17 نوفمبر، 2024 11:16 ص
Search
Close this search box.

هل حكم الشيعة العالم العربي والإسلامي… كيف ومتى؟

هل حكم الشيعة العالم العربي والإسلامي… كيف ومتى؟

سوف نحاول الإجابة بشكل مطول على سؤال البعض من الناس ممن لا يعرفون التاريخ بشكله الواسع, وليس لديهم معلومات عن حكم الشيعة جنباً مع جنب مع الحكم العباسي ( 132- 922هـ) , حتى دفع البعض منهم للقول بأنهم كانوا مضطهدين طوال فترة حكم الدولة العباسية في العراق (132-656هـ) الذي دام 524 عاماً , وفترة حكمهم في مصر (659-922هـ) تحت ظل دولة المماليك الذي دام 263 عاماً .
لا تقتصر التجربة الشيعية في الحكم على الدول الواردة في هذه المقال، فقد كانت هناك دول وممالك حكمت بالمذهب الشيعي أو اعتنق قادتها المذهب ولها تأثير مهم في التاريخ الإسلامي مثل (الإمارة الحمدانية 293–406)هـ في مدينتي الموصل وحلب , والصفويون في إيران ( 1501-1736م ) ، والقرامطة في شبه الجزيرة العربية (899- 1077م ) وغيرهم.
لقد اخترت خمسة أشكال من الحكم في هذا المقال مختلفة التفاصيل: أولها الحكم السياسي الشيعي وليس المذهبي المتمثل بالأدارسة، ثم الحكم على شكل خلافة شيعية إسماعيلية مثل الفاطميين، ونهاية بدولة شيعية توافقية مع السنة والأكراد بعد سقوط نظام صدام حسين المجيد عام / 2003م .

جدول توضيحي يمثل حكم الطائفة الشيعية منذ العصر العباسي حتى اليوم
ت
أسم الدولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
فترة الحكم
مدة الحكم / سنة
1
دولة الأدارسة الزيدية
172- 375 هـ
203
2
دولة القرامطة الإسماعيلية
285- 470 هـ
185
3
الدولة الحمدانية الأثناء عشرية
293- 406 هـ
113
4
الدولة الفاطمية الإسماعيلية
296- 567 هـ
271
5
الدولة البويهية الاثنا عشرية
321- 447 هـ
126
6
الدولة الشيعية الاثنا عشرية في أيران
922- 1444 هـ
1501- 2023م
522 ولحد الأن
7
الدولة الشيعية التوافقية الاثنا عشرية في العراق
2003-2023م
20 ولحد الأن

أولاً : دولة الأدارسة الزيدية (172هـ – 375هـ )
الجماعة (الزيدية) الذين يقال لهم «الزيود» فهم جماعة من المسلمين بلا جدال، ومن الشيعة بلا خلاف, وقد اشتقوا اسمهم من الإمام العلوى الكبير، الشهيد (زيد بن علىّ زين العابدين 75-122هـ) الذى ثار على الحكم الأموي في زمن الخليفة الأموي (هشام بن عبدالملك105-125) هـ ، فقُتل، وثار من بعده ابنه ( يحيى بن زيد بن علي 107- 125 هـ )، فقُتل أيضاً.
يعود (اعتدال) الزيدية إلى مواقف إمامهم الأول (زيد بن علىّ )، الذى رفض «الرفض» الذى يعتبره أهل السُّنة سُبَّة في الشيعة، ولذلك يسمونهم بالرافضة, وقد امتنع الإمام «زيد» عن الخوض في أحقية أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب بالخلافة بعد النبي (ص) ، وامتنع عن مسايرة الشيعة الإمامية، وأعلن موالاة الشيخين (أبى بكر، وعمر) وجواز خلافتهما للنبي (ص) ، بل ودعا لعدم الغلو في قَدْر آل البيت، بعبارةٍ شهيرةٍ نصُّها : (يا معشر أهل العراق أحبونا (آل البيت) حبَّ الإسلام، ولا ترفعونا فوق حقنا، فقد كنتم تنالون من أصحاب رسول الله حتى أبغضتمونا إلى الناس) .
وكان الإمام «زيد» فيما رواه المؤرخون، من أصحاب مؤسس مذهب المعتزلة «واصل بن عطاء» وقيل بل كان من تلامذته.
ومن أسباب اقتراب الزيدية من أهل السنة، أيضاً، أنهم يعتمدون في فروع الفقه والمعاملات، مذهبي الشافعية والأحناف، وهما من المذاهب الفقهية الأربعة عند السُّنة, ولزمنٍ طويل، لم ترضَ عامة «الزيدية» ولا مشايخها الكبار، بالمذهب (الجعفري)، الذى يلتزم به معظم الشيعة، خصوصاً الإثني عشرية منهم. ()
لقد تعرض الشيعة عموماً في أيام بني أمية في بلاد الشام الى القتل والصلب، ثم ما كان من حالهم في الدولة العباسية، وخصوصًا في أيام المنصور والرشيد والمتوكل، من الاضطهاد والقتل، فحملهم ذلك على الفرار إلى أطراف المملكة الإسلامية، فهاموا على وجوههم شرقًا وغربًا.
وكان فيمن جاء منهم نحو الغرب (إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى)، أخو (محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى) الذي بايعه المنصور ثم نكث بيعته, فأتى إدريس مصر وهي يومئذ في حوزة العباسيين، فاستخفى في مكان أتاه إليه بعض الشيعة سرًّا، ومنهم صاحب البريد فحمله إلى المغرب في أيام الرشيد، فتلقاه الشيعة هناك وبايعوه، فأنشأ دولة في مراكش عرفت بـ (الدولة الإدريسية ١٧٢– ٣٧٥ﻫـ)، على أن هؤلاء لم يسموا أنفسهم خلفاء.
فبعد انهيار الدولة الأموية سنة 132هـ وتأسيس الدولة العباسية على أنقاضها، ظهرت دعوات متعددة تطالب بأحقية أولاد (علي بن أبي طالب) بالحكم من أولاد العباس بن عبد المطلب، وسميت تلك الدعوات بالعلوية، وقمع العباسيون تلك الدعوات بقسوة وحزم، وكان بين تلك الدعوات دعوة (عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب) التي قمعها العباسيون بمعركة فخ عام 169 هـ بمكة المكرمة وعلى إثرها غادر أحد أبناء (عبد الله بن الحسن المثنى ) هاربًا إلى مصر ومنها إلى المغرب الأقصى بعيدًا عن عيون الحاكم العباسي الرابع موسى الهادي(169-170هـ ) فهرب يحيى الى طبرستان وهرب أخوه ادريس الى المغرب العربي مدينة القيروان مع راشد البربري ثم ذهبا الى مدينة طنجة ثم الى مدينة وليلي , وهناك نشرا المذهب الشيعي – الزيدي بين البربر.
وفي عام172 هـ اصبح امير عليهم مما اثار حفيظة الخليفة العباسي في بغداد (هارون الرشيد ) فأوصل السم اليه وقتله ليستلم الحكم بعده أبنه (ادريس الثاني ) وعمره 11 سنة أنذاك , وقد واجهت هذه الدولة دولتين هي الدولة الاموية في الاندلس والدولة الفاطمية الناشئة في المغرب .
لذلك شهد عهد الخليفة العباسي (هارون الرشيد 170- 193هـ ) حركتين شيعيتين قام بهما أخوان هما – إدريس ويحيى – ابناء (عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب). فقد قام يحيى بحركته في المشرق الإسلامي (بلاد الديلم – إيران) بينما ثارت حركة أخوه إدريس في بلاد المغرب الإسلامي. والإخوان هما شقيقا محمد النفس الزكية وإبراهيم اللذان أعلنا ثورتهما على عهد الخليفة العباسي الثاني ( أبو جعفرالمنصور136-158هـ)، وسالت دماؤهما في المدينة المنورة ببلاد الحجاز والبصرة جنوب العراق.
الشاب إدريس الهارب من بطش العباسيين تمكن من تأسيس أول دولة علويّة في التاريخ وهي دولة الأدارسة في المغرب الأقصى ولقب بـ”إدريس الأول”، وتعتبر هذه الدولة ثاني دولة مستقلة عن الخلافة العباسية بعد الدولة الأموية في المغرب، واعتمد على حب أهل المغرب لآل البيت في نشأة دولته، حيث تنازل له أمير أوربة عن الملك بعد أشهر من وصوله سنة 172هجرية، واستطاع خلال سنتين أن يوحد المغرب ويجمع شمله.
في عام 350 هـ ارسل (المعز لدين الله الفاطمي) () قائده للقضاء على الدولة الادريسية , وهرب امير الادارسة الى الاندلس ليستنجد بالأمويين ضد الفاطميين فأعادوه الى الحكم ,لكنه انقلب عليهم ووالى الحاكم الفاطمي في مصر مما اضطر الأمويون الى احتلال المغرب والقضاء على الادارسة واسقاط مدينة فاس سنة 375 هـ
وتنتهي بذلك أول دولة علويّة هاشمية في التاريخ الإسلامي، لكنها تركت أثرًا عظيمًا قائمًا إلى اليوم بتأسيسها لأحد أهم مدن المغرب وهي – مدينة فاس – التي اعتبرت مركزًا رديفًا لقرطبة الأندلسية في نشر الثقافة والعلوم وما زالت قائمة إلى اليوم كثاني أكبر مدن المغرب, وبفضل الأدارسة انتشر الإسلام في هذه المنطقة، التي لم يكن يستقر قدم الدين فيها، وقد بلغ كل مكان.
لقد عاصرت هذه الدولة 19 خليفة عباسي بدءاً من هارون الرشيد (170- 193هـ ) الخليفة الخامس العباسي حتى الخليفة العباسي الثالث والعشرون المطيع لله ( 334- 363 هـ ).
تفرعت عن الأدارسة سلالات عديدة حكمت بلدانا إسلامية عدة, أولها كان بنو حمود العلويون الذين حكموا في الجزيرة ومالقة (الأندلس), كما تولوا لبعض الوقت أمور الخلافة في قرطبة , ومن أحفاد الأدارسة الحموديون، منهم عالم الجغرافيا أبي عبد الله المعروف بالشريف الإدريسي، وهناك فرع آخر من الأدارسة حكم جزءا من منطقة جازان في السعودية بين سنوات ( 1830-1943 م) , وكان آخر فروعهم السنوسيين حكام ليبيا والجبل الأخضر( 1950- 1969م).
وقد عرفت السنوسية منذ بدء الحركة حتى نهايتها أربعة زعماء وقادة مصلحين تولوا أمورها ونشروا تعليمها، وهم: السيد (محمد بن علي السنوسي ) مؤسس الحركة، وابنه السيد المهدي، والسيد أحمد الشريف، أما الرابع فهو إدريس السنوسي.
إدريس بن السيد المهدي ابن محمد السنوسي (20 رجب 1307هـ/12 مارس 1890م – 25 مايو 1983) كان هو أول ملك يحكم ليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا و قوات الحلفاء في 24 ديسمبر 1951 وحتى 1969, كان من العائلة السنوسية، حيث كَانَ حفيدَ محمد بن علي السنوسي، مؤسس طائفةِ السنوسية . وَرثَ موقعَ جَدِّه.
قام الجيشِ الليبيِ بزعامة الضابط (معمر القذافي 1942- 2011م ) () في انقلاب أبيض في 1 أيلول 1969م ، بينما كان إدريس َفي تركيا للمعالجةِ الطبيةِ. ذَهبَ إدريس إلى مصر، وماتَ في القاهرة في عام/ 1983م .

ثانياً : دولة القرامطة الإسماعيلية 285-470 هـ
تنسب القرامطة إلى مؤسسها (حمدان بن الأشعث ) الملقب بقرمط وهم فرقة دينية باطنية، تستند في مبدئها الأساسي إلى أن لكل ظاهر باطن، فآيات القرآن لها ظاهر ولها باطن ولا يعرف هذا الباطن إلا الإمام العلوي, والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى الدولة القرمطية التي انشقت عن الدولة الفاطمية، وقامت إثر ثورة اجتماعية وأخذت طابعا دينيا، وكان مقر دولتهم بمحافظة الأحساء الحالية في شرق الجزيرة العربية.
يعتقد الكثير من المؤرخين أن القرامطة هي حركة باطنية ، تنتسب إلى شخص اسمه (حمدان بن الأشعث) ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من عربستان في الأحواز ثم رحل إلى الكوفة، وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى) محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق).
] وزعموا أنّ النبيّ (ص) انقطعت عنه الرسالة في حياته ، في اليوم الذي أُمر فيه بتنصيب علي بن أبي طالب (عليه السّلام) للناس بغدير خم ، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في علي بن أبي طالب ، واعتلّوا في ذلك بقول رسول اللّه (ص) : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » وانّ هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوّة ، وتسليم منه في ذلك لعلي بن أبي طالب ، بأمر اللّه عزّ وجلّ وانّ النبيّ (ص) بعد ذلك كان مأموماً لعليّ ، محجوج به ، فلمّا مضى عليٌّ صارت الاِمامة في الحسن ، كما صارت من الحسن في الحسين ثمّ في علي بن الحسين ، ثم في محمد بن علي ، ثمّ كانت في جعفر بن محمد ، ثم انقطعت عن جعفر في حياته ، فصارت في ( إسماعيل بن جعفر الصادق ) () .
كما انقطعت الرسالة عن محمد (ص) في حياته ، ثمّ إنّ اللّه عزّ وجلّ بدا له في إمامة جعفر ، وإسماعيل ، فصيّرها في (محمد بن إسماعيل) ، و زعموا أنّ محمد بن إسماعيل حيٌّ ، لم يمت ، وأنّه في بلاد الروم ، وأنّه القائم المهدي ، ومعنى القائم عندهم ، انّه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة ، ينسخ بها شريعة محمد ، وانّ محمد بن إسماعيل من أولي العزم ، وأولي العزم عندهم سبعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد (ص) وعلي (عليه السّلام) ، ومحمد بن إسماعيل[ .
والقرامطة : هم في الأصل شيعة إسماعيلية منشقين عن الحركة الإسماعيلية، واعتقدوا بعودة الإمام (محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ) في صورة المهدى المنتظر، وظنوا بأن الإمام (عبيد الله المهدى) خدعهم، فأوقفوا الدعوة له، وعارضوا مسألة العصمة، وكان القرامطة يبيحون سفك دماء خصومهم، فأثاروا الرعب والإرهاب في البصرة والأحواز خلال ثورة الزنج.
وفي العام 317هـ، أفتى كثير من العلماء ببطلان الحج, حماية للأنفس والأعراض، حتى جاءت الطامة الكبرى في العام نفسه، فقرر( أبو طاهر القرمطى) عدم الاكتفاء بقطع طريق الحجاج، إنما مهاجمة مدينة مكة المكرمة ذاتها، وحينما خرج والي مكة، ابن محلب، مع عدد من أعيانها للقاء القرمطي وجيشه، والطلب منهم الابتعاد عن المدينة المقدسة، عاجلهم جنود القرمطي بالسيف فقتلهم جميعاً.
ثم اتجه القرمطى إلى المسجد الحرام فدخله بعساكره، وراحوا يقتلون الناس داخل الحرم وفى طرقات وشوارع مكة المكرمة حتى امتلأ البلد الحرام بالجثث، ولم يكتفِ القرمطى بهذا، بل نزع عن الكعبة ستارها وقلع بابها وأخذه، واقتلع الحجر الأسود وأخذه معه أيضاً.
وظل الحجر الأسود في حوزة القرامطة نحو عشرين سنة، بلغوا فيها أوج قوتهم، فقد ضموا إليهم بلاد عُمان وهاجموا الكوفة والبصرة مراراً.
ولم يستطع العباسيون على فعل شيء أمام جرائم القرامطة، وقرروا عقد الصلح معهم مقابل دفع فدية سنوية هائلة تقدر بـ 120 ألف دينار ذهبي، وفي العام 337هـ وبعد وساطة شاقة، ودفع أموال هائلة، تسلم العباسيون الحجر الأسود وأرجعوه إلى مكانه مرة أخرى.
وفي منتصف القرن الخامس، استطاع العوينيون وبعض القبائل العربية الموالية للعباسيين والسلاجقة هزيمة القرامطة ودحرهم عن إقليم الأحساء والبحرين، بعد ما يقرب من قرنين، استباح فيهما القرامطة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.

