8 أبريل، 2024 4:37 ص
Search
Close this search box.

هل حان لأردوغان ان يواجه لحظة الحقيقة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

يشبّه الدكتور سونر جاغابتاي ، مدير برنامج الابحاث التركية في معهد واشنطن للشرق الاوسط ، تركيا بشجرة الكافاك في الاناضول ، وهي ، كما يقول ( أشجار رفيعة وطويلة ، هشّة في مظهرها ولكنها قوية بحيث انها عندما تهب الرياح الاناضولية القوية عبر السهل الواسع يمكنها ان تنحني بزوايا مذهلة لتتكيف مع قوة الرياح من دون ان تنكسر) . والسيد أردوغان ينحني بزوايا مذهلة وهو يواجه الرياح العاتية الهابّة من الغرب والشرق. هذا الرجل الذرائعي من الطراز الاول ، الذي يحاول التوفيق بين غير المتوافقين : قيم العلمانية وقيم الاسلام ، يواجه ازمات متعددة ومتناقضة ، قديمة ومتجددة ، ليس اقلها كيف يسير مع الشركاء الاعداء من غير ان يغضب الحلفاء الاصدقاء . وهذا طريق وعر مسلكه ، كمن يمشي في حقل من الالغام .

توجهت تركيا الجمهورية اجتماعيا وثقافيا وقيميا في الداخل، وفي سياستها الخارجية نحو الغرب باندفاع كبير . ويحاول حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الاسلامية الذي استلم مقاليد تركيا عام 2002 ان يحافظ على نوع من التوازن بين تطلعات تركيا العلمانية نحو الغرب والقيم الاسلامية التي يؤمن بها غالبية الشعب التركي ، وهذه الغالبية هي التي اوصلته الى قيادة البلاد . وبقيت تركيا الاردوغانية ترى ان مصالحها وطموحاتها لا تتعارض مع مصالح الغرب بقدر ما تتوافق في الكثير منها. وان الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي يتفهم مجالها الحيوي في بعض دول القوقاز و البلقان والشرق الاوسط في ضوء عثمانية أحمد داود أوغلو الجديدة . لقد ظلت تركيا عضوا مهمّا ووفيّا لألتزاماته في حلف الناتو منذ ان كانت في الخطوط الاولى للمواجهة مع الاتحاد السوفياتي سابقا، وبقيت صديقا للغرب في مواقفه تجاه روسيا الاتحادية راهنا ، وكيّفت سياساتها مع الناتو في الحرب على الارهاب وساهمت قواتها بشكل فاعل في عملياته في افغانستان وليبيا المسلمتين ، مدفوعة باعتقاد ان هذه السياسات بمجموعها ستمهد لها الطريق للدخول الى الاتحاد الاوربي وهي تحظى بدعم أمريكي كبير . الاّ ان مثل هذ الامر لم يحدث ، وبات في شبه اليقين ان باب الدخول سيبقى مغلقا الى وقت طويل ، أو لايفتح ابدا . . وبعد هذه المسيرة الطويلة المحفوفة بالمخاطر ، أكتشفت تركيا خلال السنتين الماضيتين ، حقائق مزعجة . أولها ان الناتو لم يكن الحليف الذي كانت تتوقعه، فأثناء الازمة الحادّة التي وقعت بين روسيا وتركيا بعد اسقاط الاتراك لطائرة عسكرية روسية في 24/11/2015 ، لم يكن رد فعل الناتو بالمستوى المطلوب سوى التصريح بشكل خجول من ان تركيا لها الحق في حماية مجالها الجوّي. هذا الموقف اشعر تركيا بأنها باتت مكشوفة الظهر ، مما تطلب منها تقديم الاعتذارات وابداء التنازلات لتلافي التصعيد مع روسيا ، وتقبّل بوتين الامر ، لأسباب متعددة من ابرزها محاولته جرّ تركيا الى موقفه من المسألة السورية الذي اصبح هو المسؤول الاول عنها بعد تراجع الادارتين الامريكيتين ، الديمقراطية والجمهورية . وجاء قرار كل من الولايات المتحدة والمانيا بسحب صواريخ باتريوت من تركيا ليزيد من ريبتها وليعطي مسوغا كافيا لها بالتوجه نحو روسيا لشراء منظومة صواريخ 400أس ، الامر الذي اثار حفيظة الناتو . ومما زاد في تعكير الاجواء أكتشاف تركيا ان صورة مؤسس الدولة التركية مصطفى أتاتورك كانت في لوحة تدريب الرماية لقوات الحلف في النرويج خلال التدريبات في تشرين الثاني من العام الماضي ، ولم تستطع ان تتقبل اعتذارات الناتو اللاحقة بسهولة، وبقي في النفس شيء منها . اما علاقاتها مع اوربا وبشكل خاص المانيا وهولندا فلم تكن بافضل من علاقاتها مع الناتو ، فقد وصلت الى درجة اتهم فيها اردوغان مستشارة المانيا انجيلا ميركل بتطبيق النازية في تعاملها مع الاتراك على اثر منع المانيا وبعض الدول الاوربية دخول الوزراء الاتراك للمشاركة في اجتماعات الجاليات التركية خلال حملة الاستفتاء على تعديل الدستور التركي. هذا اضافة الى انتقاد الاتحاد الاوربي اسلوب معالجة الحكومة التركية لتداعيات