_كيف نقرأ طبيعة ونمط.. تيارالإسلام السياسي وجذوره العقائدية ونشأته وتبيان الجماعات والأحزاب والحركات التي تنضوي تحت إطاره أو تمثله على الساحة العالمية عموما وساحة الشرق الأوسط بشكل خاص؟
_ماهي نظرة الإسلام السياسي لمفهوم الدولة بشكل عام ومدى تقبله لطبيعتها من حيث الهيكلة والتنظيم وما هي تأثيرات موقفه من الدولة الوطنية؟
_ التأكيد على حقيقة مهمة مفادها.. إن الاسلام السياسي لا يخاطب النخبة المثقفة وحسب وفق منطلقاته النظرية بل يتجاوزها إلى جميع الشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مخاطر النشاط إلى يقوم به على الصعيد الدولي بعد ظهور المنظمات المتطرفة التي أعلنت حربها الشاملة على العالم.. تحت مزاعم محاربة الكفر أينما وجد ونشر الإسلام..مما جعل كثرة من دول العالم تخشى من دوره في السياسة الدولية!
حفزت الأسباب التي أدت إلى إنهيار عدد من الدول العربية..بعد الاحتجاجات والإنتفاضات الشعبية، لدراسة العوامل التي قادت إلى سرعة أنهيار ليس السلطات الحاكمة فحسب.. بل الدولة ونظامها السياسي الذي مضى على تشكله عدة عقود بحيث لم تستطع مؤسسات الدولة التكييف مع الأوضاع الجديدة التي خلقتها الظروف المحلية والإقليمة والدولية التي نتجت عن الحركات الشعبية. إن الظروف التي نشأت تحت تأثير ما يطلق عليه الربيع العربي قد وفرت عواملاً مناسبة لعودة تيار الإسلام السياسي إلى واجهة الأحداث في الدول العربية بعد ان خفت دوره خلال السنوات التي سبقت الاحتجاجات والانتفاضات العربية.
لقد حاولنا هنا، تحليل الأسباب إلى أدت إلى تصدر تيار الإسلام السياسي، خلال الاحتجاجات والانتفضات ، إنطلاقا من دراسة موقف الفكر الإسلامي، بشكل عام، وموقف تيار الإسلام السياسي من الدولة.. بشكل خاص ..وكيف أدى هذا الموقف إلى خلق التباسات كثيرة لدى أغلبية المواطنين حول الدولة الوطنية العربية ومدى شرعيتها وسبل التعامل مع هذه الشرعية.ومن أجل التركيز، جرى استعراض مكثف وتحليل موقف الجماعات والحركات الإسلامية الفاعلة في تيار الإسلام السياسي من الدولة وكيف تم التعامل معها عندما توفرت الفرصة لبعض الحركات الإسلامية من السيطرة على الدولة من خلال استغلال الشرعية الإنتخابية التي توفرت بعد نجاح الانتفاضات الشعبية في اسقاط السلطات في بعض البلدان العربية..كما حصل لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتفرعاتها في عدد من البلدان ومنها حركة النهضة التونسية.
ولكي نتقصى موقف تيار الإسلام السياسي من الدولة الوطنية حددنا إطاراً زمنيا مع بدايات القرن العشرين..حيث بينت البحوث والدراسات.. مقاربة تفرض نفسها بين نشوء هذه الجماعات وتأسيس الدولة الوطنية، مع التنويه أن مصطلح الإسلام السياسي لم يكن شائعا إلا عند بروز دورهذه الحركات والجماعات في أحداث الربيع العربي وما أنتج من تحولات وتداعيات في عموم الشرق الاوسط. ان الظروف الموضوعية التي أدت إلى تصدر الإسلام السياسي في مشهد الأحداث مع بداية الألفية الثالثة يمكن اختزالها بالفراغ السياسي الذي نتج عنه انهيار الاتحاد السوفيتي والخلل الكبير الذي تسببه في السياسة العالمية وما رافق ذلك من زلزال داخل اليسار الثوري وإحباط آمال الشعوب في التحررمن أخطبوط الهيمنة الرأسمالية الإمبريالية التي كانت تغذي تيارالإسلام السياسي حركيا وتدعمه ليشكل درعا ضد المد الشيوعي في عموم منطقة الشرق الأوسط من أفغانستان إلى المغرب العربي إضافة إلى دوره في إثارة الصراع الحاد مع التيارين الرئيسيين في البيئة السياسية في المجتمعات العربية، أعني بهما التيارين القومي واليساري، الأمر الذي أدى إلى نشوء تناقضات حادة على مستوى الانتماء والهوية في كثرة من البلدان العربية.
