قدم الكاتب حسن ناظم عرضاً بديعاً عن المثقف والنقاوه المفترضه ، بلغة وجدانيه وبرجماتيه في أن ، وميله كان أيضاً شبه محايد للوجهتين كما أتصور ، لأن السؤال يبقى مفتوحاً من الهة اليونان وعقوبتهم إلى محمود البريكان شاعرنا البصري الذي أصبح أيقونه للنقاوة .
فالكاتب حسن ناظم وكما جاء في مقالته ليوم 18/ أيار في جريدة الصباح بصفحتها الثقافيه ، يريد أن يقول لنا أن الاشكاليه الملتبسه بين السلطة والمثقف لا تزال عالقه .
وقد تعقدت الان عراقياً ، فقبل 2003 كان أمر المثقفين واضحاً ( مع أو ضد ) وحياد البريكان نموذجاً لوقوفه خارج حلبه الصراع مع السلطه أو ضدها يتحرك وجميع المتوافقين مع أنفسهم .
وهو مجال ضيق جداً . مما يجعل أهل السلطة آنذاك أقرب لفاسدي المرحلة الحالية سايكولوجياً . وبما أن الأغلبية حسب ناظم استجابوا لنوازع الطمع والجشع غاضين النظر عن أي معنى من المعاني رغم الدكتاتوريه وحروبها . لابد من القول : ـ
1) وكأي ظاهرة فأن هذه ( العلاقه الظاهرة ) لها عواملها التاريخيه والثقافيه أجمالاً فالنوع الثالث الذي نستطيع تسميته عراقياً بالبريكاني له تعريف أكثر جزاله بأن المثقفين عصبه ضيئله من الملوك والفلاسفه من ذوي المواهب الرفيعه الذين يشكلون ضمير البشريه ( د . ادوارد سعيد / المثقف والسلطه ) .
2) أما الوجه الأخر لعملتنا النادره أو ضميرنا هي أن يكون هذا النقي أقرب للتصوف من عالم الاغيار الخاضعين لعالم الرغبه . والزهد عموماً متصوفاً أو مثقفاً نقياُ يجيد من اكتشاف الرٌقى التي تدفع اللعنه وتفك شفرتها .
3) أن تناول الموضوع من زاوية الفرد ليس أمراً جديداً ولا يسعنا المراهنه عليه ‘ من خلال التجارب التاريخيه حيث سيكون أمرها وصيرورتها أجلاً كأي تبلور له فترات معينه لابد من اجتيازها ، أما استحضارها فهذا مرهون بواقع قد يكون ناضجاً بحيث استنفذ إعراضه أو لازال يراوح قبل الاستنفاذ. من خلال دالته أن تكون هناك بيئه مناسبه كالتي ظهرت لتفعيل الضمائر والايقونات والرقي ، كما تبلورت في امم أخرى ففي دراسه عن مجلس النواب الفرنسي من سنة 1871 إلى سنة 1958 أن أكثر من الستة الأف عضو منتخبين في تلك الحقبه كانو مفكرين بالمعنى العريض للكلمه / د . ادوارد سعيد مصدر سابق ) . فعندنا يشكل هؤلاء ظاهرة اجتماعيه يكون مكان البريكان وغيره مناسباً ولا يكون كما كان ( نبي في غير زمانه ) .
4) أن الاحزاب في بلدنا كانت المعاقل الرئيسيه للمثقفين ، وقد كانت الاحزاب نخب أكثر ما كانت احزاب وكانت الثقافه عموماً صنعتهم في الغالب . لذلك ليس يسيراً ، أن يكون المثقف الرسالي يسلك طريقه بسهوله وسط الأميه والتخلف والتدين الشعبي . والفقر . وهذه مهمة الدولة وليست الاحزاب . فلابد أن نكون بشراً كي ما نكون مواطنين ، فالدولة تجسد الثقافه التي تجسد بدورها بشرتينا المشتركة ./ تيري ايجلتون / فكرة الثقافه ص 24 )
5) الظاهرة الثقافيه لا تستطيع تجاهل الدين أو التدين كما لا يمكنها مواجهته كثقافة لصعوبة تدجينه ولذلك ساهمت هذه الاشكاليه في ظهور النقاوه ـ وبما أننا مررنا بفترات ثوريه وقفت كثيراً عند انسدادات معروفه فأن الثورة تعمد إلى تسيس جميع جوانب الحياة ( عصام الخفاجي / ولادات متعثرة / ص 551 ) وهذا التسيس وتوقف الثورة في محطة معينة فأنها أي الثورة تحفر قبرها . وتصبح العلاقه طرديه بين الوقوف والدوله البوليسيه عموماً فخسر دور المثقف أو يتحول مع الأغلبية التي يشير اليها الكاتب ناظم .
