22 ديسمبر، 2024 9:51 م

هل حلت الهيئة الموسعة محل الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية؟

هل حلت الهيئة الموسعة محل الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية؟

أثار الزميل الأستاذ المحامي كميت الطائي قبل أيام سؤال يتعلق بتصحيح القرار الصادر عن الهيئة الموسعة في محكمة التمييز، ولابد من تقديم الشكر له لأنه أثار موضوع ممكن ان يكون محل جدل، حيث لاحظت الردود على ذلك السؤال، بعضها أشار إلى إمكانية التصحيح وآخرون أشاروا إلى عدم جواز ذلك بناءً على ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية في عدم قبول تصحيح القرار الصادر عن الهيئة الموسعة، وكان السبب الذي استندت اليه المحكمة الموقرة بان الهيئة الموسعة قد حلت محل الهيئة العامة التي لا يجوز تصحيح القرار الصادر عنها بموجب المادة (267/3) من قانون الأصول الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل والمادة (220/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1961 المعدل، وللوقوف على هذه النقطة ومدى صحة حلول الهيئة الموسعة محل الهيئة العامة سأعرض الموضوع على وفق الاتي :
ان الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية هي الهيئة التي تتكون من كافة أعضاء محكمة التمييز العاملين فيها وبرئاسة رئيس محكمة التمييز أو احد نوابه وحددت اختصاصاتها بفقرتين (ما يحال عليها من إحدى الهيئات اذا رأت العدول عن مبدأ قررته إحكام سابقة 2- الفصل في النزاع الذي يقع حول تعارض الإحكام والقرارات الصادرة من محكمة التمييز الاتحادية) والتي أشارت لها المادة (13/أولاً/آ) من قانون التنظيم القانوني رقم 160 لسنة 1979 المعدل ، ويذكر ان تلك المادة قد جرى عليها تعديل لأكثر من مرة وعلى وفق الاتي :
ان النص الأول للمادة (13/أولاً/آ) من قانون التنظيم القضائي عند صدوره في عام 1979 كان يمنح الهيئة العامة ثلاثة اختصاصات وعلى وفق الاتي (1- ما يحال عليها من احدى الهيئات اذا رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة 2- الدعاوى التي صدر فيها حكم بالإعدام. 3- الفصل في النزاع الذي يقع حول تعارض الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة التمييز) ثم تم تعديل هذا النص بنقل الاختصاص المتعلق بالدعاوى التي صدر فيها حكم بالإعدام إلى الهيئة الموسعة وعلى وفق ما جاء في قانون التعديل رقم (8) لسنة 2014 ، كما تم شطر الهيئة الموسعة بموجب هذا التعديل إلى هيئتين وعلى وفق الاتي :
الأولى الهيئة الموسعة الجزائية وجعل انعقادها برئاسة رئيس محكمة التمييز أو اقدم نوابه عند غيابه او وجود مانع قانوني من اشتراكه وعضوية ما لا يقل عن أربعة عشر عضوا من قضاتها ، بينما كانت الهيئة الموسعة قبل شطرها الى هيئتين تنعقد بعدد من الأعضاء لا يقل عن عشرة قضاة أي بزيادة أربعة أعضاء وكانت اختصاصاتها (1- النزاع الحاصل حول تنفيذ حكمين مكتسبين درجة البتات متناقضين صادرين في موضوع واحد اذا كان بين الخصوم أنفسهم، وترجح احد الحكمين وتقرر تنفيذه، دون الحكم الآخر، ولرئيس محكمة التمييز وقف تنفيذ الحكمين المتناقضين لحين صدور القرار التمييزي. 2- النزاع الحاصل حول تعيين الاختصاص في نظر الدعوى الذي يقع بين محكمتين.2- ما يحيله عليها الرئيس للبت فيه من أحكام وقرارات تقع ضمن اختصاص المحكمة وفقا للقانون الذي صدرت بموجبه تلك الأحكام والقرارات) ، ثم منح التعديل المذكور الهيئة الموسعة الجزائية أربعة اختصاصات وهي كما يلي (1- الدعاوى التي صدر فيها حكم بالإعدام 2- الدعاوى التي تصر فيها محكمة الجنايات على حكمها المنقوض 3- النزاع الحاصل حول تعيين الاختصاص في نظر الدعوى الذي يقع بين محكمتين جزائيتين 4- ما يحيله عليها الرئيس للبت فيه من إحكام وقرارات جزائية تقع ضمن اختصاص المحكمة على وفق القانون الذي صدرت بموجبه تلك الأحكام والقرارات) فاصبح اختصاص الهيئة الموسعة الجزائية يتضمن اختصاص جديد كان سابقاً للهيئة العامة وهو تدقيق الدعاوى التي يصدر فيها حكم الإعدام.
