23 ديسمبر، 2024 7:08 ص

هل العراق قابل للتقسيم ؟!

هل العراق قابل للتقسيم ؟!

اولا:
منذ احتلال العراق عام ٢٠٠٣ واندلاع الصراعات السياسية الداخلية ، التي وصّفهاالغربيون بالطائفية والإثنية ، ذهبت أوساط غربية عديدة سواءعلى مستوى القرار او مراكزالتفكير والإعلام الى ان الحل يكمن في فكرة تقسيم البلاد الى ثلاثة دويلات او دول ، ومناجل تأصيل الفكرة أعيد انتاج الرواية التي تبنتها في فترات سابقة أوساط أكاديمية، غربيةو أمريكية بشكل أساسي ، في الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية ومضمونها كمايلخصها علي الخضيري ، مستشار عدد من السفراء والقادة العسكريين الأمريكان خلالفترة الاحتلال ، في مقالة له في مجلة (Foreign Affairs ) في عددها لشهر أيلول٢٠١٥ أشار الى “ان العراق الحديث لم يشهد سلاما داخليا شاملا او استقرارا منذإنشاءه عام ١٩٢٠. لقد حكم سلاطين الامبراطورية العثمانية هذا الإقليم باعتباره ثلاثولايات منفصلة ، وقد ادار حكاما مستقلين عن بعضهم ولايات الموصل في الشمال وبغدادفي الوسط والبصرة في الجنوب ….. وبعد الحرب العالمية الاولى ….. تقرر ان يقومالبريطانيون بترسيم فضاءا لنفوذ مصالحهم النفطية في بلاد النهرينMesopotamia ” . اي ان العراق الحديث هو صنيعة بريطانية وتمت صياغته كدولة موحدة وفقا لمتطلباتالمصالح الإمبريالية البريطانية ، ولم ينتبه الخضيري الى ان نصّه هذا يحمل شيئا ونقيضهاذ يستخدم لفظة Mesopotamia كناية عن العراق دون ان يشير الى انها تسمية سادتمنذ اكثر من ألفي عام في كتب المؤرخين اليونانيين لتشير الى اقليم طبيعي مميز عماحولهمن الجغرافية العامة للمنطقة وهي ذات اللفظة التي استخدمها الجنرال مود القائدالبريطاني الذي دخل بغداد محتلا عام ١٩١٧كناية عن العراق . كما فات السيد الخضيريان تسمية العراق ، الاسم المحلي لما سماه اليونانيون بلاد النهرين ، قد تكون الاسم الوحيدفي التاريخ الإنساني الذي يشير الى اقليم جغرافي طبيعي بعينه منذ ثمانية آلاف عامتقريبا باستثناء تعديلات غير جوهرية على حدوده الطبيعية .

اما اذا عدنا الى مقولة الولايات الثلاث المنفصلة فسنعرف من خلال قراءة سريعة للتاريخ انالمعلومة غير دقيقة . فقد أدير العراق معظم العهد العثماني باعتباره اقليما واحدا منالناحية الإدارية باستثناء فترة قصيرة اعتمد خلالها نظام الولايات الثلاث من اجل أضعافنفوذ ولاة بغداد ثم جاء الحكم المملوكي الذي وحد العراق تحت إدارة بغداد واستمر هذاالوضع خلال فترة الإصلاحات وتعزيز المركزية لتسهيل إنفاذ هذه الإصلاحات التي باشربها الوالي الاصلاحي المشهور مدحت باشا ، وقد كان اسم بغداد يستخدم في أوساطالادارة العثمانية كرديف للعراق حتى خلال فترة نظام الولايات الثلاث وفقا للمؤرخ التركي ( ابوبكر كيلان ) في أطروحته عن ( الأصول العثمانية للعراق المعاصر ) .

لقد اثبتت دراسات حديثة ان العراق شكل خلال القرون الثلاثة التي سبقت الاحتلالالبريطاني عام ١٩١٧ منظومة اقتصادية- تجارية ، من شماله حتى جنوبه ، ارتبطت ببلدانحوض المحيط الهندي وان مدنا عراقية كبرى وطرق مواصلات رئيسية قد تم تأمينها لخدمةهذه المنظومة ، ثم جاء النفوذ السياسي و التجاري الغربي بعد ذلك ، ومنذ منتصف القرنالتاسع عشر بشكل خاص ، ليحول بعضا من اتجاهات هذه المنظومة التجارية نحوالاسواق الأوربية لكنه من جانب اخر عزز الروابط الاقتصادية الزراعية – التجارية لأنحاءالبلاد المختلفة بإدخاله ثورة في نظام المواصلات البرية والنهرية والبرقية ونشأت مصالحتجارية للزعامات القبلية وتجار المدن مما ساهم في تفكيك العزلة التي عاشتها بعضأنحاء البلاد بعد التخريب الذي عاشته منذ الغزو المغولي .

