لم يكن بابراك كارمال (1929-1996) الذي حكم افغانستان، بعد إطاحة الملكية(1973) يتصور حتى في أسوء الكوابيس، ان القوات السوفيتية، ستنسحب من بلاده، فيما ” مجاهدو”
أحمد شاه مسعود، يطرقون أبواب كابل؛ بعد عشر سنوات من التدخل العسكري السوفيتي، وسمي حينها
” المساعدة الاممية لجمهورية أفغانستان الديمقراطية”.
فقد كان انقلابيو الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني المنقسم على نفسه، أسسوا نظاما دمويا، باعتراف الجنرال ليونيد بوغدانوف، رئيس وحدة جهاز أمن الدولة السوفيتية( كي جي بي) في كابل .
وكتب وقائع خطيرة في مذكراته
” دفاتر أفغانية ” الصادرة بترجمة عربية ركيكة وناقصة.
بيد ان المذكرات،في نصها الروسي، تكشف عن حقائق مروعة حول الإعدامات الجماعية لمعارضي قادة الحزب الشيوعي، في مختلف المراحل، وخاصة حقبة محمد ترقي، وحفيظ الله أمين الذي قامت وحدة من جهاز أمن الدولة السوفيتية، بتصفيته، بعد ان أوغل في الدم ، وفِي التخابر مع الاميركان. حسب رواية الجنرال.
ويؤكد بوغدانوف، ان الإدارة السوفيتية في افغانستان، لم تكن راضية عن نهج قادة الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني، الذي تفتت الى كتل وجماعات، وانتهى أخيرا بتعليق أحد أبرز قادته الشباب نجيب الله على عمود كهرباء أمام ممثلية الامم المتحدة في كابل، عام 1996 بعد ان تخلت موسكو حقبة بوريس يلتسين، عن دعم ” الاشقاء الأمميين” في أفغانستان .
كان” دكتور نجيب” ، هكذا يلقبه رفاقه، آخر رابع رئيس جمهورية في أفغانستان التي تحولت الى إمارة طالبانية، ظلت تقاتل الغزو الأميركي عقدين، الى ان أجبرت واشنطن على الانسحاب، حتى بدون التشاور مع حلفائها الحاكمين في كابل. وتركت مصيرهم للاقدار، ورحمة طالبان!
كان رد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف على السؤال، هل ستتدخل روسيا في افغانستان، باثر الانسحاب الأميركي ، موجزا للغاية.
فقال:
” الجواب واضح”!
لافروف يريد القول ” المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”!
اذ من المعروف ان الإتحاد السوفيتي، انسحب بعد عشر سنوات من ” المعونة الاممية” مخلفا الاف العجلات والدبابات والثكنات المدمرة، وفقد من ابنائه ما يزيد على 15 آلف قتيل، وتحطمت مئات المقاتلات والقاذفات، كانت تسقط بفعل صواريخ ستينغر الاميركية.
وقد شهد كاتب السطور بعضا من المعارك الضارية بين المجاهدين الافغان والقوات السوفيتية، خلال تغطيتنا الصحفية للحرب.
و كانت آحد أبرز العوامل الموضوعية التي اودت بالدولة السوفيتية، وعجلت في افلاسها ومن ثم انهيارها المدوي.
ومع ان الوزير لافروف، يقطع بعدم إرسال، قوات الى افغانستان، مفضلا الدبلوماسية الرادعة مع طالبان، الا ان موسكو، تقف أمام خيارات صعبة، حين تراقب بقلق، ما يمكن ان يحصل من تمدد لقوات طالبان في جمهوريات اسيا الوسطى( السوفيتية سابقا) والتي تحكمها أنظمة فاسدة، توفر تربة خصبة لنشاط الحركات الأصولية، التي قد تكون متحالفة سرا مع طالبان، وتتطلع أيضًا الى نظام الإمارة.
وليس مستبعدا ان تفّعل موسكو إتفاقية الامن الجماعي مع الدول المحادة لافغانستان، والتي من غير المتوقع انها تملك قدرات عسكرية، تؤهلها لخوض حرب دفاع عن الاراضي، في حال، ضرب خيال أمراء أفغانستان بعيدا ، نحو سمرقند او بخارى او دوشنبه، أهم معاقل الإسلام في بدايات نشوء الامبراطورية الاسلامية.
فمثلما تراود أردوغان، فكرة بان ترك، وآيات قم، بان فرس، فليس مستبعدا ان تراود أمراء طالبان نزعة بان افغانستان، التي تستند الى انتشار قبائل الباشتون والاوزبك الطاجيك المشتركة بين أراضي أفغانستان وجمهوريات اسيا الوسطى السوفيتية السابقة.
لن تلدغ موسكو ثانية من الجحر الافغاني، لكن الثغرة الخطيرة في خاصرتها الجنوبية والشرقية، تدفع الكرملين الى دق جرس الانذار.
اما الانسحاب الأميركي المذل، فإنه يؤكد تحذيرات موسكو ، وخاصة الجنرال روسلان آوشوف، بطل الإتحاد السوفيتي؛ لبوش الابن، لا تتورط في افغانستان، فانك لن تنتصر هناك.
وكان آوشوف ، خاض حرب أفغانستان ، وتلقى رصاصات تطرز جسده الى جانب الاوسمة!
سلام مسافر