الانقلاب العسكري الفاشل ، مشيرا الى انه يشكل انتهاكا لحقوق الانسان يتعارض مع قيم الاتحاد الاوربي . كل ذلك يأتي في وقت تمرّ به العلاقات التركية – الامريكية بعدد من الازمات منها امتناع الولايات المتحدة عن تسليم السيد فتح الله كولن المقيم في بنسلفانيا / الولايات المتحدة ، الى تركيا التي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 15/7/2016 ، وقيام السلطات التركية باعتقال موظفين تركيّين يعملان في مقر القنصلية في اسطنبول بتهمة تعاونهما مع فتح الله كولن ، مما أدى الى وقف منح تأشيرات الدخول لرعايا كلا البلدين . كما وجّه القضاء الامريكي تهما الى مسؤولين أتراك بمساعدة ايران في برنامجها النووي من خلال الالتفاف على نظام العقوبات المفروضة على ايران بسبب ذلك البرنامج . فضلا عن ذلك فان الادارة الامريكية ، وكلما اقتضت المناسبة لذلك ، لاتخفي ادانتها لما يقال عن المجازر التي تعرّض لها الأرمن من قبل العثمانيين خلال الحرب العالمية الاولى. وفوق ذلك وجود اتجاه في بعض مراكز القرار والبحوث والدراسات الأمريكية يشير الى تحميل تركيا أردوغان مسؤولية دعم حركات اسلامية متطرفة، ومنها حركات تعتبرها الولايات المتحدة منظمات ارهابية ( والمقصود هنا حركة حماس الفلسطينية ) . هذه التوترات مع أوربا والولايات المتحدة، ومهما بلغت حدتها قابلة للأحتواء ويمكن تجاوزها اذا ما أستبعد سوء القصد وتوفر حسن النية وتحسنت الظروف الاقليمية . بيد ان موضوع دعم الادارة الامريكية لقوات سوريا الديمقراطية وغالبيتها من الكورد ، والتي تعتبرها تركيا ذراعا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن حربا انفصالية ضدّها منذ ثمانينات القرن الماضي ، يسبب لتركيا قلقا وجوديا لا يمكن التهاون به، وتعتبره مقوّضا لأستقرارها وأمنها ووحدتها ، ومعيارا لقياس درجة من هو الحليف ومن هو العدو . وتحسبا لأحتمالات تدهور علاقاتها مع الادارة الامريكية بشكل أكبر ، اتجهت تركيا لترميم علاقاتها مع أوربا عبر بوابتها الفرنسية . ومن هنا تأتي أهمية زيارة السيد اردوغان الى فرنسا في 5/1/2018 وزيارة وزير خارجية تركيا الى المانيا في 6/1/2018 . . تكشفت لتركيا أردوغان هذه الحقائق وهي في محورالمستنقع السوري الذي توغلت فيه باندفاع سريع وعميق . وخلال توغلها استضافت وساعدت مختلف اطياف المعارضة السورية المعتدل منها والمتطرف ، مدفوعة بدعم امريكي وغربي ومال خليجي وبمواقف مساندة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ، وكانت ممرا آمنا لكل معارضات سوريا الى الداخل السوري ، وراهنت على اسقاط نظام بشار الاسد الذي لم يسقط بفضل الروس والايرانيين وبفضل تخلي الادارة الامريكية والغرب عن اسقاطه . عندها، وفي ضوء ارتباك علاقاتها مع الغرب ، وجد السيد اردوغان ان تركيا أصبحت أمام خيارات صعبة، ربما سيتطلب منها اعادة النظر في توجهاتها القيمية داخليا وخارجيا . . ان اردوغان الذي بدأ مندفعا نحو المستنقع السوري ، يسعى الآن للخروج منه بتنسيق مع روسيا وأيران، ولا شيء يوقف هذا التنسيق الآ بتخلي الادارة الامريكية عن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية . او الحصول على ضمانات امريكية ، روسية وأوربية من انّ اي كيان سيعطى للكورد مستقبلا في سوريا، حتى وان كان حكما ذاتيا ، لن يشكل اي تهديد لأمن تركيا ، وبعكس ذلك ليس امام تركيا الاّ اعادة النظر بتحالفاتها والالتفات الى الشرق ، تصديقا لنبوءة الشاعر الانكليزي الهندي روديارد كبلنغ : الشرق شرق ، والغرب غرب ، ولن يلتقيا أبدا. وفي الحقيقة انها بدأت بذلك فقد اعلن السيد اردوغان اواخر عام 2016 عن امكانية انضمام تركيا الى مجموعة شنغهاي. ومن المعروف ان توجهات هذه المجموعة الساعية الى احلال نظام دولي عادل ومتكافيء لا يتوافق مع تطلعات الولايات المتحدة والناتو والغرب . كما انها بدأت فعليا منذ فترة بالتنسيق مع روسيا وأيران للتوصل الى حل سياسي في سوريا لايشترط رحيل الاسد ان لم يكن مساهما حقيقيا في المرحلة الانتقالية .

أن شجرة الكافاك لم يعد بمقدورها ان تنحني أكثر ، وأن لحظة الحقيقة تقترب ، وعلى السيد أردوغان مواجهتها .

هارفي السامي

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب