23 ديسمبر، 2024 6:39 ص

هل تحسم الكابينة الجديدة الجدل وحمى المواقف؟!

هل تحسم الكابينة الجديدة الجدل وحمى المواقف؟!

بالإنتهاء من إعلان الكابينة الحكومية الاتحادية الجديدة ، يكون الستار قد أنسدل على فصل من المشهد السياسي ، وهو الأكثر توترا وحنقا حتى الآن. التشكيلة الجديدة ، جاءت بعد معمعة وفوضى سادت اجواء البرلمان، فيما قاطع البرلمانيون المعتصمون الجلسة بعد مشادات بلغت حد التراشق. ولأول مرّة في تاريخنا نصادف سلوكيات تفتقر الى أصول اللياقة والدبلوماسية وشيء من التحضّر ، وهي مؤسفة وغير لائقة على اكثر من مستوى.
إعتصام البرلمانيين ، ممارسة سياسية تثير الغرابة ، فالناس يتظاهرون أمام السلطة التنفيذية والتشريعية نشدانا لمطالب يريدونها، أو حالة ظواهر ساخطين عليها ، وهم بالمجمل يريدون من صناع القرار إجراءات حقيقية بصدد ما يعانون أو يتمنون ، لكن أن يعتصم البرلمانيون وهم جزء مهم من سلطة القرار فتلك سابقة تثير الاستغراب حقاً.
لعبة الصراعات في البرلمان كشفت عن عمق التناقضات الكامنة ، التي هي أنعكاس لطبيعة الادوار والمصالح في تصادمها عند نقاط المقاربة أو الاختلاف داخل القبة البرلمانية. فالمفروض أن تكون السلطة التشريعية معنية بحقوق الناس وأولوياتهم لأنهم جزء من حركة المجتمع من جهة
ولأنهم يمتلكون سلطة الرقابة على الاداء الحكومي ، الذي يفترض أن يكون صارماً وغير قابل للمساومات او المزايدات حقوقاً بِرَهْن البيع.
من الضروري ، أن يتحلى البرلمانيون بنظرات عابرة تتطلع الى أفق الاشياء وتداعياتها على السواء ، وأن يكونوا جزءً من الحلول وليس الازمات.
على مر أعوام مرّت لأكثر من عقد ، تفرخ فيها الفساد ونما ، حتى أضحى غولا يمسك بتلابيب أمور وقضايا بعضها جوهري، من دون ان يحرك البرلمان ساكناً إزاءها بعّده الجهة الرقابية العليا ، كم من الوزراء والمسؤولين والمتهمين بقضايا فساد أستجوبهم البرلمان على مدى تلك الحقبة؟ حتى ولو على طريقة إسقاط الفرض. وعلى أساس ذلك لم تتأسس قاعدة برلمانية واعدة في الحساب والرقابة تؤمن قوت الناس ومستقبلهم ، وتربط الضمير البرلماني الغائب بالناس ، كما هي القاعدة في معظم الدول ، التي أختمر فيها النضج الثوري للحرص على الصالح العام المعبِّر عن تطلعات الناس ، ويبدو أن مُثُلَ الوعي بأساسيات المجتمع وحاجاته لم تكن قد لامست وعي أحد، فيما تراجعت الاهتمامات بالمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي كانت آخذة بالاضمحلال. تغيير الاسماء والوجوه لا يكفي للبدء بإصلاحات جديدة وجذرية ، فلا بد من خطوة تاريخية تعيد الاطمئنان للنفوس من خلال وضع برنامج لمحاسبة المفسدين والاقتتاص
منهم ، فضلا عن إعادة الاموال العراقية المهربة التي ترقد بسلام في إروقة البنوك الاجنبية.
إن الفساد في البلاد بنيوّي يمتد اخطبوطه الى معظم مفاصل الدولة ، الامر الذي يحتاج الى منهجية في معالجته وصرامة في مكافحته والجدية في أحالة المفسدين للقضاء ، ومن الضرورة إطلاع الرأي العام على مجمل الاحوال والاوضاع حتى يتحقق شيء من القناعة والرضا في النفوس ، بأمل إيجاد لغة مفاهمات قادرة على اعادة الثقة ومواصلة المسيرة السياسية بتوازن وطموح .
من المحزن أن يتم النظر الى أزمات البلاد وقضاياه الوطنية الملحة من خلال محاولة ركب موجة الساخطين والمتذمرين من الجماهير الواسعة ، التي صدمها الواقع المّر طوال المدة المنصرمة في وقت باتت الاوراق والمواقف مكشوفة.
تمّور البلاد بقضايا كثيرة ، فالى جانب غول الفساد تفشت ظاهرة محاولات السلطة التنفيذية في غض النظر عن الدستور ومواده في لعبة تعّد فيها هي الخاسر الاكبر ، لأن من مقتضيات السلامة للمشروع الديمقراطي ، هي الالتزام بعقد الدستور الذي يربط جميع المكونات العراقية وطوائفها وفئاتها وشرائحها في توازن متلازم ، وإن الاخلال بتوازنات المجتمع يلهب سوط التعصب والتوتر والتشنج ، الذي لا يمكن معالجته باللعب على التناقضات كما في الماضي ، لأن المناخ العام مختلف جذرياً محلياً واقليمياً ودولياً من
حيث الاهداف والتوجهات والمصالح ، كما البناء الخاطىء للدولة العراقية لايمكن اعادة تجديده بعين النظرة السابقة المدّانة .
من الاهمية ، إعادة الحياة للدستور وتفعيل منهاجه في تجديد الشراكة الوطنية ، وتفعيل دورها على أكثر من مستوى ، لشد الجهود الجمعية نحو الإنشاد الجماعي للحياة بوعي للمضي قدما لتخطي الحواجز والعقبات ومؤثرات المرحلة من الموروثات وتداعياتها المتعددة.
من المؤسف ، أنه في ذروة الازمات والمواجهات والحرب الضروس ضد الارهاب الداعشي ، أن يلجأ المهوسون بالفتنة الى تحريك اصابعها ضد الكورد ، الذين لا يمكن نكران دورهم وبطولاتهم التاريخية في كل مراحل البلاد العاصفة ، ومحاولاتهم تطويق الازمات وطرح المبادرات من اجل رأب الصدع الذي أحدثه بصورة جوهرية مثيرو القلاقل والفتن من مفقري شعبنا ومصادري ثرواته ومستقبله.
إن أثارة موجة الكراهية بين المكونات العراقية ، خاصة الكورد سابقة خطيرة ، تكمن خلفها أهداف تدميرية نحتاج معها الى يقظة وحذر من قبل الجميع لتوجهاتها ودسائسها ، أنهم يخلقون الفتنة وينفخون في نيرانها ويريدون من الآخرين تصديق ترهاتهم ، التي تدحظها الحقائق كل يوم ،
لكثرة تكرارها ، حتى صارت لغطا منفرا عتيقا لايصلح لزمان بات فيه المستور مكشوفا.