23 ديسمبر، 2024 12:40 ص

هل العراق مقبل على حرب اهلية ؟

هل العراق مقبل على حرب اهلية ؟

بمجرد بدء التظاهرات بدأت اقلام تكتب وفضائيات تصرح ومحللون يصدحون ويوتيوبات تعرض ومنجمون يتنبؤن بأن العراق مقبل على حرب اهلية  وأن هذه طلائعها ,واغلب التوقعات و التنبؤات تربط بين التوتر بين امريكا وايران وبين امكانية حدوث الحرب الاهلية والبعض يربط بين حدوث فوضى في ايران والعراق او حرب اهلية  وبأيدي امريكية وبمساعدة خليجية وآخرون يشبهون ما سيحدث بما حدث في سوريا وأخرون يقولون بأن ما سيحدث في المحافظات الشيعية شبيه بما حدث بالمحافظات السنية وهكذا.

 لكي نتدرج في تحليل الواقع العراقي التاريخي والحاضر والواقع الاقليمي والدولي والمناطق المحيطة به ومنها سوريا ولبنان وايران ولكي نضع الافكار بشكل متسلسل لكي نصل الى نتيجة في امكانية او عدم امكانية انهيار الاوضاع او حدوث حرب اهلية وفوضى وانهيار للدولة ,فيجب الاخذ بنظر الاعتبار الفقرات التالية:

أن الواقع العراقي الحالي متمثلا بالحكومة والمجتمع والدولة يسيطر عليه  الفكر الديني الشيعي التقليدي بادارة المرجعية الدينية الشيعية او المرجعيات وبترتيب وتنفيذ ايراني حزبي ميليشياوي شيعي وبغطاء ايراني وبتنسيق عالي مع التحالف الامريكي البريطاني الغربي . ومن يعرف اسلوب المرجعية الشيعية في ادارة الشيعة سيعرف ما يمكن للانسان الشيعي ان يفعله ,الانسان الشيعي العادي سواءا كان فقيرا بائسا او غنيا ميسورا هو انسان مسلوب الارادة يعتقد ان مصيره في الدنيا والآخرة بيد المرجعية الدينية وهو لا يتجرأ أن يفكر في أن يعارض اي رجل دين خوفا من المصائب التي ستقع عليه وعلى عائلته بسبب هذه الفكرة التي تعني التمرد على الدين واهل البيت والائمة وانها ستودي به الى النار في الدنيا والاخرة . المنظومة الدينية الشيعية قائمة على ذلك وليس مسموحا للانسان ان يفكربشكل حر وحتى رجال الدين اذا حاول احدهم التفكير خارج السرب سيعرض نفسه للطرد من المؤسسة الدينية والمؤسسة الدينية تنتج وبشكل مستمر آلاف من رجال الدين والرواديد وخطباء المنبر الحسيني الذين يتلقون الدعم من المرجعية لغرض استمرار تجهيل الشيعة وابقائهم تحت سلطتها وسلطة الخرافة والخوف من  المصير البائس الذي ينتظرهم اذا خالفوا امر المرجعية التي تمثل حسب مفاهيمهم الله ورسوله والائمة. ويمثل هذا الرأي اغلب الشيعة وبما يصل الى ما يقارب ال90% منهم ومن ضمنهم الكثير ممن يعيشون في الخارج.

منذ مجيء نظام الحكم الديني الشيعي الخميني في ايران وبترتيب امريكي غربي ,هناك غطاء امريكي بريطانيغربي مستمر له كان سابقا لمواجهة الاتحاد السوفيتي الشيوعي وكبديل عن سيطرة القوى اليسارية والشيوعية في ايران في ذلك الوقت, وخصوصا حزب تودة الايراني وذلك لمنع حدوث مايشبه انقلاب افغانستان الشيوعي واستمر هذا الغطاء بعد ذلك لادامة التوتر في المنطقة .وقد حدثت ثلاثة احداث في اوقات متقاربة في المنطقة في ذلك الحين وهي سيطرة خميني على الحكم في ايران وبدعم فرنسي وسيطرة صدام حسين على الحكم في العراق وسيطرة الشيوعيين على الحكم في افغانستان . ومنذ  ذلك الوقت دخلت المنطقة في توتر طائفي مستمر بعد انطلاق مارد الطائفية ممثلة من جهة بايران ونظام ولاية الفقيه مخترع مبدأ تصدير الثورة الاسلامية  و الذي يريد نشر المذهب الشيعي الاثني عشري  ومن الجهة الاخرى بالسلفية والوهابية التي تريد نشر المذهب السلفي والذي تبنته السعودية في فترة من الزمن حتى انكوت بناره ومن ثم اصبح برعاية القاعدة وداعش وهي كيانات اخطبوطية وهلامية تجتمع وتتفرق لتظهر في مكان آخر ولا تعترف أي من دول العالم بمسؤوليتها عنها  لحد الآن مع ان الامور تشير الى استحالة نشوئها وتمكنها من ما قامت به الا برعاية  دولية كبيرة واسناد مالي ومخابراتي ولوجستي وتقني وعسكري وهو ما ينطبق على كل من يستفيد من نشاطاتها .

