ضرورة ترميم البيت الكوردي
ما يحدث في الاجزاء الثلاثة من كوردستان في المنطقة ( باستثناء كوردستان ايران) يثير قلق الشعب الكوردي والمتعاطفين مع حقوقهم المشروعة من غير الكورد . ففي الوقت الذي تتجه فيه احداث المنطقة الى مرحلة الحسم التي قد تتحدد فيها مستقبل دول وشعوب , وبعد ان حقق الكورد في السنين الماضية انجازات سياسية واقتصادية جعلتهم قاب قوسين او ادنى من تحقيق حلمهم القومي الذي طالما حاربوا في سبيله , يمر الملف الكوردي في وضع سياسي يشوبه الكثير من القلق والاضطراب في الاجزاء الثلاثة من كوردستان ( في تركيا وسوريا والعراق) .
فاقليم كوردستان العراق يعاني اليوم من حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي جعله ينكفيء على نفسه ليفقد التاثير على ما يدور حوله من تطورات اقليمية مصيرية , بل انحسر تاثيره السياسي حتى على ما يدور من احداث في الداخل العراقي , بعد ان كان يعتبر صانع الحدث الحقيقي في العراق .. اما في كوردستان سوريا ( كوردستان الغربية) فان التنافس الحزبي بين الاحزاب الكوردية والتخبط السياسي الغير مدروس افقدهم القدرة على استثمار تطورات الحدث السوري لصالحهم , رغم النجاحات العسكرية التي يحققها الكورد هناك ضد داعش … وبالطبع فان الوضع الكوردي في كوردستان الشمالية( كوردستان تركيا) لا يختلف عن وضع اشقائهم في الجزئين سالفي الذكر من كوردستان , فتوقف عملية السلام بين حزب العمال الكوردستاني والحكومة التركية بعد ان قطعت شوطا كبيرا على طريق حل المشكلة الكوردية يعتبر انتكاسة حقيقية للوضع الكوردي هناك , ولا يمكننا تبرئة ساحة الجانب الكوردي من مسئولية هذا الجمود .
ان دراسة متانية لتاريخ الثورات الكوردية وانتفاضاته تكشف لنا حقيقة ان الانقسام الكوردي الداخلي وتشتت مواقفه كان دائما هو السبب الرئيس لفشل تلك الثورات وعدم تمكن الكورد من تحقيق طموحهم القومي المشروع .. اما العوامل الخارجية فلم تكن الا عوامل مكملة لهذا الفشل . وبدلا من ان تتعظ الاطراف الكوردية الحالية من هذه الدروس فهي تكرر اليوم نفس الاخطاء , لتثبت بان التاريخ يمكن ان يعيد نفسه مرات عديدة . فكل الاحزاب الكوردية متحالفة مع طرف اقليمي ليس انطلاقا من مصالح كوردية قومية بل لحسابات حزبية ضيقة في دعم هذه الجهات الاقليمية لحلفائها ضد منافسيهم من الاحزاب الكوردية الاخرى . والملاحظ ان الاطراف الاقليمية هذه تدعم حليفها الكوردي المعين بالقدر الذي يبقي على التوازن السياسي بين الاحزاب الكوردية , دون تمكين طرف من تحقيق نصر سياسي حاسم على الطرف الاخر , لكي لا تنتفي الحاجة اليه مستقبلا .. ففي الاقتتال الداخلي الذي وقع بين حزبين كورديين في تسعينات القرن الماضي لم تعمل الاطراف الاقليمية على سيطرة حزب من هذه الاحزاب على مجمل الوضع الكوردي بل ابقت الحزبين في توازن بينهما كي تبقى هذه الاحزاب الكوردية في حاجة دائمة اليها بشكل مستمر .
اضافة الى هذا الانقسام فان هناك اليوم جملة من النقاط التي تعاني منها الاطراف الكوردية نود ان نلخصها في النقاط التالية : –
1- اثبتت التجربة ان الوضع الداخلي الكوردي يكون مستقرا في حالة واحدة فقط عند وجود تحدي خارجي يهدد الكيان الكوردي ككل , فيما عدا ذلك فان الخلافات الكوردية الكوردية تطفو على السطح و تكون نتائجها اخطر من نتائج التحديات الخارجية . فمنذ الالفين وثلاثة لم يشهد اقليم كوردستان اية مشاكل داخلية حقيقية لوجود تحدي خارجي تمثل بمشاكل الاقليم مع حكومات بغداد المتعاقبة, وبمجرد انحسار خطر حكومة بغداد عن كوردستان في انشغالها بقتال داعش حتى برزت المشاكل الكوردية الداخلية على السطح مهددة كل المصير الكوردي وليس فقط مكتسابته .
