23 ديسمبر، 2024 8:31 ص

هل تغرب السعودية الثالثة؟

هل تغرب السعودية الثالثة؟

رمال وولاءات.. دولتان سقطت وأضحى تحول الداخل في الثالثة محل تساؤل، هو عامل تسريع للاضمحلال أم خطوة لمستقبل مغاير!

هي رمال.. بلا نفط حتى مطلع القرن الماضي، نخيل وجمال وخيام متناثرة وبيوت متهدمة بلا مدنية سوى في بقاع ضئيلة، ذلك مثل ثروة وفرصة لآل سعود لتشييد دولتهم مع عدم اكتراث بريطانيا والقوى الغربية بتلك الرمال في ذروة توسعاتهم الاستعمارية في حين انحصر سيطرة الدولة العثمانية بالمناطق المقدسة نظراً لقيمتهم الاستراتيجية كبوابة شمالية لليمن والدينية كدولة خلافة للمسلمين!

لم يتردد محمد بن سعود في حشد الحلفاء لإطلاق الدولة الأولى بالقرن 18 بنجاحات عسكرية وعتاد قليل، لكن مع تغير خريطة القوى بالمنطقة بشروق نجم الإمبراطورية المصرية، دُكَت عاصمتهم الدرعية تحت أقدام جُند إبراهيم باشا عام 1818لإرضاء السلطان كما قيل أنذلك حين مثلت الدولة السعودية والحركة الوهابية مشكلة لرجل أوروبا المريض لا تقل تهديداً عن ثورة اليونان، عصفوران بحجر واحد هكذا رآها محمد على باشا الجامح لبسط نفوذه لشبه الجزيرة.

مجدداً.. تغيرت خريطة القوى الإقليمية، حينها اشتد ساعد تركي بن عبدالله أحد أحفاد محمد بن سعود وأسس دولة ثانية مستغلاً أفول نجم الامبراطورية المصرية عشية تحالف العثمانيين والقوى الأوروبية الذي تكلل بمعاهدة لندن عام 1840.

هي معاهدة لم يقرئها الكثيرين رغم أنها تحمل إشارتان شديدتا الخطورة لواقع العرب الحالي، مصر لم تُذكر بها كطرف رغم أنها أُبرمَت خصيصاً لوقف توسعاتها بالأراضي العثمانية المتداعية، لأن بريطانيا أرادت تقزيم مصر وجعلها جزء من العثمانية لا تعترف به كدولة مستقلة وبالتالي لا تعد طرفاً ولا يحق لها التوقيع!

ثانياً لم يوقع على المعاهدة سوى بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وتركيا ولم تُذكَر “الدولة العثمانية” نظراً لاعتراف الدول الأوروبية بتركيا فقط كدولة أما الأراضي العربية التي حكمتها لم تكون سوى مستعمرات تركية لا تختلف عن مستعمرات فرنسا في غرب أفريقيا، وأغلب المراجع العلمية والمعاهدات الأوروبية تؤكد ذلك وهو أمر شديد الدلالة اليوم لأنه يلقى الضوء على مسعى أردوغان لإعادة توحيد المسلمين تحت راية عثمانية جديدة، ولم تكن العثمانية سوى مستعمراً يستعبد ويستنزف موارد مستعمراته العربية لقرون طويلة أغرقها الجهل والتخلف، ولم تكن رايته بهلالها الإسلامي عدا وسيلة لغاية أخرى!

ولم تغرب شمس القرن التاسع عشر دون غروب الدولة الثانية معها، وهذه المرة جاء السبب من الداخل وليس الخارج مع اشتداد الخلافات القبلية والحروب الداخلية رغم أن الأراضي التي حكمتها الثانية كانت أضيق بكثير من الأولى التي امتدت بين ساحلين.

ولعل السقوط الثاني يقدم دروساً للدولة الثالثة حيث مثل عدم نضج المجتمعات بتلك المنطقة سياسياً واجتماعياً حجر زاوية للانهيار، وكان متوقعاً أن تسود النزاعات في مجتمع قبلي بلا مؤسسات، لم توجد قواعد للعبة السياسية بين الأمراء.