– لم تتدخل امريكا في ما حدث في سوريا بشكل يغير موازين الصراع وترك الامر لدول الخليج لمساعدة طرف على طرف وتكونت جبهتان هما جبهة روسيا وايران وحزب الله والميليشيات العراقية التي تساعد النظام وجبهة تركيا ودول الخليج والتي تساعد المعارضة وبقيت امريكا والغرب ممثلة بما يسمى تحالف محاربة الارهاب تتفرج وتصرح وتضرب هنا وتضرب هناك وتدعي انها ضد الارهاب وداعش ولم يتشكل التحالف الا بعد سيطرة داعش على المحافظات السنية العراقية مع أنها تأسست في سوريا من تجميع المتطرفين من كل انحاء العالم وبالخصوص بقايا القاعدة الذين تم اخراجهم من السجون العراقية باتفاق امريكي ايراني وبتنفيذ مباشر من قبل المالكي والميليشيات الشيعية العراقية وتم تجهيزهم ونقلهم الى سوريا وظهرت على اثر ذلك ما يسمى بداعش وبدأت باحتلال المحافظات السنية العراقية وشكلت ماسمي بالدولة الاسلامية في العراق وسوريا.

قامت امريكا بمساعدة الاكراد في تكوين ميليشيا خاصة بهم ولم يتبين لها موقف واضح هل هي مع النظام ام ضده فهي تحارب كل من يحارب النظام سعيا في ان يعطي النظام للاكراد حكما ذاتيا او فدراليا بعد انفضاض الحرب وهي موجهة بالدرجة الاولى للتصدي لتركيا و تعلن ذلك بصراحة لاستفزاز تركيا ومع انه من المفروض حتى لو كانت ضد تركيا فليس من مصلحتها اعلان ذلك بصراحة ويمكن تأجيل الاعلان الصريح حتى انفضاض الحرب  او على الاقل اتضاح الصورة, ونظرة محللة موضوعية للتحالفات توضح لنا أن التحالف الامريكي الغربي ليس مع احد ولا ضد احد بقدر ما يهمه مراقبة الوضع واستنزاف الاطراف جميعا وابقاء قوة لابقاء الوضع على ما هم عليه الى ابعد حد ممكن ولولا تدخل روسيا القوي والواضح لما استطاع النظام وحلفاؤة تحقيق اي غلبة في الصراع .

– من الواضح أن ما حدث في سوريا كان معاقبة للنظام على تدخله السافر في العراق وتصريحات رئيس النظام السوري بشار الاسد المغرورة  بأنه اللاعب الاول في العراق وقيامه بادارة التمرد ضد الاحتلال الامريكي في المحافظات السنية وبتنسيق مع دول الخليج وايران في حينها حيث تقاسمت النفوذ في العراق لادارة التمرد المخابرات السورية في المحافظات السنية , حيث كانت دول الخليح تدعم قيام النظام السوري بتدريب وتجهيز وارسال المتطرفين القاعديين الى العراق لغرض خلخلة الاوضاع عن طريق التفجيرات ومنع حدوث الاستقرار ومنع السنة من الاشتراك في العملية السياسية ,بينما تقوم ايران بدعم الميليشيات الشيعية لفرض سيطرة الشيعة على الحكم في العراق واذكاء فتنة طائفية مسيطر عليها من قبل الحكومة والميليشيات وترسيخ سياسة العزل الطائفي في جميع مفاصل الدولة والحكومة والمجتمع.وقد كانت امريكا تراقب وتعرف بكل الاحداث ووجهت الى النظام السوري رسائل كثيرة مباشرة وبواسطة حلفائه واخرهم المالكي بعد زيارته الى سوريا في العام 2010 محاولا اقناع النظام ولكن وبمجرد وصوله الى العراق حدث تفجير وزارة الخارجية قرب المنطقة الخضراء وعلى اثره صرح المالكي بشكل واضح عن مسؤولية النظام السوري عن التفجير ووعد بالشكوى لدى الامم المتحدة ولكن ايران منعته من ذلك وانتهى الموضوع بسكوته.