هذا عن الإقليم ، اما عن السكان فقد حاول أكاديميوا الغرب ، ولا ادري اي صدفة جعلتمعظمهم من اليهود ،اختراع أشكال عديدة من التصنيفات الدينية و المذهبية والإثنية تحيلالبلاد ، وفق رأيهم ، الى كيان هش لايمكن إمساكه الا من خلال ديكتاتورية او فك ارتباطهذه الاطياف عن بعضها لعجزها عن التعايش وفق مبادئ التسامح وقبول الاخر . في هذاالمجال يعتبر مؤرخا يهوديا اسرائيليا من المراجعين التقدميين ومن مواليد العراق هوبروفيسور أوكسفورد ( أفي شلايم )في كتابه (War and Peace in the Middle East ) ان من اخطاء بريطانيا وهي تصنع العراق انها لم ترسم خطوطا تعزل الأكراد عنالعرب والشيعة عن السنة دون ان يتنبَّه الى ان أهله اليهود عاشوا في العراق ألفي عامواعتبروه وطنهم وان هجرتهم لاسرائيل كانت ضرورة وليس اختيارا . وإذ لا اريد التوسعفي مناقشة التأصيل الأكاديمي لفكرة التقسيم على أساس التنوع الاثني والطائفي لكننيمجبر على الإشارة الى ان ما ينطبق عليه وصف الدولة وحيدة العرق او الديانة لايتعدىأربعة او خمسة دول بالكاد ينطبق عليها التوصيف وهي دول تعيش على هامش النظامالدولي وليست باي قياس علمي او منطقي أمثلة تحتذى .

هنالك بالاضافة لذلك نوع من التضليل العلمي المتعمد الذي يشاع حصرا حين تناقشالمسالة العراقية وهو الاستخدام الملتبس لمفهوم الدولة القومية الحديث (Nation State ) فهذا المصطلح يشير حصرا الى النظام الدولي الذي أنشأته معاهدة وستفاليا عام ١٦٤٨اثر حرب الثلاثين سنة الدينية التي دمرت دول أوروبية اذ اعتمد مبدأ الدولة الوطنية علىأساس جغرافي ووفق ذلك نشأت الهوية الوطنية الحديثة المستندة للجغرافية كأساسللحقوق والواجبات لمواطنيها بغض النظر عن توجهاتهم العقائدية والدينية او انتماءاتهمالعرقية وبذلك أصبحوا رغم تبايناتهم في هذه المجالات أمة في نطاق جغرافي محددواستنادا اليه ، هذا المبدأ يقدم بشكل مضلل وملتبس حين يتعلق الامر بالعراق .

ان الامر الأهم بعد كل ذلك هو الانتباه الى التضليل المعيب الذي مارسه الأكاديميون الذينزعموا ان العراق صنيعة تشرتشل وبريطانيا ومصالحها النفطية ، فهذه المصالح كانتمضمونة بموجب اتفاقيات امتيازات النفط الموقعة مع الدولة العثمانية وأي كيان بديل تقعأراضي الامتيازات ضمن سيادته سيكون ملزما بها ايا كانت هويته او وضعه القانونيسواء دولة واحدة أو دول عدة ، اي ان المصالح البريطانية لم تصنع العراق الموحد والادعاءبعكس ذلك له اغراضه .

التاريخ يعلمنا ان العراق ككيان جغرافي وبشري قديم بما يكفي ليتجاوز في العمر اغلبدول العالم القائمة اليوم وإذا أردنا تجاوز التاريخ القديم فلايمكننا الا الإقرار بان العراقيينالحاليين يعيشون على ارضه منذ خمسة عشر قرنا ، اما الدولة الحديثة في العراق فقدصنعتها ثورة العشرين العراقية الكبرى وقرار عصبة الامم بانهاء الانتداب البريطانيوإعادة ولاية الموصل له .

