22 نوفمبر، 2024 12:06 م
Search
Close this search box.

هل تموت الأفکار الأصولية والسلفية بعد سقوط دولة الخلافة؟

هل تموت الأفکار الأصولية والسلفية بعد سقوط دولة الخلافة؟

بالرغم من إنقضاء حکم تنظیم داعش علی الأرض بعد أن نجحت قوات الپێشمەرگة لإقليم كوردستان دحرهم و الإنتصار علیهم أولاً وبعد إعلان قوات سوريا الديمقراطیة (قسد) التي يقودها الكورد والتي تدعم من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن بتاريخ 23 أذار/مارس 2019 علی دحر آخر معاقل التنظيم في باغوز شرق سوريا ثانياً، هناك ثمة إجماع من قبل خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية بأن المنتمين الی هذا التنظيم مازالوا يمثلون تهديداً عالمياً.
وهناك تقارير صحافية تظهر بأن تنظيم داعش يخطط لهجمات في أوروبا عبر مجموعاته “النائمة” في تلك البلدان، والتي يطلق عليها اسم “خلايا التمساح”. إذن البركان خامد الآن، لکنه يُمكن أن يَنْفخُ بأي لحظة.
لقد إستمر تنظيم داعش منذ ولادته الی حین التغلب علیه عسکرياً بهجمات إرهابية منظمة تارة و جهنمية ووحشية أعمی تارة أخری علی مناطق في كوردستان والعراق و سوريا، مزّق الأجساد ودمّر الممتلکات وأستهدف کل شيء يخص الشأن الإنساني والحضاري، يعجز اللسان عن ايجاد كلمات تناسب شجبها بسبب تلك الفلسفة البربریة التي وقفت ورائها والتي لا و لن ترید شیئاً سوی إلحاق الدمار بالحضارة والتحضر وإفساد التعايش السلمي والتقدم علی هذه السكينة.
بإیمانه التام بفلسفة الموت، التي تفضل الموت على الحياة، وهي فلسفة كاذبة عنصرية تستند الى المبدأ المتوحش الداعي الى قتل المواطنین الأبریاء لمجرد كونهم مواطنین أبریاء یریدون أن یعیشوا في سلام ووئام مع عوائلهم و ذویهم، لأنهم لیسوا “مجاهدین في سبیل العدم” ولأنهم لیسوا جبناء مثلهم، أراد داعش أن يستولي علی أرض المنطقة و يفرض علی إستمرار خلافته.
فلسفة داعش هي فلسفة مجرمي الحرب وغايتها هي القتل والدمار. أما هدف المنتمين الی هذا التنظيم من الأجانب و المحليين، الذين هم ثمار الأبله الثقافي و سلّموا أوراقهم و شهاداتهم الی مرجعهم أو شيخهم أو أميرهم، الذي بدوره يختم علی عقلهم و يعمل علی قولبتهم، لكي يخلقوا و يمارسوا بعملياتهم الإرهابية سيناريوهارت الأكثر همجية و وحشية، فهو واضح للعیان، إنهم یریدون النیل من المواطن والدولة والمدینة والمجتمع، مدفوعین بعقلیة الثأر والإنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر علی شاکلتهم، هدفهم المراهنة على انفجار ضغائن المكونات المحلية على بعضها ومحاولة يائسة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة بأكملها وضرب الأخوة والتعايش السلمي بين البشر جمعاء، یتعاملون مع هویتهم الدینیة أو القومیة بأقصی الغلو والتطرف والإنغلاق ، کعُصاب نفسي هو مصدر للتوتر والتشنّج ، کمتراس عقائدي لشن الحرب علی الغیر، أو کخطاب فکري للنبذ والاقصاء، یستغلون البائسین والمهووسین في مشاریعهم الهمجیة، إنهم یخططون لفعلتهم المتحجرة والأحادیة والعدوانیة والاستبدادیة هذه‌ في السرّ وتحت الأرض، لکنها تمارس تحت سمعنا و بصرنا، وکما تُعمّم نماذجها في الجوامع والمدارس أو عبر الشاشات والقنوات.
