23 ديسمبر، 2024 2:41 ص

هل تمتلك جامعاتنا بوصلتها لتحديد الاتجاه ؟!

هل تمتلك جامعاتنا بوصلتها لتحديد الاتجاه ؟!

نشر احد مواقع التواصل الاجتماعي ( Face book) ، موضوعا للنقاش عرضت فيه إحدى وجهات النظر في دراسة الطلبة العراقيين ببعض الجامعات في ( جنوب شرق آسيا ) وننقل نصه في أدناه :
(( كثيراً ما يتغنى الدارسون في بعض الجامعات في (جنوب شرق أسيا ) تحديداً بمستوى تلك الجامعات المتميز كمحاولة منهم لإضفاء شيء من الرصانة على دراستهم التي دفعوا نفقتها سلفاً هناك ، والسؤال المطروح في هذا الصدد هو: (هل أن دراستكم هناك هي ما حقق هذا التميز لتلك الجامعات وجعلها رصينة ؟ هل تنتمون أنتم لصفوة الباحثين الذين بفضل جهودهم هم فحسب حققت تلك الجامعات رصانتها؟ ) ، تذكروا جيدا أن أولى المكاسب المادية لدخول أية جامعة (من شرق أسيا) في التصنيفات العالمية يتلخص عادة بفتح (حديقة خلفية) لتلك الجامعات تستقطب معظم الباحثين الأجانب ( وغالباً ما يكونون من الدرجة العاشرة ) ، والذين يبحثون عن مجرد شهادة يعودون بها لبلدهم الأم مقابل مبالغ طائلة من العملة الصعبة ، تأخذ هذه الجامعات مبالغ العملة الصعبة من أولئك الباحثين الأجانب المتلهفين لرائحة الشهادة وتغدق بها على مشاريع باحثيها من الصفوة ، تذكروا يا من تتغنون برصانة تلك الجامعات أنها ليست رصينة بفضل جهودكم البحثية بل بالأموال التي تدفعونها لحديقتها الخلفية والتي تدفعها تلك الجامعات بدورها لمشاريع بحثية حقيقية تحقق عبرها الرصانة ، أي بمعنى أخر ( انتم مجرد زيت في ماكنة تلك الجامعات ) يساعد على انسيابية حركة أجزائها فحسب وبمجرد احتراقه يُقذَف من الفتحة السفلية لتلك الماكينة ( زيتاً محترقاً أسوداً ) يُعاد إنتاجه في جامعات بلادنا التي لا تميز للأسف الشديد بين الزيت الصافي والزيت المحترق والمستنفد)) .
ولان الموقع الذي نشر هذا الموضوع يشترك فيه مجموعة من الجامعيين فقد انهالت التعليقات التي تعبر عن وجهة نظر أصحابها ، وتلك التعليقات أخذت منحنيات متعددة ولكنها تحظى جميعا باحترامنا لأنها آراء ونحن ( محايدين ) وهذه التعليقات لا تخلو من الفائدة لأنها تكتب بأريحية كاملة وليست فيها مجاملات لمسؤول ، والمعلقين يكتبون بأسمائهم الفيسبوكية أي إنهم لا يخشون في الرأي والتعبير لومة لائم باعتبار إن ديمقراطيتنا لا تزال طرية بعد ، ومن وجهة نظرنا نقترح على الجهة المعنية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إن توجد ا فريقا يهتم برصد مثل هذه الأمور لكي يتم إيجاز محتوياتها لتقديمها لدوائر الوزارة المعنية او لقيادتها بهيئة مقترحات تتم الاستفادة منها في وضع السياسات والاستراتيجيات ، فهي ربما تكون انفع من عقد ندوات وورش ومؤتمرات تبدأ بكلمات ( منمقة ) وتنتهي بتوزيع الهدايا والولائم والتركيز على الضيافة وغيرها من المظاهر المتكررة وباكورتها مقال إنشائي لسرد التوصيات والمقترحات التي تتم المصادقة عليها ثم تحفظ في الإدراج ، وبعيدا عن التفاصيل الأخرى فان بالإمكان إيجاز ما تضمنته عشرات التعليقات على المنشور أعلاه بأربعة اتجاهات وهي :
التأييد الكامل او شبه الكامل لما ورد في المنشور والتأكيد على حقيقة ما يجري في تلك الجامعات التي تستهدف الربح والحفاظ على سمعتها وتصنيفها حتى وان استخدمت الدارسين كأدوات او مصادر للتمويل او كزيوت على حد تعبير كاتب المنشور .
