تحتَ ضغط الإعلام , وتحتَ ضغوط الرأي العام , اضطرّ اوباما اضطرارا على منح موافقته للتدخل العسكري ضد داعش في كردستان , ولم يكن هذا الإضطرار الأمريكي كنوعٍ من الأستسلام لتلك الضغوطات , وانما جاءَ مزروعا بالألغام السياسية والألغاز المدروسةِ الخفيّه , فقد شرعت امريكا بضرباتها الجوية على مواقع داعش على مستوى ” طائرتين ” فقط بدلاً من سربٍ او اسرابٍ من المقاتلات والقاذفات التي بوسعها ان تختزل قُدُرات داعش العسكرية ” وكأنّ طائرتين ستنهي الأزمة وتنهي مخاطر داعش .!! ” , ثم انّ اوباما حددّ موجبات القصف الجوي : في حالة تقدّم داعش نحو اربيل .! ومعنى ذلك انه يوجّه رسالة ضمنيّه الى قادة داعش مفادها : انه طالما لاتتقدمون نحو اربيل فلا شأن لنا بكم , والشرط الآخر الذي ضَمَّنَهُ الرئيس الأمريكي في موجبات القصف الأمريكي لداعش هو : في حالة قيام داعش بعمليات إباده جماعية ” وليس فردية ” للأقليات المتواجده في كردستان , وذلك يعني فيما يعني أن تأمن داعش من ايّ قصفٍ جويٍّ امريكيّ طالما لا تقوم بالأبادة الجماعية .! وذلك قد جاءَ بعد ان ارغَمَتْ داعش الأقليات و غير الأقليات على النزوح من المناطق التي احتلتها واستولت عليها بسهولةٍ ملفتةٍ للنظر ولمْ تمسح تلك الأقليات من على وجه الأرض , على الرغمِ مما عرّضتهم من اخطار الجوع والعطش … قرار الرئيس الأمريكي المدروس سلفاً , فأنه اذا لم يكن مثيرا للسخرية والأستغراب , فأنه يرسم علامات استفهامٍ مجسّمه ما برحَ يتضخّمُ حجمها منذ انطلاقة داعش العسكرية في الموصل وانتشارها الى محافظاتٍ اخرى , فأنه ووسطَ تصريحات الإعلام الرسمي للمسؤلين الأمريكيين عن الخطر المهوّل لداعش , فلماذا لم تطلب الأدارة الأمريكية من الدول الأوربية والأخرى الحليفة لها بالقيام بجهدٍ وقصفٍ جويٍّ – صاروخيٍّ مشترك من قِبل هذه الدول على غرار ما فعلته في قصف العراق على مدى 45 يوماً في عام 1991 , وكذلك على غرار القصف الأوربي – العربي على ليبيا عندما ارادوا اسقاط معمر القذافي ودمّروا قدرات واسلحة الجيش الليبي , لماذا اقتصر التنديد والأستنكار الأمريكي والأوربي على اعمال داعش الحربية
على التصريحات والأستطلاع الجوي فقط طوال الشهرين الماضيين .!؟ , وإذ نكرر الدعوة هنا للتأمل والتفكّر حول إقتصار القصف الأمريكي الحالي ضد مواقع داعش على طائرتين فقط , بينما بوسع الأمريكان اطلاق موجات من الصواريخ المدمرة من بوارجهم ومدمّراتهم وقواعدهم المنتشرة في الخليج العربي والبحر المتوسط بالأضافة الى مشاركةٍ اكثر فاعلية بقاذفات ب 52 الستراتيجية واعدادٍ اكثر من القاصفات والمقاتلات الأخرى , ولا سيمّا انّ كلّ الأحداثيات عن مواقع داعش متوفرة بالكامل لدى الأمريكان , واذا لم نقل انّ كلّ سم مربع لخارطة تحركات داعش هو ضمن التصويرالجوي سواءً عبر الأقمار الصناعية او طائرات الأستطلاع , ولربما هنالك إبهام اوسع ” لمْ نتوصّل اليه ” حول هذا القصف الأمريكي الخجول .! والذي بدا وكأنه للأستهلاك المحلي وإسقاط فرضٍ ورفع عتب اكثر مما له من تأثيرٍ عسكري .. النقطة الفنية الأخرى الملفته للنظر هي انّ الطائرتين المقاتلتين اللتين قصفتا مرابض مدفعية المورتر لداعش , كانت قد انطلقت من حاملة طائرات امريكية ترسو في مياه الخليج العربي واجتازت مسافةً طويلة في سماء العراق بدلاً من تنطلق من قاعدة انجرليك في تركيا الأقرب لكردستان وداعش والتي تتواجد فيها اسراب من المقاتلات والقاذفات الامريكية , وانّ ذلك في ابسط معانيه هو استهلاكٌ اكثر للوقود , واستهلاكٌ آخرٌ لقطع الغيار التي يجري استبدالها حسب طول وزمن الطلعات الجوية ” وآخذين بالأعتبار انّ وزارة الدفاع العراقية ليس بوسعها الأعتراض على قوائم تكاليف الصرفيات التي يقدمها الأمريكان مهما تضاعفت اسعارها ” , ولا شكّ انّ في ذلك حسابات امريكيةٌ خاصة ليس بمقدور الإعلام التعرف والتوصّل اليها
وإذ تبدو الأيام والأسابيع المقبلة حبلى بالأحداث ” وليس كما قال الفريق اول با بكر زيباري امس الأول من انّ الساعات المقبلة ستغير من مجريات الأحداث , ولمْ يتغير منها شيء ” , إلاّ انه يبدو جلياً انّ الأمريكان على دراية كاملة من انّ حكومة وحدة وطنية منصفة سوف لا تتشكل او لايمكن تشكيلها في العراق , ولذلك نراهم يشترطون بأنّ توسيع ضرباتهم الجوية مرهونٌ بتشكيل هكذا حكومة لاتتشكّل .! , ثمّ ما الفرق بين تركيز وتكثيف قصف مواقع واسلحة داعش سواءً ظهرت او لمْ تظهر هكذا حكومة عراقية جديدة .؟ فما الذي سيقلل من خطر داعش .! ولازال وسيبقى الغموض هو سيّد الموقف , بالنسبة الينا فقط …