6) بما أن الثقافه عموماً الوجه السياسي منها كانت بيد الاحزاب فلا بد من أن خذلان القوى العلمانيه عموماً والذي امتد من نكبة حزيران سنة 1967 إلى سقوط جدار برلين ، تشرنق المثقف العضوي حسب مفهوم غرامش ثم تهميشه لصالح ثقافة التدين الشعبي لا بد من أخذها بنظر الاعتبار في الظاهره ذات الاستقطاب الحاد ( مع أو ضد ) مما ضيق مساحة النقاء وازدادت تهميشاً هذا على صعيد حركات طالما كانت معاديه للغرب عموماً وبثقافه الحرب البارده .
7) ثقافه الغرب عموماً كانت هدفاً ليست لثقافة الحرب الباردة فحسب بل كانت أيضاً بفضل سعة المساحه أن ظهرت مواقف محترمه من خلال كتابات ادورد سعيد ونعوم شومسكي وغيرهم ولكن كانت أيضاً في اطار معادات الرأسمالية التي أصبحت طريقاً سالكا لشرق اسياً من الصين إلى سنغافوره هذه النجاح . خذل الكثير من القناعات الكونكريتبه التي بقيت مرجعايتها كذلك . وهذا ما حفز السلبيه وليشق ثالث الطرق ( الفوز بالذات المستقله ) .
8) جميع هذه العوامل وضعت المثقف غير الفائز بذاته والأكثر عمليه من غيره أمام مفاهيم يبتكرها موهماً نفسه أنه يجب أن يدلو بدلوه لييغير من الداخل ويمسك العصى من الوسط . من باب شيئ .احسن من لاشئ ، وأن الديمقراطية باص يمكن أخذه بالاتجاه المرغوب حيث امكانيه التغير . وتحت ضغط الاحداث حصل كذلك كثيراً .
9) تحت ظل عدم استنفاذ المرحله ما قبل الرأسمالية أو الحداثه أو الدوله ، على المثقف أن يكون ليس مع أو ضد أو موقفاً سلبياً ( اللامصلحه ) عليه اجتراح موقف رابع شائك وملتبس جداً فهو لم يستعمل أدوات عمليه في التغير مثل التنظيم لمجتمع مدني بل ذهبت عارياً ليغير الناس فاذا هو بتغير
ويدخل شبكة المصالح والامتيازات التي أصبحت سبباً ثانياً واساسياً بالتشبت بالمنصب الا مارحم ربي للذين اختارو المجازفه . علماً أن الجمهور مرتهن على المدى المنظور وهذا ما يعقد الموقف أكثر من الطبيعي .
10) هل استنفذت المراحل بحيث نصل ألى اتفاق ويستفالياً شرق اويسطي وتتكافئي الجهات المتنازعه أقليمياً ودولياً ليرى المثقف الهارب من الالتباس والاشكال التاريخي ( ضد ومع ) أم يمضي بالتراكم الكمي في محاوله لردم البحر بالحص الصغير ؟
هل المثقفين الطهرانيين عليهم فقط الاعتزال ، أم بلورة موقف يجمع النقاء والعمل من خلال قنواتهما التقليديه ، أم ينتظروا كودوا الذي يأتي ولايأتي ؟
لا شك أن جميع المواقف الاربعه لها اشكالياتها ما دام الموقف لم ينجل ، وهذه طبيعة الأمور .
فالموقف الرابع الذي يحاول أن يكون ( نقياً أيجابياً ) هو ربما أصعب المواقف وأكثرها ايجابياً ، وهذا الاصطفاف في الصف الرابع له على الأقل تاريخ نقي وأنتاج ثقافي منسجم معه وهذا ما يجعل الموقف الرابع يحمل ثقل ضميره معه وأذا تخلى في أي مرحله عليه أن يحترم أبنائه الذين رباهم على التقوى والاستقامه ، والا يدفع الثمن مضاعفاً مع نفسه واولادة وشعبه .
أذن لا بد من برمجه بمراحل يسعى لها هؤلاء المثقفين أي وضع أنفسهم في خدمه المدرسه والثقافه ومنظمه المجتمع المدني والسعي لبلورة موقف بالتضامن مع نظرائه من خلال عملهم الثقافي ضمن خطوط واضحه في عالم الثقافه الوطنيه التي لا تستنخ من التاريخ أو من نماذج تصبح عمليه أعادة أنتاجها كارثيه كما هو من نماذج الحرب الباردة ومراعاتها التي دفعت أحزاب وشعوب ثمنها عندما قاتلت بالنيابه وصولاً إلى عفريت داعش الذي يختصر التخلف والزيف والجريمه لخدمة من ينوب عنهم لذلك قد تكون الاحترافيه فقط طريقاً سالكاً في غياهب مجهولنا .
الذي تنازعته المواقف ، احترافيه في السياسه والاقتصاد والثقافه والمهنيه العاليه سيكون معبداً بالأشواك طبعاً ولكن ليس أرضاء الضمير من الدنس وحسب بل مساهمه تاريخيه لوطن وشعب عذبته القرون والسنون .
لا غير الاحترافيه والمهنيه عاصماً من الانتهازيه ومشتقاتها .
وخارطة طريق للذين وجدوا أنفسهم بهذا الالتباس .