الحاضر يختلف حتماً عن الماضي في كثير من التفاصيل لكن الدولة الثالثة لا تزال تواجه تهديدات وجودية من الخارج أُضِيف لها تحديات من الداخل مؤخراً وهو أمر تنفرد به عن الدولتان السابقتان، فمنذ سقوط النظام الامبراطوري بفارس عام 1979حتى الأمس حين فُتِحت أسوار المملكة أمام حفلات الغناء والمصارعة الحرة كان الأمر متشابهة للغاية لظروف سقوط الدولة الأولى فحسب!

التهديد الوجودي الخارجي ظل جلياً لعقود، وبين ثورة الخميني وهجوم بقيق وخريص.. لم تطلق رصاصة واحدة على التراب الإيراني بل جاء اغتيال قاسمي والمهندس داخل الأراضي العرقية وليس الإيرانية التي لا تطالها يد أمريكا، علاوة على زيادة مدى صواريخ وطائرات الحوثيين المسيرة لأهداف أبعد بالأراضي السعودية الحليفة! ومع انسحاب القوات الأمريكية من العراق ستسعى طهران بلا شك لزحزحة خطوط الحرب، مما يقارب الظروف الراهنة بمثيلاتها في السعودية الأولى.

لكن ماذا عن الداخل السعودي؟

حفلات غناء وفرق موسيقية من الشرق والغرب وعدم إلزام النساء بالحجاب واعتقالات لشيوخ سلفيين، رياح التغيير تهب نحو (ليبرالية سعودية)!

مصطلح غير مألوف لدى ثقافة ظلت منغلقة لقرون تطوى صفحاتها الوهابية المتشددة بقسوة، فالأمر مغايراً بمصر التي تعاطت الليبرالية منذ انفتاحها على الغرب مع أول حذاء خطى به نابليون بونابارت على تراب الإسكندرية أينما بدء أول لقاء بين الشرق والغرب منذ انتهاء الحروب الصليبية!

هي ليبرالية ثقافية مفاجأة وسريعة للغاية بالسعودية دون رصيد موازي من المؤسسات والديموقراطية يساندها ويؤمن نجاحها واستمرارها دون تعقيدات مستقبلية.

حقن المجتمع السعودي بقيم الحياة الغربية سريعاً يعد تحولاً كبيراً قد يجرفها دون وعي إلى صدمة وتناقضات وخيمة يصعب التعامل معها على المدى البعيد ببلد ملكي مطلق، فالليبرالية لا تتجزأ وإن تجزأت تصبح مسخاً حيث لا يمكن إجراء انتخابات دون انتقاد الحكام! وهو ما يعيد للأذهان ما حدث بالاتحاد السوفيتي الذي انهار فور حقنه جورباتشوف بالليبرالية فجأة، وإن لم يكن السبب الوحيد إلان أنه سرع الانشطار لـ 15 جمهورية.

ولن ينحسر السماح بممارسة الحريات على عتبة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة، قد يتغلل خلف حدود الثقافة والترفيه ليطال السياسة يوماً، فالمجتمع لا ينعزل عن السياسة خاصة أنه لا توجد سياسة واضحة لهذا التحول عدا رؤية المملكة 2030 لتشجيع السياحة الترفيهية كأحد آليات تنويع مصادر الدخل بجوار النفط!

ويظل السؤال الأهم لماذا تلتقط الرياض هذا الاختيار الأن؟ هل الأمر يتعلق بملل آل سعود من الانغلاق أم لإرضاء الغرب بعد اتهامات انتهاكات حقوق الانسان خاصة بعد اغتيال خاشقجي!

هو مقال للرأي والتساؤل، ويظل انتقال السعودية إلى الجمهورية سيناريو لا أستبعده مع استمرار سياسة نسخ الغرب دون وجود خطة بديلة لتصحيح المسار إن فشل!