یتصور أصحاب الارهاب من الدواعش (أنظر مثلاً الی إبراهيم السامرائي، الذي سمی نفسه “أبو بكر البغدادي”، إلە وخلیفة عصابة الأشرار، وکذلك أتباعه) أنفسهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم، أو أنهم ملاك الحقیقة وحراس الإیمان، سائرون علی النهج القویم وحدهم دون سواهم، یدّعون بأن الشرائع القدیمة تنطوي علی أجوبة وحلول للأسئلة ولمشکلات العصر، یمارسون الوصایة علی الناس وینطقون بإسمهم زوراً و تشبیحاً، یصادرون قرار الناس ویتحکّمون بأعناقهم وأرزاقهم ویشنون الحرب الإرهابیة نیابة عنهم.
إنهم لایعترفون بقرار الآخرین في اختیار نمط حیاتهم، بوصفهم مبتدعین ضالین أو کافرین مرتدین. فهُم یستخدمون العنف والإرهاب، قتلاً وتصفیة أو استشهاداً وانتحاراً ، مدفوعین بعقلیة الثأر والأنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر مثلهم ، تحت دعوی سخیفة ومزیفة، هي إنقاذ “الأمة الاسلامیة” في العالم من رجس الجاهلية.
الأفكار الأصولية والسلفية أصدرت مارکة الحجاب والدم والتضحية وعملت ليل نهار ضد صناعة التنمية والمدنية والحضارة، بقمعها الحريات الفردية وإرجاع أسباب المصائب والکوارث والجهل والفقر في مجتمعاتها إلی الغزو الثقافي الغربي أو إلی العولمة والأمرکة و بإستراتيجيتها القائمة علی الرفض والإقصاء وإرادة التأله والتفرد هي التي تثمر البربرية والهمجية الحديثة والمعاصرة، حيث يتم القتل وتمزيق الأجساد وتدمير الممتلكات بأعصاب باردة وضمير جامد و بعقلية أخروي أو عسكري إرهابي بصفة المناضل والمجاهد والمدافع عن الهوية والثوابت.
فبدل السعي والعمل بمفردات نسبية علی نظريات ثورة الاتصالات والمعلومات قام أصحاب الفکر السلفي الأصولي والقومي الشوفيني بتهافتهم في مواجهة کتاب “نهاية التاريخ” لفرنسيس فوکوياما بتأليف مجلدات مبنية علی لغة الغلو والتهويم اللاهوتي والتشبيح النضالي والعقائدي لتحقيق إستراتيجيتهم التدميرية.
إن أتباع داعش هم ثمرة الأوامر الدينية و الحكومات الدينية و المرجعيات الغيبية و الشعارات الأحادية و الثوابت الأبدية، وسوی ذلك من المشاريع الشمولية، التي يدعي أصحابها إمتلاك مفاتيح الحقيقية المطلقة، لممارسة الوكالة الحصرية علی الهويات والقضايا المصيرية، خرجوا من جين ثقافة الأصولي الإرهابي، الذي يدعي إنقاذ أمة الإسلام بالعودة الی أنماط ونماذج بائدة يستحيل تطبيقها إلا بزرع الرعب و زعزعة الأمن و سفك الدماء و تدمير معالم الحضارة والعمران.
نقوله هنا و بمنتهی الصرائحة، لاینفع دحر هؤلاء الإرهابیین والإنتصار علیهم عسکریاً فقط، علینا تعبئة كافة القوى الحية في إقليم کوردستان من أجل محاربة هذا الفكر ونقصد بالقوة الحية العلماء والكتاب والصحافة ووسائل الاعلام وقادة الراي. فبتضافر جهود الجميع یمکن إرجاع هذا الفكر الى الوراء ليحل محله الفكر الواعي المتزن.
من لا یحترم إرادة الكيانات والشعوب في اختيار من يتولى أمورهم وفي اختيار التشريعات لتدبیر أمورهم لایرید معالجة حقيقية لظاهرة الإرهاب.
فعلّة كل شيء تكمن في مفهومه بالدرجة الأول من هنا نری الحاجة الی مساءلة مفهوم‌ الإنسان لتفكيكه وإعادة بناءه.
إذن علاج الإرهاب يبدأ من معرفة الإنسان لنفسه معرفة حقيقية تضعها في مكانها الصحيح، بحيث يرى الإنسان نفسه من خلال الآخر ويخرج على قوقعته التراثية، لكي يفهم المجريات على الساحة الكونية ويسهم في المناقشة العالمية الدائرة حول المعضلات ويفتح أفاق الحوار، ويتجنب سياسة الإقصاء ويجتهد في سبيل القبول بالرأي والرأي الآخر.
وختاماّ: “مآل كلّ حدٍّ أقصى: أن ينتج ضدّه.

أحدث المقالات