18 ديسمبر، 2024 5:52 م

هل تتحول تظاهرات الشباب العراقي السلمية الى إنتفاضة مسلحة

هل تتحول تظاهرات الشباب العراقي السلمية الى إنتفاضة مسلحة

إستمرت التظاهرات في مختلف محافظات العراق وخصوصاً في العاصمة بغداد لأكثر من إسبوع وشارك فيها العديد من أبناء الشعب العراقي من الشباب الذين عانوا كثيراً من فساد السلطة وما تحقق من مشاكل عديدة ابتداء من سرقة وتبذير موارد الدولة والإستحواذ عليها للأغراض الشخصية والفئوية والحزبية وإستمراراً بنقص وتردي الخدمات عموماً من صحة وتعليم وكهرباء ومياه صالحة للشرب وتخلف القطاعات الإنتاجية وزيادة نسبة الفقر والبطالة بالرغم من توفر الموارد الطبيعية والمالية الضخمة في العراق . وقد جوبهت تظاهرات الشباب السلمية ، مع الأسف ، بردة فعل من قبل السلطة الحاكمة بكل وحشية وعنف مما تسبب في سقوط أعداد كبيرة جداً وصلت بحدود العشرة آلاف من الضحايا بين قتيل وجريح . ومن خلال متابعة تفاصيل الأحداث وما تناقلته مختلف وسائل الإتصال المرئي والمسموع وتحليل مواقف وتصريحات المسؤولين عن إدارة السلطة من رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية والمرجعيات ورؤساء الكتل وغيرهم يمكن إستخلاص الحقائق التالية :
أولاً: لا شك فيه إن التظاهرات التي إندلعت وتوسعت لتضم أعداد واسعة من الشعب العراقي خاصة فئة الشباب كانت منذ البداية ولحد الآن تظاهرات سلمية مطالبة بحقوقها المهدورة على مدى الستة عشر سنة ، وكانت المطالب عبارة عن حقوق أساسية للشعب كان على السلطة أن تحققها منذ توليها زمام الأمور منذ عام ٢٠٠٣.
ثانياً: بعد تغيير النظام عام ٢٠٠٣ تولت مسؤولية إدارة البلد زمرة وأحزاب متخلفة بمليشياتهم المسلحة وشخوص (معظمهم ولائهم لغير الوطن) حيث إستغلت الظروف وشوهت تطبيق النظام الديموقراطي الصحيح بإتباع أساليب التزوير والمحاصصة وإستولت على مقدرات البلد وسرقت مئات المليارات من الدولارات التي هي بالأساس مُلك للشعب . وكانت نتيجة حكم تلك الأحزاب والرموز المتخلفة للعراق تردي كافة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والأمنية . فبالرغم من توفر الموارد المالية والطبيعية والبشرية الضخمة في العراق إلا إن النتيجة كانت تفشي الفساد الإداري والمالي وتردي الخدمات من صحة وتعليم وكهرباء ومياه صالحة للشرب وبنى تحتية متهالكة وتخلف القطاعات الإنتاجية وإرتفاع مستوى الفقر وزيادة البطالة والحد من الحريات وزيادة سطوة الأحزاب الإسلامية ومليشياتها المسلحة وتحكمها بمقدرات البلد سياسياً وإقتصادياً وأمنياً. وكنتيجة طبيعية لإستمرار هذه الأوضاع المزرية وفقدان الأمل بالمستقبل خصوصاً عند معظم فئات الشباب أن يثور الشعب ويخرج عن صمته تعبيراً عن إستيائه لواقعه المزري ومستقبله المجهول.
ثالثاً: إستخدمت السلطة من خلال أجهزتها الأمنية والعسكرية والمليشياوية ( الحشدية ) أقصى الإجراءات القمعية لإسكات صوت الشباب العُزَّل المنادي بحقوقه المشروعة واستخدمت كل وسائل القمع الهمجي والوحشي إتجاه الشباب العُزَّل لسبب واحد إن مثل هذه الإنتفاضات الشعبية تهز عروشهم وحتى وجودهم ، وهذا يعني حسب فلسفة السلطة :(إما هم أم نحن ….إذاً لابد من إبادتهم).
وهذا ما صرح به علانيةً كبار المسؤولين العراقيين والإيرانيين معاً.
رابعاً: بالتأكيد ، وسوف تثبتها الأيام ، إستعانة السلطات العراقية بشكل رسمي وشبه رسمي بوحدات الحرس الجمهوري الإيراني في مقدمتهم ( فئة القناصة ) تحت غطاء حماية مسيرة “أربعينية الحسين” ، إضافة الى قناصة ملثمين تابعين لأجهزة الأمن العراقية للإجهاض تماماً على التظاهرات الشعبية بالشكل الذي يصعب فيه تحديد هوية قتلة شباب الإنتفاضة وإعتبار الفاعل مجهول (بالتنسيق بين الأخوة المذهبية). وقد تم تثبيت حقيقة وهي قيام المتظاهرين من إلقاء القبض على أحد القناصين وتبين بأنه إيراني الجنسية وأخذ بالتوسل والبكاء للحفاظ على حياته بأنه صاحب عائلة .