وفي عام 931 م سلم (أبو طاهر الجنابي) – وهو قائد القرامطة في البحرين- زمام الدولة في البحرين إلى شاب فارسي كان قد رأى فيه المهدي المنتظر. لكن ثبت ان ذلك القرار كان مدمرا بالنسبة للحركة القرمطية فقد أقدم ذلك الشاب على اعدام بعض أعيان دولة البحرين حتى وصل الامر إلى سب محمد والانبياء الاخرين الامر الذي هز القرامطة والمجتمع الإسلامي ككل مما أضطر أبو طاهر بالاعتراف انه قد خدع وان هذا الشخص دجال وامر بقتله.

اما عن نهاية دولة القرامطة فقد مرت نهايتهم بمرحلتين :
الاَولــــــــى :
يوم طردوا من جزيرة أوال في البحرين, ففي سنة 458 هـ خرجت الجزيرة المذكورة عن طاعتهم ووالت العباسيين بعد سلسلة الحروب الداخلية التي خاضها المسلمون والمجاعة في هذه الجزيرة ، فقد بنى أهل البحرين مسجداً لجذب التجار إلى جزيرتهم ، ولمّا فرغوا من بناء هذا المسجد آل أمر الجزيرة إلى بني العباس مرة أخرى مثلما كان سابقاً.
الثانيــــــــــة :
كانت هزيمة القرامطة في جزيرة أوال ذات أثر سلبي كبير عليهم ، إذ عمد سكان الجزيرة إلى الاتصال بالسلاجقة والعباسيين في العراق .. وفي سنة 462 هـ بعثت بغداد بجيوش ألحقت الهزيمة تلو الهزيمة بالقرامطة ، فاضطروا للارتداد إلى الاَحساء ، فلحقت بهم إلى الاَحساء وحرضوا عليهم السكان بالمنشورات التي يستحثونهم فيها على الانضواء تحت لواء العباسيين في جهاد المبطلين القرامطة الملحدين ، وفي استئصال ذكرهم ، فاستجاب أهالي البلاد لهذه الاِثارة وانضموا إلى العساكر العباسيّة ، وأصبح القرامطة محاطين بأعدائهم في شمالي الاَحساء الذين انتصروا عليهم في معركة الخندق سنة 470هـ.
وتعد هذه الواقعة من الوقائع الحاسمة في تاريخ الحركة القرمطية ، لأنها قضت على دولة القرامطة وألغت وجودها نهائياً من خارطة العالم العربي و الاِسلامي .

ثالثاً : الدولة الحمدانيــة في الموصل وحلب 293-406 هـ
يرجع نسب الحمدانيين إلى (حمدان بن حمدون التغلبي) () وكان حمدان أميراً على ماردين في الموصل وقد خاض الكثير من الحروب مع الروم حرر فيها الكثير من المدن من أيديهم , كما توغل خلالها إلى الكثير من أراضيهم وكان له الفضل في بنائها وحمايتها وتحصينها، ومن أبرز آثاره السور العظيم الذي بناه على مدينة (ملطية). وكان حمدان يطمح إلى الاستقلال بالموصل وفصلها عن الخلافة العباسية.
1- الدولة الحمدانية في الموصل 293- 380هـ
ان عبد الله بن حمدان الملقب (أبو الهيجاء ) قد تولّى الموصل في عهد الخليفة العباسي السابع عشر (المكتفي بالله289-295هـ) لأول مرة عام (293 هـ)، وقد عدّ بعض المؤرخين أن ولايته تلك هي بداية الدولة الحمدانية ,وليس عام (317هـ ) حيث لم تخرج الموصل منذ تلك السنة عن أيدي بني حمدان.
كان أبو الهيجاء أنذاك يخطط للثورة على الحكم العباسي وإسقاطه وخلع الخليفة العباسي الثامن عشر (المقتدر بالله 295- 320هـ ) وكانت له عدة محاولات باءت بالفشل فكان في كل مرة يُلقى به في السجن وكان آخرها عام (317 هـ) حيث تم قتله على يد المقتدر بالله .
وبعد مقتل أبي الهيجاء تولّى ابنه الحسن بن عبد الله بن حمدان (ناصر الدولة) إمارة الموصل بأمر من الخليفة العبَّاسي المقتدر.
كان بنو حمدان عموماً يفضّلون الموصل لأن أهلها من العرب الموالين لهم مثل ديار ربيعة وبكر ومضر، ولأن الموصل كانت غنية بصادراتها يقول المقدسي: (وهي ـ أي الموصل ـ غنية بخيراتها حتى أن ميرة بغداد كانت منها).
وكان (ناصرُ الدولة) صاحب طُموحٍ سياسيٍّ واسع، فراح مُنذ أن تولَّى تلك المنطقة من الجزيرة الفُراتيَّة يسعى حثيثًا لِتكوين إمارة خاصَّة به، فاستعان بِالقُوَّة العسكريَّة في سبيل تحقيق رغبته وسيطر على عددٍ من بلاد شمال العراق، ثُمَّ طلب الأمان من الخليفة والاعتراف بِسُلطته على المناطق التي فتحها، فوافق الخليفة على طلبه وقلَّدهُ حُكم تلك البلاد مُقابل مبلغٍ من المال يدفعه وفق نظام الضمان.
ولم يخل له الجو حتى سنة (323 هـ) بعد أن قضى (ناصر الدولة ) على كل المنافسين له وتعتبر تلك السنة في نظر البعض الآخر من المؤرخين هي البداية الفعلية للدولة الحمدانية في الموصل.
وما لبث (ناصر الدولة ) أن عمل على تدعيم سُلطته وتقوية نُفوذه في شمال العراق، فأجرى عدَّة إصلاحات اقتصاديَّة أدَّت إلى انتعاش إمارته وزيادة ثروته وأتباعه، ثُمَّ استبدَّ بِالسُلطة واستأثر بِالمداخيل، ووقفت الخِلافة عاجزة عن التصدي له.
ولمَّا استولى البُويهيُّون على الحُكم في بغداد (334-447هـ )، وتسلَّطوا على الخِلافة، أجبروا الحمدانيين على الانكماش في الموصل، ودفع الجزية لِمُعز الدولة البُويهي, أمَّا (سيف الدولة)، أخو (ناصر الدولة)، فقد غادر الموصل وتوجَّه إلى شمالي الشَّام، حيثُ انتزع مدينة حلب وضواحيها من أيدي الإخشيديين سنة 944م.
لم يطل الأمر في بغداد بيد الأتراك فبعد أن غادرها (ناصر الدولة) ورجوع وظيفة (أمير الأمراء) بيد (توزون) التركي وعودة نفوذ الأتراك، فلم يلبثوا طويلاً حتى داهمها البويهيون سنة (334 هـ) لتقع بغداد في أيديهم، وما إن يستقر (معز الدولة البويهي) في بغداد ويوزّع الإمارات في البلاد على أخوته وأعوانه حتى يسير بجيش كبير إلى الموصل للقضاء على الدولة الحمدانية وضمّها إلى حكومته في بغداد.
يسمع (ناصر الدولة) بخروج البويهيين لقتاله فيخرج بدوره لملاقاتهم، ولكن الجيشين لا يلتقيان ولا يتحاربان ولم تسقط منهما قطرة دم واحدة !! فقد حدث بينهما ما يشبه الأسطورة التي لا تحدث أبداً في التاريخ السياسي، فلم يكن الأميران البويهي والحمداني يريدان قتال بعضهما واستيلاء أحدهما على دولة الآخر، بل كانا يسعيان إلى إنهاء دور الخلافة العباسية من الوجود والعمل المشترك على دعم بعضهما، فقد سار معز الدولة من بغداد حتى دخل الموصل دون أن يجد أي مواجهة ضده، وسار ناصر الدولة من الموصل حتى دخل بغداد فقطع الخطبة للخليفة العباسي الرابع والعشرون ( المطيع لله 334-363) ثم تصالحا وعاد كل منهما إلى بلاده.
وبغض النظر عما كانت هذه الحادثة عن الاتفاق المسبق أم إنها جاءت في وقتها فإن هاتين الدولتين الشيعيتين قد رفضتا الحرب وآثرتا الصلح والتراضي وأن يعم السلام فيما بينها، ولكن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن الدولة الحمدانية ولم تسر كما أراد وخطط لها (ناصر الدولة)، فلم تلبث الانشقاقات والصراعات أن دبت بين أفراد الأسرة الحمدانية وخاصة بين أبناء ناصر الدولة.
كان لناصر الدولة أكثر من ولد، اشتهروا بما اشتهر به ذووهم من جرأة و مغامرة، و كان واحد من هؤلاء و يدعى (أبا تغلب ) قد عرض على أبيه، ان ينتهز فرصة موت – معز الدولة البويهي – ، فينطلق إلى بغداد للثأر من ابنه -عز الدولة بختيار البويهي – () ، الذي كثيراً ما قام أبوه يشن الحرب على (ناصر الدولة)، و لكن ناصر الدولة صاحب التجربة و منشئ المملكة، لا يقر ابنه على هذا الرأي، فيقبض الولد على أبيه و يودعه السجن، و يبدأ هو بنفسه مزاولة الحكم، وفي تلك الأثناء يطير الخبر إلى (حمدان بن ناصر الدولة) ، و أخي أبي تغلب، حيث كانت ولايته في الرحبة، فيهب لإنقاذ أبيه من أخيه العاق، و تجري بين الأخوين معارك شديدة تضعف بسببها منعة الدولة الحمدانية التي دعمها الشيخ السجين, الذي مات في سجنه سنة 358هـ.
و يظل الخلاف على أشده بين الأخوين, ثم لا يلبث أن تمتد آثاره لتشمل بقية الأخوة من أبناء (ناصر الدولة)، مما يشجع الروم البيزنطيين على الاعتداء على أعمال الموصل أكثر من مرة فينتصرون مرة و ينهزمون أخرى.
و يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى فيزحف (عز الدولة بختيار البويهي) إلى الموصل و معه حمدان و إبراهيم أخوا أبي تغلب إلى بغداد و يدخل كل منهما بلد الآخر تماما كما حدث بين أبويهما قبل ذلك بتسع و عشرين سنة.
و يدوم الخلاف بينهما مدة لا يلبثان بعدها أن يتصالحا لما بينهما من علاقة النسب فلقد كان أبو تغلب متزوجاً من ابنة (عز الدولة بختيار البويهي) .
و تلعب يد الأقدار دورها فيغير (عضد الدولة البويهي ) () على بغداد و يقتل بختيار ويواصل زحفه إلى الموصل، فيهرب منها أبو تغلب، و لا يزال – عضد الدولة – يطارده من بلد إلى بلد، و يظل شريداً يضرب في آفاق الأرض حتى يأسره بعض رجال الفاطميين في الرملة بفلسطين.
و ضربت رأسه و أرسلت إلى مصر، و بذلك انتهت دولة الحمدانيين في الموصل مبكرة على غير توقع و كان ذلك سنة 367هـ, وقد دامت الدولة الحمدانية في الموصل لمدة نصف قرن وحكمها أربعة من الأمراء هم :
أ- ناصر الدولة / الحسن بن عبد الله بن حمدان (317هـ/ 929م).
ب- عضد الدولة / أبو تغلب بن الحسن (358- 369هـ/ 968- 979م).
ج- أبو طاهر إبراهيم بن الحسن (371هـ/ 981م).
د- أبو عبد الله الحسين بن الحسن (380هـ/ 991م).
2- الدولة الحمدانية في حلب 333-406 هـ
في تلك الأثناء التي دب الصراع بين الحمدانيين في الموصل كان بطل الحمدانيين (سيف الدولة ) يؤسس دولته في حلب , وقد بنى دولة منيعة مترامية الأطراف لصد هجوم الروم، وكانت هذه الدولة تضم إضافة إلى حلب حمص وجند قنسرين والثغور والشامية والجزيرة وديار بكر وديار مضر والجزيرة، وقد أسس جيشاً قوياً لمواجهة الروم الذين كانوا يحاولون السيطرة على بلاد المشرق العربي بعد انهيار الخلافة العباسية، فكانت مهمته صعبة جداً وخطرة وهو يواجه جيوش الروم الكبيرة والجرارة، ولكنه كان من نوع الرجال الذين لا يلين أمام الصعاب مهما بلغت خطورتها، وإضافة إلى الروم فقد كان عليه أن يدفع عدواً آخر تمثل في الإخشيد الذي حاول مراراً وتكراراً الاستيلاء على حلب.
وحاول (سيف الدولة ) أن يُوسِّع مساحة دولته باتجاه الجنوب، فاستولى على حِمص، ولكنَّهُ لم يستطع انتزاع دمشق من الإخشيديين. وقد ذاعت شُهرة (سيف الدولة ) في التاريخين العربي والإسلامي بسبب نضاله ضدَّ الروم البيزنطيين الذين كانوا قد أرهقوا قادة العبَّاسيين بِغاراتهم على شمالي الشَّام، كما تعود إلى تشجيعه الأُدباء والعُلماء، والأشعار البُطوليَّة والملحميَّة التي نُظمت في عهده.
دامت دولة الحمدانيين في الموصل وحلب 77 سنة، منها 59 سنة في حلب وحدها التي شهدت عصر الدولة الحمدانيَّة الذهبي، وذلك في عهد مؤسس الإمارة الحلبيَّة (سيف الدولة), وورث الدولة الحمدانيَّة، بعد وفاة (سيف الدولة )، كُلٌ من ابنه (سعد الدولة)، ثُمَّ حفيده (سعيد الدولة), وبعد سنة 969م خلفت الدولة الفاطميَّة في مصر الدولة الإخشيديَّة، وبسط الفاطميُّون حُكمهم على فلسطين ودمشق ولُبنان، وحاولوا أن يمُدُّوا هذا الحُكم إلى الشَّام الشماليَّة، ولكنَّ (سعد الدولة) وقف في وجه الجيش الفاطمي، فلم يخسر إلَّا حِمص التي انضمَّ واليها الحمداني إلى الفاطميين.
ولمَّا خلف (سعيد الدولة) أباه (سعد الدولة)، أرسل الفاطميُّون جيشًا كبيرًا لِمُعاودة الكرَّة على البلاد الحمدانيَّة، فلم يكن من (سعيد الدولة) إلَّا أن استنجد بِالبيزنطيين الذين أرسلوا إليه قُوَّة عسكريَّة كبيرة، ولكنَّها هُزمت على يد الفاطميين الذين ضربوا الحصار على حلب مُدَّةً طويلةً دون أن تستسلم. استمرَّت الإمارة الحمدانيَّة قائمة إلى أن تُوفي (سعيد الدولة) سنة 1003م، فانقضَّ الفاطميُّون على حلب ودخلوها فاتحين، لِتزول بِذلك الدولة الحمدانيَّة في الشَّام، بعد أن كانت قد زالت في الموصل قبلًا وعادت إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة الواقعة تحت الحماية البويهيَّة.
ان مجتمع حلب أكثره على مذهب أبي حنيفة النعمان، و بعضه الآخر كان شافعي المذهب، و لكن ما يلبث الحمدانيون ان يمتلكوا حلب و كانوا شيعة أمامية، فحافظ المجتمع في أول الأمر على عقيدته السنية ثم غلب التشيع على حلب و غيرها، مع بقاء الكثير من السنيين.
على الرغم من أن الحمدانيين كانوا من الشيعة الإثني عشرية، إلا أنهم لم يرغموا الناس على اتباع مذهبهم ولم يكرهوهم عليه ولم يحكموا بسياسة طائفية، فقد كانت سياسة الحمدانيين في حلب غاية في التسامح المذهبي والحرية الدينية، فكان أكثر أهل حلب من الحنفية والشافعية ولم يغير هؤلاء الناس مذهبهم بعد دخول الحمدانيين حلب وحافظوا عليها ثم ساد التشيع واعتنقه أغلب الناس.
كما لم يحدث في مجتمع حلب أي مشاحنات أو مصادمات بين الشيعة والسنة بل لا تجد أي نعرات طائفية أو أي أحد ممن يثيرها فقد كان مجتمعا خالياً من أي نوع من أنواع التعصب المذهبي، ومما يدل على نزوع الحمدانيين إلى الحرية الفكرية والدينية أن تولى منصب القضاء في حلب القاضي أحمد بن إسحاق الملقب بـ (أبي الجود) وكان حنفي المذهب.
وقد زخرت حلب بالعلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء وأعلام العصر، يقول محمد راغب الطباخ: (اجتمع له ــ أي سيف الدولة ــ ما لم يجتمع لغيره من الملوك فكان خطيبه ابن نباتة الفارقي، ومعلمه ابن خالويه، و خزّان كتبه الخالديان والصنوبري، وشعراؤه المتنبي وكشاجم والسلامي والوأواء الدمشقي والببغاء والنامي وابن نباتة السعدي وغيرهم).
وإضافة إلى هؤلاء فقد ضمت ندوته العلمية والفكرية التي كان يعقدها في قصره كبار علماء اللغة والتاريخ في التاريخ الإسلامي أبرزهم: (أبو بكر الخوارزمي) شيخ أدباء نيسابور , ومن علماء اللغة الكبار والأدباء التي ضمتهم ندوة سيف الدولة وأبدعوا في ظل دولته الشاعر والعالم واللغوي والناقد الكبير (أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني) صاحب كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، والعالم اللغوي الكبير (أبو الفتح ابن جني)، و(أبو علي الفارسي). و(ابن خالويه)، و(أبو على الحسين بن أحمد الفارسي)، و(عبد الواحد بن علي الحلبي) المعروف بـ(أبي الطيب اللغوي)، ومن الأدباء الكبار الذين برزوا في حلب (أبو الفرج الأصفهاني) صاحب كتاب (الأغاني) الذي أهداه إلى سيف الدولة، و(ابن نباتة)، ومن الجغرافيين، (ابن حوقل الموصلي) صاحب كتاب (المسالك والممالك)
ومن أبرز من ضمتهم هذه الندوة من الشعراء أعظم شاعر عرفته العربية على مدى تاريخها الطويل وهو (أبو الطيب المتنبي) الذي كتب خلال السنوات التسع التي قضاها في البلاط الحمداني قصيدة في مدح سيف الدولة من غرر قصائده.
كما ضمّت ندوته ــ إضافة إلى المتنبي ــ الشاعر الفارس (أبي فراس الحمداني) الذي أسره الروم في إحدى المعارك ومات في الأسر، كما عاش في ظل دولة (سيف الدولة ) أشهر خطاط عرفه التاريخ الإسلامي وكان الخطاط الخاص به ويصحب مخطوطاته أينما رحل وهو عبد الله بن مقله المعروف بـ (ابن مقلة) وهو أخو الوزير أبي علي محمد بن علي.
وظهر في عصر (سيف الدولة) أشهر الأطباء الذين عرفهم التاريخ الإسلامي مثل (عيسى الرَّقي) المعروف بـ (التفليسي)، و(أبو الحسين بن كشكرايا)، و(أبو بكر محمد بن زكريا الرازي) الذي يعد من أعظم أطباء الإسلام وأكثرهم شهرة وإنتاجاً، ومن الفلكيين والرياضيين: (أبو القاسم الرَّقي) (والمجتبى الإنطاكي) و(ديونيسيوس) و(قيس الماروني).
ومن أبرز الفلاسفة والمنطقيين الذين زخرت بهم حلب والذين أثروا الساحة الإسلامية بعلومهم الفيلسوف (أبو نصر الفارابي) ـ المعلم الثاني ـ ، و(ابن سينا) وغيرهم.
كما اشتهرت حلب بالفقه الشيعي وتشيَّعَ أهلها كلهم حيث أدّت جهود (سيف الدولة) النشطة لرعاية العلم والثقافة إلى نشر الفكر الشيعي وبقي التشيّع سائداً في حلب حتى بعد زوال الدولة الحمدانية وبقي متغلغلاً في نفوسهم، وتدلنا على ذلك رسالة ابن بطلان الطبيب البغدادي وفيها يذكر فيها ما رآه في سفره إلى حلب فيقول من ضمنها: (والفقهاء فيها يفتون على مذهب الإمامية)، وقد أورد هذه الرسالة ابن القفطي وياقوت الحموي.
وقال ابن جبير في رحلته يصف حلب التي زارها سنة (٥٨٠ هـ ــ 1184 م): (للشيعة في هذه البلاد أُمور عجيبة، وهم أكثر من السنيين بها، وقد عمّوا البلاد بمذاهبهم).
وذكر ابن كثير في تاريخه: (كان مذهب الرفض فيها في أيام سلطنة الأمير سيف الدولة بن حمدان رائجاً رواجاً تاماً).
يذكر ابن كثير: ( أنه لما فرغ بال صلاح الدين الأيوبي من مهمات ولاية مصر توجه نحو بلاد الشام ثم جاء إلى حلب ونزل في ظاهرها فاضطرب والي حلب وطلب أهلها إلى ميدان باب العراق وأظهر لهم المحبة واللين وبكى كثيراً ورغبهم في قتال صلاح الدين وتعهد لهم بكل ما يلزم، وشرط الروافض عليه شروطاً وهي: إعادة الآذان بحي على خير العمل وأن يقولوها في مساجدهم وأسواقهم، وأن يكون لهم جامع الجانب الشرقي الذي هو الجامع الأعظم، وأن ينادوا بأسماء الأئمة الاثني عشر أمام الجنائز ويكبروا على الجنازة خمس تكبيرات، وأن يكون أمر عقودهم وأنكحتهم مفوّضاً إلى الشريفين أبي الطاهر وأبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني اللذين هما مقتدى شيعة حلب، فقبل الوالي جميع ذلك وأذنوا في تمام البلد بحي على خير العمل)‌.
نقل السيد محسن الأمين عن كامل البالي الحلبي الغزي قوله: (لم يزل الشيعة بعد عهد سيف الدولة في تصلّبهم حتى حل عصبتهم وأبطل أعمالهم نور الدين زنكي سنة (543هـ) ومن ذلك الوقت ضعف أمرهم غير أنهم ما برحوا يجاهرون بمعتقداتهم إلى حدود (600هـ) فأخفوها).
ونور الدين زنكي هذا هو من سلالة السلاجقة الأتراك وهو الذي مهّد لرفيقه صلاح الدين الأيوبي حربه على الشيعة.
ثم يذكر البالي: (أن مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده فتك بهم في حدود الألف فاخفوا أمرهم).
ويقول السيد حسن الأمين: (وبالجملة سبب انقراض الشيعة من حلب هو ظلم الملوك وجورهم وتعصّب العامة وابتداؤه أوائل القرن السادس وشدّته في القرن السابع وتناهيه في أوائل القرن العاشر، ولكن العادة قاضية أنه لا بد أن يكون بقي فيها جماعات من الشيعة تحت ستر الخوف والتقية فإما أنهم بقوا على تشيّعهم حتى اليوم مستترين أو أخرجهم عن التشيّع تعاقب السنين).
وقد جرى للشيعة في حلب من المجازر والكوارث ما يفوق التصور على يد الأيوبيين والعثمانيين مما أدى إلى انحسار التشيع فيها، يقول محمد كرد علي: (كان أهل حلب سنة حنفية، حتى قدم الشريف أبو إبراهيم الممدوح ـ في عهد سيف الدولة ـ فصار فيها شيعة وشافعية، وأتى صلاح الدين، وخلفاؤه فأتى فيها على التشيّع، كما أتى عليه في مصر، وكان المؤذن في جوامع حلب الشهباء يؤذّن بحيّ على خير العمل، وحاول السلجوقيون مرات، القضاء على التشيّع، فلم يوفَّقوا إلى ذلك، وكان حكم بني حمدان وهم شيعة، من جملة الاَسباب الداعية إلى تأصل التشيّع في الشمال، ولا يزال على حائط صحن المدفن الذي في سفح جبل «جوشن» بظاهر حلب ذكر الاَئمّة الاثني عشر، وقد خرب الآن) .
وقد دخل صلاح الدين الأيوبي إلى حلب عام ( 579 هـ) وفرض التسنّن وعقيدة الأشعري على الناس وعمل جاهداً على محو أي أثر للشيعة وأمر بقتلهم وإبادتهم كما فعل بمصر يقول الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي (فقد غال الاَيوبيّون في القضاء على كلّ أثر للشيعة).
ويؤكد هذا القول الدكتور فيصل السامر حيث يقول: ( لعل أهمية الدولة الحمدانية (في حلب) لا يكمن في كونها مجرد دولة مستقلة من تلك الدويلات الكثيرة التي ظهرت أبان ضعف السلطة المركزية وضياع هيبة الخلفاء العباسيين فحسب، ولا مجرد كونها مركزاً هاماً من مراكز الاشعاع الثقافي والجذب الفكري في تلك الحقبة الزاهرة حضارياً من تاريخ الدولة العربية الإسلامية، بل لكونها إحدى الدويلات العربية القلائل التي قامت على حساب الخلافة العباسية ولأنها وقفت سداً منيعاً في وجه الغزو البيزنطي الذي كان يستهدف بيت المقدس).
لم تقتصر حروب (سيف الدولة) مع الروم فقط، بل خاض العديد من الحروب مع البريديين تحت قيادة أخيه عندما هاجموا بغداد، وكان أعظم هذه المعارك هي قرب المدائن والتي قضى فيها على البريديين قضاءً مبرماً في معركة طاحنة استطاع فيها أن يأسر عدداً كبيراً من قوّادهم وطاردهم حتى واسط التي عسكروا بها، ثم يتأهب لملاحقتهم والقضاء عليهم نهائياً في عقر دارهم في البصرة، ولكنه يستشعر الخيانة من بعض جنوده فيقفل راجعاً إلى بغداد في جنح الليل، كما كان لسيف الدولة معارك دامية وطويلة مع الإخشيديين وهو يدافع عن دولته وإرساء دعائمها.
توفي هذا البطل عام (356 هـ / 967 م) عن (55) عاماً في حلب بعلة الفالج، ونقل جثمانه إلى ميافارقين مسقط رأسه حيث دفن فيها، عاش (سيف الدولة) وسط سوح الوغى وصليل السيوف ونقع الحرب حتى قيل إنه أوصى أن يجمع ما تعلق بثيابه من غبار الحروب التي خاضها في سبيل الله وتصنع منها لبنة توضع تحت رأسه في قبره، وتطوى بذلك صفحة مشرقة من أروع صفحات الجهاد والبطولة في التاريخ الإسلامي.
بعد وفاة (سيف الدولة ) أصاب دولته ما أصاب الدولة الحمدانية في الموصل من الصراعات والانشقاقات التي أدت إلى ضعف الدولة وتمزقها بالحروب الداخلية بين أبناء البيت الحمداني، ولم يتمكن خلفاء سيف الدولة من مقاومة الفاطميين الذين استولوا على حلب سنة (406 هـ / 1003 م) ليعلنوا سقوط الدولة الحمدانية.
وكانت بداية وصول (سيف الدولة ) إلى حلب عام (333 هـ) وهي بداية الدولة الحمدانية في حلب التي انتهت عام (406 هـ) وقد دامت دولتهم لمدة (73) سنة وقد حكم فيها خمسة من الأمراء هم :
1 ـ علي بن عبد الله بن حمدان (سيف الدولة).
2 ـ شريف بن علـــــــــــــــــي (سعد الدولة) .
3 ـ أبو الفضائل بن أبي المعالي (سعيد الدولة).
4 ـ أبو الحسن علي
5 ـ أبو المعالي شريف