الهيئة الموسعة المدنية وجعل انعقادها برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية او اقدم نوابه عند غيابه او وجود مانع قانوني من اشتراكه وعضوية ما لا يقل عن ستة من قضاتها بينما في الهيئة الجزائية بما لا يقل عن أربعة عشر من أعضائها، ومنحت ستة اختصاصات وعلى وفق الاتي (1- النزاع الحاصل حول تنفيذ حكمين مكتسبين درجة البتات متناقضين صادرين في موضوع واحد اذا كان بين الخصوم انفسهم او كان احدهم طرفاً في هذين الحكمين وترجيح احد الحكمين وتقرر تنفيذه دون الحكم الآخر ولرئيس المحكمة وقف تنفيذ الحكمين المتناقضين لحين صدور القرار التمييزي 2- النزاع الحاصل حول تعيين الاختصاص في نظر الدعاوى بين محكمتين مدنيتين. 3- الدعاوى التي تصر فيها محكمة الموضوع على حكمها المنقوض 4- القرارات الصادرة من محكمة الاستئناف بالشكوى من القضاة 5- ما يحيله عليها الرئيس للبت فيه من أحكام وقرارات مدنية تقع ضمن اختصاص المحكمة على وفق القانون الذي صدرت بموجبه تلك الأحكام والقرارات. 6- أي اختصاص اخر تقرره القوانين النافذة (.
ومن ملاحظة التعديل فانه فرق بين الهيئتين حيث أعطى للهيئة الموسعة الجزائية اقل عدد من الاختصاصات بينما زاد عدد أعضائها الذين يشكلون جلستها إلى أربعة عشر عضوا إضافة إلى الرئيس أو احد نوابه بينما في الهيئة الموسعة المدنية اقتصر التشكيل على ستة أعضاء، والسبب في ذلك كما أرى ان اختصاص الهيئة الموسعة الجزائية لأنها تتعامل مع قرارات تنهي حياة إنسان وهي قرارات الإعدام وكذلك القرارات التي قيد حريته مثل قرارات السجن، وهو الاختصاص الوحيد الذي نقل من الهيئة العامة إلى الهيئة الموسعة الجزائية.
ومن خلال ما تقدم نرى ان القانون لم يجعل الهيئة الموسعة قد حلت محل الهيئة العامة لان الحلول معناه ان يحل شخص او شيء محل شخص أو شيء اخر ، ويفسره اهل الاختصاص في اللغة بان الحلول هو (اِتِّحَادُ جِسْمَيْنِ اتِّحاداً تَامّاً بِحَيْثُ تَكُونُ الإشَارَةُ إلَى أَحَدِهِمَا إشَارَةً إلَى الآخَرِ، أَيْ يَذُوبُ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ) بينما نجد ان قانون تعديل قانون التنظيم القانوني لم يوحد الهيئة العامة مع الهيئة الموسعة وجعلهم جسم واحد كما لم يلغي الهيئة العامة حتى نقول ان الهيئة الموسعة قد حلت محلها، وانما الذي حصل هو نقل احد اختصاصاتها الى الهيئة الموسعة مع بقاء كيانها قائم ويمارس اختصاصات اخرى، لذلك ما توجهت به محكمة التمييز الموقرة الى ان الهيئة الموسعة قد حلت محل الهيئة العامة غير دقيق وعلى وفق ما تم عرضه سلفاً.
