23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

هل ان بوسع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القاء متماسكا؟

هل ان بوسع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القاء متماسكا؟

تهدد الخلافات داخل حزب الدعوة العراقي موقع رئيس الوزراء حيدر العبادي، فيما تسعى الولايات المتحدة التي تمثل احد الحلفاء المهمين لبغداد الى ايجاد نوع من التوازن الذي يسمح ببقاء العبادي سياسيا.

بقلم كريس سولومون “غلوبال ريسك انسايت”
تسببت مساعي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الرامية الى تطبيق اصلاحات شعبية، تسببت بخلق انقسامات داخل حزب الدعوة العراقي الذي تحول الى معسكرين يتوزعان ما بين العراقيين الوطنيين من جهة والعناصر المؤيدة لايران من جهة اخرى. وكان حزب الدعوة العراقي قد هيمن على مقاليد المشهد السياسي في العراق منذ الاطاحة بنظام صدام حسين ربيع العام 2003.

تأسس حزب الدعوة العراقي في خمسينيات القرن الماضي كحزب معارضة للخط القومي اليساري الذي كان سائدا في المنطقة آنذاك. وخلال فترة حكم صدام حسين، كان حزب الدعوة العراقي يتحرك كمنظمة مقاومة شيعية بالدرجة الاساس، وتلقى دعما موسعا وكبيرا من ايران بغية محاربة علمانية حزب البعث المتسلطة على العراق.

لكن انخفاض اسعار النفط الى جانب المصاعب الاقتصادية وحالة الفساد المستشري كان لها ان تسببت بحالة من السخط العام الى جانب سلسلة من الاحتجاجات الواسعة النطاق منذ العام الماضي. وقد بدأت اصلاحات رئيس الوزراء جزئيا بمحاربة الفساد حتى اخذت تصل الى المستويات العليا في الحكومة العراقية، غير انها فشلت في الوصول الى مبتغاها وتحقيق اهدافها حتى الان. وقد تسببت هذه الاصلاحات بإثارة غضب وحنق الشخصيات المؤيدة لإيران، ومن بينها رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي. ولا يزال العبادي يحظى بشعبية كبيرة في اوساط غالبية المحتجين العراقيين لغاية الان، حيث ينظر له عموما على انه شخص يمكن الوصول اليه ومعروف عنه انه ينزل الى الشوارع ويلتقي الناس ويلتقط معهم الصور بأجهزة هواتفهم في الاماكن العامة.

الدين والسياسة

لم تحظ المنافسة والخصومة الشيعية الداخلية في العراق والمنطقة، لم تحظ الا بقدر قليل من الاهتمام والتركيز. وعلى سبيل المثال، فهنالك اختلافات عقائدية ما بين المؤسسات الدينية الشيعية في مدينة النجف العراقية عن نظيرتها قم الايرانية.

يمثل آية الله السيد علي السيستاني الذي يعد شخصية شيعية دينية كبرى، يمثل نصيرا لرئيس الوزراء العراقي الذي يخوض المعارك على كل الساحات حاليا. فلآية الله

السيستاني خط اتصال مباشر مع رئيس الوزراء فضلا عن دعمه لجهود الاخير الرامية لتهدئة التوترات الطائفية التي تمزق البلاد. لكن دعوة آية الله السيستاني لحمل السلاح ومواجهة هجمة تنظيم داعش كان لها ان دفعت الاحزاب الدينية الشيعية المسلحة لفتح الباب على مصراعيه امام شرعنة نشاطاتها بطريقة تثير المخاوف من ان الاعتماد الشديد على الجماعات المسلحة المدعومة من ايران يمكن ان يقود الى مخاطر قادمة تلوح مع هزيمة تنظيم داعش في العراق.

من جانبه، يعمل العبادي على تشديد الدعم لفصيله الشيعي، حيث انه رفض عرض وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر نشر قوة مهام عسكرية اميركية اكبر بغية محاربة تنظيم داعش، فضلا عن انه كان ولا يزال يحث على تحقيق قدر اكبر من التعاون ما بين فصائل الحشد الشعبي من جهة والجيش العراقي من جهة اخرى.

كما ان العبادي اتخذ مواقف قوية ازاء جيرانه الاقليميين. لقد تحدث العبادي بقوة وعناد ضد الوجود التركي في شمال العراق، فضلا عن كونه يعمل حاليا من اجل بناء قضية للعراق بهذا الخصوص في مجلس الامن الدولي التابع لمنظمة الامم المتحدة. وبما انه لا يملك القدرة الكافية لمواجهة القوى الاقليمية، فأن العبادي يعمد الى البراغماتية على المستوى الدولي بغية رعاية وادامة الدعم الغربي من جهة، فضلا العمل والكلام بصوت عال يروق للوطنيين العراقيين داخل العراق. لقد استنكر العبادي استبعاد العراق مما يسمى بالتحالف الاسلامي الجديد الذي اعلنت العربية السعودية عن تشكيله مكوننا من دول مسلمة سنية بغية محاربة تنظيم داعش، واصفا هذا التحالف بانه ليس اكثر من “تحالف ورقي” وحسب.

ومن غير الواضح الى أي حد يمكن لهذا الكلام ان يسترضي متشددي الجناح الشيعي المناهض للغرب. لقد التقى العبادي مؤخرا برجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر الذي اعرب بدوره عن دعمه لرئيس الوزراء وجهوده. ان الصدر يحظى بصلاة عميقة مع مؤسسة قم الايرانية الدينية، فضلا عن كونه واحدا من قلائل الزعماء الشيعة العراقيين الذين بقوا في العراق اثناء فترة حكم الدكتاتور السابق صدام حسين، حيث يحظى بشعبية في اوساط الفقراء من ابناء الطائفة الشيعية.

كما ان الحركة الصدرية تدعم دمج وتوزيع وحدات الحشد الشعبي والجماعات الشيعية المسلحة في صفوف القوات الامنية الحكومية.

من جانب آخر، فأن هنالك منظمة بدر، وهي جماعة شيعية عراقية مسلحة تلعب دورا مركزيا وقويا ضمن قوات الحشد الشعبي، حيث يحظى زعيمها هادي العامري بصلات مقربة مع القيادة الايرانية. ومن المعروف عن العامري نقده الشديد لرئيس الوزراء العراقي فضلا عن استخدامه لموارده بغية مواجهة سلطة العبادي. وتتوفر منظمة بدر

على نفوذ كبير وقوي على المؤسسة العسكرية في العراق الى درجة انها قادت بعض وحدات الجيش العراقي اثناء المواجهة على الخطوط الامامية ضد تنظيم داعش المتطرف.

الاصدقاء القدامى والجدد

يكمن العامل المؤثر الآخر في روسيا التي طورت علاقة مقربة مع الحكومة العراقية عبر مراحل الصراع الحالي ضد داعش. ان العراق الذي سبق له ان كان زبونا للاتحاد السوفيتي السابق انما يمثل جائزة قيمة بالنسبة لنوايا بوتين الرامية لتوسيع الدور الروسي في المنطقة. ومن غير المحتمل ان يرغب بوتين برؤية الزعيم العراقي الحالي وقد اطيح به جراء خلافات حزبية داخلية. كما ان من المحتمل لروسيا ان تقوم بكل شيء تستطيع القيام به بغية الابقاء على الشخصيات العراقية الاساسية في مواقعها الحالية بغية الترويج لاستقرار نفوذها الحالي وتوسيعه قاعدته الاجمالية.

كما ان العراق يتحرك ناحية الصين كذلك بغية تقليل درجة اعتماده على الولايات المتحدة. ففي شهر تشرين الاول من العام الماضي، ظهرت القوات العراقية وهي تستخدم طائرات مسيرة صينية من نوع CH-4B المقاتلة التي اشترتها بغداد من بكين. لقد سافر العبادي الى الصين نهاية شهر كانون الاول الماضي برفقة وفد رسمي رفيع يمثل المصالح الاقتصادية والعسكرية العراقية بغية تقوية وتعزيز الروابط مع بكين. وقد تمكن العبادي من ضمان 5 صفقات مع المارد الاصفر تتعلق بالطاقة والبنية التحتية للاتصالات، وذلك مبادرة اقتصادية تمثل مسعى لإعادة خلق ما يشبه طريق الحرير التاريخي القديم.

لكن من غير الواضح الى الان ما يتعلق بالدور المستقبلي لسنة العراق واكراده. لقد سعى العبادي للاحتفاظ بروابط مع حكومة اقليم كردستان العراق. وقد خصص البرلمان العراقي نسبة 17% من اصل الموازنة العامة للبلاد لصالح اقليم كردستان بصرف النظر عن معارضة رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي لذلك.

ووسط كل هذه التعقيدات، تحاول الولايات المتحدة بصعوبة خلق توازن صحيح يسمح بدعم العبادي. ان عملية استعادة وتحرير الرمادي من قبضة تنظيم داعش الارهابي يمكن لها ان تمنح رئيس الوزراء رأس مال سياسي مهم، غير ان حوادث مثل الهجمات العرضية ضد القوات العراقية قرب مدينة الفلوجة انما تخدم مصالح وكلاء ايران في البلاد. وفي هذا السياق، فأن معركة من خطين لطرد تنظيم داعش خارج العراق خلال العام الحالي سوف تنطلق بتنفيذ من القوى السياسية والعسكرية المؤيدة للولايات المتحدة من جهة وتلك المؤيدة لإيران من جهة اخرى.

لكن برغم كل ذلك الكلام، فأن رياح السياسة الاميركية الداخلية قد تجري بما لا يشتهي العبادي. لقد تبنى مجلس الشيوخ الاميركي مؤخرا قرار يتعلق بالانفاق العسكري يسمح بموجبه بتخطي بغداد وتوجيه الاسلحة مباشرة الى الاكراد. كما ان السياسيين السنة من تحالف القائمة العراقية عمد الى زيادة نفوذه في واشنطن بغية الضغط لتحقيق صفقات تسليح مشابهة لصالح سنة العراق. وفي هذه الاثناء، فأن العبادي لا يزال يلعب ضمن ميزان مهم وان كان حرجا في غضون اشهر الشتاء المتبقية، وذلك مع استمرار الصراعات والخلافات والمعارك التي يخوضها العراق وحزب الدعوة في آن واحد.