أن منطقة الشرق العربي والاسلامي من باكستان الى المغرب تعتبر من المناطق غير المستقرة منذ انفراط الدولة العثمانية وستبقى مناطق صراع ونفوذ للقوى العظمى وسوريا والعراق ولبنان في لجة هذا الصراع بسبب وجود الشيعة والسنة كهدف للتوتر الطائفي وعدم استقرار الانظمة السياسية فيها ووقوعها بين الخليج العربي والبحر المتوسط والثرواث  النفطية فيها ولكن العراق واقع ضمن (الخارطة التقسيمية للمنطقة) تحت النفوذ الامريكي البريطاني حتى ولو كان مسرحا للعب ايراني حاليا لكون ايران لاعب اقليمي فقط هي و تركيا والسعودية  ولا يسمح لأي لاعبين اقليميين بلعب دور اكبر من ما مخطط لكل منهم في السيناريو اما الصراع الحقيقي فهو بين القوى الكبرى ممثلة بامريكا وروسيا والصين والغرب وبالطبع اسرائيل وهي فقط مسموح لها بعقد الصفقات لتقاسم النفوذ .

– ان الوضع في العراق وفي الفترة بين 2003 وحتى 2008 لم يسمح له بالانهيار التام وبقي الوضع  يدار بحيث لا تنهار سلطة الحكومة تماما في بغداد وهو ما كان متفقا عليه بين امريكا وايران ولا يسمح بالانهيار التام لكون انهيارالاوضاع في العراق يعني تهديدا لدول الخليج وثلث نفط العالم مماقد يؤدي الى احداث انهيار اقتصادي عالمي وهذا غير مسموح  به حاليا الا ضمن لعبة التوازن بين القوى العظمى .

– أن الوضع في سوريا شبيه بالوضع في العراق حيث لم يسمح للحكومة والدولة بالانهيار وبقي النظام في دمشق والمحافظات التي تؤيد النظام قائما بينما سمح للاوضاع في المحافظات السنية بالانهيارتماما  وتم تدميرها تماما وسمح لمن يريد الهرب الى الغرب بالهرب عن طريق تركيا لاحداث التغيير الديموغرافي في سوريا.

-أن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري للعراق بقي وابقي هشا ضمن لعبة الصراع الدولي بين الدول العظمى والاقليمية وعلى مدى القرن العشرين وهذين العقدين من القرن الحادي والعشرين ولم يصار الى بناء وترسيخ نظام سياسي او اقتصادي او اجتماعي او ثقافي ناضج في سبيل استقرار الدولة والمجتمع مما يؤكد نية الغرب على استنزاف مقدرات العراق وابقائه هشا منعا لتكون نخبة سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية قد تقود الدولة والمجتمع الى خيارات هامة على طريق الاستقرار مع وجود الثروات والنخب المتعلمة وهو ما لا تريده الدول العظمى والدول الاقليمية المحيطة ويبقى يصب في مصلحتها.

-التظاهرات الحالية مجرد فقاعة على سطح واقع سياسي واجتماعي بائس وليس من المعول عليها أن تصنع انجازا خصوصا بأنه لا يعرف لها أي قيادة سياسية محنكة تقود الحراك وعلى العكس فأن مطالب المتظاهرين مطالب ساذجة لا ترقى لصناعة ثورة او تغيير سياسي كبير.كما أن الحكومة ممثلة باركانها وحلفائها لن تتردد بأرتكاب المجازر لكي تمنع أي تحرك يهددها بشكل حقيقي ومجرد اغلاق شبكة الانترنت يصور لكم مدى الاستهانة بهذا الشعب الساذج المنوم المغيب الارادة والواقع تحت ذل العبودية لنظرية السادة والعبيد وللاساطير والدجل وخدع تقديس غير المقدس.  

-الوضع في العراق غير سائر في طريق الاستقرار ولا في طريق الانهيار التام وسيبقى الوضع هشا غير مستقر عرضة للهزات وحسب الاوضاع المحيطة به ولكن لن يسمح بالانهيار التام للدولة والحكومة وسيبقى الدعم الامريكي الغربي قائما ولكن يمكن حدوث انهيارات مؤقتة في بعض المناطق كما حدث في المحافظات السنية بين عامي   2014 و 2017ولكن على نطاق ضيق وفقط لاعطاء دروس لبعض القوى السياسية .

– العراق منطقة واقعة تحت سيطرة الفكر السياسي الغربي المتطرف و المتأرجح بين النظريات المختلفة ولا توجد استراتيجية لديهم لحد الآن تدعم الاستقرار فيه بأتجاه تغيير جوهري في نظام الحكم ويبدو أنها ستبقى كذلك لعدم وجود ظروف داخلية وخارجية لتغيير موازين القوى.

زيدون الحلي / هولندا