العراقيون لم يغفوا ليلة الثلاثين من حزيران ١٩٢٠ ليصبحوا وقد اكتشفوا عراقيتهم فيالرميثة ، نقطة انطلاق الثورة ،ضد الاحتلال البريطاني ، ليعقبها انتفاضة البلاد منشمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها وبمشاركة جميع أبناء ” بلاد النهرين ” الذينحملوا سلاحهم وراياتهم تحت مسمى العراق . لا الاسم ولا الهوية قد اكتشفا ذلك اليوم ولميكونا مِنّة من تشرتشل او إمبراطوريته بل منحة التاريخ لابناء البلاد على مد العصور وهيمصدر إلهامهم في ذلك اليوم الذي ان اختلفوا على اي شيء ، لكنهم لايختلفون عليه .

وكذا الحال في قرار عصبة الامم بإعادة ولاية الموصل الى العراق فقد جرى وفقا لحيثياتأخذت بالاعتبار واقع الروابط الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية المستمرة بين تلك الولايةوباقي أنحاء العراق .

إذن يمكن القول بالإجمال ان وقائع جغرافية واجتماعية وتاريخية شكلت مايمكن وصفهبالهوية العراقية وهي منتجة لنوع محدد من الثقافة بخطوط متمايزة عما حولها من أقطارتمثلت في مكنون من التراث الشعبي ابتداءا بالأمثال الشعبية وحتى أشكال لعب وَلَهْوالأطفال ، ومنح الاستقلال وانهاء الانتداب لم يكن تأسيسا لكيان بل إقرارا وكشفا واعترافابحقه التاريخي في الوجود .

ثانيا :

لماذا يكتشف الأكاديميون الغربيون ان العراق وأقطار اخرى في الشرق الأوسط ، عربيةحصرا ، تحتاج كياناتها الى اعادة نظر ؟!

هذه المقولة تسود الأوساط الثقافية والسياسية منذ الحرب العالمية الثانية وبعدها بقليل وقدأصبحت لها ابعاد ستراتيجية ذرائعية منذ نهاية الحرب الباردة جسدها بشكل خاص شيخالمستشرقين الغربيين المعاصرين البروفيسور برنارد لويس في العديد من مؤلفاته واوجزهافي مقالته المشهورة ( Rethinking the Middle East) المنشور في مجلة( Foreign Affairs )بعددها الصادر في سبتمبر عام ١٩٩٢ ، وخلاصتها ان بلدان الشرق الأوسط فقدت القدرة على رسم مستقبلها والتحكم بأقدارها منذ عام ١٧٩٨ ، تاريخ احتلال نابليونبونابرت لمصر ، وان هذا الشرق الأوسط قد استسلم للآخرين منذ ذلك التاريخ ليرسموا لهواقعه ومصيره ، وأصبحت نصوص هذا المستشرق ذات قدسية خاصة لكل من تصدواللحديث او البحث في شؤون المنطقة .

في عام ١٩٩٦ قدم عدد من المفكرين والباحثين الأمريكان – اليهود ، المدافعين بحماسة عنالمشروع الصهيوني في الشرق الأوسط ، دراسة مشهورة الى رئيس الوزراء الاسرائيليعنوانها (Clean Breack :A New Strategy for Securing the Realm ) دعوهفيها الى بذل الجهود لدفع الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري في منطقة الشرق الأوسطأولى أهدافه احتلال العراق واعادة صياغته “Redefine Iraq” لان مستقبل الوضع فيهذا البلد ، وفق تقديرهم ، سيؤثر بشكل كبير جدا على التوازن الستراتيجي في المنطقة[هذه الدراسة منشورة ومتيسرة على الإنترنيت ] . وصدف ان ثلاثة منهم سيتبوؤا مراكزقيادية خلال إدارة بوش الابن، فأصبح دوجلاس فيث وكيلا لوزارة الدفاع للشؤونالسياسية وكلفت دائرته بإدارة العراق بعد الاحتلال اما ريتشارد بيرل فقد راس هيئةالتخطيط في البنتاغون التي قدمت التوصيات حول ضرورة احتلال العراق لمنع وقوع أسلحةالدمار الشامل بيد التنظيمات الإرهابية تحت زعم علاقة وثيقة للعراق بها . اما الثالث فهوديفيد وورسمير فقد تولى مهمة معركة العلاقات العامة للترويج لافكار المجموعة علىالمستويين الأكاديمي والاعلامي .

