ليس هناك من شك في أن الجماعات و الميليشيات الشيعية في العراق و سوريا و لبنان و اليمن، صاحبة نهج متطرف يعتمد على ممارسة العنف و القسوة من أجل بلوغ الاهداف المرسومة لها، والذي ليس فيه أي شك هو ان هذا النهج المتطرف محدد لها من جانب نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي طالما تفاخر و تنافح مسؤولين فيه بنجاحهم في ماسموه ب”تصدير الثورة الاسلامية”للبلدان الاربعة المشارة إليها آنفا.
إعتماد النهج المتطرف العدواني و التوسل بالقسوة و العنف من أجل تحقيق الاهداف و الغايات، يمکن إعتباره آلية العمل المحددة للجماعات و الميليشيات الشيعية المؤتمرة بأمر طهران، ويمکن القول بل و حتى التأکيد على عدم وجود هکذا نهج متطرف عدواني دموي قبل تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية و الشروع بتطبيق المبدأ المشبوه المسمى”تصدير الثورة”، والذي لم يکن سوى تصديرا للتطرف الديني و الارهاب بأسوأ أنواعه، ولئن کان النظام الديني في إيران يزعم بأنه يعمل من أجل التقريب بين المذاهب و إستتباب الامن و الاستقرار و إشاعة المحبة و الالفة بين الشعوب، لکن الحصاد الدموي لما يقوم بزرعه من أسباب الشر و العدوان و التفرقة و البغضاء يعکس خلاف ذلك تماما.
شعرت بالراحة و الثقة و الامل بالمستقبل عندما طالعت الرسالة البليغة التي وجهها فضيلة الشيخ جلال کنجهاي، رئيس لجنة المذاهب و حرية الديانات في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية لفضيلة شيخ الازهر الدکتور أحمد الطيب تعقيبا على”بيان الازهر العالمي”، خصوصا عندما يؤکد في رسالته قائلا:” نحن في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الائتلاف الديمقراطي المعارض للديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران سواء بصفته مؤسسة وطنية أو بصفة غالبية الأعضاء المسلمين المتدينين في هذا المجلس والشيعة الواعين السالكين على درب الإمام علي (ع) نتفق معكم على ما صرحتم بجدارة في «بيان الأزهر العالمي» بأن : «مفهوم الخلافة الراشدة في عصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت تنظيما لمصلحة الناس غايته حراسة الدين وسياسة الدنيا، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، فالحكم في الإسلام يتأسس على قيم العدل والمساواة وحماية حقوق المواطنة لكل أبناء الوطن بلا تمييز بسبب اللون أو الجنس أو المعتقد، وكل نظام يحقق هذه القيم الإنسانية الرئيسة هو نظام يكتسب الشرعية من مصادر الإسلام». ان هذا المجلس قد تبنى نفس المضمون السامي قبل ثلاثة عقود أي في عام 1985 في وثيقة «علاقة الدين والدولة» كما انه يؤكد على المضمون والمحتوى نفسه بعقده
العزم على ضرورة قيام حكومة ديمقراطية في ايران الغد بدلا من الفاشية الحالية المغطاة بالدين.”، والحقيقة التي لامناص من الاقرار بها ان النظام الايراني لم يصدر أي تصريح او موقف بهذا الشکل الصريح المتسم بروح الحرص و المسؤولية.
قبل فترة، إعترف هاشمي رفسنجاني، الذي يعتبر من الشخصيات الاساسية في نظام الجمهورية الاسلامية و من بناتها الاساسيين، بأن الخطاب المتطرف الصادر من جانب طهران بشأن سب الصحابة و الاحتفال بمقتل عمر وغيرها من الامور، کانت سببا وراء زيادة حدة التطرف في المنطقة و ظهور داعش و طالبان و الاعمال الارهابية، ومن هذا المنطلق و لإعتبارات أخرى غير خافية على أحد بالنسبة لما بدر و يبدر عن طهران، فإن التحفظ الذي أبداه الشيخ کنجهاي بشأن الفقرة التي جاءت في بيان الازهر العالمي و التي أکدت بأن”کل الفرق و الجماعات المسلحة و الميليشيات الطائفية التي إستعملت العنف و الارهاب في وجه أبناء الامة ـ رافعة زورا و بهتاناـ رايات دينية، هي جماعات آثمة فکرا و عاصية سلوکا، وليست من الاسلام الصحيح في شئ…الخ”، حيث أوضح الشيخ کنجهاي بأنه کان من المستحسن في هذه الفقرة لو کانت الحکومات و الدول المرتکبة لهذه الجرائم المذکورة، واردة قبل الجماعات و الميليشيات، لأن ذلك کان کفيلا برأي الشيخ إرتقاء البيان الى مستوى أعلى من تعريف جامع ولکان له أثر أکبر في غرس بذور الامل لدى المضطهدين.
الشيخ کنجاي، عندما يؤکد بأنهم في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية يرحبون بالفقرة التي تؤکد:” إن تعدد الأديان والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدر غنى لهم وللعالم، يشهد على ذلك التاريخ… فإن التعرض للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أساب دينية هو خروج على صحيح الدين وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وتنكر لحقوق الوطن والمواطن..”، بل وان الشيخ کنجهاي يستطرد في کلامه مؤکد بأن” فرض أي صنف من الحكومة الطائفية مهما كانت تسميته دينيا أو مذهبيا أو قوميا أو عرقيا في عالمنا المعاصر وفي المكونات القومية والدينية المنتشرة في دول العالم من شأنه أن يشيع الاضطهاد وهتك الأعراض والاعتداء على أرواح وأعراض الأبرياء مما يستدعي اعلان البراءة قولا وفعلاعن هكذا ادعاءات ولاسيما من المنطلق الدين الإسلامي الحنيف والشريعة المحمدية السمحاء.”، وان نظرة واحدة الى الممارسات و النهج المشبوه السائد من جانب النظام القائم في طهران تجاه الاقليات الدينية و الطائفة السنية بشکل خاص، ونفس الامر بالنسبة للجماعات و الميليشيات المتطرفة التي تتبعها، تؤکد حقيقة مايطرح الشيخ کنجهاي و يؤکد عليه.
اننا نتساءل؛ هل کان بإمکان قادة و مسؤولي نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذين صدعوا رؤوس العالم الاسلامي بمزاعمهم بشأن العمل من أجل الحفاظ على الوحدة الاسلامية، أن يمتلکوا خطابا کخطاب الشيخ جلال کنجهاي الذي أوضحنا جوانب منه وليس کل ماجاء فيه؟ انهم يقولون شيئا و يفعلون شيئا آخرا، لکنهم رغم ذلك لم يجرؤوا يوما على إعلان موقف عملي يکون فيه صالح الشعوب الاسلامية بمختلف طوائفها لأنهم و کما نعلم جميعا، يوظفون الخلافات و الاختلافات و يعمقونها من أجل تحقيق أهدافهم و غاياتهم المرفوضة.