 

 

ثالثاً : الدولة الفاطمية الإسماعيلية (296هـ – 567هـ)
نشأت الدولة الفاطمية “العبيدية” على يد مؤسسها (عيد الله المهدي ) المنصب لاحقًا كأول خليفة شيعي ينازع بغداد الخلافة الذي اختلف تاريخيًا بصحة نسبه إلى الإمام (علي بن أبي طالب) وزوجته فاطمة الزهراء، حيث يُرجِع الفاطميون نسبهم إلى (مُحمَّد بن إسماعيل بن جعفر الصَّادق) حفيد (الحسين بن علي بن أبي طالب)، بالمُقابل أنكر عليهم العباسيون والأمويون وعدد من كتاب التاريخ والنسابة هذا النسب، وأرجعت أصل (عُبيد الله المهدي) إلى الفُرس وتحديدًا إلى أحد أشهر دعاة الإسماعيلية (عبد الله بن ميمون القدْاح) وتأتي أهمية النسب ومركزيته في تاريخ الدولة لكونه أساس دعوة الفاطميين بأحقيتهم في الخلافة كونهم من أبناء (علي بن أبي طالب) وأولاد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نشأت هذه الدولة في عهد الخليفة العباسي السادس عشر المعتضد بالله (279- 289هـ ) , لتنتهي في عهد الخليفة العباسي الثالث والثلاثين المستضيء بالله (566-575 هـ ) .
الشيعة في المغرب :
أما ظهور الشيعة وتغلبهم وارتفاع شأنهم حقيقة فالفضل فيه للدولة الفاطمية، نسبة إلى فاطمة بنت النبي ﷺ؛ لأن أصحابها ينتسبون إليها، وتسمى أيضًا الدولة العبيدية نسبة إلى مؤسسها عبيد الله المهدي. وكان شأن الشيعة قد بدأ بالظهور في المشرق على يد بني بويه في أواسط القرن الرابع للهجرة.
ولما سيطر البويهيون على بغداد كانت الدولة الفاطمية قد اشتد ساعدها في المغرب وهمت بفتح مصر. وكان آل بويه يغالون في التشيع، ويعتقدون أن العباسيين قد غصبوا الخلافة من مستحقيها، فأشار بعضهم على (معز الدولة البويهي) أن ينقل الخلافة إلى العبيديين أو لغيرهم من العلويين، فاعترض عليه بعض خاصته قائلًا: «ليس هذا برأي. فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة، لو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلين دمه، ومتى أجست بعض العلويين خليفة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته، فلو أمرهم بقتلك لقتلوك، فرجع معز الدولة عن عزمه».
الشيعة في مصر:
على أن ظهور الشيعة في الشرق هون على الدولة العبيدية فتح مصر والانتقال إليها، وكانت قصبتها قبلًا مدينة المهدية بإفريقية وخلفاؤها ينتسبون إلى الحسين بن علي، وللمؤرخين في انتسابهم إليه أقوال متناقضة، فالذين يتعصبون للعباسيين ينكرون ذلك عليهم. ويغلب في اعتقادنا صحة انتسابهم إليه، وأن السبب في وقوع الشبهة طعن العباسيين فيه تصغيرًا لشأنهم.
ولما تولى المنتصر بن المتوكل سنة ٢٤٧ﻫ كتب إلى عامله بمصر أن لا يضمن علوي ضيعة ولا يركب فرسًا ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطراف مصر، وأن يمنعوهم من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد، وإذا كان بينهم وبين أحد الناس خصومة قبل قول خصمه فيه بغير أن يطالب ببينة. فقاسى العلويون عذابًا شديدًا بسبب ذلك.
لذلك مرت – الدولة الفاطمية – في ثلاثة أدوار تشبه الأدوار التي مرت بها الدولة العباسية، فقد رأيت أن نفوذ الكلمة في الدولة العباسية كان في أوائلها مشتركًا بين العرب والفرس، ثم صار إلى الفرس ثم إلى الأتراك, والفاطميون عرب قامت دولتهم بالعرب والبربر، فكان النفوذ في أولها مشتركًا بين هذين العنصرين، ثم صار إلى البربر ثم إلى الأتراك.
والبربر قوم أشداء، مساكنهم في شمال أفريقية، وقد نصروا الشيعة العلوية في المغرب كما نصرها الفرس في المشرق، وهم قبائل شتى مثل قبائل العرب الرحل، وقد قاسى المسلمون في إخضاعهم عذابًا شديدًا, لأنهم ارتدوا عن الإسلام اثنتي عشرة مرة وثبوا فيها كلها على المسلمين، ولم يثبت إسلامهم إلا في أيام (موسى بن نصير) في أواخر القرن الأول.
ولما نقم الناس على بني أمية لتعصبهم على غير العرب كان البربر في جملة الذين خرجوا عليهم وتطاولوا للفتك بهم. وقد سرهم ذهاب دولة الأمويين، ولكن ساءهم انتقالها إلى الأندلس على مقربة منهم؛ لأنهم كانوا يكرهونهم للعصبة فنصروا العلويين نكاية فيهم — إلا من اصطنعهم الأندلسيون بالمال.
اتسعت الدولة الفاطمية بشكل كبير لتشمل عموم الساحل لشمال إفريقيا بعد انطلاقها من مدينة المهدية التي أسسها الفاطميون كأول مدينة ومركز لحكمهم وتقع حاليًّا جنوب العامة التونسية، ولكن النقطة الجهورية والمفارقة الحقيقية في تاريخ الفاطميين هي قدرتهم على دخول مصر وضمها للخلافة الفاطمية.
انتهت الدولة الفاطمية في عهد الخليفة العضد بعد خطوات متتالية من وزيره صلاح الدين الأيوبي الذي كان بيده مقاليد الحكم الحقيقية في مصر، حيث أمر بإنشاء المدارس التي تعلّم المذهب الشافعي مما حصر المذهب الإسماعيلي إلى أن اندثر تقريبًا وانعدم أنصاره في مصر، وتمكن الأيوبي من إفشال محاولة للانقلاب عليه واغتياله، ثم أمر بانتزاع آخر ما تبقى للخليفة الفاطمي من حقوق وهو الدعاء له بخطبة الجمعة، حيث تم إسقاط اسم العضد الفاطمي والدعاء للخليفة العباسي ( المستضيء بنور الله 566-575 هـ) في منابر مصر ولم يحرك العضد شيئًا بسبب مرضه الذي أدى لوفاته، وبموت العضد طويت صفحة الخلافة الفاطمية في تاريخنا الإسلامي.
خامساً : الدولة البويهية (321هـ – 447هـ)
البُوَيهيون : يرجع نسبهم إلى جدهم )أبي شجاع البُوَيهي( الصياد من الأسر الإيرانية – الشيعية التي كانت تقطن في مناطق الديلم شمال أيران , حكمت في القرنين الرابع والخامس للهجرة على معظم مناطق البلاد الإسلامية حينها وهي: إيران والعراق والجزيرة العربية والشام.
حكم آل بويه رقعة من العالم الإسلامي، وأقاموا دولة كبيرة عرفت بـ (الدولة البويهية) وضمت بلاد فارس والعراق، ابتدأت من عام 321هـ في بلاد فارس و334هـ في العراق، وانتهى حكمهم بسيطرة السلاجقة الأتراك على ممتلكاتهم ودخولهم بغداد سنة 447هـ.
كانت بداية التسلط البويهي، عندما قلد مرداويج بن زيار مؤسس الدولة الزيارية في جرجان وطبرستان (علي بن بابويه ) ناحية الكرج سنة320هـ/932م، ولقد أتاحت له صفاته كقائد يسعى للملك والسيطرة بأي ثمن وبأية وسيلة لأن يؤسس دولته المستقلة العظيمة.
من الكرج أستولى (علي بن بويه) وأخواه على مدينة أصفهان، ثم قصد مدينة فارس(شيراز) فسقطت مدنها الواحدة تلو الأخرى بين يديه، وتم له الاستيلاء عليها عام 322هـ/933م، ومن فارس التي جعلها قاعدة ملكة، تابع (علي بن بويه) وأخواه فتوحاتهم، ففي هذه الأثناء كان الأخ الثاني الحسن قد أحتل تقريباً كل إقليم الجبال، عقب مقتل مرداويج سنة 323هـ، فيما أخذ الأخ الثالث أحمد في غزو مدينة كرمان، وتم له فتحها سنة 324هـ/935م، ثم اتجه نحو خوزستان ( الأهواز) مستفيداً من صراع ابن رائق والبريدي، الأمر الذي فتح أمامه الطريق إلى مدينة بغداد بسهولة، خاصة بعد أن تمكن أحمد البويهي من السيطرة على الأهواز بصورة نهائية سنة 326هـ/937م.
ففي ظل تدهور الوضع ومساوئ الحكم العباسي واستياء طبقات العامة وتمردهم عليه، في هذه الأثناء زحف أحمد البويهي من الأهواز قاصدا بغداد، فاضطربت المدينة واختفى الخليفة العباسي ( المستكفي بالله 333-335هـ ) ، وانسحب الجند الأتراك إلى الموصل، وبعد مفاوضات أجراها أبو محمد المهلبي صاحب أحمد البويهي، دخل الأخير إلى بغداد في جمادى الثاني 334هـ/945م حيث لقي الخليفة العباسي ( المستكفي بالله333-334) هـ وتبايعا، ثم خلعوه وسجنوه حتى وفاته، وبايعوا الفضلَ بن المقتدر ولُقِّب ب (المطيع لله 334-363) هـ.
ولقبه الخليفة بـ (معز الدولة)، ولقب أخاه الأكبر علي بـ (عماد الدولة) وأخاه الثاني الحسن بـ (ركن الدولة)، ومنذ هذا التاريخ وقعت الخلافة العباسية تحت سيطرة الأسرة البويهية، ولغاية تاريخ دخول السلاجقة بغداد وسيطرتهم بدورهم على الخلافة سنة447 هـ .
انتهت الدولة البويهية بدخول (ركن الدين طغرل بك بن سلجوق) ثالث حكام السلاجقة ومؤسس (السلطنة السلجوقية 446-656هـ ) إلى بغداد بدعوة من الخليفة العباسي.
لقد شهدت بغداد مناوشات مذهبية مثيرة بين الشيعة المعتمدين على سلطة وزراء بويه الحكام الفعليين والسنة المعتمدين على رمزية الخليفة العباسي وكذلك الدعم التركي الذي مثلته الدولة السلجوقية، وظهرت لأول مرة في بغداد طقوس مذهبية متعددة الأشكال مثل إحياء يوم الغدير (اليوم الذي أعلن فيه الرسول الولاية لعلي بن أبي طالب وفق الروايات الشيعية) من الشيعة، قابله إحياء يوم الغار (وهو يوم الذي يصادف دخول الرسول وأبو بكر الغار في رحلة الهجرة) من السنة، والحزن على مقتل الحسين بن علي من الشيعة قابله الحزن على مقتل مصعب بن الزبير من السنة وهكذا.
كادت أن تنفجر بغداد بحرب طائفية أكثر من مرة خلال فترة الحكم البويهي خاصة فيما تعلق بكتابة اللعن للصحابة على أبواب مساجد بغداد الأمر الذي دفع السنة في بغداد للثورة أكثر من مرة.

 

 

