هل جرافات التغيير قادمة لتقليب التربة السياسية في العراق؟

هل جرافات التغيير قادمة لتقليب التربة السياسية في العراق؟

منذ عام 2003، أصبح العراق ساحة مفتوحة بكل ما للكلمة من معنى للعنف والطائفية والمذهبية السياسية والإثنية. فمنذ سقوط نظام البعث وحتى اليوم، يعيش الشعب العراقي تحت تأثير “نظرية العصا والجزرة”: إما المال الحكومي، أو التهديد والخوف من المليشيات المسلحة المتعددة الولاءات. وقد ترافق ذلك مع هروب الملايين من العراقيين إلى الخارج، وتهريب مليارات الدولارات من عائدات النفط إلى دول الجوار، في عملية استنزاف ممنهجة بحجة تشكيل “هلال جيوسياسي” مركزه طهران وأذرعه ممتدة في دول الشرق الأوسط.

سكت الشارع العراقي عن هذا الواقع المؤلم، لا لضعف أو جهل، بل لأن أكثر من ثلث السكان يعتمدون على الراتب الحكومي، الذي يأتي أساسًا من عائدات النفط. وبذلك، تم شراء صمت الناس مقابل لقمة العيش. لكن في تشرين الأول/أكتوبر 2019، انتفضت مجموعة من الشباب المحروم من فرص العمل والحالم بالعدالة والمواطنة، مطالبين بأن يكونوا متساوين مع أقرانهم في العالم المتحضر. خرج الآلاف في مظاهرات سلمية واعتصموا في الساحات، لكنهم قوبلوا بعنف مفرط من القوات الحكومية والمليشيات، وتم سحقهم بالرصاص الحي، ناهيك عن محاولات شراء قادة الحراك وإدخالهم في لعبة البرلمان بدعوى “الاستفادة من المنافع”، لتكون النتيجة في النهاية واضحة: فشل الحراك في تحقيق أهدافه، بل وفشل بعض شبابه في البقاء على قيد الحياة.

استمر المشهد العراقي غارقًا في فوضى الفساد والاغتيالات وسرقة المليارات، وسط منظومة سياسية مغلقة تشترك فيها خمس أو ست قوى رئيسية، تمتلك مليشيات وأذرعًا مالية ضخمة قادرة على سحق كل من يعارضها. خرج من هذه الدائرة “الإطار السياسي” طرفٌ اكتفى بالمراقبة رغم فوزه في الانتخابات الأخيرة، لكنه لم يشارك في الحكومة، ولا يبدو أن لديه الرغبة بصنع القرار أو المشاركة فيه مع الائتلاف الحاكم.

العالم اليوم في حالة تغير متسارع، تقوده التكنولوجيا والاقتصاد، وتصطدم فيه الأيديولوجيات القديمة بالمصالح الاقتصادية المتغيرة ، كلّ شيء مرتبط بشيء كما لو كان المشهد لوحة لعبة بازل يكمل بعض القطع بعضها . ومع اشتعال الحرب الأخيرة بين “الدولة العبرية” و”الدولة الإيرانية” التي دامت 12 يومًا، ظهر بوضوح أن المنطقة مقبلة على صراع قوى أكبر، يدمج بين التفوق العسكري والتقني، والخلفيات العقائدية المتوغلة في التاريخ والمستمدة قواها منه.

هذه المواجهة لن تمر دون أن تترك بصمتها على الواقع السياسي العراقي. فالمشهد مقبل على موسم سياسي جديد كليًا، لا يشبه لا زمن القوميين، ولا الإسلام السياسي، ولا العسكر. إنه زمن تُدار فيه السياسة بذكاء اصطناعي، وتحركه قوى خفية عابرة للحدود. البقاء فيه لن يكون للأقوى، بل للأذكى.

العالم اليوم يتحرك كالزلازل؛ تدفعه المصالح الاقتصادية وتصطدم فيه الأيديولوجيات. فهناك صراع إقليمي محتدم بين قوى تبحث عن السيادة والهيمنة، يتجلى في أشكال مختلفة، منها ما يشبه “صراع الديكة”، ولكن بأدوات نووية وتقنية.

بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا بين “الدولة العبرية” و”الدولة الإيرانية”، والتي بدت كصراع نفوذ وقوة بين خصمين عسكريين وتقنيين، وخصمين سابقين عقائديًا، يبدو أن انعكاسات هذا الحدث التاريخي ستمتد إلى العراق. نحن مقبلون على موسم سياسي جديد يختلف جذريًا عن حقبة القوميين في القرن الماضي، وعن مرحلة الإسلام السياسي، وعن كل ما سبق. موسم جديد تُدار فيه الأمور عبر الذكاء الاصطناعي، والقوى الخفية العابرة للحدود، حيث البقاء سيكون للأذكى، لا للأقوى.

بين إرث الفوضى وقوة الذكاء الاصطناعي… موسم سياسي جديد يُكتب على أرض الرافدين، ولكن بيد من؟ وماذا سيكون