23 ديسمبر، 2024 1:37 ص

هل تصريح بهاء الاعرجي جزء من توجيه ايراني ام امريكي ام تظليل بلا ضوء وسقطة لاتغتفر !!!

هل تصريح بهاء الاعرجي جزء من توجيه ايراني ام امريكي ام تظليل بلا ضوء وسقطة لاتغتفر !!!

قال النائب عن التيار الصدري بهاء عبد الحسين الأعرجي، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في معرض ردّه على سؤال حول إمكانية توقيع العراق اتفاق سلام مع إسرائيل في هذه المرحلة، “مهيأ جداً”. وأضاف ممكن أن يصدر القرار من النجف وليس من بغداد.

لماذا النجف؟

كما هو معلوم أن النجف تعدّ المكان المقدس لملايين الشيعة حول العالم، ومنذ أن ترأس الحوزة العلمية فيها أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (995-1067 ميلادي)، والعنصر الفارسي هو المهيمن على زعامة المرجعية الدينية عبر التاريخ. اليوم، الكل يعلم كيف قدم المرجع العراقي علي السيستاني، الجهاد السلمي وأخّر الجهاد المسلح ضد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وبذلك ميّع إرادة الملايين من أتباع المذهب تجاه احتلال غربي لبلد مسلم. وما كتبه الحاكم الأميركي بول بريمر عن تعاون السيستاني غير المباشر معهم، في كتابه “عام قضيته في العراق”، وكذلك اعتراف وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في كتابه “المعروف وغير المعروف في حرب العراق”، بأنه “كان لفتوى السيستاني الفضل الكثير لتجنّب قوات التحالف خسائر جسيمة”.

كما يستمر سكوت السيستاني عن الجرائم والمجازر والانتهاكات الشنيعة التي طالت جميع مكوّنات الشعب العراقي من جنوبه حتى شماله خلال السنوات الطويلة الماضية. وأحدثها، مجزرة قرية الفرحاتية في قضاء بلد التابع إلى محافظة صلاح الدين، شمال العراق، في 17 الشهر الحالي، وراح ضحيتها 12 شخصاً، بينهم أربعة أطفال، التي ارتكبها اللواء 42 التابع لحركة العصائب في الحشد الشعبي الموالي لإيران، على الرغم من التدقيق الأمني والسماح بعودتهم من مخيم النازحين إلى قريتهم.

عموماً، فإن الجانب الروحي له أهمية خاصة في توظيفه نحو أهداف ومخططات خارجية، وبذلك ليس مستبعداً أن يجدد السيستاني الوضع بإصدار فتوى تجيز التقارب مع إسرائيل طالما فيه صالح إيران ومستقبلها. والذي يشكّ في ذلك، عليه أن ينظر ويقارن مواقف السيستاني وبقية مرجعيات النجف، محمد الحكيم إيراني وإسحاق الفياض أفغاني وبشير النجفي هندي، إذ يعملون على عزل الشيعة من محيطهم العربي وإلحاقهم بالحامي الإيراني، لإضعاف العراق لصالح إيران، ما ينعكس بالإيجاب أيضاً على تركيا وإسرائيل في المنطقة، في حين ينعكس ذلك سلباً على العرب.

ومن الجانب الروحي إلى الجانب الزمني، هناك مقتدى الصدر المسيطر على محافظة النجف إدارياً وسياسياً وعملياً، كما يبسط نفوذه على مناطق أخرى بحكم التيار الشعبي الذي ورثه عن عائلته. وأثبتت أحداث ومعطيات السنوات الماضية، أنه يميل إلى إيران، خصوصاً بعد الانتفاضة التشرينية التي دخلت عامها الثاني، الذي واجهها بالقتل والخطف وإحراق خيام المعتصمين السلميين، ولا يزال يعمل مع بقية الفصائل الولائية على إطفاء جذوة الشباب المنتفض ضد هيمنة طهران على مقدرات العراق.

