بعد 70 عاما من الحياد الفنلندي، أقدمت هلسنكي على خطوة تخليها عن ذلك الحياد ، بالتوقيع على اتفاقية تعاون ثنائي مع الولايات المتحدة الامريكية ، وقالت ان هذه الاتفاقية ستعزز التحالف الثنائي بينهما ، أمن فنلندا ودفاعها وتسمح للبلدين للتعاون في أي حالات متعلقة بالأمن ، كما أن هذا الاتفاق له أهمية إقليمية وسيساعدها على المساهمة في جهود الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي ، وبحسب وزير الدفاع الفنلندي، فإن الاتفاق لا تستبعد نشر الأسلحة النووية، لكنه ينص على وجوب مراعاة التشريعات الفنلندية ، ويحظر قانون الطاقة النووية تخزين ونقل الأسلحة النووية في فنلندا.
واتفاقية التعاون الدفاعي بين فنلندا وواشنطن ، والتي وقعها وزير الدفاع الفنلندي أنتي هاكانن ووزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في واشنطن ، تسمح لواشنطن من إرسال قوات لفنلندا، الواقعة شمالي أوروبا، والتي تشارك حدودا مع روسيا، لتعزيز دفاعها وتخزين أسلحة ومعدات عسكرية هناك وغيرها من البنود ، وقد أفتتحت فنلندالهذا الغرض 15 منشأة لنشر الأسلحة والأفراد العسكريين الأمريكيين ، وقال وزير الدفاع الفنلندي أنتي هاكانن عشية التوقيع ، بأنها “تحمل رسالة قوية للغاية في هذا الوقت، مفادها أن الولايات المتحدة ملتزمة بدفاعنا أيضا في اللحظة الصعبة” ، وطالب الوزير الفنلندي برلمان بلاده المصادقة على الاتفاقية لأنها برأيه ” مهمة للغاية لأمن ودفاع فنلندا” ،وبالإضافة إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، فإن هذا يشكل رادعاً قوياً إلى حد ما “ لجيراننا ، ولا أحد يجرؤ على ممارسة ضغوط عسكرية علينا أو زعزعة استقرار الوضع”.
وتقول القيادة الروسية إن مجرد ضم فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي لا يثير قلق موسكو بشكل خاص ، وليس لديها نفس المشاكل مع السويد وفنلندا التي لديها للأسف مع أوكرانيا ، وليست لديها قضايا إقليمية، ولا نزاعات، وليس لديها أي شيء يمكن أن يزعج فيما يتعلق بعضوية فنلندا أو السويد في الناتو ، ويشدد الكرملين الذي سبق التعليق على اتفاقية التعاون الدفاعي التي وقعتها فنلندا مع الولايات المتحدة ، وشدد على إن الأمر “سيشكل بوضوح تهديدا لروسيا” ، وكجزء من الاتفاقيات الجديدة، سيكون للأميركيين إمكانية الوصول على نطاق واسع إلى القواعد العسكرية والمرافق الأخرى في فنلندا ، وسيكونون قادرين على نشر القوات والأسلحة والمعدات هناك ، والتي سبق وأن حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنه إذا تمركزت قوات الناتو والبنية التحتية في فنلندا، فإن روسيا سترد بنفس الطريقة.
وقال بوتين في لقاء تلفزيوني عشية توقيع الاتفاق الأمريكي الفنلندي ، أن علاقات روسيا مع فنلندا كانت من أفضل العلاقات، ولكن انضمام الأخيرة إلى الناتو“ أجبرنا على تركيز الوحدات العسكرية في منطقة لينينغراد العسكرية“ ، وتابع بوتين، متحدثا عن عواقب انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي “لم تكن هناك مشاكل ، والآن ستظهر هناك، لأننا سننشئ الآن منطقة لينينغراد العسكرية هناك ونركز وحدات عسكرية معينة” ، ووفقا له، في السابق “لم تكن هناك أي تهديدات” لهذه البلدان ، والآن، إذا استضافت الوحدات العسكرية والبنية التحتية للحلف، فإن موسكو “ستضطر إلى الرد بطريقة مرآة وخلق نفس التهديدات للمناطق التي تنطلق منها (روسيا).
