يعد صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان في ١٠ /١٢/ ١٩٤٨ هو الانطلاقة الاولى لتوفير ضمانات قانونية لحرية العمل الصحفي والاعلامي في كل بقاع العالم ذلك كون الصحفي هو انسان قبل ان يكون صحفيا وعليه لابد ان يتمتع بكل الحقوق التي جاء بها ذلك الاعلان حيث نصت المادة التاسعة عشرة على ان لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون اي تدخل واستقاء الأنباء والافكار وتلقيها واذاعتها باية وسيلة كانت دون تقيد والى جانب ذلك ما ورد في القرارات الاممية العديدة التي اكدت في نصوصها الحق في الاعلام باعتباره حقا اساسيا من حقوق الانسان ومن ابرز تك القرارات قرار ٢٠/١٢/ ٩٣ الذي حدد الثالث من شهر مايس يوما عالميا لحرية الصحافة بعد اعتماد اعلان ويند هوك اثر اجتماع مجموعة من الصحفيين الافارقة عام ١٩٩١ الذي عقد في ناميبا الذي تبنى موقف صحفيين اثروا الموت او السجن في سبيل تزويدهم بالاخبار والمعلومات ليكون ذلك اليوم مناسبة يستذكر فيها الصحفيون في العالم شجاعة مواقف زملائهم من اجل حرية الرأي والتعبير
ولكون الاعلام سلطة رابعة كان الصحفيون دائما عرضة للاستهداف الذي قد يبلغ مديات تمس حياتهم خصوصا في البلدان غير الديمقراطية التي تضع خطوطا حمراء لايمكن تجاوزها من قبل الصحفيين بالاضافة الى تقييد حرياتهم مما يجعلهم يعانون من ذلك وان لم يتمكنوا من اطلاق شكاويهم والتعبير عنها بطريقة احتجاجية.
واذا ما توفرت مساحات من حرية العمل الصحفي في بلد ما فانها لابد ان ترتكز علي منطلق اساسي هو المسؤولية بمحدداتها الاخلاقية والمهنية والوطنية فخلاف ذلك تكون مناخات الحرية منفلتة قد تسئ للاخرين لتحقيق غايات نفعية وتشهيرية تتعدى الحدود الوظيفية لتبلغ الموانع الشخصية وحتى العائلية ذلك في ظل غياب تشريعات رادعة وضامنة لحقوق الجميع ٠ وعبر تاريخ الصحافة برزت ظاهرة ماسمي بالصحافة الصفراء التي تسعى الى التشهير من اجل الابتزاز كما تنتهج خطابا اعلاميا يحض على الكراهية بعيدا عن كل المعايير المهنية واخلاقيات العمل الصحفي وينشط هذا النوع من الصحافة عند تولي اشخاص غير صحفيين ادارات مؤسسات اعلامية جاءوا اليها من باب المنافع الشخصية وحب الشهرة والجاه والظهور واستثمار العلاقات التي يبنوها مع شخصيات نافذة في السلطة والمجتمع ٠ وثمة انتهاكات خطيرة قد تمارس بحق الصحفيين والاعلام في دول تدعي الديمقراطية تتعدى كل الاساليب والضغوطات ومصادرة الحريات التي يمارسها الاعلام الرسمي في دولة غير ديمقراطية ذلك تبعا لعائدية وسائل الاعلام تلك جهوية كانت ام حزبية او مملوكة لشخصيات متنفذة ماليا٠
وفي العراق الذي شهد توسعا كبيرا في تعدد وسائل الاعلام المختلفة وتنوع خطابتها بعد عام ٢٠٠٣ فلا شك انه قد توفر هامش كبير من الحرية لم تمنح في دول اخرى ولم يالفها الصحفيون العراقيون منذ عقود حتى بتنا نقرأ ونعاين موضوعات صحفية تستهدف مسؤولين كبار في الدولة كما عمل صحفيون اخرون وبشجاعة على كشف ملفات فساد وصفقات مشبوهة مما عرض اولئك الصحفيين الى مشاكل عدة وصلت حد احالتهم الى المحاكم فيما دفع البعض الاخر من الصحفيين حياتهم ثمنا لقول كلمة الحق والحرص على البلد انطلاقا من المسؤولية الوطنية والضمير الصحفي الذي لايمكن ان يسكت عن الخطأ ٠والى جانب ذلك كان هناك صحفيون سخروا اداوتهم كرسالة سلام وبناء وانجاح التجربة الديقراطية الفتية وحسنا فعلت نقابة الصحفيين العراقيين حين ادركت بوقت مبكر بعد التغيير الذي حصل في العراق بضرورة ايجاد غطاء قانوني وسن تشريعات كافلة لحرية العمل الصحفي وتضمن حقوق الجميع فتمكنت من انتزاع تشريع قانون حقوق الصحفيين الذي شكل سابقة قانونية ومهنية لصالح الصحفيين العراقيين وعوائلهم والذي حد من حالة الفوضى التي شابت الاعلام العراقي اضافة الى ما ورد في بعض مواده بتوفير الحرية للصحفي وحمايته قانونا ومنحته الحق بمقاضاة اية جهة تعتدي عليه او تحجب عنه معلومات او وقائع يطلبها
ولقد كان لصدور ذلك القانون الاثر الكبير في جعل الصحفيين بمنأى عن اية اعتداءات وانتهاكات ولم نلحظها الا ما ندر ووفر لهم حرية العمل بقوة قانونية حتى الدعاوى القضائية التي كانت ترفع ضد الصحفيين قد قل عددها بواقع كبير خصوصا بعد تشكيل محكمة النشر التي لم تنظر باية دعوى الا بعد الاستعانة بخبراء من النقابة
وممكن القول اخيرا بانه لا يمكن لا احد ان ينكر وجود حرية متاحة للعمل والصحفي في العراق ولكن يبقى الالتزام بالمعايير المهنية والمسؤولية الاخلاقية هو المؤشر على ديمومتها لطرد من يسئ استخدامها من الطارئين على صاحبة الجلالة التي تكبر بحريتها وقدسيتها لكي تكون حاضرة وفاعلة ومؤثرة لدى الاخرين الذين ينظرون اليه باحتساب وتقدير دون ريب .