تعيش البشرية اليوم في بدايات القرن الواحد والعشرين مع تعداد بشري يفوق الـ 7 مليارات نسمة مع توقعات بوصول الرقم الى اكثر من 10 مليارات نسمة في العام 2050، في ظل تغيرات مناخية كبيرة ادت الى ارتفاع درجات حرارة الارض وتباين في معدلات سقوط الامطار مع حدوث موجات جفاف متكررة وانتشار ظاهرة التصحر في ارجاء كبيرة من العالم ولاسيما في العالم العربي، مع غياب التطبيق الحقيقي لمفاهيم ومبادئ التنمية المستدامة، الامر الذي يثير مخاوف العلماء والباحثين في مجال الزراعة والتغذية من صعوبة توفير الامن الغذائي العالمي مع وجود هذه التحديات الكبيرة.
فقد حذر تقرير منظمة الامم المتحدة للزراعة والاغذية (الفاو) في شهر شباط 2017 من ان قدرة البشر على اطعام انفسهم في المستقبل معرضة للخطر بسبب الضغط الشديد على الموارد الطبيعية وآثار التغير المناخي، ويلاحظ التقرير ان “حوالي نصف الغابات التي غطت سطح الارض في يوم ما قد اختفت اليوم، بينما تنضب مصادر المياه الجوفية بسرعة ويتآكل التنوع البيولوجي بشكل كبير”. وتبقى مخاوف العلماء والمختصين في هذا الشأن قائمة من عدم قدرة كوكب الارض على العطاء اكثر اذا ما ظل التوجه الحالي على ما هو عليه باستنزاف الموارد الطبيعية بشكل جائر، وتشير توقعات منظمة الاغذية والزراعة العالمية الى ضرورة زيادة الامدادات الغذائية بنسبة 60% لتلبية الطلب العالمي على الغذاء بحلول العام 2050.
لذلك لابد من الاندفاع والانتقال الى انظمة غذائية اكثر استدامة للاستفادة بشكل فعال من الاراضي الزراعية والمياه، ولا بد من تسخير البحث العلمي لتحقيق هذه الغاية، فلربما يكمن الحل في التكنولوجيا الزراعية الحديثة لتوفير الامن الغذائي العالمي، فهناك اليوم مساع ٍ حثيثة وخطى واضحة وملموسة على طريق الاستخدام الامثل للتكنولوجيا في انتاج محاصيل زراعية صحية وامنة للاستهلاك البشري ولها القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية السائدة.
فقد كشفت شركة التكنولوجيا اليابانية توشيبا عن تحويل مصنع لها الى مزرعة ضخمة لزراعة نباتات الخس، في محاولة لها لرفع جودة الخس مع اطالة عمره الافتراضي، في بيئة زراعية لا تتأثر بالتغيرات المناخية، اذ ان هذا النوع من الزراعة المبتكرة لا يعتمد على التربة ولا على اشعة الشمس، انما تتم الزراعة بتوفير ما يكفي من الاضاءة الاصطناعية لمحاكاة ضوء الشمس وذلك لمنح النبات مايكفي من الطاقة لعملية البناء الضوئي، كما انه لايحتاج الى تربة حيث يحصل النبات على المواد الغذائية اللازمة عن طريق الحقن المباشر لجذور النبات بالمواد العضوية التي يحتاجها، وسيكون هذا المنتج خاليا من اي شكل من اشكال البكتريا او الافات الحشرية وتعتبر هذه الطريقة من طرق الزراعة اللاارضية.
كما ويشهد علم الوراثة للنباتات والحيوانات ثورة علمية كبيرة، ويقترب العلماء من التوصل لأدوات وراثية تسمح بتقييم الشفرات الوراثية لكل كائن، الامر الذي سيسهل تحديد النباتات والحيوانات الجيدة والأكثر انتاجية.
وهنالك تطور مثير في انتاج الاغذية الزراعية في الاماكن المغلقة، بسبب التقدم في مجال الطاقة الشمسية واجهزة الاستشعار والاضاءة والروبوتات والذكاء الاصطناعي، واصبحت المزارع المغلقة بدائل قابلة للتطبيق بديلا عن المزارع التقليدية في الهواء الطلق، وبالمقارنة مع المزارع التقليدية المفتوحة، وجد ان المزارع المغلقة تستخدم مياه واراضي اقل بعشرة مرات من المزارع التقليدية، ويتم حصاد المحاصيل الزراعية عدة مرات في السنة دون الاعتماد على الطقس ودون الحاجة لاستخدام المبيدات الضارة.
هذا وان التكنولوجيا الحديثة ساهمت بتغييرطريقة زراعة الارض وتربية الماشية من خلال وسائل حديثة مثل استخدام اجهزة الاستشعار التي تقيس مستويات المياه والمغذيات في التربة، وتسمح هذه التكنولوجيا للجرارات الزراعية والات الحرث والبذر والحصاد بتحديد المحاصيل المناسبة ومقدار الري والاسمدة اللازمين،كما ان تقنية ري القمح بماء البحر ساعدت على انتاج نوع جديد من القمح له القدرة على النمو في المناطق رديئة الخصوبة وقليلة السماد، وهناك بحوث علمية تعمل على استخدام تقنية الجينات مثل تقنية الحمض النووي في انتاج بعض الثمار المحتوية على كل او اغلب العناصر الغذائية بدلا من الحصول على عناصر غذائية محدودة.
ومن الجدير بالذكر ان تطبيق هذه التكنولوجيا والتقنية الحديثة والاستفادة منها يبقى رهن الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد طبيعة الحياة والعيش في كل بلد، اذ يظل تبنّي هذه التكنولوجيا اقل اهمية بالمقارنة مع توفير الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية الاساسية ورؤوس الاموال والحكم الرشيد، ولو فرضنا جدلا امكانية تطبيق هذه التقنيات الحديثة فإنها ستساهم في رفع مستويات البطالة المرتفعة اصلا في البلدان الفقيرة والنامية التي يعتمد سكانها في اقتصادهم على العمل الزراعي.