هل تُشترى الكرامة والرجولة؟ – {الحكومة تبحث عن الضائع منها بين أروقة مؤتمر القمة العربي}؟!!

هل تُشترى الكرامة والرجولة؟ – {الحكومة تبحث عن الضائع منها بين أروقة مؤتمر القمة العربي}؟!!

اشارة توضيحية

**ليس ثمة ثمن تُشترى به الأخلاق، ولا يمكن لمؤتمرات أن تمنحها لمن يحتاج. الأخلاق ليست بضاعة في سوق السياسة، ولا يمكن تغليفها بكلمات منمقة تصاغ على ألسنة ناطقين رسميين، مهما كان لحن الصوت وحماسة الأداء. الكرامة لا تُشترى، لأنها لا تُباع أصلاً، ومن يتحدث عن شراء الكرامة بـ”قمة” أو موقف، فهو يفترض مسبقًا أنها كانت يومًا ما مطروحة للتنازل.الصورة تختزل مأزقًا أخلاقيًا أعمق مما يبدو، حين يصبح الخطاب الرسمي العراقي منشغلًا بإثبات “رجولتنا” أمام زعماء القمة، حين نرتدي لغة التحدي ونتفاخر بأننا “سباع وما نخاف وعدنا فلوس وأمن وجيش”، في وقت ينزف فيه العراق من داخله، وتتآكله التبعيةوالتفاهمات المذلّة والفساد الممنهج. هل الرجولة تُقاس بالحناجر المرتفعة أمام الكاميرات؟ أم تُقاس بما يُقدَّم من أفعال تحفظ هيبة الوطن وكرامة مواطنيه؟
الناطق باسم رئيس الوزراء أراد، كما يبدو، أن يلبس العراق عباءة “الهيبة”، لكنه نسي أن من فقد احترامه لذاته لا تعيده الخطابات، ولا تنفعه الاستعراضات البلاغية أمام من يقتاتون على خراب بغداد ودمع أمهاتها. ما فائدة القول “إحنا نشتري كرامتنا” إذا كان الواقع يقول: نحن من فرّط بها أولًا؟ وما جدوى الفخر بجيش وأمن إن كان المواطن لا يأمن طريقه إلى المستشفى أو دائرته دون خوف من رصاصة طائشة أو يد فاسدة؟
إن التباهي بالصمود لا يُقنع من يعلم جيدًا حجم التصدع، وإن لعب أدوار البطولة أمام “زعماء عرب” يتقنون فنون التصفيق والمجاملات لا يغيّر من حقيقة أن العراق يبحث عن ذاته في مؤتمرات لم تعنه يومًا، ولن تعنيه غدًا.
الحكومة العراقية، بممثلها الإعلامي، لم تكن بحاجة إلى كل هذا الخطاب العاطفي المشحون لكي تثبت شيئًا. كان يكفيها أن تسكت وتعمل. لأن من يمتلك الكرامة لا يتحدث عنها، ومن يحمل الرجولة لا يصرخ بها في وجه الآخرين.الأسئلة الكبرى تظل معلّقة في فضاء هذه المسرحية: من الذي باع الكرامة حتى يشتريها الآن؟ من الذي جعل العراق بحاجة إلى تبرير وجوده؟ ومن الذي صدّق يومًا أن صوتًا عاليًا يمكن أن يُخفي حقيقة الانكسار؟
الكرامة لا تُشترى.. بل تُستعاد.
وحتى تُستعاد، لا بد أن تصمت الألسنة قليلًا.. كي تتكلم الأفعال. حين تتحوّل السياسة إلى عرض مسرحي رديء، يصبح المايكروفون سلاحًا بيد العاجزين، وتتحوّل القمم العربية إلى خشبات وهم، يُنتج عليها خطاب “الكرامة المؤقتة” و”الرجولة المستعارة”. نعم، نحن في زمن تُصنع فيه الهويات من الكلام، وتُرمّم صورة الدولة عبر منابر الإعلام، لا عبر إعادة بناء الإنسان، المواطن، المُهان، المنسي.هل حقًا ما قاله المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء يمثّل رأيًا وطنيًا؟ أم أنه مجرد محاولة يائسة للتماسك أمام كاميراتٍ لا ترحم، وعدسات تبحث عن العَبرة في عيون المتكلمين؟ لقد استُهلكت مفردات مثل “الكرامة” و”الرجولة” و”احنا نْخلة”، كما يُستهلك الموروث الشعبي حين يُستدعى لتغطية العجز عن قول الحقيقة.فأي نخلةٍ نحن؟ والنخيل يُقطع في البصرة لتبنى عليه موانئ لدول الجوار؟
أي فلوسٍ عندنا؟ والخزينة تمتلئ بالدَين والقروض المؤجلة؟
أي جيش؟ وهو مرهون بتفاهمات الكتل والسلاح المنفلت؟
أي أمن؟ والرصاص يُطلق في الشوارع باسم العشيرة، لا باسم القانون؟
ما لا يقوله المتحدث، هو الأهم: من الذي أوصلنا إلى هذه الحاجة للشراء؟ من الذي أهدر تلك الكرامة حتى صرنا نبحث عنها؟ كيف يقف مسؤول ليتحدث باسم وطن جريح وكأن كل شيء على ما يرام، وكأن دماء الشباب على الجدران مجرد خلفية لا تفسد الصورة؟
ثم، عن أي قمة نتحدث؟ هل ما زال ثمة أحدٌ يأمل أن ينتج العرب من قممهم غير البيانات الباردة واللقاءات المجاملة؟ العراق كان، وسيظل، أكبر من أن يُختصر في حضور متوتر أمام زعماء نصفهم منشغلٌ بالبقاء، والنصف الآخر بالخلاص من لعنة التاريخ.لو كانت الكرامة تُسترجع بحضور القمم، لما بقي شعبٌ عربيٌ يئن.لو كانت الرجولة تُقاس بالتصريحات، لكان كل ناطق رسمي بطلاً قوميًا.لكن الحقيقة، أن الكرامة تُسترجع بإصلاح الداخل، لا التباهي بالخارج.وأن الرجولة تبدأ من الاعتراف بالخطيئة، لا من تغليفها بخطبٍ مسعورة.فكفوا عن بيع الأوهام…
ولا تطلبوا من الشعب أن يُصفّق لظلّه، وهو يعلم أن النخلة التي تتفاخرون بها… تُنهب جذورها كل يوم.
الكرامة لا تُشترى…
والرجولة لا تُؤجَّر…
والقمة، أي قمة، لا تصنع وطنًا… بل تكشف كم ابتعدنا عن أن نكون وطنًا.!!

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

أحدث المقالات

أحدث المقالات