الرفض الكامل او شبه الكامل لما ورد في المنشور واعتباره مغرضا ويستهدف الملاكات العراقية الذين درسوا في تلك الجامعات او تباهيا من البعض لأنهم درسوا في جامعات الولايات المتحدة وأوروبا والذين يعدون أنفسهم أكثر علما وخبرة واستفادة من تلك الجامعات .
المقارنة بين جامعات جنوب شرق آسيا وغيرها مع الجامعات العراقية باعتبار إن جامعاتنا تمنح الماجستير والدكتوراه بمختلف الاختصاصات فالبعض يعتقد انه مهما بلغت درجة السوء هناك فانه لا يقترب من حالة فقدان الرصانة العلمية في جامعاتنا بسبب الحصار والحروب وضعف الاهتمام بالتعليم العالي من حيث التخصيصات المالية والاستفادة من المخرجات .
والبعض يلقي العتب كل العتب على وزارة التعليم العالي إذ كيف تعترف بجامعة ميزانيتها البحثية لا تغطي بحث رصين واحد من العلوم الحديثة ، والبعض الآخر يؤيد فكرة تخصيص المبالغ المستحصلة من التعليم الخاص والمسائي للمشاريع البحثية في الجامعات العراقية وهناك من قال ، مع الأسف ذهبت رصانة جامعاتنا العراقية بسبب بعض النفسيات الضعيفة التي تحتكر المعلومة و العلم على الطالب و تحاول بطرق شتى إذلال الطالب ويتأسف آخرون لان قيمة البحث الحقيقية تكمن في فائدة البلد من هذا البحث وإذا لم يكن هناك تطبيق أو الإسهام في بناء أساس للتطبيق الذي يفيد البلد فلا يعني البحث شيئا حتى وان تم نشره في science or nature وان دخل سكوبس أو خرج منها ، ودعا احد المعلقين إلى وجوب عمل بحوث ( لنحلل خبزتنا ) حيث إن البحوث هي أحد واجبات التدريسي .
ونشير بهذا الخصوص إلى إن مصادر التخرج من الجامعات العالمية هي أما من خلال الدراسة على النفقة الخاصة او الزمالات او من خلال مبادرة أمانة مجلس الوزراء التي رعت موضوع الابتعاث الذي شمل أكثر من 2000 طالب لكل وجبة خلال فترة رئاسة السيد المالكي لمجلس الوزراء وبالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث ، ونظرا لشروط الكفالة الضامنة فقد عادت نسبة كبيرة من المبتعثين الذين حصلوا على قبول من الجامعات العالمية المعترف بها من قبل الوزارة وتتوزع هذه الجامعات بين الولايات المتحدة وأوروبا واسيا واستراليا ، وقد كانت لهذه المبادرة دورا مها في رفد الجامعات الحكومية والكليات الأهلية بالملاكات التدريسية بمختلف الاختصاصات لتعويض النقص الحاصل بسبب الخروج من الوظائف التدريسية عند الوفاة والإحالة إلى التقاعد والهجرة إلى خارج البلاد ، وهذا البرنامج كلف عشرات او مئات الملايين من الدولارات ، إلا إن هناك من يعتقد انه لم يحقق نتائج ملموسة في ارض الواقع من حيث التغيير الواضح في مستوى التدريس بالجامعات وإدخال تقنيات التدريس الحديثة ونقل التكنولوجيا السائدة في العالم لأحداث تغيير نوعي ملموس ، ومن الناحية العملية فان بعض حملة الشهادات العليا دخلوا في طوابير البطالة حيث يعتصمون بين فترة وأخرى بحثا عن فرص العمل ، وانحسرت فرص التعيين للأوائل منهم في الجامعات الحكومية من غير المتعينين بالأصل وخضع البعض الأخر لاذعان الكليات الأهلية التي تشترط تعيينهم على الملاك بأجور منخفضة وكأنهم من ( بنغلاديش ) ، ولم يقع الطلب عليهم من وزارات غير التعليم رغم مصادقة مجلس النواب على قانون يلزم بتخصيص نسبة من التعيينات لحملة الشهادات العليا .