لماذا تخلى البويهيون عن الزيدية وتبنوا الاثني عشرية في مقابل العباسيين والفاطميين؟ ()
كان البويهيون قد وجدوا أنفسهم بين ثلاثة اطراف متصارعة هم العباسيون والفاطميون والزيدية، وبما أنهم كانوا قد تخلوا عن المشروع السياسي الزيدي ، عند استيلائهم على عاصمة الخلافة العباسية بغداد عام ٣٣٤ هـ ، وذلك بعدم اختيار إمام علوي زيدي، ولم يتحولوا الى “سنة يؤمنون بالخلافة العباسية” وكانوا في نفس الوقت في تنافس وصراع مع الفاطميين، فانهم بحثوا عن مذهب فكري يناقض المذاهب الثلاثة الآنفة: السنية والزيدية والاسماعيلية (الفاطمية) ووجدوا ذلك في بقايا الفرع الامامي الموسوي الذي كان قد وصل الى طريق مسدود بوفاة الامام الحادي عشر : الحسن العسكري، سنة ٢٦٠هـ دون خلف، وفقد بالتالي المشروع السياسي والزعيم القائد، الا انه يمكن أن يدعم السلطة البويهية، ويقف أمام المذاهب الأخرى ومشاريعها السياسية. فأصبحوا “أئمة” للشيعة “الاثني عشرية” الذين لا إمام حيا وظاهرا لهم.
ويمكننا ان نعثر على بعض المؤشرات التي تؤيد هذا الاستنتاج، كما يلي:
1- احتضان مؤسس الدولة البويهية الملك ( الحسن بن بويه بن فنا خسرو الديلمي 284-366 هـ) الملقب بركن الدولة للشيخ محمد بن علي بن با بويه الصدوق (306-381) هـ ، الذي كان ينشط في تأليف الكتب (الاثني عشرية).
وقد” وُصِف للملك المذكور حال أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي، وما يقعده في المجالس وما عليه من الاثار وما يجيب عنه من المسائل والاخبار ورجوع الامامية إليه وإلى أقواله في البلدان والامصار. فأحبَّ لقاءه ومسألته فقدَّم إلى حاجبه البرمكي إحضاره، فركب الحاجب إليه وأحضره إلى مجلس السلطان، فلما دخل عليه قرَّبه وأدناه وأكرمه ورفع مجلسه، فلما استقر به المجلس، قال له السلطان: أيها الشيخ الفقيه العالم …” ثم جرى بينهما حوار حول الامامة والغيبة.
يوسف البحراني، الكشكول ج۱ ص۲۲٦ ، والتنكابني، قصص العلماء ص۳۹۱ ( فارسي ) ، وقد نص على هذه المناظرة آقا بزرك الطهراني في الذريعة ج۲۲ ص۲۹۳ تحت رقم : ۷۱٥۱.
وذلك لأن الشيعة – الفرقة الاثني عشرية – بعدما فقدت راعيها تفرقت وارتابت ووقعت في الحيرة لخفاء الأمر عليها، وكان أمر الصاحب (ع) منذ أيام السفراء الممدوحين الى أواسط القرن الرابع في ضمير الغيب، لا يكاد يسمع الا همسا أو من وراء حجاب، لا يعلمه الا الأوحدين، ولا يعرفه الا خواص من الشيعة وهم لا يستطيعون الإفصاح باسمه ولا وصفه يعبرون عنه في نواديهم تارة بالصاحب، وأخرى بالغريم، وثالثة بالرجل أو القائم، ويرمزون اليه فيما بين أنفسهم ب (م ح م د) وأمر الامام في تلك الايام في غاية الاستتار.
ومن جانب آخر كثرة الشبهات والتشكيكات التي ظهرت من المخالفين كالزيدية – وهم العمدة – والكيسانية والاسماعيلية والواقفة في (موسى بن جعفر) ، فتشابكت هذه العوامل وتحير الناس في أمر الامام الغائب، وأفضى الى ارتداد الفئة الناشئة وصرفهم عما كانوا عليه هم وآباءهم, ولولا مجاهداته ومباحثاته في مدينة الري في مجالس عدة عند ركن الدولة البويهي مع المخالفين وفي نيشابور مع أكثر المختلفين اليه وفي بغداد مع غير واحد من المنكرين، لكاد أن ينفصم حبل الامامية والاعتقاد بالحجة، ويمحى أثرهم ويؤول أمرهم الى التلاشي والخفوت والاضمحلال والسقوط ويفضي إلى الدمار والبوار”.
(الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة في اثبات الغيبة وكشف الحيرة، ص٩-١٠ مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين في قم، ١٤٢٩هـ)
وقال الغفاري في مقدمة كتاب كمال الدين: “ولولا مجاهدته (الصدوق) ومباحثاته في الري في مجالس عدة عند ركن الدولة البويهي مع المخالفين وفي نيشابور مع أكثر المختلفين اليه وفي بغداد مع غير واحد من المنكرين لكاد ينفصم حبل الامامية والاعتقاد بالحجة ويمحى أثرهم ويؤول أمرهم الى التلاشي والخفوت والاضمحلال والسقوط ويفضي الى الدمار والبوار”.
وتأكيدا لذلك يقول المؤرخ ابن تغري بردى في كتابه “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” ج٤ ص ٢٥٨ : “وكانت له (أي للصدوق) منزلة عند بني بويه، وعند ملوك الأطراف الرافضة.. وبنو بويه كانوا يميلون الى هذا المذهب… ولهذا نفرت القلوب منهم وزال ملكهم بعد تشييده”.
2- أمر الحاكم البويهي (أحمد معز الدولة) في سنة ٣٥١ بكتابة مواد إعلامية شيعية مثيرة على المساجد في بغداد، كما يلي : “لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة (رضي الله عنها) فدكا، ومن منع من أن يدفن الحسن عند قبر جده (عليه السلام) ومن نفى أبا ذر الغفاري، ومن أخرج العباس من الشورى”. فلما كان الليل حكه بعض الناس، فأراد معز الدولة إعادته، فأشار عليه الوزير أبو محمد المهلبي بأن يكتب مكان ما محي: “لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم” ولا يذكر أحدا في اللعن الا معاوية، ففعل ذلك.
(ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج٨ ص ٥٤٢ – ٥٤٣)
وقد نقل أن معز الدولة جعل ابن الجنيد مرجعه الفقهي.
3- قيام (معز الدولة) بسن الاحتفال بعيد الغدير ويوم عاشوراء، عام ٣٦٢هـ
4- احتفاء (عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو) (ت ٣٧٢هـ) بالشيخ المفيد، وذلك عندما وصل اليه خبر المناظرة التي جرت بين المفيد ( عندما كان تلميذا في بداية دراسته) وبين المتكلم الشيخ علي بن عيسى الرماني، حول الغدير، فأحضره عضد الدولة وأكرمه غاية الإكرام، وأمر له بجوائز عظام وأجرى له سنته. وربما زاره في داره ويعوده إذا مرض.
(الأميني، محمد هادي، معلم الشيعة الشيخ المفيد، ص ١٨ و٢٤ دار التعارف للمطبوعات، بيروت ١٩٩٣) واليافعي (ت ٧٦٨هـ) في (مرآة الزمان) لسان الميزان، ج ٥ ص ٣٦٨ وابن العماد في (شذرات الذهب ج٣ ص ١٩٩، ومرآة الجنان ج٣ ص ٢٨)
5- نصب عضد الدولة في العام ٣٦٣ هـ لوحا على تخت جمشيد خطت عليه أسماء الأئمة الاثني عشر مع عبارات السلام والتحية والثناء.
6- قيام (بهاء الدولة) (ت٤٠٣) بدعم نشاطات الدعوة الشيعية الامامية الاثني عشرية، وذلك بإنشاء دار للعلم في محلة الكرخ الشيعية، في عام 383هـ وانفاق الأموال وتخصيص الأوقاف عليها، وتنصيب الشيخ المفيد مديرا ومعلما فيها.
(انظر الكامل في التاريخ، لابن الأثير 6/315 عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير المجلد السادس دار صادر للطباعة والنشر دار بيروت للطباعة والنشر بيروت 1385 ه‍ / 1965 م)
وقد ذكر الشيخ المفيد أنه صنف كتابه “المقنعة” امتثالا لطلب احد الأمراء ولم يسمه (وربما كان يعني بهاء الدولة؟) ، فقال في مقدمة الكتاب: “وبعد فإني ممتثل ما رسمه السيد الأمير الجليل، (أطال الله في عز الدين والدنيا مدته، وأدام بالتأييد نصره وقدرته، وحرس من الغير أيامه ودولته): من جمع مختصر في الأحكام، وفرائض الملة، وشرائع الإسلام، ليعتمده المرتاد لدينه، ويزداد به المستبصر في معرفته ويقينه، ويكون إماما للمسترشدين، ودليلا للطالبين، وأمينا للمتعبدين، يفزع إليه في الدين، ويقضي به على المختلفين، وأن أفتتحه بما يجب على كافة المكلفين من الاعتقاد الذي لا يسع إهماله البالغين…”.
(المفيد، المقنعة، ص ٢٨ تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، دار المفيد، قم ١٤٣١هـ)
7- وذكر الشيخ الطوسي في المبسوط ما لفظه: فاني ممتثل لما رسمته الحضرة السامية الوزيرية العميدية أدام الله سلطانها وأعلى شأنها وأعلى أبدا شأنها ومكانها – من بيان المسائل الفقهية التي شنع بها على الشيعة الامامية (الاثني عشرية) وادعى عليهم.
وكما ينقل الدكتور وجيه قانصو عن (صاحب المنتظم): ” أن أهم ما كسبه الشيعة في عهد بني بويه هو التجاهر بمعتقداتهم دون اللجوء الى التقية” ويقول ابن كثير: ان مذهب الدولة اتخذ طابع التشيع من دون الإعلان عن ذلك رسميا، ويقول مقدم كتاب الهداية للصدوق: “بوسعنا القول أن عزيمة أقطاب هذه السلالة وحزمهم في الدعوة الى الحق وتعلقهم بأهل البيت عليهم السلام وما رافق ذلك من همة عالية لكبار علماء الشيعة أمثال الشيخ الصدوق رحمه الله والشيخ المفيد رحمه الله، كل ذلك من مفاخر هذه السلالة”. (ص ١٣٧).
ويعلق الدكتور قانصو بقوله : هذه المعطيات دفعت أكثر من مؤرخ وباحث الى حسن رأيهم بأن البويهيين شيعة امامية. قال الرازي: “كان البويهيون إمامية” وقيل في شخص عضد الدولة انه “كان غاليا في التشيع” كذلك فقد ذكر ابن عماد الحنبلي ان معز الدولة كان من الروافض. وهو رأي أيده مونتغمري وات. ويؤكد الدكتور كامل الشيبي – اعتمادا على ما نقله البيروني – انه كان في البداية زيديا، ثم ركن الى المذهب الاثني عشري”.
وكان اعتناق السلطة للمذهب الجديد بمثابة خشبة خلاص له، وفرت له قدرات وإمكانات لم تتوافر في تاريخ التشيع كله. وهي فرصة اغتنمها علماء المذهب وعملوا على مأسسته بطريقة جديدة غير مسبوقة.
ويتساءل الكثيرون : لماذا اختار البويهيون المذهب الاثني عشري من بين التيارات الشيعية الأخرى ؟، يوضحه تصريح البويهيين أنفسهم بأن فكرة الامام الغائب تعني غياب من يكون عليهم تقديم الولاء والطاعة له، بخلاف المذاهب الشيعية الأخرى مثل الزيدية والاسماعيلية، التي كان أئمتها احياء وناشطين.
وجيه قانصو، الشيعة الامامية بين النص والتاريخ، ص433
سادساً : الدولة الشيعية في أيران من العصر الصفوي حتى قيام الجمهورية الإيرانية الإسلامية 1501-2023م
من هم الصفويون؟
الصفويون : هم أسرة تركمانية() عريقة أسست الطريقة الصوفية – التصوفية في مدينة أردبيل شمال شرقي إيران (أذربيجان الجنوبية )، واشتقت الأسرة اسمها من اسم جدها المتصوف السني الشافعي الشيخ ( صفي الدين أردبيللي ) .
“الصفوية” دولة شيعية قامت في إيران في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) لمدة 285 سنة (1501 – 1786 م ) على يد الشاه إسماعيل الأول الصفوي، عام 1501م , الذي يعد أول ملوكها، وقد كان قيامها مقترناً بنشر مذهب أهل البيت بعد أن كانت معظم شعوب إيران من أهل السنة والجماعة ، وعلى المذهب الشافعي تحديداً , كما تزامن قيام الدولة الصفوية ونشر المذهب الشيعي في إيران كافة والمناطق التي سيطر عليها الصفويون دون إكراه، كما إن الصفويين عمدوا إلى التحالف مع الدول الأوروبية ضد الدولة العثمانية أملاً في إضعافها .
وفي هذه الدراسة المختصرة نحاول تسليط الضوء على نشأة الدولة الصفوية والحكام الذين تعاقبوا عليها، ، وتحالفاتها مع الدول الأوروبية ونهايتها .
إلى مُن ينتسب الصفويون؟
ينُّسب الصفويون إلى صفي الدين الإردبيلي، المولود سنة 650هـ (1252م)، والمتوفى سنة (753هـ) 1352م ، وهو الجد الخامس للشاه إسماعيل الأول ، وقد نشأ نشأة صوفية، وكان صاحب “طريقة”()، مما ساعد على التفاف الكثير من المريدين حوله، وانتشار دعوته وأنصاره.
وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه، ابنه (صدر الدين موسى)، الذي سار على طريقة أبيه، ثم انتقل الأمر إلى ابنه (صدر الدين خواجة علي سياهبوش)، وهو أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية، ودعا إليه ,الأمر الذي يُعد نقطة تحول في مسيرة هذه الأسرة التي ادعت انتسابها إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسين بن علي رضي الله عنهما، كما جرت العادة عند الشيعة والصوفية.
وبعد وفاة (خواجة علي سياهبوش) خلفه ابنه (شيخ شاه)، وسار على خطاه، وبعد وفاته خلفه ابنه (السلطان جنيد) الذي كثر أتباعه وبدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً، ويعد هذا ثاني تحول في مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع.
ولا يخفى أن سعي الصفويين إقامة دولة مخالفة لما يعتقد به الشيعة من حصر إقامة الدولة بالمهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ) ، وأن أية دولة تقوم أو راية ترفع قبله هي راية طاغوتية.
وبدأ السلطان جنيد بإقامة حكم مستقل في مدينة أردبيل/ شمال غربي إيران ,وأخذ يعد الجيوش لغزو شروان ,ودخل في معركة مع حاكمها لكنه هزم وقُتل، وتعد هذه المعركة تحولاً خطيراً في مسيرة الصفويين كونها أول معركة يخوضونها.
وبعد مقتل جنيد انتقلت الرئاسة إلى ابنه حيدر، الذي أخذ يعد العدة للتوسع بعد مقتل والده، فأعد جيشاً يرتدي أفراده القبعات الحمر، ويعرفون باسم “القزلباش” إلا أن حاكم “شروان” استعان بأسرة “آق قويونلو” , واستطاع هزيمة حيدر وقتله، فانتقلت الزعامة إلى ابنه علي، الذي ما لبث أن قتل، فآلت الأمور إلى إسماعيل الصفوي ابن حيدر().
الشاه إسماعيل يؤُسس دولة الصفويين :
حظي إسماعيل الأول برعاية من حاكم “لاهيجان/ التابعة لمحافظة كيلان حالياً ,لمدة خمس سنوات، وفترة إعداد ثقافية وعسكرية، وفي الوقت ذاته كانت الخلافات تعصف بأسرة “آق قويونلو”، تمكن من الانتصار عليها واحتلال عاصمتها تبريز/ شمال غربي إيران، ودخلها دخول الفاتحين، وأعلنها عاصمة لدولته الفتية، ثم أعلن المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة سنة (907هـ) الموافق (1502م)، رغم أن ثلاثة أرباع سكان إيران كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ( المذهب الشافعي ) .
ساعدت إسماعيل الصفوي عوامل عدة في أن يبسط سيطرته على إيران وما جاورها وتحقيق حلم آبائه في تأسيس دولة شيعية، أهمها:-
انتشار الفوضى والفتن في إيران بعد موت تيمورلنك، والصراعات التي قامت بين أبنائه، ثم الصراع المحتدم بين قبيلتي “أق قويونلو” و”قرا قويونلو” التركمانيتين اللتين كانتا تسيطران على أجزاء من إيران.
كل هذه الصراعات سببت الضعف والانقسام، وولدت الظلم بحق الرعايا، الأمر الذي استغله الصفويون لتحقيق الانتصار على منافسيهم .
2- نشاط دعاة الشيعة وانتشارهم بين القبائل، لاسيما في مدن كاشان وقم والري، بل إن النشاط التبشيري الشيعي انتقل إلى أراضي الدولة العثمانية، كما تجلى ذلك في “حادثة شاه قولي .
3- القهر الذي مارسه الشاه إسماعيل ضد أهل السنة والجماعة الذي جاوز كل الحدود، فعندما فرض إسماعيل التشيع على إيران، ذكر له أن ثلاثة أرباع سكان إيران والعاصمة الجديدة تبريز على مذهب أهل السنة، فلم يأبه لذلك وأصر على موقفه وقتل من أهل تبريز وحدها (20) ألف سني، أما الذين بقوا أحياء فقد فرض عليهم التشيع بحد السيف .
4 – الدافع القومي لدى الشعوب التي كانت تسكن في إيران المكونة من أجناس وقوميات مختلفة، كالفرس والترك والعرب والمغول واللر، وكان التعصب للجنس ظاهراً بينهم، فاستطاع الشاه إسماعيل أن يستغل هذا الأمر ويذكي حماس القبائل، وأشار عليهم بتأسيس تجمع خاص يحفظ لهم قوتهم وسيطرتهم على المنطقة.
