ـ يستخدم سياسيونا ونوابنا وإعلاميون كلمة “سيادة” العراق.. في كثير من خطاباتهم وتحليلاتهم.. فما مفهومها ؟ وما مظاهرها؟!! وهل لعراق اليوم سيادة ؟
ـ بداية لابد من الإشارة إلى أن قيام الدولة المعاصرة بأركانها الثلاثة: الشعب.. والإقليم.. والسلطة السياسية.. يترتب عليه تميزها بأمرين أساسيين.
الأمر الأول: تمتعها بالشخصية القانونية الاعتبارية.
ـ الأمر الثاني: كون السلطة السياسية فيها ذات سيادة.. ولأهمية السيادة في الدول فقد جعلها البعض الركن الثاني من أركان الدولة.
ـ فالسيادة: هي مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة.. وهي: سيادة قانونية.. وسيادة سياسية.
ـ السيادة القانونية: هي السلطة القانونية المطلقة التي تملك ـ دون منازع.. وهي الحق “القانوني”.. في مطالبة الآخرين بالالتزام والخضوع على النحو الذي يحدده القانون.
ـ أما السيادة السياسية: فهي القوة السياسية غير المقيدة.. أي القادرة على فرض الطاعة.. وهي ما تستند غالباً إلى احتكار قوة الإرغام بقوة القوانين والدستور.
استخدام مصطلح السيادة:
ـ يستخدم مصطلح السيادة بصورتين مختلفتين ـ وإن ظلتا مترابطتين- للإشارة.
الأول: السيادة الداخلية:
ـ وتشير إلى القوة أو السلطة العليا داخل الدولة.. ممثلة في الهيئة صانعة القرارات الملزمة للمواطنين والجماعات والمؤسسات داخل حدود الدولة كافة.. وترتبط السيادة الداخلية بهذا المعنى الداخلي بمفاهيم مثل “السيادة البرلمانية”.. و”السيادة الشعبية”.
ـ تُركز السيادة الداخلية: في يد هيئة أو كيان معين (الملك أو الرئيس.. أو الإرادة العامة.. أو البرلمان.. وهو ما يفسر تزايد الانتقادات الموجهة ضد هذه التصورات “التقليدية” للسيادة في ضوء عدم تماشيها مع النظم التعددية الديمقراطية القائمة على شبكات معقدة من علاقات الرقابة والتوازن.
ـ أما مبادئ الديمقراطية الليبرالية.. فهي تتناقض جوهرياً مع مفهوم السيادة.. إذ تدعو هذه المبادئ عدم تركيز القوة.. وتوزيع السيادة بين عدد من المؤسسات.. لا تستطيع إحداها ادعاء السيادة.
ـ ويظهر ذلك بوضوح في النظم الفيدرالية القائمة على التشارك في السيادة.. مع ما يقتضي ذلك من توازنات.. وعلى خلاف الوضع بالنسبة للسيادة الداخلية المتقادمة.. نتيجة للتطورات الديمقراطية.
ـ الثاني: السيادة الخارجية:
ـ وترتبط بوضع الدولة في النظام الدولي.. ومدى قدرتها على التصرف ككيان مستقل (مفهوم السيادة الوطنية.. أو الدولة ذات السيادة).
ـ فإن قضية السيادة الخارجية أضحت أكثر أهمية.. فالعديد من الخلافات الأكثر عمقاً في العالم المعاصر.. وترجع أسبابها ـ في نسبة كبيرة منها- إلى مطالب متعارضة لفرض السيادة على أقاليم معينة.
ـ كما أن مفهوم السيادة الخارجية أصبح يعبر عن مبدأ الاستقلال الوطني.
ـ فالدولة ذات السيادة هي وحدها التي يستطيع مواطنوها تحديد وجهتها ومصيرها.. وفقاً لاحتياجاتهم ومصالحهم.. والتفريط في السيادة يكون مرادفا للتنازل عن حرية المواطنين.
ـ وهو ما يفسر الحساسية الشديدة تجاه أي مساس بالسيادة الخارجية أو الوطنية.. والتمسك بالدفاع عنها.. وعادة ما يشار إلى الجاذبية الكامنة في الأيدولوجيات القومية.. وقدرتها على اجتذاب الأنصار والمؤيدين كدليل على ذلك.
ـ أن جوهر السيادة الخارجية قائم على أساس العلاقات الخارجية بين الدول.. قائمة على أساس المصالحة المشتركة بين الدول والاحترام المتبادل.. وليس غير ذلك.. لتعزيز السيادة الخارجية للدول.
إلا أن ثمة انتقادات أخلاقية.. ونظرية موجهة لمفهوم السيادة الخارجية.
ـ فمن الناحية الأخلاقية.. يمثل مفهوم السيادة الخارجية حاجزاً يحول دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.. حتى حال انتهاك هذه الدول الحقوق الطبيعية لمواطنيها.
ـ وتنبع المشكلات النظرية من عدم تلاؤم مقولة الدول المستقلة ذات السيادة.. مع الواقع.. وما يشهده من تزايد الاعتماد المتبادل.
ـ فالعولمة: مثلا تعني – في أحد أبعادها- انتهاء عصر السيادة السياسية مع تقليص نطاق السيادة القانونية.
المهم السؤال الملح: هل لدى العراق سيادة داخلية.. أو سيادة خارجية.. وأين؟
ـ وهل تدخل دول الإقليم بسياسة العراق الداخلية.. من خلال الأحزاب التي تعتمد في تمويلها على هذه الدول.. أو في أيديولوجيات هذه الأحزاب التي تتوافق مع أيديولوجيات أو مصالح هذه الدول.. تبقي للسيادة الداخلية والداخلية معنى ؟ أو على الأقل يثلم هذه السيادة؟ !!
ـ وهل التأثير القوي للولايات المتحدة الأمريكية في العراق على صعيد قادة العراق؟.. أو على صعيد إقليم كردستان؟.. يبقي للسيادة الخارجية والداخلية للعراق معنى؟
ـ وهل التأثير الايراني في تشكيل الحكومات العراقية.. واختيار رئيس الحكومة.. يبقي للسيادة العراقية معنى؟
ـ الأكثر: هل وجود معسكرات للقوات التركية داخل العراق.. سواء في شمال العراق (الموصل) او في اقليم كردستان.. من دون موافقة العراق.. يبقي للسيادة العراقية معنى؟
ـ هل سيطرة قوات حزب العمال الكردستاني التركي (ppk) ..على مناطق اليزيديين وغيرها.. يبقي للسيادة العراقية معنى؟
ـ أسئلة عديدة محيرة يتطلب إعادة النظر في كل العملية السياسية.. والمؤسسات الداخلية والخارجية.. وفي الدستور.. وفي الأحزاب السياسية.. لنستطيع الإجابة بوضوح على هذا السؤال؟