حركة سريعة لِتَحَشّد إعلامي وسوْقي مركزة في العراق.
إسرائيل تنشر غسيلها لسحب حلفاءها نحو الهواء الطلق لأن المواجهة من وجهة نظرهم تحتاج إلى المواقف الواضحة، لذلك بدأت ملفات التسقيط وخلط الأوراق،
مواقف تبدو أنّها ارتجالية ولكنها في الواقع تشير لاصطفاف استباقي معلن،
رفع علم كردستان في المقرات الحزبية في كركوك خصوصاً وإنّه يأتي متزامناً مع نقل معظم القوات الأمريكية المنسحبة من سوريا إلى أربيل… ليس موقف عادي بل رسالة ستوضحها المواقف القادمة حتماً في السياسة لا شيء يأتي من فراغ، هل نحن أمام انطلاق المخطط الأمريكي للتصعيد ضدّ إيران الذي بدأ منذ أيام عبر إثارة العديد من الملفات دفعة واحدة، ما هو الدور الإسرائيلي المرتقب ضمن هذا المخطط… هل تسعى تل أبيب لتصفية حساباتها مع طهران عبر الأراضي العراقية؟
لماذا تسعى إسرائيل إلى خلط الأوراق والتشويش على الموقف العراقي المبدئي الرافض للتطبيع؟ هل هي الرغبة الأزلية في موطأ قدم في العراق أم أنّها تقوم بمؤامراتها المعتادة ضدّ عدوّها العراقي اللدود لإثارة الانقسام والاحتراب، وماذا عن الذئاب البعثية المتربصة على الخطّ والتي اجتمعت مع CIA عدة مرات حسب تصريحات المتهم الهارب أيهم السامرائي، هل نحن أمام صفحة خيانة جديدة للبعثيين بعد أنْ فشل تحالفهم الاستراتيجي مع داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى؟
أسئلة كثيرة إجاباتها ترسم مشهداً معتماً في البلاد،
مجموعة من التطوّرات المريبة التي استبقت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة التي تهدف حسب ما أعلن عنها إلى زيادة التنسيق لمحاربة (الإرهاب) الإيراني…
هل تمثل الزيارة انقلاب أمريكا على توافقاتها السابقة مع إيران في العراق، التوافق الذي عُبَّر عنهُ بتهاون أمريكي طوال السنوات الماضية عن تزايد النفوذ الإيراني في القرار العراقي مقابل صمت إيراني عن الوجود الأمريكي المتصاعد في عين الأسد والقيارة وبلد،
هل فعلاً أنَّ انسحاب أمريكا من سوريا هو جزء من لعبة التوافق هذه مع إيران، انسحاب أمريكي واعتراف بنظام الأسد وحلفائه مقابل نفوذ أمريكي أكبر في العراق (سوريا لروسيا وإيران والعراق لأمريكا)، ماذا عن ورقة الحصار الأمريكي لطهران هل ستستخدمها واشنطن لتعزيز حضورها في العراق، هل أنّ طهران مستعدة للتنازل عن بعض مكاسبها في العراق مقابل تقليل الحصار وتخفيف شدته.
ماذا عن الأحزاب الحاكمة، ما سرّ هذا الصمت، ما هي خياراتها الممكنة؟
هل نحن أمام سيناريو مشابه لعشيّة 2003 حينما استغلت واشنطن عُزلة النظام السياسي ومعادات الناس له،
هل تجرأ أمريكا بعد نكباتها السابقة في العراق أنْ تخوض حرب مباشرة في شوارع بغداد مع قوى مسلّحة منظمة مدعومة بخبرات عسكرية إيرانية محترفة،
أم أنّ واشنطن نجحت في الحفاظ على مصالحها عبر سياسة التحكم عن بُعد التي انتهجتها بعد انسحابها من العراق خصوصاً أنَّ الواقع العراقي الذي صنعتهُ أمريكا تجاوز الانقلابات والثورات، حيث تَشَتُتْ مراكز القرار وتشظى السلطة وغياب المصالح المشتركة بين العراقيين يحول دون تكرار سيناريو 2003، أضف إلى ذلك استحالة تشكُّل تحالف مشابه للتحالف الكردي – الشيعي الذي اعتمدته واشنطن كقاعدة انطلاق لإسقاط الدكتاتورية، كما إنَّ ورقة (البعث الصدامي) التي يراهن عليها البعض وتلوح بها أمريكا أحياناً ورقة محروقة ولا تمتلك أي مقومات قوة على الأرض على الأقل في المناطق الشيعية والكردية،
وقد يبدو المشهد محنطاً وفق هذه المعطيات وأنّ قواعد إدارة الصراع في العراق لن تتغير بشكل جذري وما يحصل عبارة عن إعادة انتشار ومحاولة لاستعراض القوة من كلا الطرفين الأمريكي والإيراني. ما لَمْ يطرأ مستجد يغير قواعد اللعبة،
واشنطن تلوَّح بورقة الحصار وانقسام الساحة العراقية حول وجودها العسكري وإيران تستعرض قوة حلفائها من الفصائل المسلحة وأذرعهم السياسية وتحالفاتهم في البرلمان التي تستطيع أنْ تشكل أغلبية عند الحاجة لاستصدار قرار بخروج القوات الأمريكية من العراق، ما يحصل لا يعدو كونه محاولة لتغيير قواعد تقاسم النفوذ وفقا لما يمتلكه كلّ طرف من أوراق ضغط جديدة، ساعد في ذلك ضعف حكومة عبد المهدي وغياب أي رؤية وطنية تراعي مصالح العراق في هذا الصراع ،
نزول اللاعبين الكبار وضع قواعد اللعبة السابقة على المحكّ
الحرب بالنيابة والاستقواء بالخارج!
والأيام القادمة حاسمة…