بعد الاحتلال مباشرة كانت المهمة هي خلق فراغ في السلطة وتفكيك بيروقراطيا الدولةالاساسية وخاصة الأمنية وبذلك تم خلق المناخ لإعادة الناس الى مربع الولاءات دونالوطنية ، وهي وصفة تحدث عنها مسهبا البروفيسور نوح فيلدرمان اليهودي من أصولعراقية والذي أنيطت به مهمة تأمين النصوص القانونية لهذا الغرض تحت ستار مهمتهمستشارا قانونيا لوزارة العدل العراقية . كانت هذه الخطة قد أعدت واعتمدت من قبل مكتبدوجلاس فيث تحت عنوان ” اجتثاث البعث ” التي تنسب خطا لاحمد الجلبي الذي لم يكنسوى واجهة للمشروع .

تم تأسيس النظام السياسي الجديد في البلاد على أساس التوزيع الاثني والطائفي فيبلد لايعرف على وجه الدقة توزيع سكانه وفق هذه المعايير كما أخذت المحاصصات الطائفيةوالعرقية تطغى على كل شيء وأصبحت التفسيرات وفق هذه المعايير تطغى على كلماعداها فأصبحت مقاومة الاحتلال تفسر على انها تمرد سني ردا على انتزاع السلطةمنهم ، وهي سلطة يعرف الجميع انها كانت ملكا لشخص واحد . لقد لخص الرؤيةالامريكية للوضع الرئيس جورج بوش في مذكراته المنشورة تحت عنوان ( Decision Points ) بالقول ان البلاد كانت تعيش توترات طائفية وعرقية منذ إنشاءها بعد الحربالعالمية الاولى بسبب استحواذ ” أقلية سنية ذات حظوة ” ،وهي لاتتجاوز١٥٪‏ من السكان، على السلطة والموارد وحرمان الأغلبية الشيعية والأكراد منها ، وعلى هذا الأساس تصرفتسلطة الاحتلال لكنها واجهت حقيقة ان جميع أنحاء العراق هي مناطق عيش مختلطة وهذهحقيقة اتبتها تقرير بيكر – هاميلتون .

جاءت بعد ذلك تفجيرات قبة مرقد الإمامين العسكريين في سامراء ووفقا لقائد أمريكي فقدكانت عملية مدبرة لتأجيج حرب طائفية تبعتها مباشرة موجات تطهير طائفي متبادل اثارتدهشة الكثيرين اذ لم يسبق ان شهد العراق مثيلا لها . جاءت الاستجابة الامريكية مباشرةبالحديث عن قضية التقسيم بلغت ذروتهاعام ٢٠٠٦ في إصدار قانون تقسيم العراقاقترحه السناتور آنذاك بايدن (نائب الرئيس الحالي ) وقد فاقم صدور هذا القانون منالصراعات الطائفية وبدا واضحا ان الهدف منها هو تطهير المناطق المختلطة وخاصة بغدادمن سكانها السنة بشكل أساس بسبب ان الطرف الشيعي كان يحظى ، ومن خلالالأحزاب والمليشيات الطائفية ، بقوة الدولة وسرعان ماجاء الرد بصيغة حركات سنيةراديكالية مثل القاعدة ثم داعش وأصبحت نخب السياسيين تقدم نفسها للجمهور علىأساس الهوية الطائفية .

هذا ليس حديث مؤامرة بل وقائع حصلت وعشناها في حياتنا .

المهم في الامر ان موضوع التقسيم لم يعد حديث الأوساط الأكاديمية في الجامعات ومراكزالتفكير بل سياسات وبرامج عمل تتبناها حكومات الدول ذات التأثير في الساحة العراقيةوفي مقدمتها الولايات المتحدة وإيران وحتى اسرائيل كما بدأت تأخذ شكلا اكثر تهذيبا فيأوروبا تحت ستار حماية الأقليات وتوفير الحماية لها من خلال خلق ملاذات آمنة بشكلأقاليم او دويلات .

ثالثا :

السؤال البديهي والمشروع هو : هل ان التقسيم ، برغم كل مايجرى حتى الان ، يشكل حلاللنزاعات الطائفية وهل هو ممكن من الناحية العملية ؟

تاريخيا ، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، جرت عمليات تقسيم لبلدان موحدة بلغتحوالي ١٤-٢٤ عملية تقسيم (حسب نوع التعريف لكلمة تقسيم ) وهذه العمليات تمت اثرنشوب اكثر من ١٨٠ حرب أهلية في أنحاء مختلفة من العالم ولم تثبت ايا من هذهالعمليات انها كانت حلا ، بل على العكس زادت اما من حدة الصراعات او اسستلصراعات جديدة في داخل الكيانات الناشئة ، وكلا الحالين يبدو مرجح الحصول فيالعراق المقسم .