خامساً: ثبوت واضح لتحايل رؤوساء السلطات والمسؤولين والمعممين في العراق وعجزهم التام في التعامل مع هذه الإنتفاضة ، وتغاضيهم عن الأعداد الكبيرة من الضحايا والإستهزاء من الشعب من خلال تصريحاتهم وخطاباتهم المرتبكة والسطحية حتى إن بعض من خطاباتهم إحتوت على تهديدات علنية لإبادة المتظاهرين تحت شعار ” المؤامرة “. وَمِمَّا يدل على وحشية الأجهزة الأمنية للسلطة الحاكمة أيضاً ما لجأت اليه من خلال عملائها وعناصرها ” تحت تسمية عناصر مندسة مجهولة ” بالتهديد بالقتل للصحفيين والمراسلين والعاملين في القنوات الفضائية التي تنقل وتبث ما يجري من أرض الواقع حيث تم مهاجمة بعض القنوات الفضائية التي كانت تبث أخبار حقائق المظاهرات السلمية وما يتعرض لها المتظاهرين العُزَّل وتحطيم أجهزتها . إن ثبوت إجرام الحكومة بتعاملها الوحشي وعدم مصداقيتها يأتي من خلال تصرفاتها وتصريحاتها الكاذبة . فتحجيم أو غلق خدمة الإنترنت للتعتيم على ما يجري في الشارع إضافة الى تفتيش ومصادرة هواتف المتظاهرين الذين يصورون الأحداث والتعتيم على وسائل التواصل الإجتماعي وتهديد الصحفيين وبعض القنوات الفضائية والمراسلين وإلقاء القبض على الجرحى والمصابين من المتظاهرين الراقدين بالمستشفيات الى جانب الإدعاء الحكومي ( بكل خبث وإستغفال وإستغباء ) بمجهولية من يقوم بقتل وقنص الشباب السلمي المتظاهر والمطالب بحقوقه المشروعة كل ذلك يدل بدون أي شك كذب وعدم مصداقية الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية المختلفة في كل ما تقول أو تصرح به من أخبار وهو دلالة أيضاً على محاولاتها الغبية لإخفاء جرائمها عن أنظار الشعب العراقي وبقية شعوب العالم التي تتابع الأحداث .
ومهما ستؤول اليها الأحداث في العراق خلال الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة فإن الطريقة الوحشية التي مارستها السلطة إتجاه المتظاهرين السلميين وما سببته ، بغبائها وجهلها وفاشيتها ، من ضحايا قاربت العشرة آلاف بين قتيل وجريح سوف تَخلُق بل خلقت فعلاً هُوّة وشرخاً كبيراً بين عموم الشعب والسلطة الحاكمة بأجهزتها ومليشياتها ورموزها جميعاً. وقد ترسخ الشعور الوطني والثوري لشرائح واسعة من شباب العراق . وحسب تصوري ، إذا إستمرت المظاهرات وهي في حقيقتها إنتفاضة شعبية لبضعة أيام أو أسابيع أخرى وإذا إستمرت السلطة الحاكمة بتعاملها الوحشي إتجاه المتظاهرين وعدم تقديمها كل من تسبب في قتل المتظاهرين بشكل مباشر أو غير مباشر الى المحاكم العادلة لمحاسبتهم على إجرامهم فإن الشباب المنتفض لا تعوزه الشجاعة لأن يواجه ويجابه السلطة بالمثل ، أي بإمكانه حمل السلاح ومقابلة العنف بالعنف والقيام بالكثير من الأعمال التي يمكن أن تربك السلطة الحاكمة وتسقطها. بعبارة أخرى ستتحول الإنتفاضة الشبابية السلمية إلى إنتفاضة مسلحة تعم معظم مناطق العراق إذا إستمرت الأمور والأوضاع كما هي عليه الآن كنتيجة طبيعية لأحداث التاريخ . بالتأكيد لا نتمنى ذلك لأن أرواح الشباب العراقي المنتفض من أجل حقوقه غالية جداً ولكننا نتمنى في نفس الوقت أن تدرك السلطة ( وهو أمر شبه مستحيل ) أخطائها ومسؤوليتها المستمرة في تأخر العراق وتردي أوضاعه في جميع النواحي وضياع مستقبله وسرقة موارده وسيادته بأن يستقيل ما يسمى برئيس الوزراء وحل ما يسمى بالبرلمان العراقي وإجراء إنتخابات نزيهة بإشراف الأمم المتحدة كلياً وفق نظام ديموقراطي نيابي أو رئاسي أيهما أفضل . وقد يفضّل تدخل أممي لتحجيم أثر وسيطرة المليشيات العراقية والعصابات المسلحة تحت أي مسمى لضمان حرية ونزاهة عملية الإنتخابات الديموقراطية .