ومن العراق إلى لبنان، فالطرفان الشيعيان “حزب الله” و”حركة أمل” مواليان لإيران من جهة، ويسيطران على صناعة القرار السياسي اللبناني من جهة أخرى. وعليه، فإن دخول لبنان في مفاوضات غير مباشرة لترسيم حدود المياه مع إسرائيل، التي قال عنها بنيامين نتنياهو إنها “ستقود إلى السلام مع إسرائيل”، يعني أن الكتلتين المواليتين لا تتحركان من دون مشورة وموافقة طهران، لا سيما أن هذا التحرك جاء بعد سنوات رفض فيها لبنان التفاوض.

كما أن توقيت المفاوضات ومكانها، في جولتيها الأولى والثانية، في مقر الأمم المتحدة بمنطقة الناقورة في جنوب لبنان، معقل ما يسمّى “محور الممانعة” والمقاومة ضد إسرائيل، لهما دلالتهما. وفي اليوم التالي لها، أثار بهاء الأعرجي إمكانية التقارب مع إسرائيل، وأن أولويات القرار تأتي من النجف وليس بغداد، ما يعني حضور الرابط الشيعي التابع لإيران.

وكذلك بالنسبة إلى سوريا، وشروط بشار الأسد لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وفي مقدمتها استعادة هضبة الجولان التي خسروها في حرب يونيو (حزيران) 1967. وفي هذا الخصوص، لا بد للنظام السوري من أن يتشاور مع حليفه النظام الإيراني، الذي أنقذه من السقوط الحتمي عام 2011، وكذلك لإيران وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي داخل سوريا.

بمعنى آخر، عندما صرّح الأسد في معرض ردّه على سؤال لشبكة أخبار “سبوتنيك” الروسية في 8 أكتوبر الحالي، حول احتمالات إقامة علاقات بين سوريا وإسرائيل، على غرار ما فعلته دول عربية في الآونة الأخيرة، الإمارات والبحرين، قال إن “السلام بالنسبة إلى سوريا يتعلق بالحقوق، وحقنا هو أرضنا”. فتصريح الأسد الذي سمح بالوجود الإيراني ثم الروسي على الأراضي السورية، لحاجته لهما بالتباحث والتشاور بما يخص بلاده، يعني أن طهران التي تدّعي معاداة الكيان الإسرائيلي، موافقة ضمناً على هذا المبدأ.

بعض المحللين السياسيين يرون أن التوصل إلى اتفاق ترسيم حدود المياه الاقتصادية بين لبنان وإسرائيل لا يؤدي بالضرورة إلى توقيع اتفاق سلام بين الدولتين، خصوصاً أن القضية تنحصر في إطار اكتشاف حقول الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن مصلحة البلدين التفاوض في هذا الشأن لا أكثر.

لكن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، وغالباً ما تبدأ الخطوة الأولى بالتقارب مع إسرائيل بإبراز المنافع الاقتصادية، وسرعان ما تشمل التعاون الأمني والالتزام السياسي الذي يصبّ في صالح الوجود الإسرائيلي، ولنا في اتفاقات “كامب ديفيد” مع مصر عام 1978 و”اتفاق أوسلو” مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ومعاهدة “وادي عربة” مع الأردن عام 1994 أمثلة على ذلك. وقبل أن يجفّ حبر التوقيع على اتفاق بين الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطس (آب) الماضي، قال نتنياهو إن “هذا الاتفاق لا يعني وقف ضم الأراضي الفلسطينية”، وكذلك الاتفاق بين البحرين وإسرائيل في 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ استمرت تل أبيب بمشروعها الاستيطاني في قضم الأرض وتشييد المستوطنات.

صفوة القول إن إيران تستّرت كثيراً بشعارات “الموت لإسرائيل” و”يوم القدس العالمي” و”تحرير القدس” وغيرها من الكلمات الرنانة، في تمويه تستغله لكي تتمدد داخل بلدان العالم العربي، من أجل تثبيت مشروعها السياسي الاحتلالي.

وإذا كانت بغداد تمثّل الثقل الأكبر لانتفاضة شباب العراق الثائر، فإن طهران تقف خلف النجف لإصدار فتوى سيستانية جديدة بمقاس إيراني، ظاهرها التقارب مع إسرائيل، وباطنها إيجاد منفذ لرفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والاستعداد لأربع سنوات مقبلة في حال فوز دونالد ترمب برئاسة ثانية للولايات المتحدة.