23 ديسمبر، 2024 12:37 ص

هل تعوّض الأحاسيس “المنبريّة” المعلوم من الشيء بتحسّسه تحت المنبر؟ .. فوق ؟

هل تعوّض الأحاسيس “المنبريّة” المعلوم من الشيء بتحسّسه تحت المنبر؟ .. فوق ؟

أي هل من الممكن عن طريق الإحساس تقييم الشيء بنفس تقييمه بالقواعد المكوّنة له .. في اللغة مثلاً , الإيقاع الصوتي للغة يلعب الإحساس الشخصي دوراً بارزاً في تقييم نوعيّة نغمته بغضّ النظر عن اتّباع القواعد لمكوّن الكلمة أو الجملة من ناحية القواعد اللغويّة .. ففي اللغة العربيّة يتملّكني أحياناً وكأنّني حين أستمع لترتيل من القرآن بفخامة تنقلني بعيداً إلى عالم من القشعريرة .. أحياناً أحاول تفسير مثل تلك المشاعر “فأفرمل” مشاعري عند نقطة الصفر قدر ما أستطيع لأتبيّن هل هي حث لملكات الحنين تأخذني للماضي هل هل .. وما فائدة الاقشعرار وأنا مؤمن تماماً بما يدعوني له بما لست بحاجة لترغيبي بالترتيل .. هل فكّر أحد المكّيّون زمن النزول بمثل ما أفكّر به اليوم وهو يستمع لصوت ابن مسعود يرتّل ؛ كفر بعقله أم آمن بعواطفه ؟ أكيد هناك بعقله من كفر إن كان الترتيل “يستجدي الجميع” .. هل الترتيل لمخاطبة أصحاب العواطف , أم هل هو عام لمخاطبة الجميع , لا يستقيم الأمر إطلاقاً فلابدّ وهناك تمييز قد تكون “ورتّل القرآن ترتيلا” خاصّة بظرف لقوم بعينهم اندثر “تنجيمه” ففقدت “الضرورة من التنزيل” مع ما فقدنا الكثير جدّاً بحيث بدا القرآن “مخلوق” كما أراد الخليفة المأمون أكثر منه “منزّل” ؟ .. أكيد هو الماضي , التربية الطفوليّة والنشأة لها أجوائها الّتي نقشت نسماتها فوق أغشية الحنين الرقيقة تثار مع كلّ إثارة من شجن .. فالفخامة لا تعني إلاّ رفض ما غيرها ولا تقبل إضافة للواقع بل هو المكان الّذي يرسمه لك التفخيم ؛ كقصر فخم ذو طراز قديم جميع أثاثه ينتمي لمرحلة ولّت من الذوق والتذوّق لا يصلح تعلّق على جدار صالته لوحة لعمل حداثي فنّي في الرسم حتّى ولا مرحلة من مراحل “الدادائيّة” القريبة جدّاً لعصور الفخامة ! أو ملصق “جشتالت” لفتاة معاصرة ترتدي زيّ سباحة “معاصر” كأن يُعلّق في غرفة نوم فخمة تعود للعصر الباروكي .. إذاً التفخيم لا يستوعب سوى مرحلته .. ولغتنا العربيّة أظنّها كذلك , ما يعني هذا بما أظنّها تتعرّض للموت في حين نحن وبسبب “الاقشعرار” نظنّها بوهم أنّها لا زالت تؤثّر فينا في حين ضلّت قاصرة عن التعبير الحداثي مالم يدّارك الجميع ويستنفر ؛ في وقت أنّ النشأة الدينيّة هي الّتي تحوّل المؤثّر المرتّل في نفس المستمع إلى ذكريات ماضيه التربويّ الأوّل فيحنّ إليه لكن لا يرغب العودة إليه في قرارة نفسه فيستغفر الله في سرّه ويستعيذ به من الشيطان لينسى الوساوس ! ما يطمئنني أكثر بصحّة حدسي هذا هنا هو أنّني كنت مارّاً بطريق تجاري وسط باحة مستديرة لحيّ أوروبّي عتيق أحبّ المشي راجلاً فيه لا على درّاجة هوائيّة كما اعتدت واضح عليه طرزه العمراني الفخم , حقيقة هزّ وجداني بشدّة صوت شبه أوبرالي مسمعي يؤدّيه شاب واضح على معلم وجهه وهيئة ملبسه البسيط التديّن وكأنّه أحد شخوص رواية “مرتفعات وذرنك” فرّ منها عبر آلة عبور الزمن إلى تلك الباحة في تلك اللحظة وقد كانّ يشدو تحت سقف باب على دكّته الأولى لبناء فخم قديم وبعض المارّة استطاب الاستماع فوقف “مستطعماً” والشاب “يرتّل” ترتيل أوبرالي بأعلى ما أمكنه من طبقات صوتيّة تموج بسرعة إلى أعلى وبرصانة ليهبط سريعاً باتّزان شجيّ يهزّ الوجدان فعلاً أنساني “وإذا الوحوش حشرت” ! وهكذا فيبدو عليه الانفعال رغم تماسكه الواضح و بحيث دبّت في أوصالي نفس عوارض استماعي لصوت أبو العينين الشعيشع .. حقّاً كانت دقائق لن أنساها إطلاقاً ولن انسى وجه ذلك الشاب “الوذرنكيّ” وهو يرتفع بنا أعلى إلى طبقة سماويّة ما بحيث تعلّقت أكثر بالغناء الأوبرالي أتابعه أكثر بكثير من ذي قبل .. هو أثّر بي لكن على خلفيّة فنّيّة متقدّمة “مطمئنة” لا أدري لولاها ما هي حقيقة مشاعري ستكون , هل سأعزف عن سماع “نمطي” , وسيكون مملّ حتماً , وأبحث عن كلّ جديد ؟ ..