20 ديسمبر، 2024 12:31 ص

هل بإمكان “إيران” غلق مضيق هرمز؟؟؟

هل بإمكان “إيران” غلق مضيق هرمز؟؟؟

تمـهيـد
منذ أسابيع تصاعدت شدة التصريحات والتهديدات في بقاع الخليج العربي المبتلاة بخزائن النفط وبُحيراته مشيرة إلى عزم “طهران” على غلق “مضيق هرمز” إذا ما تعرّضت الجمهوربة الإسلامية لعقوبات لاحقة أو عدوان على يد “واشنطن” التي تتهم “إيران” بتوسيع نفوذها ومضاعفة تدخّلاتها في شؤون جاراتها، وإلاّ ستحرمها من تصدير نفطها وتشجّع حلفاءَها على قطع التعامل والمتاجرة معها وعدم إقتناء النفط من حقولها العملاقة في موعد أقصاه يوم (4/11/2018).
هذه ليست المرة الأولى التي يحبس العالم أنفاسه، فقد تعايش مع شبيهتها عام (2012) تحت ذريعة محاولات “إيران” لإنتاج سلاح نووي، لم تلبث أن إنطفأت بعد تفاهم سُداسيّ أُبرِمَ يوم (14/تموز/2015) بين “طهران” ومجموعة (الدول العظمى الخمس+آلمانيا).

وقد أُعتُبِرَت تصريحات القادة الإيرانيين أخطر خطوة محتملة قد تَقدِم عليها الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام (1979)، فأقلقت المنطقة ومعظم العالم كون هذا المضيق يمرّر ما يربو على 40% من إحتياجات النفط العالمية، وذلك ما صَعَّدَ إحتمالات توجيه ضربة عسكرية نحو “إيران” إذا ما نفّذت تهديدها.
فما الحقائق المُتاحة والإحتمالات القائمة؟ وما يضمره قادم الأيام؟؟
شيء من الماضي القريب
خرجت “إيران” من حربها مع “العراق” عام (1988) مُنكَسِرة مُتعَبة تستذكر أرواح ضحاياها وخسائرها الهائلة في جبهات القتال وفي أعماق بقاعها، لتلملم جراحاتها إثر تلك المعارك الدموية التي سادت حرب الـ(ثماني) سنوات الضروس. ولكنها ظلّت متماسكة في جبهتها الداخلية ومتانة إقتصادها المعتمِد على تصدير البترول إلى جانب إنعدام الديون والقروض التي وقع “العراق” في مستنقعاتها، قبل أن تأتيها ضربة حظّ على طبق من فضة لصالحها وقتما غزا العراق “دولة الكويت” ولم يستمع لنصائح الإنسحاب منها، فضُرِبَ بتلك الضراوة ودُمِّرَت بناه الأساسية في “حرب الخليج الثانية” (1991)، وبالأخص لمّـا فُرِضَ الحصار البغيض على “العراق” المُتعَب فأُخرِجَ من حسابات “إيران” الإستراتيجية، وكل ذلك تحقق قبل أن يُجهِز الغزاة الأمريكيون والبريطانيون في “حرب الخليج الثالثة” (2003) على ما تبقّى لديه ليغدو صفراً على اليسار، وذلك ما أفاد “طهران” خير إفادة، إذْ ودّعت أخطار عدوّها الأول حتى مستقبل غير منظور، بل أمسى قِدحُها المُعَلّى في “العراق” لا يضاهيه أحد، وبالأخص بعد إنسحاب الأمريكيين من ربوعه أواخر عام (2011).
نبذة عن مضيق هرمز
أمّا موضوعة بحثنا “مضيق هرمز” فهو في عداد أهمّ الممرات المائية على مستوى العالم، من حيث حركة التجارة البحرية وحجم صادرات النفط الخام ومنتجاته من خلاله والبالغ (40%) من الإستهلاك العالميّ، مشتملاً (90%) من نفوط دول الخليج العربي، ناهيك عن (50%) من حجم التجارة العالمية لهذه المنطقة الثرية المعتمدة على إستيراد كل شيء عدا الهواء.
يشكّل المضيق نقطة وصل بين الخليج العربي وخليج عمان قبل إنفتاحه على البحر العربي والمحيط الهندي. وهو منفذ بحريّ لـ(أربع) دول عربية خليجية لا تمتلك مسلكاً سواه لتصدير نفطها “الكويت، قطر، الإمارات والبحرين”، في حين تضخّ “إيران” (90%)، و”السعودية” حوالي (88%). و”الإمارات” (99%) و”الكويت” (100%) و”العراق” (88%) عبر هذا المضيق.
يحمل المضيق تسمية “هُرمُز” نسبة إلى إسم الجزيرة الواقعة في مدخله، وقد إمتلكتها أسرة عربية عُمانية في غضون القرن/16، وإحتلّها البرتغاليون عام (1515) قبل أن تستحوذ عليها قوة مشتركة بريطانية-فارسية مشتركة سنة (1632) لتتبع “بلاد فارس” منذ ذلك الوقت إلى جانب جزيرًتَي “قَشَم ولاراك” فضلاً عن الجزر الثلاث “طُنْب الكبرى، طُنْب الصغرى، أبو موسى” المتنازع عليها بين إيران ودولة الإمارات منذ السبعينيات.

