بعد الفشل الكبير لقادة السنة السياسيين في تمثيل مكونهم في العملية السياسية في العراق على مدى السنوات العشر الماضية وعدم قدرتهم على مجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه مناطقهم التي تعاني من خيبة امل كبيرة بالقادة الذين اختارتهم وبالحكومة المركزية التي همشتهم وأقصتهم من العراق سياسيا واجتماعيا ودينيا واقتصاديا . لم يعد مقبولا لعامة الجماهير السنية ان ترى نفس الوجوه لمدة اربعة سنوات قادمة , كما انهم لم يعد لديهم الثقة الكافية بمجمل العملية السياسية بالعراق لشعورهم بالمهانة والمذلة من قبل تصرفات الحكومة المركزية ومليشياتها التي بدأت تعاقب مكون كامل بسبب قيام القاعدة بالتفجيرات على كل العراقيين , لذلك بدا طيف كبير يقتنع بان المشاركة السنية ما هي إلا كوبري تعبر عليه الحكومات الطائفية لتنفيذ ما تريده باسم حكومة وطنية يحصل الكرد والشيعة على ما يريدون ويبقى مكون اخر يتفرج ولا يستطيع إلا الاعتراض الغير مجدي . الاصوات عالية جدا من قبل الجماهير السنية تطالب بعدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية بل ان الامر يتعدى ذلك من خلال مطالبة بعض المرجعيات السنية الدينية بإصدار الفتاوى التي تحرم المشاركة في الانتخابات البرلمانية والاقتصار على المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات لتمشية امور المحافظات الادارية والخدمية .
في المقابل هناك استعدادات ومشاورات كبيرة لنفس الاحزاب والكتل السياسية ذات الصبغة الدينية والعلمانية والعشائرية لدخول الانتخابات معتمدة على اصطفا فات قبلية وحزبية وطائفية ضيقة الافق ,ضاربتا عرض الحائط كل الانتقادات والصيحات , مكررتاً نفس برامجها الانتخابية البالية وحيلها الغير مخفية لكنها للأسف بسطوتها وقوتها تستطيع ان تقنع البعض بانتخابها وإيصالها الى سدة احكم الوهمي .
السؤال الملح هل المرجعية قادرة على منع المشاركة السنية ؟ وهل هناك اجماع بينهم لتبني فكرة عدم المشاركة ؟ وهل هناك تقبل وطاعة لكل المكون لهذه الفتاوى ؟ وهل هناك بديل للمقاطعة ؟ بالتأكيد سوف تصدر الفتاوى التي تحرم المشاركة من قبل بعض علماء الدين وبدأها بالأمس العلامة عبد الملك السعدي الذي وضع العديد من النقاط التي اعتمد عليها في فتواه وهي ما تنطبق مع الواقع المأساوي الذي تعيشه المناطق السنية التي اصبحت اسيرة اطروحات ومشاريع القادة السنة التي لم تعد تجدي نفعاً وسطوة الحكومة المركزية التي تعاقبهم وتعتبرهم حاضنة للإرهاب . لكن فتوى عبد الملك السعدي لا تستطيع ان تؤتي اكلها مالم تتبعها فتاوى اخرى من مراجع اخرى مثل العلامة رافع الرافعي والمجمع الفقهي السني العراقي بالإضافة الى اسنادها من قبل شيوخ العشائروالوجهاء ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والسياسيين ,هذا ما يمكن ان يحدث ويمر بسهولة في حالة عدم وجود الطرف الاخر وهو الاحزاب والكتل السياسية , هل سيسكت عرابوا السياسة السنية على تلك الفتاوى ؟ بالتأكيد لا …. بل انهم من الممكن ان يستفادوا منها ويجيروها لمصلحتهم من خلال اقرار امر واقع والحصول على حصة محافظاتهم بأدنى مستويات المشاركة في الانتخابات والاستفادة من استمارات الناخبين المقاطعين .ولا ننسى ان التقبل سوف لن يكون بأحسن حالاته لأننا نعرف ان المرجعية السنية لا تمتلك تلك العصا السحرية التي تقود بها مكونها , بالإضافة الى ذلك ان بعض علماء الدين السنة هم من المساهمين والداعمين لمشاريع الاحزاب السياسية في مناطقهم والذين سوف يسعون إلا اثارة خطاب ديني سياسي مناهض لتلك الفتاوى مما يجهض عليها في مهدها .
هذا لا يعني ان السنة غير قادرين على ايجاد بديل سياسي يغير واقع مناطق السنة في العراق كافة ويبادر في بناء قاعدة كبيرة لمشروع كبير يلتزم به الكل .هذا الدور من الضروري ان يساهم به الكل , على علماء الدين اذا ارادوا ان يغيروا عليهم ان ينضموا الى هذا المشروع و يكونوا اكثر صراحة ويسموا الاسماء بمسمياتها ويزيلوا الحجاب عن المفسدين والغير قادرين على العطاء , عليهم ان يقودوا حملة كبيرة تجرد كل من خان اهله وشعبه وقصر في حقهم . بالتأكيد لو ان العلماء الاجلاء وبمقدمتهم العلامة عبد الملك السعدي ورافع الرفاعي وبقية العلماء قالوا رأيهم بصراحة وكشفوا عن ما يقوم به السياسيين من اخطاء متعمدة وغير متعمدة وفسحوا المجال لبناء مشروع جديد يقوده قادة جدد مع الاستفادة من الخبرة التي يتمتع بها بعض الشرفاء لتغير الوضع المزري كثيراُ . في رأينا ان المقاطعة رغم اهميتها وقوة تأثيرها لكنها للأسف ممكن ان تؤدي الى نتائج اكثر خطورة من المشاركة وذلك للأسباب المذكورة اعلاه .
هناك العديد من النقاط ممكن الاستفادة منها في المشهد السياسي العراقي وأولها ان العراقيين كلهم مبتلون بحكومة رعناء وثانياً هناك رغبة كبيرة للتغيير في الطرف الاخر في المعادلة الطائفية العراقية لأنهم باتوا يشعرون بخطورة تهميش وإقصاء مكونات اخرى على مستقبلهم السياسي والديني والثقافي لذا وجب اعطاء الجانب الاخر وقتا لإثبات حسن النوايا وأخيرا السياسة لا يوجد فيها مشاريع منتهية الصلاحية ولا يوجد فيها ثوابت بل هناك مبادرات ومحاولات ومتغيرات .فليكن السنة اكثر صبرا وتمسكاُ لان عقداً من السنين لا يعني كثيرا في حساب نضال الشعوب التي تريد استعادت الحقوق .