تعج المنطقة والعراق خصوصا بالأحداث المتسارعة والمفاجئة والمتقلبة منذ أن هيأت وسمحت اميركا لفوج طوارئها التكفيري تنظيم داعش باجتياح الموصل في 10 حزيران من العام الحالي الامر الذي اتاح لها التدخل بقوة في العراق واللعب في مشهده السياسي لإعادة انتاجه بمقاساتها الاستكبارية فكانت النتيجة الاولية هي إبعاد المالكي عن الولاية الثالثة وتشكيل حكومة الصفقة العراقية التي وقع المشتركون فيها وثيقة الاتفاق السياسي ذي البنود السياسية العراقية بمضامينها الاميركية الهادفة للسيطرة على النفط العراقي في الشمال عن طريق الانتهاء من انشاء الدويلة الكردية واثارة الفتن في المنطقة الجنوبية عبر اقامة الاقاليم الشيعية التي لن يكون اقليم البصرة اولها وكذلك انشاء الاقليم السني وجيشه الطائفي على غرار البيشمركة الكردية واضفاء الطابع الطائفي على الجيش العراقي والفصائل الجهادية والحشد الشعبي الشيعي لتكتمل اركان الصورة الطائفية التي ستفجر الصراعات الطائفية والقومية في العراق لعقود قادمة بعد اطلاق العنان للجماعات الداعشية واضفاء الشرعية على عمل العصابات الصدامية وتعويم القرار السياسي عبر اضعاف المركز.
اذ نصت وثيقة الاتفاق السياسي على حزمة من البنود منها اقرار قانون ما يسمى بالحرس الوطني وقانون العفو العام واعادة النظر بالتوازن الهيكلي في مؤسسات الدولة ، والغاء قانون المساءلة والعدالة كجزء من “منظومة المصالحة الوطنية”، وتنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية من جهة وحكومة الاقليم والحكومات المحلية للمحافظات والالتزام بصلاحياتها، وان تلتزم الكتل السياسية المشاركة في الحكومة بإيجاد الحلول المناسبة لما يبرز من خلافات حول استخراج النفط والغاز في اقليم كردستان من خلال اتباع الاليات الدستورية وتنظيم كل ما يتعلق بهذه الثروة من خلال تشريع قانون النفط والغاز وقانون توزيع الموارد المالية وغيرها من القضايا المعلقة والمعطلة على ان يتم تنفيذ اهم هذه البنود خلال سقوف زمنية تتراوح بين شهر الى ستة اشهر.
يبدو ان التوقيع على عملية الاتفاق السياسي هو اقرار ببيع العراق لكن بالتقسيط كانت اولى خطواتها المعلنة هو توقيع الاتفاق النفطي الاولي بين حكومة المركز واربيل الذي عُد بالون اختبار لردود فعل المرجعية الدينية والرأي العام الشعبي ــ الذي تُمارس عليه عملية تخدير وتسطيح هائلة للوعي وتغييب لدوره الحقيقي واستهداف منظم لإرادته الواعية منذ عام 2003ــ اعقبه توقيع اتفاق سريع انبطاحي واستسلامي بل كارثي مع الحركة الكردستانية البرزانية دون الرجوع لمجلس النواب العراقي لا احد يدري ما هو ثمنه بالنسبة للقوى السياسية وقادتها المشتركين في الحكومة التي وافقت على الاتفاق! تم التغطية عليه عبر اثارة زوبعة الفضائيين التي استدرجت وسائل الاعلام واشغلتها ولتشغِل بدورها الرأي العام!.
اعترفت الحكومة العراقية بناء على هذا الاتفاق بالهيمنة الكردستانية على محافظة كركوك بأراضيها وثرواتها وبالهيمنة على كل اراضي وثروات المناطق المختلف عليها التي يعدها الكردستانيون عائدة لهم اذ نص الاتفاق على تصدير الاقليم لـ 550،000 برميل نفط يوميا بإشرافه مقابل دفع الحكومة لـ 17% من الواردات الاجمالية العراقية دون اقتطاع النفقات السيادية كما اكد على ذلك وزير المالية (الكردستاني) هوشيار زيباري ما يرفع نسبة حصة الاقليم الى اكثر من 25% من اجمالي حصة العراقيين جميعا. كما تنازلت الحكومة عن كل كميات النفط المنتجة من الاقليم فوق الـ 550،000 برميل يوميا والتي تصل الى اكثر من 700،000 برميل والتي اكد زير الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم اشتي هورامي اثناء حلقة نقاش في المنتدى الاقتصادي العالمي باسطنبول، “إن منطقة كردستان تتوقع أن يصل إنتاجها من النفط إلى مليون برميل يوميا بحلول 2015، وان بإمكان الإقليم إنتاج مليوني برميل يوميا بحلول 2019” اضافة الى قيام الحكومة العراقية بدفع رواتب الموظفين ورواتب قوات البيشمركة في الاقليم دون اقتطاعها من النسبة العامة لحصتهم فضلا عن دفع مبلغ ترليون و200 مليار دينار (مليار و33 مليون دولار) الى قوات البيشمركة كما اكدت رئاسة الوزراء في بيانها الذي صرح ان “المجتمعين اتفقوا ايضا على تخصيص نسبة من تخصيصات القوات البرية الاتحادية للجيش العراقي الى قوات البيشمركة بحسب النسبة السكانية باعتبارها جزءا من المنظومة الامنية العراقية” تخصيصات يبدو انها مكافأة للبيشمركة على احتلالها للمناطق المتنازع عليها ولاستيلائها على معدات الجيش العراقي بعد نكسة 10 حزيران!! كما تنازلت الحكومة كما يبدو من ظاهر الاتفاق عن قيمة النفط المهرب من الاقليم منذ عام 2007 ولغاية نهاية عام 2014!!
اتفاق نفطي بمثابة انتحار اقتصادي للعراق المثقل بالأزمات والمهدد بالإفلاس سيحطم قدراته ويفرغ خزينته المتهاوية ما ينذر بكارثة حقيقية في قادم الايام ويبقيه مكبلا وخاضعا للإرادة الاميركية خصوصا وقابلا للابتزاز وعليه من حق وزير الخارجية الاميركي عده انتصارا لسياسة الادارة الاميركية!.
ليس هذا هو المؤشر الوحيد على بيع العراق بل هناك العديد من المؤشرات الملفتة مؤخرا والتي سنتناولها لاحقا.