خبر سار بالتأكيد أن يتم القضاء على دولة داعش المزعومة، ويحق للناس أن يبتهجوا، ولكن هل ما حدث نصر، كما يحاول الإعلام الحكومي، والإعلام المرتبط بالمؤسسة الدينية والأحزاب الدائرة في فلكها، أن يصوره للناس؟
كان يمكن التسامح مع هذا الأمر، وتمريره لحساب فرحة التخلص – ولو نسبياً – من أحد رموز الشر المتمثل بداعش، لولا أن الحكومة وأحزابها وعرّابيها من معممي المؤسسة الدينية يحاولون الإيهام بأن ما تحقق يمثل منجزاً مفصلياً كفيلاً بمحو مآسي السنوات العجاف الطويلة التي تشكل عمر اللعبة السياسية الأمريكية، ورافعة تتيح لهم تدوير هذه اللعبة، أو إعادة إنتاجها بإخراج مسرحي مختلف، ولو شكلياً فقط؛ بل إن كثيرين يحاولون تصوير ما حصل في الموصل بوصفه معجزة سيستانية!
لابد أن نتذكر بأن سقوط الموصل ومعها محافظات أخرى كان نتيجة طبيعية للفشل الحكومي الذريع في إدارة ملفات الدولة العراقية المختلفة، وإن هذا السقوط قد كلف العراق والعراقيين آلافاً من القتلى والجرحى والمعوقين، وآلافاً أخرى، بل ملايين الأرامل والأيتام، وما لا يُحصى من مآسٍ، وآلام، وغصص سيأخذها العراقيون معهم إلى قبورهم ليفتحوا ملفاتها هناك، أمام رب لا يضيع الحق عنده. ولابد أن نتذكر أن المؤسسة الدينية الفاسدة شريك كامل للحكومة في فشلها، ومتآمر خبيث الطوية يعيث مع الذئب ويبكي مع الراعي.
ويجب أن لا ننسى أن استعادة الموصل، أو قل تلال الأنقاض المتبقي منها، قد كلف مرة أخرى آلاف القتلى والمعاقين والجرحى، وبنية تحتية مدمرة، وأموالاً وديوناً يعلم الله وحده حجمها. أما المشردون، والمهجرون، ومن فقدوا آخر قطرة أمل بالوطن، فالحديث عنهم ذو شؤون وشجون، و”دع عنك نهباً صيح في حجراته ولكن حديثاً ما حديث الرواحل”.
قصة الموصل، إذن، اختصار مأساوي مكثف لقصة الفشل الحكومي، بل فشل الدولة العراقية بعد الاحتلال، وهذه الدلالة في الحقيقة هي الدلالة الوحيدة التي ينبغي استحضارها، وعدم السماح لسكرة القضاء على دولة داعش بالإجهاز عليها، أو تغييبها، واستحضار دلالة أخرى ملفقة بدلاً منها؛ فما بالك والقوم يحاولون استثمار النشوة العابرة ليستعرضوا قاماتهم بوصفهم أبطال التحرير الأشاوس، ويغسلوا عن وجوههم كل لطخات العار التي سودتها!؟
والأخطر من كل ما سبق أن يؤسسوا لنظام عسكريتاري يخنق الأصوات والحريات، وتتحكم من خلاله ميليشيات وعصابات الحشد الشعبي بكل النزق والجهل الذي تنطوي عليه. فلا يخفى أن وسائل الإعلام المرتبطة بالحكومة، وأحزابها، والمؤسسة الدينية من وراء الجميع لا شغل لها منذ سنوات سوى تلميع أحذية ميليشيات الحشد الشعبي لتعكس صورة الأحزاب والمؤسسة والحكومة.