بدوره اعرب وزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو عن اعتقاده أنه “في المستقبل القريب، لا يمكن استبعاد نشر قواعد عسكرية للتحالف وأسلحة هجومية على أراضي هذه الدول“ ، ووصف الوزير الروسي الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ومينسك بأنها مهمة في الظروف “عندما تدهور الوضع على طول محيط حدود الدولة الاتحادية بشكل حاد بسبب الأنشطة العدائية العلنية لحلف شمال الأطلسي“ ، مشددا في الوقت نفسه على ان روسيا تعمل على تعزيز حدودها الغربية، بما في ذلك ردا على إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا من دول الناتو ، المركبات المدرعة، وأنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ عالية الدقة ، وقال إن روسيا تعمل على تعزيز حدودها الغربية ، ، واعترف في وقت سابق بأن الناتو سينشر أسلحة في فنلندا قادرة على ضرب أهداف روسية مهمة في الشمال الغربي ، واكد خلال اجتماع للإدارتين العسكريتين في روسيا وبيلاروسيا، إن انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي وإجراء مناورات مشتركة في السويد “خلق مصدرا إضافيا للتوتر“.
وبعد توقيع الاتفاقية، يجب أن يتم التصديق عليها من قبل برلماني البلدين، ولدى الولايات المتحدة اتفاقيات مماثلة مع لاتفيا وليتوانيا والنرويج وإستونيا ، وفي 5 ديسمبر/كانون الأول، وقعت الولايات المتحدة مثل هذه الاتفاقية مع السويد، ، واستكملت الدنمارك مؤخرًا المفاوضات بشأن تطوير نفس الوثيقة مع الولايات المتحدة ، ويؤكد المراقبون أن هذا الاتجاه يؤدي إلى تشكيل تحالف جديد من الدول ذات المصالح المماثلة .
ويعود التعاون الدفاعي الوثيق بين فنلندا والولايات المتحدة إلى أوائل التسعينيات، ولم يكن توقيع اتفاقية جديدة ممكنًا بدون هذا التاريخ الطويل من التعاون ، وقد تم اتخاذ قرار إعداد مثل هذا الاتفاق بين هلسنكي وواشنطن في أغسطس 2022 ، وبدأت المفاوضات الموضوعية حول هذه المسألة في مارس 2023 ، ووصفت وزيرة الخارجية الفنلندية إيلينا فالتونين، الاتفاقية بأنها “ليست نقطة نهاية”، ولكنها “خطوة جديدة نحو تعاون أوثق بين وزارتي الدفاع في فنلندا والولايات المتحدة” ، وان الاتفاق يعكس التزام الولايات المتحدة بأمن فنلندا ، ويخلق بيئة للتعاون في أوقات الأزمات ، وإن فنلندا لن تدافع عن نفسها بمفردها، بل كعضو في حلف شمال الأطلسي ومع الولايات المتحدة.
ونشرت الحكومة الفنلندية نص الاتفاقية قبل أيام قليلة من التوقيع ، و تحتوي الوثيقة المكونة من 37 صفحة على 30 مقالًا وملحقًا واحدًا ، تنص الديباجة فيها ، على وجه الخصوص، على أن الوجود العسكري الأمريكي سيعزز أمن واستقرار فنلندا نفسها والمنطقة ككل ، و”إن الظروف الأمنية المتغيرة في فنلندا وأوروبا نتيجة للحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا تؤكد مرة أخرى أهمية التعاون الثنائي، وهو مناسب لمختلف المواقف الأمنية”، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الفنلندية على موقعها الإلكتروني.
ويحدد الاتفاق كيف يمكن للجنود الذين يصلون إلى هلسنكي العمل في المنطقة وإعادة الإمداد في وقت مبكر ، وإن الطرفين سيتفقان مسبقًا على نشر القوات الأمريكية على الأراضي الفنلندية، ولم تناقش الوثيقة عددها أو موقعها على وجه التحديد ، وأشار هاكانن إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بالولاية القضائية النهائية عليها، ولكن في بعض حالات الجرائم الجنائية، مثل الجرائم الجنسية، يمكن لفنلندا المطالبة بأولوية الولاية القضائية ، وقال “سيتم مناقشة دور الجنود الأمريكيين مع الولايات المتحدة في المستقبل”.
