بداية لابد من الاعتراف بان الكتابة في مثل هذه المواضيع ليس من باب الترف الادبي او الفكري, اوحبا في الكتابة اذا ماقيس بحجم مانعيشه من معاناة ,لايمكن السكوت او غض الطرف عنها بسبب الوضع الذي نحن جزء منه سواء رضيت الاطراف السياسية كلها ومن يطبل لها, او لم ترضى ,ولابد من الاستمرار بالتعبير عما في خلجاتنا فكتمانه قد يورث فينا امراضا نفسية لايمكن التخلص منها.
ان ماتمر به الساحة السياسة العراقية من تخبط على جميع الاصعدة لهو نذير بأن هناك شيئ ما قد يحدث, وسبب هذا الاعتقاد ليس مرده نظرة تشائمية بقدر ماهو قراءة لواقع مرير نلاحظه على جميع الاصعدة سواء كان من ماتبثه وسائل الاعلام اوما نشاهده على ارض الواقع فهناك حالة من الاحتقان يعيشها الفرد العراقي, الذي بدأ يدرك تماما ويلاحظ جيدا مستوى وطريقة اداء الحكومة الذي اصبح بالجملة مجموعة من الاخفاقات ,فحينما نستعرض مجموعة من هذه الاخفاقات نجد انها تعبرعن مدى احتقارواستخفاف مؤسسات الدولة بسلطاتها الاربعة ,نقولها وبكل وضوح تستخف وتحتقر “الشيعة” وهي المكون الاكبر من مكونات الشعب العراقي مستفيدة من الضروف الامنية المتدهورة وانشغال الشرفاء بالمواجهة مع داعش الوهابية,لعلمها المسبق ان الوضع متأزم جدا وكل ماقد يأتي من ردود افعال من قبل هذه الطائفة سيكون مرهونأ بمجريات الاحداث التي لاتسمح باي شكل من الاشكال بالمواجهة مع هذه الحكومة البائسة ,ولأن عقلاء قادة الحشد الشعبي والمرجعية الرشيدة على رأس هذه الموانع فانها لاتسمح بان تكون حالة من الهيجان اوربما انتفاضة عارمة .
لا شك ان هناك من يشاركنا في ماتضررنا به ومن بعض مكونات الشعب العراقي الاخرى, لكن المتضررالاكثروالمهان اكثر والمستخف به اكثر ودون تطرف اونزعة طائفية.اقول هم المغضوب عليهم وبكل وضوح”الشيعة”باجمعهم دون تمييز بين منطقة واخرى ,وهم الوحيدون الّذين تظرروا من هذه الحكومات المتعاقبة منذ زوال الطاغية والى الان ,وكل شيئ بدا واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار ولايحتاج الى دليل ,فبعد زوال يزيد العصر صدام دخلنا في مرحلة ثانية كنا نتأمل فيها خيرا وفرحنا كثيرا بهذه القادمة الجديدة التي يسمونها ديموقراطية, ومن الاسُس التي ترتكز عليها هو نظام الانتخابات وان يختار الشعب من يمثله في هذه الحكومة ,فنحن شعب نريد العيش بسلام ورفاهية لما لديه من مقومات هذا العيش , لكننا لم نفهم هذه اللعبة فارتكبنا الاخطاء في البداية لعدم استيعابنا لحالة التغييرالتي حدثت ,وتسارع الاحداث الذي جعلتنا نقبل بالبديل ونختاره على اساس الشعارات التي كانت ترفع سواء باسم الدين او بعناوين اخرى, واقصى ما كنا نعرفه عن معنى سوء وحسن الاختيار هو مايرتبط بالزواج فقط. ومشكلتنا كعراقيين لانريد الاعتراف بسوء اختيارنا ,والاقرار بان الخطأ خطئنا ومنذ البداية ,فبمراجعة بسيطة لما قبل الانتخابات نجد ان المرجعية الرشيدة والمتمثلة بالسيد السيستاني “حفظه الله” قد صرحت وبينت واكدت عن طريق ممثليها في كل محافظات العراق على اختيار الاصلح والاجدر والاكفأ ,وان نقوم بالتغيير, واستبدالهم بجدد,لانها كانت مطلعة جدا على مجريات الاحداث في الساحة السياسية العراقية وما تدخلت بالتوجيه والنصح الا عن دراية تامة لما ستؤول اليها الامور,وبمعنى ادق كانت تعلم علم اليقين وليس رجما بالغيب بل لما تملكه من حكمة ,ان الوضع سيستمرعلى ماهو عليه اذا لم يتم التغيير بكل ما من معنى لهذه الكلمة, فضُرب كلامها بعرض الحائط ومنحنا الثقة وادلينا باصواتنا لاحزاب لم ينزل بها وحي سماوي ,وباشخاص لادين لهم سوى شعارات كاذبة اتخذوا من الدين جلبابا فاتضح زيفها فيما بعد ,وقسم منها اصلا كان واضحا حتى قبل الانتخابات بسوء عمله وافعاله وضعف تواجده في صنع القرار الا مارحم ربي وعلى شكل افراد لااحزاب,وصدّقنا دعايات المرشحين الذين كانت لنا تجربة سابقة معهم وارتكبنا نفس الاخطاء ثانية,مع معرفتنا باخفاقاتهم في السنوات الماضية ,وها نحن اليوم نسمع بعض الاصوات من هنا وهناك تطلب من المرجعية التدخل من جديد لانقاذ العراقيين من هذا الاستهتار بكل القيم وبكل معاني الانسانية التي تقوم بها الحكومة ,فالبعض يعتقد ان المرجعية هي طوع ارادتنا متى مارغبنا طلبناها ومتى ما اكتفينا نسيناها !!
