19 ديسمبر، 2024 12:02 ص

هل تحققت نبوءة السياب؟

هل تحققت نبوءة السياب؟

“كل عام حين يعشب الثرى نجوع، ما مر عام والعراق ليس فيه جوع، مطر، مطر، مطر” بدر شاكر السياب.

يستهزئ فقراء العراق من سِير الأقدمين التي كانت تخبرهم أن لا جوع في أرض الرافدين، وهم يسمعون أنين جوعهم وصراخ فقرهم اليومي، جيّاع العراق الذين يعيشون على أرض تطفو فوق بحار النفط والثروات الطبيعية وفي بلد ثاني أكبر إحتياطي من النفط في العالم، فيما يلتقط العالم صوراً لفقرائه وهم يبحثون بين أكوام الطمر الصحي ومكبات النفايات عن ما يشبع جوعهم أو يُسكت أنينهم.

فقراء العراق الذين إزداد بجوعهم ثراء اللصوص والسُرّاق، وصعدت بفقرهم الفاشينستات والبلوغرات وصاحبات أجساد السيليكون أحدث الموديلات من السيارات الحديثة وأرقى الشقق في أنظف الأماكن.

كم هو ملعون هذا الزمن ومؤلم حين تنقلب المعادلة ونتصور أن مدينة مثل البصرة لم تعرف طعم الماء الصالح للشرب مع إنها الأرض التي يعتاش من إيرادها العراق ودولاً مجاورة وأخرى بعيدة من نفطها.

لم يدرك فقراء العراق إن نفطهم الذي بدأ إكتشافه عام 1927 في مدينة كركوك من حقول “بابا كركر” سيكون نقمة حياتهم ويجعل أيامهم جحيماً، يطمع بهم أعداء الداخل والخارج.

جوع الفقراء الذي تحدّث عنه السياب في قصيدته التي كتبها عام 1953 رغم أن العراق كان بلداً زراعياً يفيض فيه نهري دجلة والفرات، إلا إن القصيدة كانت تسرد حكايا وقصص لفقراء العراق التي لم تنتهي منذ تأسيسه عام 1921 وتحوله من حكومات الملكية إلى الجمهورية التي تعمدت تجويع الشعب وإفقاره، وكأن السلطة تريد أن تخبر فقرائها أن لا مكان لهم في هذه البقعة من الأرض وإنه كان من الأفضل لهم لو كانوا لصوصاً أو سُراقاً.

دائماً ما تُبشّر الحكومة فقرائها بأيام عِجاف قادمات من خلال ضرائب جديدة وغلاء فاحش وليذهبوا حيث يموتون جوعاً فلن يرحمهم أيُّ راحم ولن يعطف عليهم أيُّ ماسك للسلطة المهم أن يكون النظام السياسي محفوظاً من الشر وشروره.

صُمّتْ الآذان، خرست الألسن، جفّت الأقلام، ورُفعت الصحف، فلم تعد صرخات إستغاثتهم تجدي نفعاً لأنهم ببساطة ليسوا “الكتلة الأكبر” التي تتشكل منها الحكومة وعناوينها، وتتذكر فيهم قسوتها وفشلها وحتى فسادها.

قصص البؤساء الذين تحدث عنهم “هوغو” في قصته، ربما يكون فقراء العراق أكثر بؤساً منهم لأنهم يتجرّعون ذلك الصبر الغريب والنادر الذي تصنعه سنين الصبر والألم والحسرة.

فقراء العراق الذين يعيشون في مشهد مشوه عكس المألوف وغير إعتيادي في مفارقة أن كل شيء في العراق يسير بالمقلوب تصنعها سخرية الأقدار ببلد ثري يعيش فقرائه عكس إتجاه عقرب الساعة، إذ كلما إرتفعت أسعار النفط إزدادت حياتهم بؤساً وفقراً في نكتة لا تجد من يضحك على أحداثها.

بلد أصبح فاسديه ولصوصه يتحدثون بالمليارات وأموال في خزائنهم أكبر من ميزانيات دول مجاورة، في حين يُخيّم الفقر ويتسلل إلى فقراء يبيعون أعضاء من أجسادهم أو أحد أبنائهم من أجل أن تستمر حياتهم البائسة، فهل هناك مشهداً مقلوباً أكثر من ذلك؟.