مواصفات المضيق
تحدّ “إيران” هذا المضيق من جهاته الثلاث فيما يقع جزء من “سلطنة عمان” في جنوبيّه.. يبلغ عمقه (ستون) متراً وعرضه الأقصى (خمسون) كيلومتراً، ولكن البواخر الضخمة من ذوات الغاطس العميق تتحدّد بمسالك لا يتعدى عرضها (عشرة) كيلومترات تستثمرها (20-30) ناقلة نفط بمعدلات يومية، وتأتي “اليابان والصين” على رأس قائمة المستوردين عبر المضيق.
مضائق أخرى ذات أهمية قصوى
ليس “هرمُز” لوحده المضيق الأعظم في العالم، بل هناك العديد من المضائق والقنوات التي تحمل صبغة دولية حتى لو كان البعض منها تحتضنه دولة واحدة. ولربما تأتي المضائق والقنوات الآتيات في مقدمتها:-
مضيق “باب المندب”:- الواقع بين “اليمن وجيبوتي”، والرابط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.
مضيق “جزر القُمُر”:- الفاصل بين “جزيرة مدغشقر وموزمبيق”، والسالك بين سواحل آفريقيا الوسطى وجنوبيّها.
مضيق “جبل طارق”:- الواقع بين المستعمرة البريطانية بالإسم ذاته وبين أقصى شماليّ المملكة المغربية، والرابط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الآطلسي.
مضيقا “بوسفور، دَردَنيل”:- اللذان يتوسّطان شطرَي “تركيا” الآسيوي والآوروبي، ويربطان البحار الأربعة “الأسود، مرمرة، إيجه، الأبيض المتوسط” ببعضها.
مضيق “مالمو”:- الفاصل بين مملَكَتَي “السويد والدانمارك”، والسالك بين بحرَي “البلطيق والشمال”.
مضيق “كوبا”:- الواقع بين ولاية “ميامي” الأمريكية والعاصمة الكوبيّة “هافانا”، والرابط بين جزر “آلباهاما” غربيّ المحيط الأطلسي وبين “خليج المكسيك”.
مضيق “مالاقا” الماليزيّ:- الواقع بين “ماليزيا، سنغافورة، وإندونيسيا”، والسالك بين المحيطَين الهندي والهادئ.
قناة “السويس” المصرية:- السالكة بين البحرَين “الأبيض المتوسط والأحمر”.
قناة “بَنَما” البَنَميّة:- الموصلة بين المحيط الأطلسي شرقاً والمحيط الهادئ غرباً.

