18 ديسمبر، 2024 7:49 م

هل تُشعِل الدَجاجة حرباً أهلية؟

هل تُشعِل الدَجاجة حرباً أهلية؟

في العراق هناك مُدن أغلبها مُتهرّئة مزقها الفُقر وأنهكتها أوجاع الإهمال والبطالة والنسيان، مُدن ضائعة من الجُغرافية ومفقودة في التاريخ رَحلتْ عنها أغلب مُقومات الحياة لِتُحيلها إلى هياكل منكوبة تقطنُها تجمعات بشرية وفِرق وعشائر بعضُها لاتُحسِن لُغة التخاطب أو الحِوار إلّا بوجود أسلحة ثقيلة أو مُتوسطة يتم من خلالها تبادل الآراء من خلال رَشقات تلك الأسلحة المُتنوعة كنوع من وِجهات النظر، وإذا كان الحِوار يَتّسم ببعض الهدوء فعلى الأرجح يكون تبادل الآراء فيه بالأسلحة الخفيفة أو البيضاء عِرفاناً بِعقلانية الطرفين.

مُدن هائجة لاتعرف السكينة والهدوء في توتر دائم، وهُنا لانلومَهم فَهُم ضحايا وكبش فِداء لِسياسات مَغلوطة وسياسيين صَعدوا على آهات جِراحهم وصرخات فُقرِهم إلى كراسي السُلطة، لكنهم سُرعان ما أنكروا الجميل وغاب عنهم العِرفان.

شوارع غالباً مايستَعِر بين أزقتّها أزيز الرصاص وصرخات الخوف لإسباب من التفاهة التعليق عليها عند إنتهاء ذلك النِزاع الذي تكون مُحصّلته على الأرجح قتلى وجرحى من الطرفين بأعذار قد تكون بسبب هَفوة كلام لم يقصدها المُتَحدّث، أو طَبق رُز في وليمة لم تُعجِب أحد المُتنازعين أو حتى قد تكون دَجاجة قد تجاوزت الحدود الجُغرافية لأزقة أحد الطرفين.

عندما تسير في شوارع هذه المُدن ترى بوضوح وإستنتاج بسيط لايَقبل التأويل تنوّع ولاءات أهلها والزَعامات الذين ينتمون إليهم والمدارس السياسية التي يَتلّقون فيها تعاليمهم وينتهجون أفكارها وعقائدها… تَصوّروا بغداد مثلاً التي تضُم مدينة الصَدر في مُسمّى سُمّيتْ به بعد عام 2003 والتي كان إسمُها قبل ذلك مدينة صدّام على إسم الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، في حين كانت تُسمى بمدينة الثورة عند بِدايات تأسيسها في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم والتي تضُم مَعقل زعيم التيار الصدري مُقتدى الصَدر وليس بتلك المسافات البعيدة عن هذه المدينة معاقل ومقرات لِفصائل مُسلّحة ومكاتب أحزاب تتمركز في مناطق الكرادة والجادرية وحتى شارع فلسطين جَعلتْ من هذين المُعسكرين المُتقابلين والمُتقاربين والذَيّن يحمل كل واحد منهُما أجندات سياسية ورُؤى مُختلفة يسعى لِتحقيقها يصطدم بنوايا الآخر وصِراع سياسي قد يتطور إلى إشهار السلاح فيما لو إزداد خطر المُواجهة خصوصاً إذا كان بوجود من يرغب بإنزلاق البلد بحربٍ أهلية وقودها البُسطاء والفُقراء.

مايُثير القلق هو إتّساع حجم التنابُز والإتهامات بين الأطراف المُتجاورة في تداعيات قد تتطور إلى ما لا يُحمَد عُقباها يدفع ثمنُها أبناء تلك المناطق جُوعاً وفُقراً وثمناً رخيصاً لِحربٍ طائشة تَسحقهم فيها إرادات ونَزوات لِزعامات سياسية ترغب بتأجيج الوضع مع إن خِطابهم المُعلن بِرفض تلك الحرب الأهلية، لكن صِراعهم السياسي بدأ يزداد حجمه إلى أن أصبح مثل كُرة الثلج التي تكبُر شيئاً فشيئاً لِتتدحرج وتسحق من يقف أمامها.

من أخطاء النظام السياسي في العراق أنه لم يجد الحلول الجذرية أو المُعالجات النهائية للكثير من الثغرات التي إستغلّها البعض في تفاعله مع المشهد السياسي وشروط دخوله في العملية السياسية بحيث كان دائماً مايحاول تأجيل أو ترحيل المشاكل والأزمات إلى إشعارٍ آخر أي بالمَثل العراقي (يدفع المُشكلة بِعصا) إلى أن أصبح الحلّ مُستعصياً مِثل قضية السلاح المُنفلتْ والأخطاء التي تَضمّنتها كتابة الدستور وقضية (تحريم) دخول الفصائل المُسلّحة إلى مارثون الإنتخابات وضبابية تفسير مفهوم الكُتلة الأكبر وغيرها من القضايا التي جَعلتْ من حجم التَصدّع يكبُر بمرور الوقت.

مايحدث في النظام السياسي العراقي يُنذِر بنتائج وخيمة قد يتحول إلى إقتتالٍ من الغرابة أن ترفضه أدبيات المُتصارعين عَلناً، لكنه صراع يدفع إليه من يُريد الصعود على جماجم القتلى ودماء الأبرياء إلى كراسي السُلطة والنفوذ.

ربما كانت الدَجاجة أو ذلك الطبق من الرُز أو هفوة كلام قد أشعَلتْ حرباً بين عشيرتين، فهل تُشعِل هذه المُتسبّبات صِراعاً وجودياً أو إقتتال يسحق كُل شيء؟ في الحقيقة نتمنّى أن لايحصل ذلك وأن يكون برداً وسلاماً على العراق وأهله.