فقد كانت المرجعية ناصحة ومبلغة وفضّت النزاع حول من يجب ان ننتخبه لاننا تعودنا على طريقة طرح مرشحين الاحزاب الاسلامية وكلنا نتذكر “ان لم تنتخب الحزب الفلاني سوف تحرم عليك زوجتك”, ومن لم يصوت للكتلة الفلانية “فكأنه اختار معسكر يزيد” وهكذا,لان الاحزاب الاسلامية التي ربما كنا نثق بها في يوم ما حاولت ان تصور الاحزاب الغير اسلامية على انها مارقة وخارجة عن الدين,فتصدت المرجعية وسبقت الانتخابات حتى لاتُقول بما لم تقل فرسمت المرجعية بعض الملامح لمن سنختارهم. لكننا لم نتلتزم بنصيحتها ولم نطع امرها.وها نحن اليوم نجني ثمار ما زرعناه بسوء اختيارنا ,لاننا اصبنا بمخدر اسمه (اخذوهم بالصوت)الدعايات المزيفة والخطب الرنانة من شفافية ولحمة وشحمة وعظمة وطنية فانطوت علينا اللعبة وبقيت نفس الوجوه ونفس الاسماء دون تغير, لعبة شطرنج تتغير بيادقها لا اكثر.
فالذي يجب ان يتغير هو نحن وليس الحكومة,يجب ان تتغير نظرتنا للاشخاص والانساب والاحزاب, ونفكر فقط بالاكفا, والاصلح لا ابن فلان, ولا سليل فلان هذه النظرة الضيقة يجب ان تتبدل والا “فكيف ماتكونوا يولى عليكم” ,فقد كنا تحت تاثير الوعود والعهود والكلمات المنمقة واستخدام البعض وهم الاكثرللدين سلما. فقد بانت غاياتهم الشخصية ,وهذا مانراه امامنا وليس ادعاء فارغا ولانحتاج الى دليل في ادعائتنا هذه,ومن الامثلة وليس على سبيل الحصر,نفط الشمال وُهب الى الكرد مضافا اليه من نفط الجنوب ايضا,تعويض البعثيين السابقين بحقوق ما انزل الله بها من سلطان ,ونسيان ابناء الانتفاضة الشعبانية وابناء مخيم رفحاء الذين اوصلوا القضية العراقية الى ابعد نقطة في العالم ,العفوعن الارهابيين باسم المصالحة واستحداث احكام قضائية بمايسمى بالتسوية العشائرية كما هو الحال في المجرم”العلواني”وكأن الموضوع يخص ارضا تنازعت عليها اطراف معينة !!! القفز على القانون والدستور متى ماشاءت الحكومة وفقا للتوافقات . المحاصصة المقيته خذ وهات ,دفاع مستميت عن من تورطوا في الارهاب كما في دفاع “كتلة المواطن”.سرقة اموال النازحين من قبل المسؤولين عن هذا الملف كما في”صالح الطلك”. نواب الرؤساء الثلاثة وعدد مستشاريهم والاموال التي تصرف لهؤلاء . وحالات البذخ التي لم نشهد لها في تاريخ السياسة مثيلا لها, سرقات في وضح النهار ,السكوت عن الاصوات النشاز من هنا وهناك لما يطلقونه على حماة العراق من ابناء الحشد الشعبي بانهم ميليشيات قاتلة كما في تصريحات “الجبوري والنجيفي” والمؤسسات صامتة عن هذه التصريحات. محطات فضائية تثير الطائفية “كقناة التغيير”ومثيلاتها والسكوت عنها باسم حرية التعبير ايواء “مملكة كردستان البرزانية” للارهابيين وصمت الحكومة الغريب عن هذا الامر نقصد بالحكومة شمول التشريعية والتنفيذية والرئاسية والقضائية كلها تشكل اسما واحدا “حكومة” فكما كنا نسمع ان الاخوة المسيحين يقولون باسم الاب والابن وروح القدس اله واحد .فنحن نقول الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس القضاء ورئيس البرلمان رأيٌ واحد معتمدين على المنفعة الذاتية لكل واحد منهم, فمستحيل ان يُمرر قرار او حكم الا وقد اتفقت هذه السلطات الاربعة عليه ,وكل يحمي الاخر وكل يتستر على بعض , وتستمر العملية باحتقار واستهانة واللامبالاة بالفرد العراقي الشيعي بالتحديد فلم يعد هناك الان شيئ مخفي حتى لانقول مايؤلمنا كشيعة,واني لأخشى ان ينفجر الوضع نتيجة هذا الغليان والاحتقان الذي وصلت اليه هذه الشريحة من المجتمع العراقي ,وعندها لن نجني سوى الويلات ومزيدا من الدماء وسيحترق الاخضر واليابس اذا لم تجد هذه الحكومة التي كنا سببا في وجودها مخرجا وتغير من سياستها وتنجي نفسها من هذا الفشل وتعالج اخفاقاتها .