يقول المفكر الإيراني د. علي شريعتي()”الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية، والمذهب الشيعي، حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الأكاسرة”.
الآثار المترتبة على قيام الدولة الصفوية :
ليس من قبيل المبالغة القول بأن قيام الدولة الصفوية شكل “تحولاً جذرياً ” لإيران والعالم الإسلامي، فلقد “ظلت إيران ما يقرب من تسعة قرون تتبع مذهب أهل السنة والجماعة، فكانت الصبغة السنية ظاهرة فيها، واضحة في جميع ألوان النشاط البشري لأهلها، ما مكن إيران من المساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية الراقية بواسطة علمائها في مختلف العلوم والفنون، من أمثال البخاري ومسلم وسيبويه والخليل بن أحمد والطبري والبيروني وابن سينا والغزالي والفارابي والفخر الرازي، وغيرهم يعدون من مفاخر المسلمين جميعا
وبقيام الدولة الصفوية الشيعية في إيران تغير مسار النشاط البشري فيها تغيراً شاملاً من النواحي السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والعلمية والثقافية، ووجه الإيرانيين إلى وجهة مختلفة لوجهة إخوانهم المسلمين في بقية البلدان.
كما إن قيام الدولة الشيعية – الصفوية أدت إلى انقسام العالم الإسلامي إلى معسكرين، الأول معسكر سني بزعامة الدولة العثمانية، والثاني، معسكر شيعي يتبع الصفويين، وزاد من حدة الانقسامات تلك المؤامرات التي حاكها الصفويون ضد العثمانيين الذين كانوا منطلقين في أوروبا كفاتحين لها .
الانطلاقة الأولى :
انطلقت الدولة الصفوية من مذهبها الشيعي في كل صغيرة وكبيرة، فغيرت صيغة الأذان والصلاة والعبادات كافة على طريقة المذهب الشيعي الجعفري ، دون السماح بإظهار مذهب أهل السنة فيها بشكل ملحوظ ، وصارت الحركة الثقافية والتأليف مصبوغين بالمذهب الشيعي، وتبوأ رجال الدين الشيعة مكانة عالية في الدولة الصفوية، وفرض لهم السلاطين خمس أموال الناس وأرباح التجار .
ويعد (محمد باقر المجلسي 1627-1699م ) أحد أبرز الأمثلة لما عملته الدولة من دعم التشيع، فقد اعتُبر “شيخ الدولة الصفوية” وكانت له الكلمة المسموعة، وعاش في المرحلة الصفوية الأخيرة عيشة ترف وبذخ، وكان شديد التعصب لمذهبه فأغرى الدولة باضطهاد جميع مخالفيه.
واشتهر المجلسي بكثرة مؤلفاته التي تروج لمذهب الشيعة، وأبرزها: “بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار”، ويقع في (25) مجلداً ضخماً، كل مجلد منها يبلغ عدة مجلدات، حتى إن مجموعها بلغ (111) جزء، الأمر الذي جعل الشيعة يعتبرونه “دائرة معارف لا مثيل لها”، فكان من أهم كتب الحديث عند الشيعة، وقد جمع فيه مؤلفه الأخبار والأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار.
وبلغ تعصب الصفويين لمذهبهم حداً جعل الشاه عباس يحج من عاصمته أصفهان /340كم جنوب طهران العاصمة إلى مدينة مشهد ( طوس ) 926كم شرق طهران (حيث يوجد مقام الإمام الرضا، ثامن الأئمة عند الشيعة) سيراً على الأقدام ودعا الشيعة إلى الاقتداء به، والحج إلى مشهد، وجعل علماء الشيعة ومراجعهم يعلنون أن الحج إلى مدينة مشهد يكفي ويغني عن الحج إلى الكعبة وزيارة بيت الله الحرام.
كما تميز العصر الصفوي بالمبالغة لما يسمى “الشعائر الحسينية” وإظهار الحزن على استشهاد الإمام الحسين وبعض الأئمة وأصحابه ( عليهم السلام ) .
الصفويون والدولة العثمانية :
كان من الطبيعي أن تثير سياسة الصفويين ومؤامراتهم الدولة العثمانية السنية التي كانت في أوج قوتها، وكانت تدافع عن ديار الإسلام، وتقاتل أعداءه من الصليبيين على محاور عدة، الروس والنمسا والإمارات الايطالية وفرنسا وإنكلترا والبرتغال، والكل حاقد وغير راض على هذه الدولة الفتية.
وفي الوقت الذي كان يقوم فيه العثمانيون بحصار بعض دول أوروبا تمهيداً لفتحها، كانت سهام الصفويين تنطلق باتجاه الدولة العثمانية، وتشغلها عن متابعة فتوحاتها، وعمد الصفويون إلى احتلال بعض البلدان التابعة للعثمانيين كالعراق مثلاً ، وعقدوا تحالفات مع الدول الأوروبية ضدها، الأمر الذي جعل الصدام بين العثمانيين والصفويين أمراً لا مفر منه، وتُعد معركة “جالديران”” سنة (920هـ – 1514م) أكبر المعارك بين الطرفين، انتصر فيها العثمانيون انتصاراً كبيراً، غير إنه لم يقض على الصفويين قضاءً نهائياً، فأعادوا تنظيم صفوفهم مرة أخرى , بعد أن عاجلت المنية السلطان العثماني سليم الأول ( 1470 – 1520 م ) .
وتسببت المؤامرات الصفوية ضد العثمانيين في أمرين خطيرين :-
الأول : إعاقة الفتوحات الإسلامية لأوروبا، ذلك إن العثمانيين كانوا يضطرون لوقف حصارهم للمدن الأوروبية، والعودة لتأمين حدودهم مع الصفويين، واسترجاع ما كان يستولي عليه الصفويون من بلاد.
الثاني : أن التحالفات التي عقدها الصفويون مع الدول الأوروبية والتسهيلات التي منحوها إياهم شكلت بداية عهد الاستعمار، والوجود الأوروبي في بلاد المسلمين .
حكامــــــــــــــــــها:
إسماعيل الأول بن حيدر( 1487- 1524م ) : حكم لمدة 22 سنة من عام 1502م إلى عام 1524م , ويعد مؤسس الدولة الصفوية سنة 1501م ، اتفق مع البرتغاليين وحارب العثمانيين، والأوزبك، ومات في الثلاثينات من عمره .
طهماسب الأول بن إسماعيل ( 1514- 1567م ) : حكم لمدة 51 عاماً للفترة من عام 1525 م إلى عام 1576م , إذ تولى الحكم بعد وفاة والده إسماعيل ,ولم يكن قد جاوز العاشرة من عمره، فتولى الوصاية عليه زعماء الشيعة آنذاك، إلى أن بلغ سن الرشد، انتصر على الأوزبك، ولكنه لم يلبث أن انهزم، إحتل بغداد حتى جاءت جيوش العثمانيين وطردت الصفويين منها.
3- إسماعيل الثاني ابن طهماسب ( 1537- 1577م ) : تولى الحكم بين سنتي (1576- 1577م )، واختلف مع إخوته، وقُتل، وكانت له ميول سنية، وكان يرغب في إعادة إيران إلى المذهب السني.
4- محمد خدا بنده بن طهماسب ( 1532 – 1596م ): امتد حكمه خلال الفترة (1576- 1587م ).
عباس الأكبر بن طهماسب ( 1571- 1629م ) ، الملقب بعباس الكبير، وحكم فترة طويلة امتدت من 1587م حتى 1629م ، وفي عهده هاجم العثمانيين بعد أن هدأت الجبهة معهم خمسة عشر عاماً، كما حارب الأوزبك وانتزع جزء من بلادهم، وجعل عاصمته أصفهان/ وسط أيران، إلا إن الدولة ضعفت بعد موته .
صفي بن صفي مرزا بن عباس ( 1611- 1642م ) ، الملقب بصفي الأول وحفيد عباس الكبير، حكم عام 1629م حتى عام 1642م ، هُّزم أمام العثمانيين الذين استولوا على العراق وعقد معاهدة معهم سنة 1094هـ.
7- عباس بن صفي ( 1632- 1666م) : الملقب بعباس الثاني حكم خلال الفترة (1642- 1666م )، ولم يلتفت إلى شؤون الدولة.
8- صفي الثاني بن عباس الثاني ( 1645- 1694م ): حكم بين (1666- 1694م )، وعرف كذلك باسم “سليمان الأول”، وفي عهده استولى الهولنديون على جزيرة قشم في مضيق هرمز، وأخذ الأوزبك خراسان، وقضى حياته بين الخمر والنساء.
9- حسين الأول بن عباس الثاني (1668- 1726م ) الذي حكم من عام 1694م حتى عام 1722م , بدأ في عهده الصراع مع الأفغان، وكان يبيح في عهده الخمور، وكان لعبة بيد الحريم. .
10- طهماسب الثاني بن صفي الثاني ( 1702 – 1740م ) : حكم خلال الفترة (1722- 1732م )، واستمر الصراع مع الأفغان في عهده، وأيده نادر خان.
عباس الثالث بن طهماسب الثاني( 1730- 1739م ) الذي حكم من عام 1732م حتى عام 1736م ، ويلقب بالرضيع لتوليه المنصب طفلاً بعد خلع والده سنة 1732م، واستمر في الحكم بشكل صوري حتى 1736م بعدها قتُل .
لكل بداية نهاية :
انتهت دولة الصفويين ( 1501 – 1786 م ) التي استمرت لمدة 285 عاماً , على يد نادر شاه أفشار ( 1688- 1747م ) وكان يتمتع بالطموح والذكاء، وقد تمكن بجيش من أفراد قبيلته الأفشار من الاستيلاء على إقليم خراسان، وأخذ يمسك بزمام الأمور في هذا الإقليم، وظهرت قوته، مما جعل الشاه طهماسب الثاني ( 1702- 1740م ) من أن يستعين به، ويعينه قائداً لجيشه، واستطاع أن يصبح أقوى شخصية في إيران بعد تحقيقه لانتصارات عدة ضد منافسي الدولة.
ثم أصبح نادر شاه في منزلة هيأت له عزل طهماسب الثاني، وتعيين ابنه الطفل عباس الثالث ( 1730- 1739م ) ملكاً على الصفويين، وصار نادر شاه وصياً على العرش، ولكن هذا الوضع لم يستمر سوى ثلاث سنوات، إذ بادر نادر شاه إلى عزل عباس الثالث، وتنصيب نفسه ملكاً على إيران، واتخذ لقب الشاه، كما أعلن سقوط الدولة الصفوية وقيام دولة شيعية محلها هي الدولة الأفشارية ( 1736- 1796م ) التي استمرت ستين عاماً ، كان نادر شاه أول ملوكها، حينما خلع أخر ملوك الدولة الصفوية ونصب نفسه ملكاً على بلاد فارس وجعل عاصمته مدينة مشهد , واستمرت حتى القضاء عليها من قبل القاجاريين سنة 1786م .
والدولة القاجارية : هي مملكة أسسها القاجاريون عاصمتها مدينة طهران الحالية , وقد شملت معظم الأراضي الإيرانية الحالية إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان والتي دامت من عام 1794م حتى عام 1920م حينما أطاح الشاه رضا بهلوي بأخر الحكام القاجاريين عام 1925م ليؤسس الدولة البهلويـــــــــــــة التي استمرت حتى عام 1979م لتسقط الدولة الشاهنشاهية البهلوية على يد رجل الدين والفيلسوف الكاتب والسياسي الشيعي الراحل روح الله بن مصطفى بن احمد الموسوي الخميني ( 1902- 1989م ) لتقوم بدلاً عنها جمهورية إيران الإسلامية الحالية, بحدودها الجغرافية المعروفــــــــــة اليوم في – جمهورية إيران الإسلامية – وبتواجد مسيح وصابئة وأقلية يهودية وزرادشتية على أرضها , وحتى هناك من لا يؤمن بوجود الله , والسنة والشيعة في إيران يصلون بعضهم مع بعض , إذْ توجد تسعة مساجد في العاصمة طهران لوحدها لأهل السنة والجماعة , يصلون ويرفعون الأذان بطريقتهم الخاصة , ويمارسون صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك بكل حرية.
في إيران تتعدد وتتنوع القوميات ,فهناك الكردي والفارسي والأذري واللري والعربي والتركماني والمازندراني والأفغاني والبلوشي والقشقائي وجميعهم يتكلمون اللغة الفارسية , وهي ليست اللغة الفارسية القديمة , لأن أغلب شعوب إيران لا تعرفها , واللغة الفارسية السائدة اليوم هي مزيج متنوع من كلمات كردية وعربية وتركمانية وأذرية وحتى انكليزية إضافة إلى الفارسية.
ولكن هناك من يشوش على الشعوب العربية والإسلامية عن طريق وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي , من أجل خلق فتنة بين المسلمين , والفتنة لا تخدم أحداً بل تدمر الجميع لاسيما إن هناك صفحات تروج زوراً على إن الشيعي يسب السني أو السني يسب الشيعي .. كلنا سنة لأننا نتبع سنة نبينا محمد (ص) .. وكلنا شيعة لأننا نتبع ما نراه مناسباً من أفكار وأطروحات آل البيت الأطهار.
الشيعة والاجتهاد الفقهي :
لم تواجه الشيعة مشكلة فراغ تشريعي بعد وفاة الرسول (ص) ، إذ استمر عصر التشريع عندهم عبر أئمتهم، بدءً بالإمام علي بن أبي طالب ، ومن ثم ولديه الحسن والحسين والتسعة من أبناء الحسين، آخرهم محمد بن الحسن المهدي (عليهم السلام) الذي غاب واستمر التواصل معه عبر أربعة سفراء(), وبانتهاء الغيبة الصغرى سنة 329 هـ انتهى عصر النص بالنسبة لهم، وبدأت مرحلة الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية لكن بمفهوم آخر.
وإن مقتضى تواصل عصر التشريع لدى الشيعة هو عدم التفريق بين سيرة النبي وسيرة الأئمة من حيث حجيتها (تخصيصاً وتقييداً لآيات الكتاب الكريم), والقضية مرتبطة بعقيدتهم ورؤيتهم لمفهوم العصمة والإمامة ومقام الإمام.
فالشريعة بالنسبة لهم ليست محدودة بالكتاب وما ورد عن الرسول(ص) , بل تشمل سيرة الأئمة : قولاً وفعلاً وتقريراً , فكانت أحاديثهم أثرى من حيث تنوع مسائلها، لاسيما المستحدثة, وعليه يكفي انتهاء سند الرواية إلى أحد الأئمة المعصومين بسند صحيح أو معتبر لتكون حجة على الفقيه يمكنه الاستدلال بها ما لم تكن معارضة برواية أخرى, وبهذا انتفت الحاجة للاجتهاد طوال حياة الأئمة , بل إن موقف الأئمة وأصحابهم كان سلبياً جداً من مفهوم الاجتهاد على وفق مدرسة الرأي التي تعتبره أحد أدلة الفقيه في استنباط الحكم الشرعي، وقد حصلت مواجهات ضارية، تجلت من خلال المناظرات والتأليف التي كانت تشجب الرأي، حتى بات مفهوم الاجتهاد مثقلاً بدلالاته السلبية عبر توالي الأيام , وصار المتبادر منه تحكيم رأي ومزاج المجتهد في استنباط الحكم , وقد استمر الموقف السلبي منه من خلال مؤلفات وكتابات أصحاب الأئمة ومن جاء بعدهم من العلماء والمحدثين، كما هو موقف الشيخ (الصدوق ) في القرن الرابع الهجري، ومن بعده الشيخ (المفيد ) الذي ألف كتاباً بهذا الخصوص , وتبنى السيد (المرتضى ) في بداية القرن الخامس الهجري الموقف ذاته حينما قال (إن الاجتهاد باطل، وأن الأمامية لا يجوز عندهم العمل بالظن ولا الرأي ولا الاجتهاد)، وتلاه الشيخ (الطوسي) ، المتوفى سنة460 هـ، بقوله : (أما القياس والاجتهاد فعندنا إنهما ليسا بدليلين، بل محظور في الشريعة استعمالهما)، وقال ابن إدريس في كتاب السرائر (والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا).
وبقي الاجتهاد مفهوماً سلبياً عند الشيعة، يُحيل على تحكيم مزاج الفقيه في الحكم الشرعي، وهو بمنزلة الكفر , أو خضوع الحكم الشرعي لرأي الفقيه الشخصي , ولم يتخلصوا من هذا المفهوم حتى مجيء المحقق الحلي المتوفى سنة 676 هـ، الذي أعطى الاجتهاد معنى جديداً، آذ عرّفه (بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية).
ويتبنى فقهاء الشيعة موقف الإمام جعفر الصادق (ع) ومن جاء بعده، فهو بالنسبة لهم موقف شرعي لا يمكن التنازل عنه، مهما كانت قناعة الفقيه ومهما كان مستوى ركونه للاجتهاد بمعنى الرأي، كدليل كاشف عن الحكم الشرعي , لهذا يغمز فقهاء الشيعة باجتهادات (ابن الجنيد ) و(الاسكافي ) من علماء القرن الرابع لميولهما للرأي، بالرغم من إنهما من كبار فقهاء الشيعة.
وبهذا يتضح أن هناك موقفان مختلفان من مفهوم الاجتهاد لدى الشيعة الإمامية، هما :-
الاتجاه الإخباري
يعتبر الميرزا محمد أمين الاستربادي المتوفى سنة 1033 هـ 1624م مؤسس هذا الاتجاه، وقد ألف كتابا بعنوان “الفوائد المدنية” بلور فيه أفكاره وبرهن عليها , وهو امتداد لموقف مدرسة الحديث التي اقتصرت مصادرها التشريعية على الكتاب والسنة، ورفضت الاجتهاد والقياس والاستحسان , وقد زاد عليهم الإخباريون الشيعة رفضهم للإجماع كونه بدعة سنية , وهم يعتقدون بصحة جميع الروايات الواردة في الأصول التحديثية الشيعية الأربعة : “الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب والاستبصار” ()، وغيرها من كتب الحديث , وكان موقفهم سلبياً جداً من الفقهاء الأصوليين.
