23 ديسمبر، 2024 7:02 ص

هل تستطيع حكومة العبادي أن تخرجنا بأمان من الأزمة المالية الحالية ؟

هل تستطيع حكومة العبادي أن تخرجنا بأمان من الأزمة المالية الحالية ؟

ابتداءا لابد من الاعتراف بحقيقة مهمة ، وهي إن الانخفاض الحالي بأسعار النفط في الأسواق العالمية قد مثل مفاجأة كبيرة للجميع ، فصحيح إن هناك أحاديث كانت تدور حول المبالغة بارتفاع الأسعار لدرجة إن بعض الدول أخذت تبحث عن بدائل للنفط كالطاقة النظيفة أو النفط الصخري وغيرهما ، ولكن الكثير لم يكن يتصور التدهور الحالي في الأسعار لان أحسن البدائل للنفط كانت بكلفة 70 دولار مقابل برميل النفط الذي وصل سعره لأكثر من 100 دولار ، ويعني ذلك إن أسوأ الاحتمالات كانت تتجه لتوقع انخفاض أسعار النفط بين 70 – 80 دولار للبرميل ، ولكن وصول السعر إلى 30 دولار للبرميل وقابل للانخفاض أكثر شكل صدمة كبرى للجميع ، ورغم إن العراق هو من أكثر المتضررين ولكن الدول المنتجة للنفط لم تسلم من الأضرار رغم تنوع اقتصادياتها وتمتعها باحتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية والذهب ، فالفرق بين الأسعار السابقة والحالية يؤثر كثيرا على ميزان المدفوعات والناتج الوطني والدخل القومي وغيرها من المؤشرات ، كما إن احتياطات اغلب الدول ليست سائلة وإنما عبارة عن محافظ استثمارية ونقدية وبضوء السياسات التي تعتمدها الدول في إدارة الاقتصاد ، ومن الناحية الاقتصادية فان خسارة اغلب الدول المنتجة للنفط من انخفاض الأسعار هي خسارة مالية وخسارة فرصة والأخيرة لها وزن اكبر في الحسابات ولكنها لا تشكل أولوية لدى العراق .

وبالعودة إلى وضع الاقتصاد العراقي ، فانه يختلف كثيرا عن وضع اقتصاديات الدول الأخرى فالمشكلة التي يتداولها الكثير هو موضوع تدبير رواتب الموظفين واعتبارها خطا احمرا ، في حين إن الدول الأخرى تتحدث عن ثبات عملتها والمحافظة على مؤشرات الأداء والمعايير والمؤشرات العالمية التي بلغتها بمختلف المجالات فهم يريدون الحفاظ على سمعتهم ومكانتهم الإقليمية والدولية ، في حين إن العراق يريد المحافظة على توفير لقمة العيش وعدم ارتفاع أصوات الجائعين والتخوف من خروج الأمور عن حدود السيطرة ، عندما تعجز الموازنة الاتحادية عن أطعام الناس لأنها صممت لتكون صندوق كبير ل ( الرعاية الاجتماعية ) وليس لتحقيق التنمية المستدامة والتطور بشكلهما الصحيح ، وقد يتعجب البعض لهذا الكلام لأنه لا يتناسب مع حجم الأموال التي دخلت للعراق منذ 2003 ولحد اليوم والتي وصلت إلى قرابة 1000 مليار دولار ، ونقول انه من المؤسف أن تنفق هذه الأموال في مجالات غير منتجة ولأغراض استهلاكية وفي الفساد بأنواعه ، ولم تستغل في أماكنها الصحيحة لان هناك دول استطاعت أن تحقق طفرات كبيرة بربع ما أنفقه العراق ، وان من دلالات عدم الإنفاق الصحيح إننا نستورد أكثر من 90% من احتياجاتنا ونعيش أزمات في الماء والكهرباء والمجاري وفي الإنتاج وفي كل مرافق الحياة .

