18 ديسمبر، 2024 9:54 م

هل بلعنا درجة اليأس ؟!

هل بلعنا درجة اليأس ؟!

في الواقع لقد بلغنا هذه الدرجة منذ أعوام عديدة ، فلا يمكننا صناعة الأمل دون معطيات ، دون ظواهر على الأرض كما هو حالنا ، لأن طبقتنا السياسية من طراز فريد لا يوجد شبيه له على وجه الكوكب ، فمن الممكن أن يتبجح اي سياسي بمكسب ما أو موقف ما أو فكرة ما ، أو على الأقل أن يحسن الكذب (وهذا شأن معظم السياسيين في العالم) إلا سياسيونا ، فهم لا يتقنون حتى فن الكذب ! ، فهم يتوزعون ما بين تافه ، وفاسد ، وعميل وإرهابي ومتكالب ، وفي أحسن الأحوال شيطان أخرس !، وخير مثال ما حصل في سجالاتهم إبان الإنتخابات المهزلة ، وكيف رمى بعضهم بعضا بمختلف التهم الخطيرة التي ترقى إلى الخيانة العظمى وتدمير الإقتصاد وتبديد الأموال وبيع البلد ، والمفارقة القاتلة إن جميع هذه التهم صحيحة ، وتشمل المدّعي والمدّعى عليه ! ، سوابق خطيرة لم تحدث في التاريخ السياسي لأي بلد على وجه الأرض ، الأفضل أن تتحول تلك الظاهرة إلى موسوعة ، وتدرج في عالم السياسية كي تتحول السياسة من فن الممكن إلى فن العهر ، وحتى هذا العنوان كبير جدا ، نظرا لخلوه من أي فن !.

ولكوني قريب جدا من رجل الشارع ، كانت الإنتحابات هزيلة للغاية ، هزال العملية السياسية في البلد ، إذ لم أصادف شخصا واحدا رغم كثرة معارفي ، قد شارك في الإنتخابات ، ومرّت الأيام وما شابت تلك الإنتخابات من تجاوزات وأنواع التزوير ، بل الحرق ! ، لقد كانت إنتخابات هزلية وتافهة تفاهة المشمولين بها وعلى مقاساتهم ، ونحن المتفرجون الذين لا تعنينا هذه المهازل ، بدأت الدعايات الإنتخابية وانتهت ، وظهرت اسماء عن كتل وتحالفات لا أعلم عنها شيئا ولا عن أعضائها ولم أزل ، ثم بدأ تكالب إختيار الكتلة الأكبر ، ورجل الشارع يسميها بما لا يسعني إدراجها في هذه المقالة لبشاعة المصطلح المتداول ! ، ولا أعلم ، ولا ينبغي لي لحد الآن أن أعلم من الفائز ومن الخاسر ، ولكون الإنتهازية حتى النخاع ، هي الصفة المميزة لجميع السياسيين ، فقد أملت تلك الإنتهازية على الخاسرين ، أن يسيلوا كالمياه الآسنة إلى حيث المجاري المؤدية إلى العملية السياسية ، وبدلا من أن تطيح التهم والجرائم التي رموها بعضهم على بعض وكلها صحيحة كما أسلفت ، برؤوس كبيرة شملت قيادات عليا من كتل وأحزاب وتيارات ، عادوا حبايب ، فهم ربما سيختلفون على أي شيء ، إلا إذلال هذا الشعب ، وإكمال مشروعهم بسرقته ! ، لقد تعبت (أمريكا) حقا ، لأنها إنتقت لنا اسوأ الرموز في التاريخ .

وبدأ مخاض عسير لجنين غير شرعي لأجل تشكيل الكابينة الوزارية ، فقام السيد عبد المهدي بمبادرة ، هي خلق فرصة بتعيين وزراء من خارج الكتل والأحزاب ، أي من عامة الشعب ، ودعا إلى التقديم للترشيح إلكترونيا ، والسيد عبد المهدي سيد العارفين ، أن الكتل والأحزاب والتيارات متربصة ، ومستعدة لبيع العراق وأهله وأرضه وثرواته بل ومقدساته ، فقط لأجل الظفر بقطعة مهما كانت صغيرة من كعكة الحكومة .

طلب مني إبني ، الخريج الذي يعمل أجيرا يوميا بمبلغ 200 الف دينار في الشهر ، أن أجرّب حظي وأرسل لهم سيرتي الذاتية قائلا : أنت مهندس استشاري قديم ، ولطالما خدمت البلد ، فقاطعته قائلا : معاذ الله ، فهذا من قبيل ذر الرماد في العيون ، ولنفرض أنهم فعلوا ، هل تُريدني أن أوصم بالفساد والخيانة والسرقة ، قبل أن أدخل باب الوزارة ، فهذا رأي رجل الشارع وهو محق ، بُنيّ ، لم نتربى كما تربوا عليه ، سأكون طيرا يغرّد خارج السرب ، ولن يطول الزمن ، قبل أن ترديني بندقية أحدهم !.

هم منشغلون بما إنشغلوا به ، لكن لم يتركونا نعيش كالبشر ، فالمواطن تحول من مخدوم بسياسييه إلى خادم لهم ، فما من فرصة إلا إنتهزوها من أجل المتاجرة بالمواطن وإبتزازه ، ورفع كل أشكال الدعم عنه ، تردّت الخدمات إلى أبعد حد ، أحالوا البلد حرفيا إلى غابة ، ففي طريق عودتي من أربيل إلى كركوك ، طلب رجل الأمن من ولدي إبراز هويته ، وإذا به يتشابه مع مطلوب ! ، طلبت منه أن يتأكد يتأكّد من أسم الأم أو اللقب ، فأجابني بفظاظة (هذا لا يعنينا) ، ولم يفرج عنه إلا بشق الأنفس ، عرفت بعدها ، أن ربع الذين أعرفهم قد عانوا من هذه الظاهرة ! ، باب جديد لإبتزاز المواطنين ، بلد صار يلفظنا بسبب تصرف سياسييه ، عدت للمنزل في بغداد ، لأجد فاتورة كهرباء بمبلغ ربع مليون دينار ، رغم تردي هذه الخدمة ! .