هل تصدمنا الآخرة كما صدمتنا الصين؟

هل تصدمنا الآخرة كما صدمتنا الصين؟

منذ أيام صُدم العالم بموجة من مقاطع الفيديو التي تكشف حقيقة أسعار العديد من السلع والبضائع التي يقتنيها الناس باعتبارها ماركات وعلامات تجارية عالمية، فتلك الماركات التي لم يكن ليستخدمها إلاّ أبناء الطبقات المخملية بحكم أسعارها المرتفعة لم تكن في حقيقتها إلاّ بضائع صينية في الأصل ولا تختلف كلفها كثيرًا عن تلك البضائع التي تباع في أسواقنا ويشتريها عامة الناس.
غير أن المختلف أن تلك البضائع وبعد أن تنتج في الصين ترسل للجهات المستفيدة في الدول الصناعية الكبرى لتضع عليها علامتها التجارية كأن تكون أمريكية، أو ألمانية أو فرنسية أو غيرها.
وهنا تكتسب تلك البضائع قيمةً أكبر بكثير من حقيقتها وقد تصل لأضعاف كلفها عشرات المرات.
هذه الحقيقة التي وإن كنا نعلمها سابقًا، ولكن بطريقة غير مباشرة باتت اليوم حديث العالم، ولم تكن لتكشف بهذا الشكل إلاّ بعد أن أعلنت الولايات المتحدة خطتها لزيادة معدل التعريفة الجمركية الخاصة بالبضائع الصينية بما يقلّل من وصول البضائع الصينية للولايات المتحدة الأمريكية ويضر بالمصالح الصينية.
هنا قررت الصين أن تكشف المخفي في نشاطها التجاري بما يظهر حجم الاعتماد العالمي عليها في انتاج السلع والبضائع بما فيها دول العالم الصناعية الكبرى أو ما تسمى (G8).
ولا أعلم كيف تبادر إلى ذهني وأنا أرى قصص المقتنين والمتفاخرين بحيازتهم لبضائع العلامات التجارية العالمية وهم يكشفون عن حجم صدمتهم بما سمعوا ورأوا بأعينهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورتنا في الآخرة عند بدء أحداث يوم القيامة وما يرافقها من أحداث مهولة تحيل كل عظيم على أرضنا إلى لا شيء.
فالجبال سراب والسماء المتماسكة كأنها قطعة واحدة تتشقق وتفتح فيها أبواب والأرض بكل ما عليها وفيها من ناطحات سحاب وأبراج ومصانع ومزارع وطائرات تدك دكاً دكاً، أما البشر فحالهم أسوأ بكل تأكيد، فلا ملوك بحضرة ملك الملوك
بل أن الأحاديث النبوية تروي كيف يحشر الطغاة والمتكبرين والجبابرة على هيئة الذر حتى تطأهم الأقدام دون أن ينتبه لهم بقية البشر وقت الحشر.
انكشاف الحقيقة لن يكون متعلقًا بالمكان فقط بل سيطال الزمان أيضًا، فلك أن تتخيّل أن الحياة الدنيا بكل تفاصيلها من طفولة وفتوّة وشباب ودراسة وعمل وزواج وأسرة وشيخوخة وموت لن تكون -في تقديرنا- أكثر من ساعة من نهار قضيناها نتعارف بيننا أو يوم أو بعض يوم، وغيرها من التوصيفات التي تنتهي إلى أن الحياة بمداها الزمني لا شيء يذكر أمام حقيقة ما نرى ونسمع هناك.
وهنا سيكون تقسيم الناس وتصنيفهم مختلف بكل تأكيد، فالمعادلة التي تحكم البشر ما بعد القيامة غير تلك التي كانت تحكم علاقاتهم قبلها، فالناس سيعاملون بقدر أعمالهم لا مناصبهم أو انتمائهم، فالخادم قد يتفوّق على الملك الدنيوي إذا صلح عمله والخادمة قد تفوق مكانتها مكانة مالكتها والعامل مع رب عمله وهكذا تختلف الأمور والأحوال.
وعد الله الذي من المفترض أننا كمسلمين نصدقه ونؤمن به هو أصدق بكل تأكيد من كل حملة الصين الإعلامية وإن صدق الصينيون.
لكننا عمليًا هل نصدقه؟ وهل نؤمن به فعلًا؟ فنعامل ما حولنا كما هي حقيقته؟ أم أننا سننتظر لحظة الصدمة في الآخرة كما صدم أصحاب الماركات العالمية عندما علموا أن البضائع التي أشتروها بمئات الآلاف من الدولارات لم تكن في حقيقتها تساوي أكثر من ربع ثمنها في أحسن الأحوال.

يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾

سورة الحديد: الآية (20)

فهل نوقن ونصدق؟ أم ننتظر لحظة الصدمة؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات