مهما تباعدت المسافات الزمنية ، أو المكانية ، ترفض الذاكرة أن تشيخ ، أوتكبر فتمسح أحداثا معينة ، لا يمكن أن يطويها النسيان ، أو أن تتعمد تجاوزها ، لأنها شكلت محطات مهمة في حياة الشعوب ، والذاكرة الجمعية الانسانية ، وإنتقالة نوعية في واقعها من حال الى أخرى ، سلبا أو إيجابا .. وهذا ما ينطبق على ثورة 23 يوليو ، التي مرت ذكراها السادسة والستبن قبل أيام ، في ظروف تتعرض فيها الامة الى تحديات كبيرة ، ومشاكل بمستوى، أو يفوق حالها قبل الثورة …
وفي ذكرى هذه الثورة التي تعد في نظر الجميع ( مؤيد ومعارض ) من الاحداث التاريخية الكبرى في العالم ، وليس في المنطقة لمدها يد العون الى حركات التحررالعالمية وبالذات في اسيا وافريقيا .. هناك من يتساءل .. هل انتهى زمن الثورات ، وإختفى دور العسكر في قيادة عمليات التغيير المطلوب ، وهل تحتاج الدول في ضوء حالة الفوضى والتراجع التي تعيشها ، أو مستوى التحديات التي تواجهها الى إنضباط العسكر وقوته ، بعد أن كانت أغلب الثورات يقوم بها العسكر، الذين كانوا هم يتولون أيضا عملية البناء ومسيرة البلاد عموما ، على غرار تجربة عبد الناصر مثلا ، ولذلك هم يتحملون مسؤوليات جسيمة في التطوير والتغيير نحو الافضل ، ربما تكون أكثر خطورة من عملية قيام الثورة نفسها ..
وفي كل الاحوال لا تزال ثورة 23 يوليو محل جدل كبير الى اليوم وستبقى كذلك ، وهذا من عوامل قيمتها ، سواء في أحداثها ، أو الادوار التي قامت بها رموزها والخلافات التي نشأت في مسيرة الثورة ، بما في ذلك حول عبد الناصر نفسه صاحب الانجازات الكبيرة صادفت ذكراها الخالدة التي ارتبطت باسمه ، مثل تأميم قناة السويس – في السادس والعشرين من يوليو عام 1956 – ، وأثارت غضب دول الغرب وهجوم إعلامه ، حيث علق ( انتوني ايدن ) رئيس الوزراء البريطاني الذي كان غاضبا من عبد الناصر لان بلاده كانت تمتلك 45 بالمائة من أسهم القناة وقال عنه ( لقد ذهب بعيدا ، لقد فقد صوابه ولابد ان نعيده اليه … لقد وضع المصري إصبعه على رقبتنا ) كما لا يمكن أن تنسى ملحمة بناء السد العالي ، وتغيير واقع المصريين والدفاع عن الطبقة الفقيرة ، ولم يتغير الحال في الانتكاسات ، فينفض التأييد حوله ، والدعم له ، وربما كانت نكسة حزيران أكثر تعبيرا عن التلاحم بين عبد الناصر والشعب ، فصار ( رمزا للتحالف بين كل الطبقات عندما تجمع المؤيدون والمعارضون ) حوله في رفض الاستقالة بعد نكسة حزيران مباشرة ، عندما صارح الشعب بالحقيقة ، وتحمل المسؤولية ، وبذلك غير القاعدة المعروفة في التهرب من الانتكاسات والهزائم ومضمونها ( أن الهزيمة تولد يتيمة بلا أب ، اما الانتصار فله آباء كثرون ) وبذلك ولدت نكسة حزيرن ولها أب كما يقال …
إعترف بشجاعة وفروسية أن الهزيمة كانت للنظام و يتحملها الرأس ..
وعدت المسيرات الشعبية العفوية الرافضة لاستقالة عبد الناصر عنوانا للتمسك به و قيادته ، بدل أن تحاسبه الجماهير على الهزيمة ، وكانت هي الخطوة الاولى في انتصار اكتوبر العظيم ، والعبور الخالد ، و نجاح حرب الاستنزاف بعد النكسة مباشرة ..
وإذا ما تغيرت اليوم الوسائل للتغيير من خلال الجماهير ، ودورها الفاعل،، سواء من خلال صناديق الانتخابات أو الرفض والتظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات التي تصل الى مستوى الثورات في احداث التغيير المطلوب ، ناهيك عن مختلف وسائل التعبير الاخرى ، لكن الحاجة الى القائد تبقى واحدة ، وقائمة في كل العصور والازمان …
وهنا يكمن الفرق بين القائد عندما يكون بعنوان رئيس ، والحاكم عندما يكون موظفا بعنوان رئيس ..
وشتان بين الاثنين ..