هل بإمكان “إيران” غلق المضيق؟؟
“إيران” من الناحية الإفتراضية -المعتمدة على الخريطة وحقائق جغرافية وعسكرية صرف- قادرة على تحقيق تهديدها، فأسطولها الحربي لا يضاهيها مجموع أساطيل القوات البحرية لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، فيما تطلّ بسواحلها على شرقيّ الخليج بدءاً من أقصى شماليه في “عبادان” ولغاية المضيق ذاته، بل تتواصل بعدئذ مع كامل “خليج عُمان” فـ”بحر العرب” و”المحيط الهندي” حتى تلتقي مع المياه والسواحل الباكستانية، وهي إطلالة هائلة تنمّ عن أكثر من فائدة إستراتيجية محققة، وأن إغلاق المضيق يُلحق أذىً بترولياً وتجارياً بالغاً ويؤدي إلى خنق أو إيذاء أكثر من دولة خليجية مصدّرة لا تمتلك لتسيير حياتها اليومية وإستحصال موازناتها الضخمة سوى هذا الشريان الحيوي، في وقت تتمتع “إيران” بحرية -نسبيّة- في الإفادة من سواحلها الأخرى المُطلّة على “خليج عمان وبحر العرب” لتصدير بترولها وتحقيق تجارتها السائرة مع العالم، إذا إستطاعت الحفاظ على موانئها فيهما سالمة.
ولكن هل يمكن من -المناحي السياسية والإستراتيجية والإقتصادية والنفوذ وإعتبارات عديدة أخرى- أن تَركَـن الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب ودول العالم الصناعية الكبرى ومجلس التعاون الخليجي نحو السكون والهدوء فتًربُت على الأكتاف إن خطت “طهران” لتنفيذ تهديداتها؟؟؟
الحقيقة التي لا تقبل الظن أن “واشنطن”، ومن دون أدنى إعتماد على أي حليف وصديق وإستجداء تسهيلات، فأسطولها الخامس لوحده -وقاطع مسؤوليته العملياتية منطقة الخليج العربي بمفردها والقواعد الجوية الأمريكية القريبة الجاهزة لدعمه- يمتلك من القوة التدميرية التقليدية -ناهيك عن النووية- وإمكانات سياسة التلويح بالقوة المتاحة وإستثمارها أو التهديد بزجّها وسط عمليات عسكرية كبرى سريعة ومتلاحقة، ما يمكن أن تُجبر “طهران” على التراجع سواء قبل التنفيذ أو بعد المجازفة غير المحسوبة على إفتراض أسوأ الإحتمالات… فكيف الحال لو علمنا أن الولايات المتحدة تمتلك (ستة) أساطيل أخرى مشابهة للأسطول الخامس، ولديها (إحدى وعشرون) حاملة طائرات، و(سبعمائة) قاصفة ثقيلة، ومئات القطع البحرية الضخمة وعشرات الغوّاصات العملاقة؟؟؟؟
فواقع حال المنحى الإستراتيجيّ أن القوات البحرية الإيرانية -مع إحتساب قدراتها المتاحة وتعاظم أعداد قطعها العائمة والغاطسة- قد تكون معرّضة لتُمحى من الوجود خلال ساعات فحسب على يد صواريخ “كروز” التي تُطلَق من على متن جميع البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية بمدى (800-1,800) كيلومتر، فضلاً عن تلك التي تُقذف من منصّات أرضية تنتشر وسط العديد من القواعد الأمريكية الأرضية المتمركزة في بقاع دول الخليج وسواها بمديات تربو على (2,500) كلم، وتُضاف إليها طائرات الهجوم الأرضي -المُقادة بطيار أو من دونه- تقلع بالعشرات من على أسطح حاملات الطائرات أو من مدارج أرضية، وهي ذات طرز متنوعة تُحَمّل بمقذوفات غاية في الدقة تبلغ مدياتها بين (60-150) كيلومتراً، وكل ذلك قبل الخوض في قدرات القاصفات الأمريكية العملاقة (B-52, B-1, B-2) والتي تُحَمَّل بالعشرات من مقذوفات “كروز” بمديات تبلغ (800) كيلومتر وبواقع (24-32) مقذوفة في جوف كل واحدة منها أو مُعَلَّقة تحت جناحَيها… في حين ليست الدفاعات الجوية الإيرانية والطيران الإيراني -كما حال جميع دول العالم بما فيها العُظمَيات، عدا “روسيا الإتحادية”- بالقدرة المفترضة لمعالجة تلك المقذوفات الجوالة في حالة إطلاق حزمة تضمَ بضع عشرات أو ربما المئات في وقت واحد، وخصوصاً أن تشويشاً ألكترونياً أمريكياً شاملاً من المؤكد أن يسبق عملية إطلاق المقذوفات أو خلال تحليقها، متسبباً عمىً كاملاً لجميع الرادرارات وأجهزة الإتصال اللاسكي والسلكي والفضائي وشلّ قدراتها وإفقاد إمكانات مواقع القيادة في توجيه دفاعاتها الأرضية والبحرية وطائراتها القتالية لإعتراض تلك الصواريخ المحلّقة على إرتفاع لا يزيد عن (60) متر من سطّح الماء أو اليابسة… أوانئذ تقع الكارثة مثلما حصل على رؤوس العراقيين عام (1991)، على الرغم من أن الدفاعات العراقية حيال الجو كانت توصف بكونها ((لا تُختَرَق)) بالمرة.
ولكن قد يطرح البعض أن إيرانيّي (2018) ليسوا كعراقيّي (1991-2003)، فنُجيبه بأن أمريكيّي (2018) كذلك ليسوا كأمريكيّي (1991-2003)، لأن التجارب الميدانية لتلكما الحربَين دفعت المصانع الأمريكية العملاقة نحو تطوير أسلحتها وتحسين أدائها وتفادي نواقصها وسلبيّاتها بشكل ربما لا يتشابه حتى مع مستوى إستثمار إمكاناتها في تلكما الحربَين اللتين عاصرناهما وتعايشنا معهما.
الردّ الإيراني المتوقّع
نعم إذا وقعت الواقعة فإن “إيران” ستردّ إعتماداً على أحد مبادئ الحرب المعروف بـ”حشد القوة”، فلديها -حسب المُعلَن- المئات من الصواريخ ذات المديات البعيدة والمتوسطة وعدد مُذهِل من قصيرات المدى… ولكن الطرازَين الأوّلين لا يشكّلان خطراً بالغاً كونهما مُعَرّضَين للتقاطع والإسقاط في أعالي السماء قبل إلحاق أذىً يُذكَر بأهدافهما، وأن قواعد “باتريوت” المطوّرة كفيلة بمعالجتها.
ولكن الصواريخ الإيرانية ذوات المديات القصيرة هي التي تشكّل خطراً داهماً على الأمريكيين وعموم الأهداف القريبة لسببين:-
أولهما واقع الكمّ الهائل المتوفّر من حيث العدد، بحيث تُحَيِّر الدفاعات المُضادة وتشتت تفكير القائمين على إدارتها.
وثانيهما في تحليق هذه الصواريخ على إرتفاعات منخفضة نسبياً بحيث يصعب كشفها وربما يستحيل مسكها رادرارياً إبتغاء التصدي حيالها.
ولكن مدياتها المحدودة بواقع بضع عشرات من الكيلومترات تجعل المواقع المعادية المسهتدَفة والكامنة في الشطر الغربي من الخليج بمنأى عن أخطارها، فينحسر إستهدافاتها نحو سفن الأساطيل البحرية المعادية إن إنتشرت قريبة من السفن والقواعد الأرضية الإيرانية في سواحل الخليج الشرقية، وهذا إحتمال بعيد عن الواقع لعدم حاجة السفن الأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص من التقرب نحو السواحل.
أما دور الطائرات المقاتلة-الإعتراضية الإيرانية فسوف لا يعدو محدوداً فحسب، بل معدوماً بالمرة، فالتي تمتلكه “طهران” وأعظمها تقدماً “F-14/توم كات” و”F-4/فانتوم” الأمريكيّتَين الموروثَتَين من عهد الشاه، و”ميك-29″ الروسية من إنتاج الثمانينيّات والتي إستخدمها “العراق” في أواخر الحرب مع “إيران”، فكلّها ليست أفضل ممّا كانت لدى القوة الجوية العراقية عام (1991) بطيّاريها الذين شُهِدَ بكفاءتهم وخبراتهم القتالية الميدانية في حرب نظامية طالت (ثمانية) أعوام.