ان آية عملية لفرض التقسيم على العراق ستقود الى فوضى سكانية عارمة وستؤدي حتماالى عمليات نزاع مسلحة خصوصا في مناطق الاحتكاك بين الأقاليم او الدويلات العتيدةويمكن ملاحظة ذلك في وضع مدينة كركوك باعتبارها حاليا تمثل نموذجا تطبيقيا لعمليةالتقسيم . هنالك ثلاثة مجموعات إثنية هي الأكراد والعرب والتركمان والفوارق بين اعدادهاليست كبيرة الى الحد الذي تشكل فيه احداها أغلبية طاغية ولكل منها امتدادات الىخارجها وعندما تحين لحظة الحقيقة فان الجميع سينظر الى محيط كركوك بحثا عن العونلتعزيز نفوذه في المحافظة .

من الناحية النظرية فان تقسيما لايؤدي الى نزاعات داخلية يقتضي صياغة أقاليم ذاتنقاوة إثنية او طائفية او على الأقل ان تكون هنالك أغلبية طاغية لأحد المكونات الاثنية اوالطائفية ، وان تحقق ذلك فلا احد يستطيع ضمان ان لاتكون هنالك صراعات داخل الاثنيةاو الطائفة الواحدة وقد راينا ذلك يحصل في منتصف التسعينات في منطقة الحكم الذاتيحيث سادت حالة من القتال الداخلي بين حزب الاتحاد الوطني الذي يتزعمه جلالالطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارازاني ولم ينته الصراع الابعد تدخل بغداد عسكريا في الإقليم ولنا ان نتصور ماقد يحصل في المستقبل ايضا فيضوء مانراه من صراعات داخلية على السلطة تتمثل في أزمة اختيار رئاسة جديدة للإقليم. في ذات الاتجاه نشاهد اليوم في بغداد وبقية أنحاء العراق ذات الأغلبية الشيعية تفجرالصراعات المسلحة بين الأحزاب التي تدين بذات المذهب مثل الصراع بين حزب الفضيلةوحزب الدعوة في البصرة وبين التيار الصدري وتحالف دولة القانون في أنحاء مختلفة منجنوب العراق وفي بغداد خاصة مع وجود المليشيات المسلحة لدى جميع الأحزاب دوناستثناء ، وكذا الحال في المحافظات التي توصف بالسنية و المشتعلة منذ بداية الاحتلال .

ينبغي كذلك ان ناخذ بالاعتبار ان الصراعات التي تتم تحت اللافتات الطائفية حاليا فيالعراق هي انعكاس لصراعات إقليمية . ان تأسيس دولة كردية في شمال العراق ، بغضالنظر عن الموقف الاخلاقي او الحقوقي ، قد يقود دول الجوار ذات الأقليات الكردية الىاستخدام القوة لمنع قيامها او انتقال عدوى الاستقلال الى اكرادها. لنا ان نرى العملياتالعسكري التي تقوم بها تركيا حاليا ضد الحركات الكردية السورية التي تنشد الاستقلالاو الحكم الذاتي ، كمالاينبغي ان ننسى الموقف التركي السلبي الرافض لمبدأ الحكمالذاتي لاكراد العراق منذ قيامه . و سيؤدي قيام كيان شيعي مستقل في جنوب العراق الىتعاظم النفوذ الايراني بشكل يزيد من حدة الصراع العربي الايراني الراهن وقد يؤدي الىحروب اقليمية لا احد يعرف الى ماقد تؤدي اليه . وكذا الحال مع نشوء اقليم سني . انجميع دول المنطقة ستشعر بالتهديد الذي يمس وجودها مباشرة ، كما ستجد نفسهامتورطة في نزاعات لانهاية لها حول النفوذ في الكيانات الجديدة من اكبرها مثل تركياوايرانوالسعودية الى أصغرها مثل الإمارات وقطر وشبكة تحالفاتها الدولية و الاقليمية .

اضافة للصراعات الإقليمية وداخل كل كيان جديد هنالك إمكانية شبه مؤكدة لقيام صراعاتبين الكيانات الجديدة حول الموارد المنتشرة على طول البلاد وعرضها ولكن بدرجات متفاوتةمثل الموارد المائية والثروات النفطية والغاز والمعادن .