وفي محاولة لشرعنة هذا الاتجاه، أرجع الإخباريون حركتهم لعصر الأئمة كونه اتجاهاً سائداً إلى عصر الكليني والصدوق.
وقد احتدم الصراع بين الإخباريين والأصوليين في بداية القرن الحادي عشر الهجري، ولم تخف حدته إلا في القرن الثالث عشر على يد الشيخ ( الوحيد البهبهاني) ، المتوفى 1205هـ , وقد تزعّم الاتجاه الإخباري، عدد من علماء الشيعة، اشتهروا بموسوعاتهم التحديثية، كالشيخ المجلسي صاحب كتاب البحار (110) أجزاء ,والشيخ (الحر ألعاملي ) صاحب موسوعة وسائل الشيعة (20 أو 30) جزءٌ حسب الطبعة ,وما يهم موقف هذا الاتجاه من العقل، فهو يأخذ بالرواية مهما كان ضعفها سنداً ومتناً، ويطرح الرأي مهما انتسب للفقه والفقاهة، لذا كرّس هؤلاء الغلو والتطرف في حب أهل البيت والعداء من السنة حدَ التكفير والبراءة منهم , وقدموا النقل على العقل واقتصروا في فتاواهم على نصوص الروايات , ولا قيمة للعقل ومستقبلاته وأحكامه أمام الرواية، مهما كانت ضعيفة السند ,فهناك برأيهم عقل كلي هو عقل المعصوم تصدر منه الأحكام، ولازمه أن الحسن والقبح شرعيان وليسا عقليين.
2 – الاتجاه الأصولي
لا يختلف الموقف الرافض لهذا الاتجاه من الاجتهاد بمعنى الرأي، ويرفض بشدة اعتبار القياس والاستحسان من الأدلة الكاشفة عن الحكم الشرعي , وكان المحقق الحلي أول من قدم تعريفا جديداً، زعزع به النظرة السلبية لمفهوم الاجتهاد، عندما عرّفه بأنه “بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية” , وبهذا خرج مفهوماً من كونه دليلاً على الحكم الشرعي إلى كونه منهجاً في استنباط الحكم الشرعي، يعتمد على قضايا نظرية وعقلية، ليست مستفادة من ظواهر النصوص بالضرورة. فالاجتهاد بهذا المعنى ليس مصدراً للحكم، بل عملية استنباط الأحكام من مصادرها , ويراد بالاستنباط “تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً”.
وبهذا كسب الأصوليون المعركة وأصبح الاجتهاد ميزة يتصف بها الفقه الشيعي، وقد تمكن فقهاهم مواصلة استنباط الأحكام الشرعية، بينما عمد الجانب الآخر أي المدرسة السنية إلى غلق باب الإجهاد، والاكتفاء بما صدر من أئمة المذاهب الإسلامية وكذلك فعل الإخباريون.
يذكر أن بوادر ظهور القواعد الأصولية لدى المدرسة الشيعية تعود لأيام الأئمة، إذ كانوا يؤسسون لبعض القواعد كالاستصحاب في روايات زرارة بن أعين عن الإمام جعفر الصادق (ع) مثالاً , وهي قواعد ذات مناشيء عقلية, إذ إن البحوث الفقهية لم تكن بمنأى عن العقل ومستقبلاته.
قومية المراجع الشيعـــــــــة
يبلغ نفوس الشيعة في العالم 320 مليون نسمة من أصل نفوس المسلمين البالغ 1600مليون نسمة , وبذلك يشكل الشيعة ما نسبته 20 بالمائة من مسلمي العالم .. ثقلهم الاكبر في أيران والعراق وأذربيجان .
لقد قَدم بعضُ الباحثينَ الإيرانيّين إحصائيّةً تُحدّدُ “قوميّةَ المراجع الشيعة”، و”محلَّ دراستهم”، وموطن استقرارهم” على مدى ألفِ سنةٍ تقريباً , جعلَوا بدايتَها : الكُليني المتوفّى سنة : (940م)، وخاتمتَها: البروجردي المتوفّى سنة: (1960م)، فكانت النتيجة كما يأتي :
حملتْ هذه الفترة (58) مجتهداً اعترفتْ الطائفةُ بمرجعتيهم، ومن بين هؤلاء نجدُ: (34) إيرانيّاً، و (24) عربيّاً، ومن بين العرب نلاحظُ : (16) عراقيّاً، و (7) من بلادِ الشامّ، و (1) من سلطنةِ عُمان. أمّا موطنِ دراستِهم فإن أربعين مجتهداً منهم درسَوا في العراقِ، و (14) في إيرانِ، و(4) ليس للباحثِ درايةٌ بمحلِّ دراستِهم , وبعد أن تسلمَ هؤلاء المرجعيّة استقرَّ (34) منهمُ في العراقِ، و (18) في إيرانِ، و (6) في بلادِ الشامِّ .. وإنّ (48) كانوا من سُكانِ المُدنِ، و(10) من سكنة القُرى والأريافِ , وإن السِيرَ الذاتيّةِ لهؤلاءِ تُشيرُ إلى إنّ(31) منهم فقط من أُسر علمائيّة.
قم… مركز التشيع العالمي :
أنتعش التشيع في مدينة قم الايرانية بعد نجاح الثورة الاسلامية في أيران عام 1979م ووصلت إلى ما وصلت اليه الان, أذ بلغ عدد منتسبي الحوزة العلمية في قم في العام 2020 حوالي (100) ألف طالب وأستاذ ,فيما بلغ عدد منتسبي حوزات مشهد و أصفهان وطهران حوالي (40) الف شخص، إضافة الى (10) ألاف منتسب في باقي مدن إيران. كما بلغ عدد المجتهدين في قم وحدها حوالي (250) مجتهداً أو من يرى في نفسه ملكة الإجهاد، بينهم ما يقرب من (100) مجتهد يدرِّسون البحث الخارج (الدراسات العليا) , أي أن هناك (100) صف للبحث الخارج تقريباً في قم، إضافة الى حوالي (30) صف للبحث الخارج في مشهد وطهران واصفهان. وهي نسبة يعتقد الإيرانيون أنها قليلة؛ قياساً بحاجة (70) مليون شيعي في ايران وحدها، فضلاً عن حاجة الدولة المتزايدة الى الدراسات الفقهية لقضاياها المتشعبة.
ومن مجموع منتسبي الحوزات العلمية الإيرانية، يوجد ما يقرب من (15) ألف منتسب غير ايراني ينتمون الى حوالي (70) جنسية، وغالبيتهم من العراق وافغانستان وباكستان والهند ولبنان والبحرين والسعودية وأذربيجان. كما أن هناك أكثر من (20) ألف منتسبة من النساء، بينهنّ مجتهدات وعالمات دين معروفات.
و يعد مكتبا ( السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني ) أهم مكتبين مرجعيين في قم. ويعمل مكتب السيد الخامنئي بشكل مستقل إدارياً ومالياً ووظيفياً عن مكتبه الرسمي في طهران؛ لأن مكتب قم هو مكتب مرجعي حوزوي، ويمارس شأناً دينياً علمياً محضاً، ويشرف على عمل المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية الدينية التابعة له، وشؤون الوكلاء والمعتمدين المرجعيين داخل إيران وخارجها. في الوقت الذي لايزال السيد الخامنئي يقدم دروسه في البحث الخارج في حسينية الإمام الخميني في طهران، ويحضرها ما يقرب من (700) عالم دين.
أما مكتب السيد علي السيستاني في قم؛ فلعله أنشط مكتب مرجعي في العالم وأكثرها تنظيماً وتقديماً للرعاية العلمية والتبليغية والخيرية، ويشرف على المؤسسات والمكاتب الفرعية لمرجعية السيد السيستاني داخل ايران وكثير من دول العالم.
فضلاً عن وجود تسع جامعات وما يقرب من (200) مدرسة علمية دينية , فإن حوزة قم تضم أكثر من (150) مركز تبليغ وبحوث ودراسات وتحقيق ونشر وطباعة، و حوالي (50) مجلة علمية تخصصية، وعشرات المكتبات العامة، وأكثر من (20) مركز بحثي وتحقيقي كمبيوتري , وعدد من المؤسسات الخدمية والمالية والخيرية.
زعماء الشيعة الدينيين :
يمكن القول أن 80 بالمائة من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج العربي ولبنان وسوريا والهند وباكستان وأفغانستان وأذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان أفريقيا وأروبا والأميركتين، يقلدون السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي. أما إلـ 20 بالمائة الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الثاني أو الثالث أو الرابع , ولعل أغلب المسلمين والمتشیعین الجدد، ولا سيما في شرق آسيا و أفريقيا وأروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السید علي الخامنئي والسید علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغاً خارج المساحات التقليدية للشيعة.
مراجع الصف الأول :
1- السيد علي الحسیني السيستاني : المرجع الديني الأعلى على مستوى العراق وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني من مدينة مشهد، وتعود أصوله إلى أسرة مهاجرة من العراق، ويقيم في النجف الاشرف منذ أكثر من (60) عاماً، و هو وريث مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، وقد تفرّد بالمرجعية النجفية العليا في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً بعد رحيل مراجع النجف الكبار: السيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والشيخ علي الغروي والشيخ مرتضى البروجردي والسيد محمد الصدر والسيد حسین بحر العلوم.
2- السيد علي الحسیني الخامنئي : المرجع الديني الأعلى على مستوى إيران وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني مقيم في طهران منذ حوالي (40) عاماً، وتعود جذوره إلى أسرة عراقية هاجرت إلى مدينة خامنه الإيرانية، وهو وريث مدرسة الإمام الخميني وحوزة قم. وقد برزت مرجعيته في عقد التسعينات من القرن الماضي، ولا سيما بعد رحيل مراجع قم الكبار: السيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ محمد علي ألأراكي والشيخ فاضل اللنكراني والشيخ جواد التبريزي والشيخ محمد تقي بهجت.
مراجع الصف الثاني :
1- السيد محمد سعيد الطبطبائي الحكيم، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة السيد محسن الحكيم وحوزة النجف.
2- الشيخ محمد إسحق الفياض، أفغاني يقيم في النجف، وهو امتداد مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.
3- الشيخ بشير النجفي، باكستاني يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.
4- الشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.
5- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.
6- السيد كاظم الحسیني الحائري، عراقي من أصل إيراني يقيم في قم، وهو امتداد مدرسة السید الشهيد محمد باقر الصدر وحوزة النجف.
7- السيد موسى الشبيري الزنجاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.
8- الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.
مراجع الصف الثالث :
1- السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.
2- الشيخ حسين النوري الهمداني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخمیني وحوزة قم.
3- السيد صادق الحسیني الشيرازي، عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة شقيقه السید محمد الشیرازي وحوزة کكربلاء.
4- الشيخ جعفر السبحاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.
5- السيد علاء الدين الموسوي الغريفي، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.
6- الشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة السید الشهيد محمد الصدر وحوزة النجف.
مراجع الصف الرابع :
بيد أن هناك من الشیعة من لا زال ـ بناءً علی فتوى أحد المراجع الأحياء ـ باقیاً علی تقليد المراجع الراحلين، كالإمام الخميني والإمام الخوئي والسید محمد صادق الصدر والسید محمد رضا الگلپايگاني والسید محمد حسین فضل الله والشیخ محمد تقي بهجت و السید الشهيد الأول محمد باقر الصدر ( وهو أقدم مرجع ديني لا زال هناك من یقلده ).
سابعاً : الحكم الشيعي – التوافقي في العراق 2003- 2023م
لقد كان العراق يعرف بأنه بلد شيعي، وكذلك اليوم هو بلد شيعي في الوقت الحاضر. وإليك التقسيم الآتي على حسب كثرة الشيعة في المحافظات ـ كما يطلق عليها اليوم ـ وهو كما يلي:
: مناطق العتبات المقدسة
أ : محافظة النجف الأشرف.
ب : محافظة كربلاء المقدسة.
ج : مدينة الكاظمية في العاصمة بغداد .
د- : مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين .
إن الأغلبية السكانية لهذه المناطق هم من الشيعة، وإذا وجد فيها البعض من المذاهب الأخرى أو الأديان، فهو نادر أو قليل جداً خاصة في كربلاء والنجف.
2: المناطق الجنوبية
أ : محافظة البصرة.
ب : محافظة ميسان .
ج : محافظة الناصرية.
فهذه المناطق كسابقاتها من مناطق العتبات المقدسة نسبة الشيعة فيها حوالي 9. 99%
3 : العاصمة بغـــــــداد
والتي تعتبر عاصمة الدولة العراقية في الوقت الحاضر، والأغلبية فيها على المذهب الشيعي، ويشكل الشيعة فيها حوالي 75% تقريباً , وفي بعض المناطق فيها يشكل الشيعة 9. 99% من سكانها مثل: مدينة الكاظمية والثورة ( مدينة الصدر) والكرخ والبياع وغيرها
فالمناطق الشيعية فيها ذات كثافة سكانية عالية و لا توجد منطقة في بغداد لا يوجد فيها شيعة بنسبة كثيرة , و اغلب مناطق بغداد شيعية و بعضها مختلطة باستثناء مدينة الاعظمية وبعض المناطق السنية الصغيرة في جانب الكرخ , و اغلب سنة بغداد يتركزون في اطرافها وهي مناطق قليلة جدا بالكثافة السكانية قياسا بمركزها, ويشكلون نسبة 20-25% من عدد سكانها في الوقت الحاضر.
لكن بكل الاحوال اصبح الشيعة الاغلبية الساحقة في بغداد في بداية الستينات من القرن العشرين مع الهجرات الجماعية من الارياف الى المدن , وبعد التغيير عام/2003م.
4 : بعض المحافظات الوسطى
مثل: الكوت والحلة والديوانية يمثل الشيعة فيها 99% من نسبة السكان تقريباً، والبعض الآخر مثل السماوة، يشكل الشيعة 90% أما محافظة ديالى فنسبة الشيعة فيها 85%، أما الرمادي وتكريت فالأغلبية فيها سنية، ويوجد الشيعة أيضاً في هاتين المحافظتين بأعداد واضحة.
5: المحافظات الشمالية
أربيل والسليمانية ودهوك والأغلبية فيها للمذهب السني كما ينقل، وأيضاً يوجد الشيعة فيها بأعداد كبيرة, أما في كركوك والموصل فالشيعة فيها حوالي 40% تقريباً.
وهذه الأرقام والنسب التي ذكرت هي للدلالة وكلها أرقام تقريبية، أما النسبة المتفق عليها والتي هي القدر المتيقن كما يراها البعض فهي أن 85% من سكان العراق من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) و12% بقية المذاهب السنية الأربعة، و3% بقية الطوائف والأديان الأخرى. ولكن ورغم هذه النسبة، وما يمثله الشيعة من أكثرية في سكان العراق، إلا أنهم خارج المناصب العليا في الدولة، وأصبحت المناصب والحقائب الإدارية وزمام القوة هي بيد الأقلية في بالبلاد، رغم أن جميع القوانين والأنظمة الإلهية بل حتى الوضعية منها تعطي الحق لمن يمثل الأكثرية في إدارة شؤون البلاد. ()
اما بالنسبة لمحافظة ديالى فالشيعة لا يقلون بها عن النصف ان لم يكونوا اكثر , فقط في قضاء الخالص الشيعي عدد سكانه حوالي ٤٠٠ الف نسمة , و غيرها من مناطق شيعية كثيرة في ديالى بل حتى مركز ديالى بعقوبة اذا حسبنا بعقوبة و النواحي الشيعية التابعة لها , تكون نسبة الشيعة حوالي نصف سكان قضاء بعقوبة خصوصا ان فقط ٢٠٪ من سكان ديالى هم الأكراد الفيلية الشيعة.
اما بالنسبة لمحافظة صلاح الدين فالشيعة لا يقلون عن ٢٠٪و يشكلون اغلبية في اقضية الدجيل و بلد و طوزخورماتو .
اما بالنسبة لمحافظة نينوى يشكل الشيعة مع باقي الاقليات كالمسيحيين و الأيزيديين ما لا يقل عن ٣٥٪ .

