يدعي (أينشتاين) ، ان نسيج (الزمكان) كالورقة بأمكانك تشكيلها اسطوانيا ، أو حتى طيّها ! ، فلو أخذت ورقة بيضاء ، وتكتب عليها تاريخ ميلادك في وسط أعلى الورقة كالعنوان ، ثم تعيش حياتك سائرا على نسيج (الزمكان) هذا مخلفا خطا مستقيما الى أسفل الى حيث تبلغ من العمرعتيا ، وتكتب تاريخ ذلك اليوم اسفل وسط الورقة (الزمكان) ، فبأمكانك طي تلك الورقة عرضيا ، بحيث يتطابق تاريخ ولادتك ، وشيخوختك بنفس النقطة ، عندها ، سترى مهدك وأنت طفل ، وربما سيرى الطفل نفسه شيخا ، بل من الممكن أن تشهد ولادة أجداد أجدادك ! ، يبدو هذا مستحيلا عمليا (على الأقل حاليا) ، لكن هنالك معادلات بهذا الخصوص ، لا يمكن دحضها ، هكذا أثبت هذا العالم الكبير ، أن الزمن نسبي وغير مطلق ، بأمكانه التباطؤ الى درجة التوقف من ناحيتك كلما زادت سرعتك (حادثة الترام في المقال السابق) ! .
قال تعالى (تعرجُ اليه الملائكة والروح في يومِ كان مقداره خمسين الف سنة ، سورة المعارج –الآية 4) ، وقال عزّ من قال (وٳن يوما عند ربّك كألفِ سنةٍ مما تعدون، سورة الحج-الآية 47) ، آيتان سبقتا عصرهما بكثير ،ولا أدري كيف فسر الفقهاء هذا الأعجاز ، وكيف حاكى عقولهم منذ 1400 سنة !.
والأن وبعد أن لاحظنا تأثير الكتلة على النسيج (الزمكاني) ، والذي تتأثر شدة انبعاجه وأنحناءه حسب مقدار الكتلة وبالتالي جاذبيتها ، فما الذي يحدث لو عانى هذا النسيج من ثقل كتلة هائلة لا يمكن تصورها ذهنيا ؟ ، سيتمزق نسيج (الزمكان – الترامبولين) ببساطة ، وستخترقه مخلفة ما يسمى (الثقب الأسود Black hole) ! ، عندها ستُلغى كل قوانين الفيزياء المعروفة ! ، يدعى أعيان علماء فيزياء الكم (َQuantum Physics) ، انها (ستسقط) على نسيج (زمكان) آخر يُدعى (الكون المتوازي Parallel Universe) !.
أينشتاين أول من تنبأ بوجود الثقوب السوداء ، وقد أثبتتها تقنيات المراصد المتطورة وجودها منذ زمن قريب ، والثقب الأسود وحش فضائي نهم ، يبتلع كل الموجودات من حوله ، ويتراوح حجمه من حبة الحمص الى ما يعادل حجم المجموعة الشمسية بأكملها ! ، ولكن أيا كان حجمه ، فأنه قادر على ابتلاع شموس بأكملها ، فيشوّه مظهرها الكروي ، جاعلا منها مسارا لولبيا بمستوى افقي وهو يلتهمها ببطء ، والثقب الأسود ذو كثافة وجاذبية خيالية تفوق مستوى ادراكنا المحدود ، ولو تسنى له ابتلاع كوكب بحجم الأرض ، فسيضغطها محولا اياها الى حجم كرة (البليارد) وهي تدخل جوفه ! ، ولكن اين ستذهب مادتها ؟ .