والسؤال الذي يتبادر للذهن هل إن المشكلة الحالية كان بالإمكان مواجهتها بشكل أفضل لو كانت الحكومة التي تواجهها ليست حكومة العبادي ؟ ، وإذا كان المقصود بالحكومات السابقة هي حكومة علاوي أو الجعفري أو المالكي ، فان الجواب بسهولة إن جميع الحكومات التي مرت استطاعت تسيير أمورها من خلال توفر التخصيصات المالية لها ، بمعنى إنها عملت بما أتيح لها وليس على أساس ما قامت بإنتاجه بإضافة عوامل جديدة من خلال إتباع الكفاءة والفاعلية ، ومما يدل على ذلك إن حكومة السيد المالكي استطاعت من تجاوز الأزمة المالية العالمية 2008 – 2009 لسببين أولهما توفر الفوائض والاحتياطيات وثانيهما إن الأزمة مرت بالعالم ولم تضرب العراق أي إنها عكس ما نحن عليه اليوم بالضبط ، لان العراق اليوم في وسط العاصفة بالضبط لان سفينة الاقتصاد العراقي تبحر بأشرعة ضعيفة وبدون مرساة ولا تستطيع عبور البحر والرسو في بر الأمان بسهولة ، وقد تتلاقفها الأمواج العاتية التي سببتها الانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط وانتشار الفساد دون السيطرة عليه ، ومن الناحية العملية فان الوزارات لم يشهد لها انجازات واضحة قبل حدوث الأزمة ولم تتبنى خططا لبناء الاقتصاد من جديد واستثمار الثروات ومضاعفة موارد العراق ، فقد اعتمدت على ما يخصص لها في الموازنات الاتحادية التي تعد على أساس الأقسام والأبواب دون غيرها من التقنيات .

وبضوء هذا الوصف المبسط لوضع العراق ، فانه ليس من المتوقع الخروج من الأزمة التي لا تعرف مدياتها الزمنية بسهولة ، لان المذاكرة في ليلة الامتحان اقل فائدة فانخفاض أسعار النفط كشف كل العورات التي كانت تغطيها الإيرادات المرتفعة والصرف من دون حدوث ( وجع ) في القلب ، فجميع من تولى المسؤولية في مختلف المجالات يعلم علم اليقين إن البلد مليء بالجروح بعد الحروب والحصار ولكن الأغلب مضى في الترقيع دون معالجات حقيقية ، وما تم إنشائه بالفعل أو تم التعاقد عليه من مشاريع على سبيل التجديد شابه العديد من الشبهات أو الوقوع في فخ الفساد ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فما زاد الطين بلة هو إصدار عشرات أو مئات القوانين التي تنشأ التزامات مالية بذمة الموازنة وبشكل لا يمكن التراجع عنها لأنها تحولت إلى امتيازات غير قابلة للتراجع ، كما أضيفت التزامات أخرى شكلت اعباءا وقيود كجولات التراخيص والعلاقة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتحالفات الإقليمية والدولية ، دون أن ننسى ضعف الأداء السياسي والأمني وغيره من الأسباب الخفية والتي اجتمعت لتختصر العنف بعبارة ( داعش ) ، الذي استولى بليلة وضحاها على 40% من مساحة العراق وخسارة ثلث الترسانة العسكرية التي تقدر خسائرها بأكثر من 30 مليار دولار ، ومتطلبات القتال لاسترجاع الأراضي المحتلة التي تكلف مئات المليارات لتغطية نفقات الحرب والتسليح والاعمار .

وإذا أرادت حكومة العبادي أن تجتاز الأزمة الحالية والخروج بأقل الخسائر الممكنة لها ولشعبنا العزيز ، فان أول ما عليها أن لا تعيش الأزمة شهرا بشهر لأنه يعرضها إلى مخاطر وضغوطات ومفاجآت كبيرة نظرا للاحتمالات الكبيرة في وجود رابط قوي وكبير بين انخفاض أسعار النفط والجوانب السياسية لإعادة ترتيب المنطقة ، أي إنها ملزمة بوضع خطة لمدة 1- 3 سنوات لمواجهة الأزمة كما يجب عدم التعويل على النفط فحسب فمن المحتمل أن ترتفع الأسعار ثم تعاود الانخفاض مما يتطلب تنويع مصادر الإيرادات ، ومن العوامل الأخرى هو خلق الانسجام الكامل في الأداء الحكومي حتى وان تطلب الأمر إجراء تعديلات وزارية ورسم شكل العلاقة الايجابية مع البرلمان ، فضلا عن عدم الاستجابة للأصوات الداعية إلى الاعتماد على الدين الخارجي والاستعاضة عنه بتفعيل تحصيل الديون بحوافز وتشجيع الادخار المحلي بزيادة أسعار الفائدة في المصارف الحكومية وتشديد الرقابة على التحويلات الخارجية ، وتقبل فكرة تخفيض أسعار المحروقات بنسبة 25% وإلغاء العمل ببيع الكاز التجاري لأنه تدمير للاقتصاد ، والاعتماد على الجامعات وليس رجال الأعمال في إنشاء حاضنات الأعمال لتبني إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة لأنها ترتبط بالأهداف الوطنية واقل عرضة للفساد ، وإخضاع الحسابات الختامية وأعمال الرقابة والتدقيق للسنوات السابقة وللمفاصل المهمة للتدقيق الدولي ، مع الضرورة لاستصدار قرار أممي بمتابعة الفاسدين من خلال خطة لاسترجاع الأموال المسروقة .