من هم الشيعـــــــــــــة ؟ :-
الشيعة الإمامية الاثنا عشرية : هم تلك الفرقة من المسلمين الذين يقولون أن عليًا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان , وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية في فكرهم الديني , وسُمُّوا بالاثني عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا بعد النبي (ص) دخل آخرهم السرداب بمدينة سامراء وغاب فيه.
عاش الشيعة في عهد حكم صدام حسين المجيد ( 1979- 2003 ) م محنة كبرى لا تقل عن سائر المحن التي مروا بها , وسجل التاريخ من جرائم طاغية بغداد وأعوانه بحق الشيعة ما لا يقل عن جرائم أسلافه أمثال (معاوية ويزيد والحجاج والمنصور وغيرهم ) .
بدءاً بالتهجير الى أيران على وجبتين الأولى سنة 1970 والثانية سنة 1980 , ثم منعه المواكب الحسينية والكتاب الشيعي في المكتبات العامة ودور النشر, وتتبعه للمؤمنين والعلماء سجناً وقتلا, ثم تصفية رجالات ومؤسسات الشيعة بما يضيق به من مجلدات لاستيعابه وبيانه.
وقد كشفت القبور الجماعية عن غيض من فيض من المعاناة التي عاناها الشيعة في العراق حين سجنوا وحرقوا وذوبوا في أحواض التيزاب , وحين أرُّعبت نساؤهم وأطفالهم , وحين اصطبغت الأرض بدمائهم , بسبب مشروعهم السياسي الحديث الذي عبر عنه الشهيد السيد (محمد باقر الصدر1935-1980 ) في كتاباته وبحوثه ومحاضراته , أعقبه الشهيد السيد ( محمد صادق الصدر1943- 1999) في نهضته الجديدة حينما فَعل صلاة الجمعة شيعياً في العراق لأول مرة.
الشيعة والأغلبية النيابية :
بعد سقوط نظام البعث في نيسان /2003م ظل شيعة العراق يملكون الأغلبية النيابية المرجحة في البرلمانات الأربعة التي شكلت بعد غزو العراق من قبل قوات التحالف الدولي عام/ 2003، وتمكين الأميركيين لهم بأن يحكموا البلاد وفق الأغلبية العددية التي تصل إلى ما يقرب من 60 في المئة من عموم المجتمع العراقي، بأكثر من 180 نائباً.
وفي البرلمان، توافقوا على أن تكون السلطة التنفيذية بيدهم، أي رئاسة الوزراء الذي يتولى القائد العام للقوات المسلحة، من خلال نظام محاصصي بين المكونات الثلاثة الرئيسة (شيعة، سنة، كرد)، إضافة إلى أقليات أثنية لا تتخطى 10 مقاعد في أحسن الأحوال، موزعة على المسيحيين والتركمان والصابئة واليزيدية والشبك، الذين خصصت لهم مقاعد بحسب نسبة أعدادهم.
التوافقية الشيعية وديكتاتورية القرار:
لكن التوافقية التي حكمت شيعة العراق ومكنتهم من الاستمرار طوال 23 عاماً حتى الأن , لم تستمر جراء الخلافات المتراكمة التي نتجت من سوء الإدارة وفوضوية الحكم واستغلال مزاياه بمنافع شخصية وحزبية، وكذلك الإثراء الذي ساد حين تحول أعوان النظام إلى أمراء حرب وسياسة، إذ استأثروا بالسلطة والمال العام وحولوا الشعب إلى مجاميع من الفقراء المعدمين, تعتاش الأغلبية منه على نظام الرعاية الاجتماعية.
إضافة إلى تفرد الإدارات التي تزعمها حكم حزب الدعوة الإسلامي لثلاث دورات وتوليه رابعة لإسلاميي المجلس الأعلى المتمثل بعادل عبد المهدي الذي أخرجته الجماهير المنتفضة في أكتوبر (تشرين الأول) العام /2019، إثر تظاهرات راح ضحيتها المئات، طالبت بحكومة تصريف أعمال مهمتها إجراء انتخابات مبكرة حدثت في أبريل (نيسان).
انتخابات عام/2021 أسقطت محاولات التزوير:
ظنت الإدارات السياسية التي يتولاها الإسلام السياسي الذي لديه أجنحة عسكرية أن يتكرر الدور ذاته في انتخابات 2018 و2021 علهم يحصدون مقاعد أكثر، لكنهم جوبهوا بصرامة الإجراءات التي طبقت في الانتخابات الأخيرة، إذ ضيقت نسب التزوير والتدخل بنظام انتخابي جديد فردي يحول دون تدخل رؤساء الكتل.
وكانت النتيجة فوز غريمهم – التيار الصدري – بالأغلبية الانتخابية التي وصلت إلى 75 مقعداً، في حين جاء خصومهم الشيعة بالمرتبة الثالثة بـ 34 لدولة القانون التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتفوق عليهم تكتل عزم السني بـ 38 مقعداً، مع عقدة جديدة تحول دون انتقال الأعضاء إلى أية كتلة إلا بعد تشكيل الحكومة، فحال ذلك دون جمعهم الأصوات من المستقلين أو شرائها، ورجح أن تكون الكتلة الصدرية هي الأكبر لتشكيل الحكومة، مع إصرار زعيمها مقتدى الصدر على عدم الاتفاق مع الشيعة الولائيين وعدم التخندق والتوافق معهم لتشكيل الحكومة للمرة الأولى في المشهد الشيعي الذي اعتاد التحالف الانتخابي.
وعلى الرغم من استقالتهم على الرجوع إلى عرف درجوا عليه يسمى “الأصوات بسلة واحدة”، بحسب التقسيم العرضي (شيعة، سنة، كرد)، فإن المياه جرت من جسور جديدة من تحتهم، ووجدوا أنفسهم وحيدين وبضعة أتباع يغادرون الجلسة الأولى محطمين الآمال، بعدما حاولوا قلب المعادلة ضد غريمهم القوي مقتدى الصدر الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة وقوية ومنضبطة، وصار يملك الشارع الشيعي ويتمثل آماله بحكومة أغلبية وطنية وصفها بأنها “لا شرقية توالي إيران ولا غربية توالي أميركا”، بل حكومة عراقية جاءت باستحقاق نيابي.
مأزق جديد للشيعة الولائيين :
أدخل هذا الوضع شيعة العراق في مأزق جديد للمرة الأولى بين مرجعيتين عراقيتين، واحدة تتبع النجف وأخرى ولائية تتبع المرشد الأعلى في إيران، وقد رأى بعض المطلعين الشيعة حدوث انقسام شيعي خطر بين النخب الشيعية يرتد إلى المكون نفسه، بحسب الباحث حيدر الموسوي مدير مركز القرار، وهو منظمة شيعية التوجه.
يقول الموسوي، “إنه انقسام كبير لم تمر به الطائفة الشيعية في العراق، لا في تاريخها الحديث ولا القديم، وحدة الشيعة كانت أقوى بكثير من كل المكونات الاجتماعية الأخرى، بل كانت أقوى حينما كانوا من دون سلطة ويعيشون الحرمان والمظلومية، لكن ما إن وصلت مقاليد الأمور إليهم حتى بدأ كل واحد منهم يحاول إقصاء الآخر وتهميشه”.
وكانت مظلومية الشيعية والتلويح بها تميمة تضعها المرجعيات الدينية والسياسية في وجه أي نظام بديل، وتطالب باستحقاقات عن تلك المظلومية التي تصل في تاريخها إلى 1400 سنة في الموروث السياسي الشيعي، الذي بنى استراتيجيته على حقوق تاريخية معقدة الفهم للجمهور الشيعي المعاصر وصعوبة التحقق، لأنها باتت موغلة في الزمن في وقت تغير الناس وتنورت آفاقهم نحو النظم الديمقراطية التي تطالب بحياة وعيش أفضل وأكثر أمناً، تتوافق مع المجتمع الدولي وقيم الحرية والعدالة والانعتاق والديمقراطية.
متغيرات جديدة وآفاق أرحب :
في السلطة والحكم غير أن تكون في المعارضة، تجاهر من أجل رفع المظلومية التي تجد صداها لدى العامة، إذ إن تولي إدارة الدولة يجعل الجمهور يطالب بتوفير مستلزمات العيش أولاً والحياة الكريمة، ويكون شريكاً في معرفة سُبل توزيع المال العام ومعرفة منافذ صرفه، لكن تراكم الفساد والخلافات في الإدارات العراقية التي تولاها الشيعة لخمس حكومات متعاقبة من دون حلول ناجعة وسماع خطاب لا يقدم خبزاً وكرامة للعامة، أدى إلى الاحتجاجات والفوضى في البلاد والقتال في الشوارع وحرق القنصليات, ولاغتيالات المتبادلة .
الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي في جلسة تخللتها مشادات وفوضى :
لقد أدمن الشعب التظاهر والاعتراض على ما يحدث من تدليس ووعود زائفة، وإدراك عياني من مدنهم ذات الأغلبية الشيعية المحطمة، بل الغارقة في الوحل والمدارس الطينية، وانعدام الخدمات والمشاريع الوهمية للسلطة التي تلوح بالملفات مع خصومها، ولا تريد أن تحل قضية فساد واحدة وتلجأ للتزوير وشراء الذمم أثناء الانتخابات، وتجلس في قصور الظلمة .
إن ما يحدث في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شيعة العراق أمر جاء نتيجة خلافات شخصية وفشل حقيقي في الأداء السياسي وإهمال الجمهور الشيعي، بخاصة في الوسط والجنوب، فالمواطن الشيعي في تركيبته السيكولوجية علماني متدين، ولكن لم تتمكن القوى التقليدية الشيعية من احتواء الشارع بعد الحراك الاحتجاجي، وتحول هذا الاضطراب إلى فوضى وجرى استثماره من قبل الفاعل الخارجي.
تراكم الخلافات منذ حملة “صولة الفرسان”:
كل هذه الأوضاع تحولت إلى نزاع داخل البيت الشيعي الذي لم يكن يوماً موحداً إلا خلال مجابهة الديكتاتوريات يوم كانوا خارج السلطة ملاحقين، وحين كانوا محتمين في أقبية المعارضة خارج العراق .
غير أن السلطة أخرجت تلك القناعات والموروث إلى السطح، فكانت جولات في الصدام مع (الأخوة الأعداء) أيام (صولة الفرسان) في البصرة التي شنها رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الدعوة الإسلامي الشيعي نوري المالكي في مارس (آذار) 2008 على ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر، واعتقل المئات من أفرادها وقتل العشرات، وعدت هذه أول حرب شيعية – شيعية لم تهدأ جمرتها بقلوب الصدريين حتى الساعة، لأن كثيراً منهم نفوا وسجنوا وصدرت في حقهم أحكام قضائية.
الخلاف الشيعي – الشيعي استمر حين ظل الصدريون يساندون غالبية الاحتجاجات الشعبية، ووفروا الحماية والدعم اللوجيستي – في كثير من الأحيان- للمتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد , وباقي الساحات في الجنوب العراقي .
كان الصدريون الوجه الآخر للمعارضة ضد الحكومات الشيعية، لهم السطوة في الشارع كمجموعة منظمة تملك القدرة على المجابهة، ويدرك الآخرون من أعوان السلطة والحكم بأن دخول الصدريين والطلبة إلى الساحات العامة يشكل أزمة كبيرة للنظام العام الشيعي ولأي حكومة.
من جهة أخرى، فإن تراجع حظوظ أعضاء الإطار التنسيقي جاء على خلفية متغير تضارب المواقف واختلافات الرؤية بين الحرس الثوري الذي كان ممسكاً بالملف العراقي خلال فترة الجنرال قاسم سليماني، وبين وزارة الاستخبارات والأمن الوطني (الاطلاعات) بحسب مصادر عليمة أكدت أن تغيراً إيرانياً في الأداء إزاء إشكالات الملف العراقي برمته كونه ورقة تفاوض، والإمساك بالملف العراقي من دون الغرق في التفاصيل والترجيحات، مع التعامل بواقعية مع نتائج الانتخابات والتعامل مع معطياتها بمهنية من خلال رسائل التهنئة التي قدمها رئيس البرلمان الإيراني للرئيس محمد الحلبوسي حال إعلان انتخابه، وأن الإيرانيين ما عادوا يتدخلون في تغيير معادلة نتائج الانتخابات حتى لو خسر حلفاؤهم من الشيعة.
لعله انقلاب أبيض أحدثه السيد – مقتدى الصدر- في البيت الشيعي العراقي ستظهر نتائجه بعد تشكيل الحكومة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ويُرجح بأن يكتشف أصحاب الإطار التنسيقي أن كثيراً من أتباعهم قفزوا من سفينة نوري المالكي التي تأخرت كثيراً في الرسو في ميناء السلطة، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع فوز إياد علاوي العام /2010، لكن لم يمنح أفضلية تشكيل الحكومة وسرعان ما تقافز حلفاؤه في ذلك البرلمان نحو سفينة المالكي التي رست عند شواطئ تشكيل الحكومة. ()
التجربة المرة :
كانت تجربة الشيعة في الحكم بعد عام / 2003 في العراق غير موفقة ، بل كارثة كبرى، اذ انها جلبت او جرت المذهب الجعفري والشيعة الى المشاركة والمنافسة في السياسة وادارة الدولة، فظهرت كل العيوب والمساوئ والانحرافات او الاشكالات العقائدية او المذهبية عبر الفساد والفشل والاخفاق والنهب المنظم لثروات الشعب وظلم فقراء الشعب وسحقهم (كما فشلت حركة اخوان المسلمين والوهابية في الخليج)، ولازلنا نؤكد على ان اسلوب السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) في فتح حوزته، ومسجد الكوفة لعوام الناس، او ما يطلق عليهم اليوم اتباع التيار الصدري، كانت تجربة مريرة، لا تختلف كثيرا عن تجربة الامام علي ع او الامام الحسن والحسين ع مع شيعة الكوفة، مع انها انتجت الصفوة او الثلة المخلصة، ولكنها انتجت ايضا القاعدة الجماهيرية المتناقضة والمتباينة في تدينها او ايمانها، فالجاه والسلطة صنعت الظاهرة القارونية في البلاد، مع انها اكثر توحشا وتجاوزا ونهبا من قارون نفسه.
كان الناس من مختلف الاديان والطوائف تلوذ بالمراجع ورجال الدين الشيعة، اليوم بات يردد الشيعة والشعب “بأسم الدين باكونه اي سرقونا الحرامية”، يكرهون سيرة او ذكر اسم رجل الدين او اي زعيم او تيار سياسي اسلامي شيعي او سني، في مرحلة تاريخية مصيرية، وضعت الدين والمذاهب والحركات الاسلامية على طريق المواجهة الشاملة مع الحضارة الالكترونية – الفضائية.
كان الناس يعتقدون ان رجل الدين او الاسلامي الحركي صاحب كتاب الحلال والحرام والخطوط الحمر، لا يمكنه ان يسرق دينارا او سنتا واحدا، او حتى يكذب او يكون منافقا وانتهازيا، لان زحمة ضخ الصور الدينية والاحاديث الصحيحة والملفقة عن نزاهة الصحابة او السلف الصالح، والاتباع والخلفاء والولاة، جعلت من تلك الاكاذيب حقائق راسخة بالوجدان الشعبي للمسلمين، لكنها سقطت مع اول تجربة جلبت الويل والفساد والارهاب والفوضى للمجتمعات، الفساد الذي لم يستثني مجالا معينا، بما فيها مجالات قوت الناس وادويتهم واحتياجاتهم الاساسية (كما حصل من نهب للبطاقة التموينية واموال مخيمات النزوح، والادوية ومشاريع بناء المستشفيات والمدارس وتعبيد الطرق، وبقية الخدمات الضرورية لحياة وبيئة امنة خالية من الاوبئة والامراض) .
بعد ان مرت الشعوب العربية المسلمة (السنية والشيعية) بتجارب الحكم الديني الطائفي الفاشلة، التي لم تخلف غير الفساد والمعاناة والجهل والتخلف والارهاب، صار لزاما ان تفكر هذه الشعوب بصناعة دولة الامة الموحدة خلف الفكر والثقافة السياسية التنموية، التي بدورها ستكون قادرة على ان تنتشل ابناء تلك المجتمعات المحطمة بسبب البطالة والفراغ، وانتشار الجريمة والمخدرات، او حالات الاحباط واليأس، الى واقع التنافس والسباق الدولي نحو بناء دولة التطور والازدهار والتكنولوجيا، لا سبيل للنجاة او الخروج من هذه المأساة، الا بالوحدة الاجتماعية والالتفاف حول النخب المثقفة والمفكرة، تلك التي لا يمكنها ان تنظر الى الحياة على انها وسيلة لاغتنام الفرص، انما الى حياة العمل والصناعة والانتاج والتقدم العلمي، الذي سيجلب السعادة والامل والرفاهية والامن والاستقرار كما حصل في اوربا الحديثة، بعد معاناتها الطويلة مع حكومات القرون الوسطى، فالتطور الاخلاقي والعلمي والابداع الانساني جاء بإرادة الله عز وجل، وليس عبر بوابة الكنيسة او المسجد او الحسينية او فتاوى الفقهاء او المذاهب والفرق.
الاسلام اوسع من ان يختزل بحوزة او معهد ديني او رجل دين او حركة اسلامية، هو يمثل اهم قاعدة الهية متينة لبناء المجتمعات الانسانية على اسس ومنطق علمي عقلاني رصين، لا يمكنه ان يتجرد عن اسرار واكتشافات هذا الكون الواسع. ()

