22 ديسمبر، 2024 10:57 ص

هل المدنية الحديثة تقتصر على بغداد ومدنها فقط ..؟ وهل للعقلية السياسية دورا في تعطيل المدنية الحديثة ؟

هل المدنية الحديثة تقتصر على بغداد ومدنها فقط ..؟ وهل للعقلية السياسية دورا في تعطيل المدنية الحديثة ؟

ما دفعني للتطرق والبحث عن هذا الموضوع من خلاصة قراءاتي الواقعية في العراق حول طبيعة المعاناة والإرهاصات العسيرة التي نعيشها اليوم ونحن في رحم بياتته وفي قلب مؤسساته وعلى مختلف الأصعدة والميادين , يأتي ذلك على أثر خلفية التغييرات الديموغرافية والهوياتية التي عاشها العراق منذ تسعينات القرن الماضي وعلى هذا الصدد يؤكد الباحث (روجيه كاوردي) بأن تشظية العراق الى مناطق محددة على اسس اثنية, ودينية يعتبر من الاهداف الرئيسية بالنسبة للكيان الصهيوني وهو ذاته الذي شرعت بتطبيقه الولايات المتحدة الأمريكية بعد عام (1991) . واستمرت بتنفيذ الجزء الثاني منه بعد عام ( 2003) م ويذكر الباحث (سعد محمد حسين ) بأن هناك العديد من الوثائق الصهيونية التي تؤكد على ضرورة تقسيم العراق إلى عدة دويلات (سنية و شيعية و كردية ) .. وهذا ما حدث فعلا فما إن دخلت القوات المسلحة العراقية إلى الكويت في الثاني من آب عام (1990) حتى اسرعت الولايات المتحدة إلى ادانته داعية لتشكيل تحالف دولي لمحاربته بأسرع وقت ممكن . بعدها أخذت الولايات المتحدة ترسم خط سياستها الجديد والتي سارت عليه في قيادتها للعالم , باقتراضها وجود مشاكل وأزمات في دول العالم الثالث وإن كانت تلك المشاكل مجرد اوهام او اباطيل لا وجود فعلي لها , مثل افتراضها بأن الدول التي تحتوي على عدة مكونات (قبلية , ودينية وأثنية ) لا يمكنها ان تتعايش مع بعضها البعض وكان العراق في مقدمة الدول التي كان عليها أن تواجه مثل هذه السياسة , وإن لهذا البلد ثلاث مكونات رئيسية تتوزع في ثلاث مناطق جغرافية في العراق هي ( الجنوب والوسط والشمال ) وهي تجعل من الاحداث التي شهدها العراق عام (1991) دليل على ذلك , ففي أعقاب انتهاء المواجهة العسكرية المباشرة بين الجيش العراقي وقوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في مستهل آذار (1991) تسارعت التطورات في مدن العراق الجنوبية والشرقية والشمالية , وتسببت بفقدان الحكومة العراقية آنذاك سيطرتها على معظم هذه المدن ولم يبقى تحت سيطرتها إلا مدن الوسط ولجأت حينها الى استعمال القوى العسكرية من أجل استعادة السيطرة على تلك المدن , ومن الحلول الأخرى التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر مكملة أو مرتبطة بالحل الاول لمشكلة العراق المفترضة هو اقتراحها تطبيق النظام الاتحادي في العراق ,بحسب الباحث (خالد المعيني ) فقد تم اقتراح هذا الحل من قبل الولايات المتحدة الامريكية في عام (1992) من خلال فرضها لمناطق حظر الطيران ورسخته عندما تعاملت مع المعارضة العراقية في الخارج على إنها مقسمة طائفيا واثنيا بحسب التقسيمات التي افترضت وجودها من قبل في العراق تلك المعارضة التي حظيت برعاية ودعم واسناد من قبل الولايات المتحدة الامريكية , بعدها اشرفت الولايات المتحدة على أجراء انتخابات تشريعية في شمال العراق عام (1992) وانتهى البرلمان والحكومة هناك إلى تطبيق النظام الاتحادي في ذلك الجزء العراقي ومن جزء واحد ,ولم يكن الدعم الأمريكي للمعارضة العراقية التي تبنت مشروع النظام الاتحادي في خارج العراق مقصورا على الاحزاب العراقية الكردية فحسب بل انها وعلى حد قول السياسي العراقي (ابراهيم الجعفري ) ساندت جميع احزاب المعارضة وكانت تسعى معهم لوضع تصورات وسيناريوهات لمرحلة ما بعد احتلاله , وهذا ما أكده السياسي العراقي الراحل (احمد الجلبي ) بقوله جاءني مبعوثا من الإدارة الأمريكية أخبرني : ان الرئيس (بيل كلنتون ) كلفه بان ينقل إلينا ان الولايات المتحدة ستقوم بما في وسعها لمساعدتنا في مواجهة صدام وتغيير النظام . أما عن اهم القوى السياسية المعرضة للنظام في الفترة الممتدة من عام 1990 وحتى عام 2003 فهي كثيرة ومتنوعة جدا إلا اننا يمكن ان نشخص بعض خطوطها العريضة بالشكل الآتي : اولا – الاحزاب ذات التوجهات الاسلامية , ثانيا- الأحزاب ذات التوجهات العلمانية , ثالثا- شخصيات عسكرية وفكرية ودينية مستقلة .
اجتمعت هذه الاحزاب والقوى الشخصية بكافة اطرافها في مؤتمر لندن (14-15ديسمبر 2002) مكملا للمؤتمرات السابقة وأصدر المؤتمر العديد من التوصيات ابرزها النص على إن العراق دولة ديمقراطية برلمانية تعددية فدرالية(لكل العراق ) ثم منح بعدها الكونغرس عام (2002) تفويضا للإدارة الامريكية باستخدام القوة العسكرية على العراق , وتم بالفعل بمطلع 20 من آذار عام 2003 استخدام القوات العسكرية الأمريكية وحلفائهم للإطاحة بنظام صدام وإسقاطه وإنزال أطراف وقوى الاحزاب المعارضة إلى مجلس الحكم وبتأييد من الشعب على وفق انقساماتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم وكانت تلك الانطلاقة التاريخية لبداية تغيير عقلية الشارع العراقي وتوجهاته لا سيما وقد انفتحت حدوده على مصراعيها بالكامل مع الدول المجاورة وبحسب الموقع الجغرافي لكل محافظة وثقافتها العامة وتشكيلاتها الخاصة بها وثبات ولاءها لقادة وزعماء حكم الاحزاب المعارضة التي ضاعفت الأخيرة تشكيلاتها وقواعدها المدنية والعسكرية داخل العراق .. تسارعت الاحداث وانفتحت المجتمعات بتوجهها نحو مركز المدن .. لكسب الوظائف الحكومية وتولي المناصب الإدارية وفق المحاصصات الحزبية والقبلية لاسيما والديمقراطية التعددية استندت بأصواتها على نظام القبائل إضافة إلى الانتماء الديني والعرقي .. انزووا سكان المدن الأصلين فأمسى غالبية المحافظين ومدراء الدوائر العامين ومسؤولو الشعب والاقسام في دوائر الدولة هم من السكان النازحين نحو المركز بفضل المحاصصة والفصائل والقبائل والبحبوحة الاقتصادية أصبح جميع الشباب من الخريجين الجامعيين والتوجه نحو التعيين الحكومي في الوقت الذي كانوا في الزمن البائد الخير منهم من أكمل تعليمه الثانوي أو المهني أو من تخرج من دورات ومعاهد إعداد المعلمين أو من ندر فرصته واكمل تعليمه الجامعي وتمدن فكريا .. فالصدمة الثقافية culture choke ) )التي يعيشها ابن المناطق النائية في المركز جعلته في هاجس دائم من الخوف على السلطة وفرض سطوته واللهث وراء المكاسب بأي ثمن كان وفق سياسة وشريعة الغاب فالكثير منهم نجده معتادا على طروحات لا تقرأ إلا الغيظ وتخفي ورائها توجهات طائفية وعنصرية كان قد اعتاد عليها بدون مراعاة لبروتوكل العمل الاداري والهوياتي والمؤسساتي ونراه يوجه على مسامع موظف أو مسؤول ابن المدينة الاصيل المتمدن بأسلوبه وحواره وتفكيره وملبسه ومأكله ومشربه ( ليش متروح تسكن إبغداد )؟ لآنه لا يستطيع أن يشاركه في منظومة القيم والمشاعر والاتجاهات ساعيا أن يخضع ذلك المكان لتوجه واحد وتنظيم واحد وبسط سيطرتهم بالكامل على كافة الأنشطة فيه .. ختاما نسآل الله تعالى أن يكفنا شر الحافي والمتعافي ومن تلك البطون التي جاعت ثم شبعت …