والاتفاقية الجديدة بين واشنطن و هلسنكي ، جاءت استكمالا لمشوار فنلندا الذي بدأ في في الرابع من أبريل من هذا العام، حيث انضمت فنلندا رسميًا إلى حلف شمال الأطلسي، لتصبح العضو الحادي والثلاثين في حلف شمال الأطلسي ، على الرغم انهما يتعاونان منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنهم قرروا مراجعة سياسة عدم الانحياز التي انتهجوها منذ أكثر من 70 عامًا مع الكتل العسكرية فقط بعد بدء العملية الروسية في أوكرانيا ، وبدأت فنلندا، التي حافظت على شبه الحياد منذ عام 1948، في التحرك بشكل أقرب إلى حلف شمال الأطلسي في منتصف التسعينيات.
ففي عام 1994، انضمت إلى برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لمنظمة الحلف ، وأرسلت قوات حفظ السلام إلى أفغانستان وكوسوفو ، وبدأت القوات المسلحة الفنلندية في التحول تدريجيًا إلى معايير الناتو، وبدأ ممثلو الدول في حضور مؤتمرات القمة والاجتماعات رفيعة المستوى للحلف بانتظام ، وفي سبتمبر 2014، وقعت فنلندا والسويد اتفاقية مساعدة عسكرية مع ( الناتو ) ، مما يعني تعميق التعاون بشكل كبير ، ومنذ عام 2021، بدأت فنلندا في إنفاق أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الإنفاق الدفاعي، على الرغم من حقيقة أنه لم يحقق جميع أعضاء الحلف بعد هذا الهدف الذي اعتمده الناتو ، وفي بداية عام 2022، أبرمت فنلندا صفقة مع الولايات المتحدة لشراء 64 مقاتلة متعددة المهام من طراز (F-35 بقيمة 8.5 مليار يورو تقريبًا) ، ولم تنضم أي دولة إلى حلف شمال الأطلسي بهذه السرعة من قبل ، قدمت فنلندا والسويد طلبا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في 18 مايو من العام الماضي، وبعد أقل من 11 شهرا أصبح الفنلنديون أعضاء كاملي العضوية ، ولكن كان من الممكن أن يجتمعوا في فترة زمنية أقصر لو لم تجعل تركيا والمجر مشروطة الموافقة على طلبهما بمطالبهما السياسية، والتي لا تزال السويد تحاول تلبيتها.
فنلندا لم تتخلى عن حيادها اليوم ، مع توقيعها الاتفاق الثنائي مع الولايات المتحدة ، فهلسنكي ، التي حافظت على شبه الحياد منذ عام 1948، بدأت في التحرك بشكل أقرب إلى حلف شمال الأطلسي في منتصف التسعينيات ، ففي عام 1994، انضمت إلى برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لمنظمة الحلف ، وأرسلت قوات حفظ السلام إلى أفغانستان وكوسوفو ، وبدأت القوات المسلحة الفنلندية في التحول تدريجيًا إلى معايير الناتو، وفي سبتمبر 2014، وقعت فنلندا والسويد اتفاقية مساعدة عسكرية مع ( الناتو ) ، مما يعني تعميق التعاون بشكل كبير .
ومنذ عام 2021، بدأت فنلندا في إنفاق أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الإنفاق الدفاعي، على الرغم من حقيقة أنه لم يحقق جميع أعضاء الحلف بعد هذا الهدف الذي اعتمده الناتو ، وفي بداية عام 2022، أبرمت فنلندا صفقة مع الولايات المتحدة لشراء 64 مقاتلة متعددة المهام من طراز (F-35 بقيمة 8.5 مليار يورو تقريبًا) .
ان الاتفاق الجديد هو ( مسيس ) بالدرجة الأساس ، ومحاولة أمريكية لخلق استفزاز لروسيا ، فالإدارة الامريكية في الوقت الراهن ، تمني النفس بأي انتصار من شأنه ان يعزز مكانتها داخليا ، بعد الفشل الذريع لها في أوكرانيا والشرق الأوسط ، ورفع شعبية الرئيس بايدن التي تدنت الى اقل مستوى له ، كما أن الوضع مع فنلندا يختلف جذريا عن الوضع مع أوكرانيا ، فهلسنكي لم تصبح قط معادية لروسيا ، ولم تكن لدى روسيا أي خلافات معها على الإطلاق.