نحن نعرف أن (الذرةAtom) ، مكونة من نواة موجبة تدور حولها الكترونات سالبة ، ولوجود التجاذب بين الشحنتين ، فعلى الالكترون الدوران حول النواة لتوليد قوة طرد مركزي (Centrifugal force) ليكافئ قوة جذب النواة له ، والذرة من الصغر بحيث اذا اصطفت مليون ذرة بخط مستقيم ، فأنها ستعادل قطر شعرة الأنسان ! ، فسبحان الله ، وكأنه ناموس موحّد ، فهذا ما تفعله الأرض وقمرها والكواكب السيارة تجاه جذب الشمس لها ، مع الفرق الهائل بين المقياسين ! ، لكن هناك فراغ بيني كبير بين النواة وأغلفتها الكروية من الالكترونات ، كبير الى درجة أن هذا الفراغ يشكل أكثر من 99% من حجم الذرة ، وهنا يقوم الثقب الأسود بضغط هذه الذرات الى درجة الغاء هذه المسافات البينية فتندمج مع بعضها ، محولة الأرض الى هذا الحجم الصغير ، لكن بنفس كتلتها البالغة 6000 مليار مليار الطن ! .
لاحظ العلماء من مراصدهم ، ان مجرة درب التبانة (أو الأصح درب اللبانة Milky Way Galaxy) ، والتي تتواجد مجموعتنا الشمسية كلها مثل حبة غبار على حافتها ، انها ايضا تدور ومركزها ساطع جدا ، ثم اتضح انها ملايين الشموس ، متقاربة وكأنها تنتظر حتوفها حول ثقب أسود عملاق في مركزها ! ، ويعتقد علماء الفلك ، رغم وحشية الثقوب السوداء اللامتناهية ، انها ضرورية لتوازن الكون ، مثل ظاهرة الحياة والموت لدينا ، فالكون يتجدد بأستمرار ، هنالك نجوم تولد ، ونجوم تموت !.
لو قُدّر لأنسان ، الدخول في الثقب الأسود ، وهو يسبح مع حطام وغبار مخلفات الكواكب التي يلتهمها ، وسيقترب من حافة الثقب الأسود والمسمى (أفق الحدث Event Of Horizon) ، فمن المستحيل عليه (بايولوجيا) البقاء على قيد الحياة ، لأنه سيضغطه محولا أياه الى ما يشبه الخيط قبل ابتلاعه ، ولا شك انها سنكون ميتة عنيفة ، حتى يأتي عليه بالكامل ، ويمتلك الثقب الأسود من الجاذبية ، بحيث لا يفلت منه حتى الضوء لهذا نراه أسودا ، فالسواد في مفهوم الفيزياء ليس لونا ، انما ببساطة ، لاضوء ! ، لكن ماذا يحدث بعدها ؟.
أينشتاين تنبأ أيضا بوجود (كائن) فضائي اسمه (ضديد المادة ، اوالمادة السالبة Antimatter) ، وهي من الصعب تصورها من غير الأكاديميين ، لكن هذه المادة هي التوأم الند والمضاد للمادة السّوية التي تعرفها ، ويدعي أينشتاين أن مهندس الكون (الله) ، خلق المادة من العدم ، تاركا مكانها (ثغرة) هي ضديد المادة ، اي أن الأمر يشبه رفع كمية من طين الأرض (المادة) ، تاركا خلفها حفرة (ضديد المادة) ، وعند اتحادهما ، ينتج العدم ! ، مع انبعاث طاقة هائلة على شكل اشعة (غاما Gamma) ، وان احد النظريات تقول ، أنها موجودة بداخل الثقب الاسود ، حيث يتم اتحاد المواد التي يبتلعها الثقب الأسود مع ضديد مادتها ، منتجة العدم مع انبعاث اشعة غاما خيطية من قطبي الثقب الأسود لمسافة مليارات الكيلومترات ، واذا وقعت الأرض على طريق هذه الأشعة ، كانت تبدو وكأنها نجم ساطع ، لكن الذي حيرهم انه مع دوران الأرض يروا هذه (النجوم) وكأنها تختفي ، لأن عدسات المراصد تحيد عن تلك الأشعة الخيطية بسبب دوران الأرض ، رغم يقينهم بمكانها ، لهذا أسموها (النجوم الكاذبة False Stars) ، لكن تبين فيما بعد ، انها ثقوب سوداء!