى موجة غضب عالمي بسبب الخسائر المدنية.

ويدور اليوم حديث أمريكي/ مصري/ إسرائيلي/ أردني/ خليجي حول إعادة إعمار غزة، إذ دُمرت البنية التحتية فيها بشكل كبير، وتواجه حماس وأهل غزة تحديات كبيرة في إعادة الإعمار.

وتزداد معاناة الغزيين بسبب الحصار والتهجير المستمر (الناتج إلى حد كبير عن إصرار حماس على الاحتفاظ بالرهائن الإسرائيليين كورقة ضاغطة) وفقدان المأوى وضغوط الانهيار الاقتصادي، مما قد يؤثر على شعبية حماس، التي قد تواجه مزيدًا من العزلة الدولية باعتبارهاالمسؤولة المباشرة عن تصعيد العنف. وحتى الآن يبدو أن اليوم التالي سيرى حماس تقود السلطة في غزة وتستمر في مشروعها الاخواني الخطير، وهو ما سيمنح إسرائيل ذريعة البحث عن بدائل لهذه المنظمة، ربما بالتنسيق مع حكومات المنطقة، لاسيما أن أغلب الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط باتت ترفض بشدة الإسلام السياسي.

ما تبقى هو القول هنا إنّ هذا المقال قد كتب في محاورة منصات الذكاء الاصطناعي، التي وفّرت مزيجاً من آراء ووجهات نظر (بدت متوازنة في الرد على كل أسئلتي). وكل ذلك يحيلنا إلى سؤال وجودي تاريخي حاسم مفاده: إذا بات بوسع الذكاء الاصطناعي أن يحاورنا في أعقد القضايا السياسية، فماذا تبقى لصناع القرار السياسي والخبراء الاستراتيجيين والاعلاميين بمختلف مستوياتهم؟ وهل يمكن أن نعتمد الذكاء الاصطناعي ونُعد آراءه مرجعاً معتمدا للنقاش واتخاذ القرارات المصيرية التي تتعلق بمصائر الشعوب؟

ملهم الملائكة

كاتب وصحفي واعلامي عراقي

https://mlhm1.com/

[email protected]