لقد أتيحت لنا الفرصة في عام 2018 لإدارة ومشاركة سبعة ورش عمل على الأقل عقدها مركز التعليم المستمر في الجامعة التقنية الوسطى والتي كرست لمحاورة العائدين المبتعثين للدراسة في الجامعات في العالم من منتسبي الجامعة بمختلف الاختصاصات بالفوائد المتحققة والمقترحات التي يمكن تبنيها في تغيير واقع الأداء الجامعي ، وحضرها جميعا رئيس الجامعة لكي يكون قريبا لاتخاذ القرارات المناسبة بهذا الصدد بما يعزز المكانة العلمية للجامعة ويحقق فوائد الابتعاث ، وخضع الحاضرون لاستبيان لتحديد وجهة نظرهم بالجامعات التي تخرجوا منها وأسباب تبني الرأي ، وقد كانت المناقشات مفيدة بالفعل في التعرف على الفوارق بين الجامعات من حيث استخدام طرائق التدريس والتعامل مع الطلبة وكيفية تبني المشاريع البحثية ومدى استفادة المجتمع من نتائج تلك البحوث ، حيث تمول بعضها او تشترى من قبل الشركات او الجهات المستفيدة ، كما تم الاهتمام بطرق الاشتراك والنشر في المجلات العالمية ذات معامل التأثير وأمور أخرى تم الاستنتاج من خلالها إن ليس كل ما تعلمه المبتعثون من معارف وخبرات ومهارات وسلوكيات قابل للتطبيق في بلدنا ، بسبب الاختلاف في البيئات الجامعية ومقدار الدعم والتخصيص والأنظمة والقوانين السائدة ومدى مقدرة القيادات داخل وخارج الجامعات على التعامل مع الإبداع والمبدعين ، ورغم إن فوائد عديدة قد تحققت من الابتعاث وتأشير العديد من الايجابيات التي يمكن أن تنعكس على جامعاتنا لو أتيحت الفرص الملائمة للتطبيق في الواقع العملي ، إلا إن ما تحقق لا يشكل ألا جزءا بسيطا من الفوائد التي كان من الممكن تحقيقها عند نقل تجارب الجامعات العالمية ( رغم وجود اختلافات بين مستوياتها وتقنياتها ) وبما يبرر صرف مئات الملايين من الدولارات على المبتعثين او الدارسين على النفقة الخاصة ، ولكي تبرر النفقات ويوضع المبتعث في المكان الصحيح ليكون قادرا على نقل المعرفة والمهارة وتوظيفها لصنع ما هو جديد فلابد من إجراء تغيير في البيئة الجامعية بمكوناتها المعروفة لتكون مشجعة وليست محبطة وان تتوفر وسائل وأدوات وتسهيلات البحث والتطبيق والنشر ، كما إن هناك حاجة ماسة لتقليل الفجوة بين القائد والآخرين للعمل بروحية الفريق ، فما فائدة أن نرسل طلابنا إلى أرقى الجامعات ويعود المتخرج وكأنه موظف اعتيادي ولديه جدول بأكثر من 20 ساعة أسبوعيا وراتبه لا يكفي للزواج إلا بعد أن يقترب من سن ال40 ولا تتوفر لديه المختبرات والأدوات للتطبيق ، وما فائدة أن تحشر كل الشهادات العليا في الجامعات والوزارات والدوائر ترى في الماجستير والدكتوراه ترف لا مبرر له ، وما فائدة إن يقبل ويتخرج الآلاف سنويا من الدراسات العليا ونعمل توسعة للقبول والخريجون يفترشون أمام الوزارات للبحث عن التعيين وكأنهم صنعوا للوظائف فحسب ؟ ، وأخيرا فان ما نتمناه هو البحث عن كيفية إيصال جامعاتنا إلى المستوى الذي يليق بمكانة العراق لتكون برصانة الجامعات التي نتمناها او ننقدها والتقدم خطوة بخطوة في الاتجاه الصحيح ، وهو أمر غير مستحيل إن توفرت الإرادة وتظافرت الجهود لاستثمار الطاقات المتخرجة محليا او المبتعثة ، دون أن يفوتنا شيء مهم وهو إن الجامعات لا يمكن أن تزدهر وتكون منتجة وفاعلة أن لم تكن قطاعات المجتمع بحاجة فعلية لمخرجات الجامعات بمستوى الجودة التي تخلق المنافسة المشروعة بين الجامعات .