إذاً فالقائمون على حكم “إيران” يلعبون بالنار إنْ هم خاطروا بغلق “مضيق هرمز” لمجرد كونه في متناولهم، وأنهم يجازفون بمستقبل شعبهم ولربما مصير نظامهم السياسي برمّته حتى إنْ لم يكن هناك خطر غزو بري لأرضهم، وأكبر الظن أنهم سوف لا يقدمون على هذه الخطوة الخطيرة لتقديرهم بأن هذا المضيق الإستراتيجي هو ممرّ دولي حتى لو كان حوالي (25%) من عُرضه واقعاً ضمن مياههم الإقليمية حسب المواثيق الدولية، فإنه من الخطورة بمكان بحيث أن غلقَه أو حتى محاولة غلقِه يستجلب على قواتهم البحرية ودفاعاتهم الأرضية وقواتهم الجوية والصاروخية وبناهم التحتية ومنشآتهم الإقتصادية التي تعبوا لأجلها وطوّروها طيلة عقود وصرفوا من أموال شعبهم مئات المليارات، وكذلك نحو موانئهم التجارية ومنصّاتهم التصديرية أذىً هائلاً ودماراً كبيراً لا يمكن معالجتهما والتخلّص عن أوزارهما طيلة عقود قادمة بمئات المليارات التي يفترض أن تُزجّ لتطوير بلادهم الجميلة من دون مجازفات وتهوّرات وتحدّيات طالما يُعَيَّرون بها الراحل “صدام حسين” حين إحتل “دولة الكويت” بسهولة ويُسر خلال ساعات ليلة واحدة قبل أن يركب رأسه ويصرّ على تابعيتها للعراق، وتحدّى “واشنطن” والمجتمع الدولي وتجابَه معهما، فتسبّب في تدمير ذاته ونظامه وكل العراق والعراقيين الذين ما زالوا -وسيظلّون- يعانون لأجيال قادمة من ذيول ذلك التهوّر والغرور غير المحسوبَين في نتائجهما وتبعاتهما.
وختاماً أقول، أني أتحدث عن علم ودراية وخبرة ومتابعة للتأريخ، ولستُ من طراز المنافقين من الوعّاظ الذين كانوا يحيطون بالسلاطين، وما زالوا يحتضنون الملوك والرؤساء والزعماء ليتفوّهوا على أسماعهم ما يرتضون.

أحدث المقالات

أحدث المقالات