اضافة للنزاعات الداخلية ومابين الكيانات الجديدة ودوّل المنطقة وربما العالم هنالكاعتبارات عملية تجعل قضية التقسيم قضية معقدة الى حد استحالة التحقيق .

الاول يتعلق بطبيعة العراق الجغرافية ، ففي الوقت الذي يجري فيه نهرا دجلة والفرات ،مصدر المياه الرئيسي ، من الشمال الى الجنوب وكذلك الحال مع طرق المواصلات الكبرىفان التوزيع المفترض للسكان على أساس الهوية الطائفية والإثنية يأخذ شكلا افقيا الامرالذي يجعل من مصلحة الجميع العيش في كيان واحد لتأمين الأسباب التي تضمنإمكانيات عملية وحقيقية للتنمية والتطور وأنهم سيكتشفون ان حاجتهم لحكومة رشيدة فاعلةهي اكثر من حاجتهم لاعلام ذات ألوان مختلفة وان قضيتهم الاساسية هي قضية سياسيةولاعلاقة لها بالدِّين او الأصل العرقي .

الاعتبار الثاني يتعلق بطبيعة النظام الاروائي النهري . تاريخيا أديرت منظومة الريالنهري في العراق بشكل مركزي لان اي نوع اخر من الادارة امر مستحيل من الناحيةالفنية وان انشاء أنظمة ري فرعية على مقاس الكيانات الفرعية العتيدة امر مستحيل دونسلطة إدارة مركزية للموارد المائية تتيح للجميع إمكانية الاستفادة العادلة والعملية في عالميتجه بشكل عام نحو الشحة المائية .

الاعتبار الثالث يتعلق بكلفة التقسيم . من اي مصادر يمكن تأمين موارد قد تصل الى مئاتالمليارات من الدولارات لإتمام عمليات ترانسفير لسكان يعدون بالملايين واعادة توطينهم وفقالهوايتهم الطائفية والإثنية . ان ربع سكان كردستان على سبيل المثال يعيشون خارجها منذعقود في مدن كبرى مثل البصرة والرمادي وديالى وفي العاصمة بغداد والامر اكثر تعقيدابالنسبة للسنة والشيعة حيث يعيش أبناء الطائفتين متجاورين في ذات الأحياء في المدنوحتى في الأقضية والنواحي وربما القرى وهذا امر لاحظه بشكل خاص التقرير الذياعدته لجنة بيكر – هامبتون التي اوفدها الرئيس بوش في وقت مبكّر بعد ظهور مشاكلالاحتلال وكانت نتائج بحثها صادمة قياسا على المعلومات التي توفرت للإدارة الامريكيةوهي تتخذ قرار الغزو . ان كلفة التقسيم المالية ، لو توفرت ، يمكن ان تخصص في ظلحكم رشيد للشروع بعمليات تنمية واسعة النطاق على غرار ماجرى في عقد التنمية الذهبي١٩٧٢-١٩٨٢تؤمن رفع المستوى المعاشي للسكان بدل إهدارها على عملية كوموفلاجسكانية مصطنعة لا أساس لها في تاريخ البلاد بل ستكون تحديا لمسيرته الطبيعية .

ان بوادر مبشرة تطغى على سطح الأحداث في العراق خلال الفترة الاخيرة تشير الى انوعي الناس يتجه بشكل متزايد نحو ادراك ان مشكلتهم الاساسية كانت مشكلة الادارةالسياسية وغياب الحكم الرشيد ووقوع البلاد تحت أشكال متنوعة من الأنظمة الشموليةالتي تخلو من تأمين آية فرص لمشاركة حقيقية للناس في إدارة شؤونهم وتعميق شعورهمبالانتماء الوطني .

وختاما ينبغي الإشارة الى حقيقة تاريخية وهي ان العراق لم يشهد تقسيما في تاريخهباستثناء الفترات التي وقعت اجزاء منه او كله تحت احتلال اجنبي وان حقيقته الجغرافيةالطبيعية كانت أقوى من كل محاولات التقسيم الى حد دفعت مؤرخا كبيرا مثل جورج رووالى القول ان العراق ” يشكل وحدة كبيرة ومنسجمة ومميزة جغرافيا وتاريخيا وثقافيا ” وانانفراطها امر مستحيل ،،،،،،،