2- الاحزاب الكوردية غير متجانسة مع بعضها في الافكار والمنطلقات , مما يؤثر على الخطوط العريضة لمستقبل كوردستان , فلكل حزب له رؤية سياسية تختلف عن الاحزاب الاخرى , ولا يكمن هذا الاختلاف في الجوانب الثانوية فقط بل يتجاوزها الى القضايا المصيرية للكورد , كحق تقرير المصير والعلاقات مع دول المنطقة وتحالفاتها معها .
3- لا تزال بعض الاحزاب الكوردستانية تعيش زمن الثورة الكوردية وتعمل وفق افكار الفوضوية الثورية التي لا يمكن اسقاطها على وضع كوردستان العراق الحالي الذي يعتبر اقليما له حكومة ومؤسسات , ملزمة بتعهدات سياسية , وشبكة واسعة من العلاقات مع المجتمع الدولي .
4- تدخلات الاحزاب الكوردية الكبيرة لبعض اجزاء كوردستان في مصير اجزاء كوردستان الاخرى لا تخدم القضية الكوردية بشكلها العام , فتدخلات الاحزاب الكوردية (العراقية والتركية) في ملف كوردستان الغربية ( كوردستان سوريا ) , ادخل بعدا اخر في الصراع التنافسي لهذه الاحزاب , جعل من الصعب عليها الاتفاق حول نقاط محددة , وبالتالي كان له اثرا سلبيا على مستقبل كوردستان سوريا .
5- بعض الاحزاب الكوردستانية التي كانت تتبنى اليسارية الثورية في فترات سابقة لا زالت تعاني من الحماس والتنظيرات اليسارية الغير قابلة للتطبيق , والتي ينتج عنها عادة الفوضى العارمة بدلا من الحكمة والنضوج السياسي الذي يحتاجه الملف الكوردي في اجزاء كوردستان المتعددة .
* فارتجالية القرار السياسي عند حزب العمال العمال الكوردستاني مثلا وردود الافعال المباشرة والتي تعتمد عادة على النظريات المقولبة البعيدة عن ارض الواقع , كانت سببا رئيسا في تجميد عملية السلام بينه وبين الطرف الحكومي في تركيا .
* الانتقال السريع بين النظريات السياسية لبعض الاحزاب يشير الى عدم نضوج سياسي لديها , فمثلا لا يمكن لحزب يعتبر نفسه حزبا قائدا ان يتخذ من فكرة كوردستان الكبرى شعارا له في بداية تكوينه, ثم ينتقل بعد فترة الى فكرة الكانتونات , ثم يقفز مجددا الى مبدا الديمقراطية العالمية التي تتجاوز فكرة القوميات , وكل هذا في عضون بضع سنوات . او ان ينتقل من الفكر اليساري الى مهادنة الاسلام السياسي دون ان يكون هناك مبررات لهذه القفزات الدونكيشوتية , فكيف يمكن للشعب الكوردي ان يثق بهكذا حزب ؟
6- تحلي بعض الاحزاب الكوردية الناضجة فكريا بمبدا المبالغة في الحكمة عند التعامل مع بعض الاحزاب الغير ناضجة والتي يؤثر وجودها سلبا على الواقع الكوردي , فالافراط في الحكمة احيانا يكون له نتائج سلبية على الوضع الكوردي , وظهر هذا مؤخرا في الازمة السياسية التي مرت بها اقليم كوردستان والذي كان السبب فيه هي الحكمة والنفس الطويل الذي مارسته حكومة الاقليم مع بعض الاحزاب الغير مسئولة والتي كادت ان تعرض الامن القومي الكوردي لمنزلقات خطيرة .
7- بعد هجوم داعش على المنطقة وقعت الاحزاب الكوردية دون استثناء في فخ لم تستطع الخروج منه لغاية اليوم , وهو الرهان على انتصارات البيشمركة والمسلحين الكورد في جميع التنظيمات الكوردستانية واهمال الجانب السياسي في التعامل بينها , واقتصرت على اظهار وجه كوردستان المشرق للعالم الخارجي من خلال بطولات وتضحيات البيشمركة , دون الانتباه الى ان دعم هذه الانتصارات العسكرية بانتصارات سياسية سيظهر للعالم اجمع ان في كوردستان اليوم تجربة يمكن لها ان تكون رائدة فيما لو توفر لها الدعم الدولي اللازم .
[email protected]