منذ الغزو الأمريكي للبلد ، بعد أضعافه وتدميره من قبل ما يسمى المجتمع الدولي ، بقيت للبلد شيء من مقومات الدولة ، وها قد مرت اثنا عشر عاما هو عمر العراق الجديد ، رأينا فيها العجب العجاب ، فقدنا فيها ما تبقى من تلك المقومات ، حتى صارالبلد غابة بحق .
اثنا عشر عاما من السرقات والفساد ، والبلد تعصف به أزمات امنية كبرى ، ومشاكل سياسية ، وأقلمة وتقسيم ، وأحتلال ، واقع أقتصادي وخدمي كارثي ، حلول ترقيعية بلا نتيجة لكنها تخدم الفساد ، بلا تنمية ، بلا بناء ، بلا أستثمار ، بلا زراعة وصناعة ، والقائمة تطول ، وصرنا تحت رحمة سعر برميل النفط العالمي ، مما حدا (بالدولة) الى رفع شعار(التقشف) .
ووقع المواطن بين نارين ، نار التقشف بسلم رواتبه الجديد ، ونار زيادة الأسعار وفرض الضرائب الجديدة ، لكن كل ذلك ، لم يوقف عجلة الفساد ، ولم يوقف الترف الجنوني ، والمصاريف الباذخة للنخمة الحاكمة .
هكذا أعادونا الى ربقة صندوق النقد الدولي بتدخّلاته وتوصياته المجحفة التي تمس حياة المواطن اليومية ، ويحرص اصحاب الشأن المالي والأقتصادي على بقاء تسلطه على رقابنا مع الحرص أيضا على قتل الأستثمار !.
تَرافَق ذلك مع أكبر هجرة لشباب البلد في تاريخه ، بعد أن تقطّعت بهم سبل العيش الكريم في بلدهم ، وهم يحلمون بمستقبل أفضل ، وهم يرون أن دفة البلد صارت بيد الطفيليين واصحاب الشهادات المزوّرة ، ولكن من الحلم ما قتل !، فصاروا ضحايا لأبتزاز المهربين ، ولتجار الأعضاء البشرية ، والمحظوظ منهم من ينتهي به المطاف في معسكرات الأعتقال التي يسمّونها (الكامبات) ! ، فما مصير دولة تضيّق على شبابها حتى يفروا منها الا أن تهرم وتموت ؟!.
مسرحيات هزلية عن (ضياع) مليارات الدولارات ، وأخبار فساد وتخبّط البنك المركزي ، مشاريع وهمية ، تظاهرات جماهيرية صاخبة دفعها اليأس ، تمخضت عنها حزمة اصلاحات لا نلتمس منها أي جهد صادق ، انما تسويف ومماطلة و ترقيعات لأمتصاص النقمة ، اصلاحات تحولت الى طوق نجاة للفاسدين ، وتبرير لسرقاتهم ومحو تاريخهم الأسود رسميا ! .
حكومة مُهانة ، مُستَصغَرة ، لا يستشيرها أحد من اللاعبين الكبار ، ضبابية معتمة لأنزال منطقة الحويجة ، الغموض المرافق لتحرير سنجار ، طوزخورماتو ، مطاراتنا (خان جغان) لطائرات تروح وتغدو محملة بالمال والأسلحة والكواتم (هذا يعني انها ليست مخصصة لقوات نظامية) !، كل شي ساكن في هذا البلد ، الا عجلة الموت الدائرة ، بنهجها اليومي ، مفخخات وعبوات وانتحاريون ، يسقط بسببها كل يوم ما سقط في أحداث باريس ، باريس التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ، وهي تحرّض المجتمع الدولي على قتال الأرهاب ، وكأن دمائهم حمراء ، ودمائنا ماء ! .
سطو على المنازل والمصارف والمحال ورواتب الموظفين في وضح النهار وأمام الناس ، في تحدٍّ واضحِ للاجهزة الأمنية المشلولة ، عمليات اختطاف لأشخاص بدرجة وكيل وزير ، فكيف بالمواطن البسيط ؟ ، عبوات لاصقة واغتيالات في كراجات الوزارات !.
مدارس أيلة للسقوط ، فلم تجد اداراتها بُدّ من طلب تواقيع من ذوي الطلاب وكأنها شهادات وفاة لهم ، لتبرئة الذمة ! .
هكذا صار كبار السياسيين (صغار جدا) بنظر المواطن ، فكيف تنتظرون ان تبقى هيبة للدولة ولقوانينها ، والمواطن ينظر الى الحكومة عامة على انها لا تعدو كونها طفيلية كالزائدة الدودية ، أو كالضرس المتسوس في الفك ، لا يسبب سوى الالام ، فبأي حق تجرؤ على طلب الولاء منه !؟