 

 

 

المصـــــــــــــــــــــــــــادر:
1 – التاريخ الإسلامي لستيفن همفريز : وهو مؤرخ أمريكي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ميشيغان عام 1969 وبروفيسور في جامعة كاليفورنيا وهو متخصص في تاريخ جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا.
2 ــ البداية والنهاية ج 11
3 ــ يتيمة الدهر ج 1 ص 37
4 ــ إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ج 1 ص 263
5- العلويون أو النصيرية / عبد الحسين مهدي العسكري/ 1980
جذور حركة القرامطة / عبد المنعم عزيز النصر/ مطبعة أسعد – بغداد / 1986
7 ــ تاريخ الحكماء
8 ــ معجم البلدان
9 ــ تاريخ ابن كثير / حوادث سنة (507 هـ)
10 ــ أعيان الشيعة
11 ــ نهر الذهب في تاريخ حلب
12 ــ مجالس المؤمنين
13 ــ خطط الشام
14 ــ الأزهر في ألف عام
15- الغيبة / محمد أمين غالب الطويل / مطبعة النعمان في مدينة النجف 1385هـ.
16 ـ الفصل في الملل والاهواء والنحل / طبعة الخانجي / القاهرة 1321هـ
17 ــ الدولة الحمدانية ج 1 ص 3
18 ــ سيف الدولة وعصر الحمدانيين
19 ــ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم
20 ــ أخبار الشجعان
21 ــ الفتوح العربية الكبرى
22- الأخبار الطوال: الدينوري ص334.
23- الفخري: ص115 وما بعدها.
24- مقاتل الطالبيين: الأصفهاني ص487-488 .
25- موسوعة المعارف الإسلامية: العلامة حسن الأمين ج1.
خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين/فرهاد دفتري/ص 36 – 39
بوابة الحرمين الشريفين – القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري نسخة محفوظة فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.
موقع مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الإسلامية / 26 سبتمبر 2012.
السيد محمد الشيرازي / كراسة الشيعة والحكم في العراق/ طبعة 2002م.
صباح ناهي/ كيف تهاوى البيت الشيعي في العراق ؟ / موقع INGEPENDET عربية/ 13 يناير 2022. 33- 33- مهدي الصافي / التجربة السياسية الشيعية في العراق/ صحيفة المثقف الصادرة في أستراليا العدد5259 في 28 كانون الثاني 2021.
موقع سلسلة_مشروع_نهضة_الأمة. https://www.facebook.com/profile.php?id

 

أحدث المقالات