إن الحقيقة التي يجب عدم اغفالها تتلخص بالطلاق الذي حصل بين أطراف الإسلام السياسي والغرب الرأسمالي بعد انتهاء مهمته في أفغانستان..ولكي.. ننصف الإسلام السياسي ونبرئ ساحته (السمحاء).. يجب وضع الأشياء في نصابها الصحيح واثبات حقيقة ان تيار الاسلام السياسي لايمثل الا نفسه ولايخرج عن كونه فرقة أو طائفة سياسية تستند إلى أيديولوجية ورؤيا خاصة هدفها السيطرة على سلطة الدولة لتحقيق المصالح الخاصة لها. إن النظرة الواقعية إلى فعالية الإسلام السياسي واستثماره في موازين ومعايير السياسة الدولية لا تقتصر على تيار الإسلام السياسي السني بل تشمل تيار السياسي الشيعي الذي توسع نشاطه مع إنتصار الثورة الإيرانية في عام 1979، ونجاحه في مصادرة الثورة لصالح مشروعه السياسي ليقيم جمهورية إسلامية وفقا لنظرية ولاية الفقيه التوسعية التي عملت على توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من خلال الأحزاب والحركات السياسية التي تبنت نظرية ولاية الفقيه.
ولغرض تحديد موقف تيار الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، من الدولة الوطنية.. يجب تتبع الأحداث التي تجلى فيها دوره..أي الإسلام السياسي.. ومشاركته في الأحداث السياسية والاجتماعية في كثير من البلدان العربية والإسلامية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وكذلك الدور الذي لعبه خلال الاحتجاجات والإنتفاضات الشعبية التي حدثت في عدد من البلدان العربية.
بدون أدنى شك..إن تزايد تيار الإسلام السياسي بكل تجلياته والوانه على ساحة الأحداث في ظروف معينة يثير تساؤلات كثيرة عن حقيقته والأدوار التي يؤديها على الساحة العربية والإقليمية. وإذا تفحصنا طبيعته بدراسة تحليلية واجرينا مراجعة تاريخية فسوف نجد أن تيارالإسلام السياسي ظاهرة يتزايد نشاطها في أحوال معينة لتؤدي وظيفة ما.. ثم ينخفظ تدريجيا مع انتفاء الحاجة لهذا التوظيف. ولتوضيح ذلك نشير إلى إلى فعالية نشاط تيار الإسلام السياسي يرتبط، بحالة الدولة، فعندما تعاني الدولة الوطنية من المشاكل والأزمات وما ينتج عنها من ضعف سلطة القانون وظهورعوامل الضد المزعزعة لاستقرارها، المتمثلة بنشاط عصابات الجريمة المنظمة وتتفشى الفساد في الأجهزة الإدارية ودوائر حفظ الأمن.. يشتد نشاط حركات الإسلام السياسي بدعوى الإصلاح والعدالة الاجتماعية ويصبح شعار الاسلام هو الحل لمواجهة الدولة ومؤسساتها ووسيلة لتأجيج الصراع في المجتمع نتيجه سعي تيار الإسلام السياسي فرض إدارته على المجتمع وأطراف البينة السياسية التي تختلف معه في الرؤية والمنهج.
أخيرا.. إن من أخطر حالات توظيف تيارات الإسلام السياسي.. أنه يُستغل في استقطاب طاقات الشعوب واستهلاكها في لعبة السياسة الدولية وخلق الفتن داخل المجتمعات وتمزيق نسيجها الاجتماعي ضمن الوطن الواحد!