ان التعديل قد حصل في القانون الهيكلي أي القانون الذي يحدد هيكل المؤسسة القضائية وتشكيلاتها ويحدد الاختصاصات لكل كيان من كياناتها مثل التمييز والاستئناف والمحاكم الأخرى ولم يعدل أي من الأحكام الإجرائية أو الموضوعية التي تنظم عمل المحاكم او الطعون التي تقع على الأحكام الصادر من تلك المحاكم لذلك فان ان النصوص القانونية التي منعت تصحيح القرار الصادر من الهيئة العامة لم يتم تعديلها وعلى وفق ما جاء في المادة (267/3) من قانون الأصول الجزائية التي جاء فيها الاتي (لا يقبل طلب التصحيح في القرارات التالية : 3- القرار او الحكم الصادر من الهيئة العامة لمحكمة التمييز) وكذلك المادة (220/1) من قانون المرافعات المدنية التي جاء فيها الاتي (لا يقبل طلب التصحيح في القرارات التمييزية الصادرة من الهيئة العامة) وهذه النصوص القانونية قد حددت بشكل واضح الهيئة التي لا يقبل تصحيح قرارها وهي الهيئة العامة فقط. وبذلك فان الهيئة الموسعة بموجب هذه النصوص من الممكن ان يخضع قرارها إلى التصحيح لعدم وجود نص صريح يمنع ذلك، والأصل ان جميع الأحكام والقرارات غير محصنة من الطعن الا بنص قانوني صريح. ومثال ذلك عندما أشار قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981 المعدل الى ان القرارات التي تصدرها محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية يتم الطعن فيها بطريق التمييز ولا يجوز الطعن بها عن طريق التصحيح وعلى وفق ما جاء في المادة (61) التي جاء فيها الاتي (تكون القرارات النهائية والأحكام الصادرة ، بموجب هذا القانون ، قابلة للتمييز لدى محكمة الاستئناف خلال خمسة عشر يوما ، من اليوم التالي لتفهيمها ، ان كانت وجاهية ، او تبليغها ان كانت غيابية ، ولا يقبل الطعن في القرار التمييزي بطريق تصحيح القرار)
لو سايرنا ما سار عليه اجتهاد محكمة التمييز الموقر باعتبار ان الاختصاص الذي كان للهيئة العامة يبقى محافظاً على ما تتسم به تلك الهيئة من حصانة قراراتها تجاه الطعن بالتصحيح الوارد في القوانين الاجرائية الاخرى، فان هذا القيد يرد على الاختصاص الوحيد الذي نقل الهيئة الموسعة الجزائية حصراً وهو ( القرارات التي تصدر في الأحكام الصادر بالإعدام) ، بينما اختصاصات الهيئة الموسعة المدنية ليس فيها أي اختصاص من اختصاصات الهيئة العامة إطلاقاً وإنما هي اختصاصات الهيئة الموسعة قبل شطرها بموجب التعديل الذي حصل عام 2014 ، بينما نجد ان محكمة التمييز الاتحادية الموقرة قد مدت نطاق المنع الى قرارات الهيئة الموسعة المدنية دون وجود نص قانوني صريح، لان تعليل المحكمة لهذا الامتداد بان الهيئة الموسعة قد حلت محل الهيئة العامة ينما لا يوجد نص قانوني يشير الى الحلول، وكانت المحكمة قد بينت هذا التعليل في قرارات عديدة ومنها القرار العدد 339/هيئة موسعة مدنية/2012) في 12/11/2012 وقرارها الأحدث العدد 240/هيئة موسعة مدنية/2021 في 5/5/2021 الذي جاء فيه الاتي ( لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيئة الموسعة المدنية في محكمة التمييز الاتحادية، وجد أن طلب التصحيح أنصب على تصحيح القرار التمييزي الصادر من الهيئة الموسعة المدنية بعدد 56/موسعة مدنية/2020 في 17/2/2021 وحيث ان هذه الهيئة قد حلت محل الهيئة العامة في بعض اختصاصاتها بموجب المادة(13/أولاً/ب) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 وحيث لا يقبل طلب التصحيح في القرارات التمييزية الصادرة من الهيئة العامة بموجب أحكام المادة (220/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل وهذا ما قررته الهيئة العامة لهذه المحكمة بقرارها 527/هيئة عامة/2010 في 28/8/2011 لذا قرر رد طلب التصحيح وقيد التأمينات إيراداً للخزينة، وصدر القرار بالاتفاق في 23/رمضان/1442هـ الموافق 5/5/2021م.)
خلاصة القول أرى ان المنطق القانوني المستند إلى الاستدلال بالنصوص النافذة يوضح لنا ان جميع القرارات التي تصدر عن الهيئة الموسعة قابلة للتصحيح وحتى لو كان للاختصاص المنقول من الهيئة العامة الى الهيئة الموسعة الجزائية فكان الاولى ان يقتصر هذا الاتجاه على قرارات الهيئة الموسعة الجزائية المتعلقة بالأحكام الصادر بالإعدام فقط، وما يعزز هذا الاتجاه ان الهيئة الموسعة المدنية من الممكن ان يتم تشكيلها بستة أعضاء إضافة الى الرئيس بنما الهيئة الموسعة الجزائية من الممكن ان يتم تشكيلها بما لايقل عن أربعة عشر عضواً إضافة للرئيس.

قاضٍ متقاعد