23 ديسمبر، 2024 6:06 م

هل الطائفة عيبنا ، أم الطائفية ؟

هل الطائفة عيبنا ، أم الطائفية ؟

والطائِفَةُ من الشيءِ: القطْعَةُ منه، أو الواحِدُ فَصاعِداً، أو إلى الأَلْفِ، أو أقَلُّها رجُلانِ أو رَجُلٌ، فيكونُ بمعنى النَّفس  (القاموس المحيط)
والطائفةُ من الشيء: جزء منه.
وفي التنزيل العزيز: وليَشْهَد عَذابَهما طائفةٌ من المؤمنين؛ قال مجاهد: الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل: الرجل الواحد فما فوقه، وروي عنه أَيضاً أَنه قال: أَقَلُّه رجل، وقال عطاء: أَقله رجلان. يقال: طائفة من الناس وطائفة من الليل.
وفي الحديث: لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي على الحقّ؛ الطائفةُ: الجماعة من الناس وتقع على الواحد كأَنه أَراد نفساً طائفة؛ وسئل إسحق بن راهويه عنه فقال: الطائفةُ دون الأَلف وسَيبْلُغ هذا الأَمرُ إلى أَن يكون عدد المتمسكين بما كان عليه رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، وأَصحابه أَلفاً يُسَلِّي بذلك أَن لا يُعْجِبهم كثرةُ أَهل الباطل.
وفي حديث عمران بن حُصَيْن وغُلامه الآبِقِ: لأَقْطَعَنَّ منه طائفاً؛ هكذا جاء في رواية، أَي بعض أَطرافه، ويروى بالباء والقاف.
والطائفةُ القِطعةُ من الشيء؛ وقول أَبي كبير الهذلي: تَقَعُ السُّيوفُ على طَوائفَ مِنهمُ، فيُقامُ مِنهمْ مَيْلُ مَن لم يُعْدَلِ قيل: عنى بالطوائف النواحِيَ، الأَيدِيَ والأَرجلَ. (لسان العرب)
والطّائفَةُ من الشيء: القطعة منه.
وقوله عز وجل: (وليشهد عَذَابَهما طائفَةٌ من المؤمنين) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الطّائفَةُ: الواحد فمل فوقه، فمن أوقع الطّائفَةَ على الواحد يريد النفس الطّائفَةَ.
وقال مجاهد: الطّائفَةُ: الرجل الواحد إلى الألف  (العباب الزاخر)
الذَّقَّط ذباب صغير يدخل في عيون الناس
 الطَّائفيُّ:الذَّقَّطُ وهو الذي يكون في البيوت.  (لسان العرب)
يتداول المسلمون أحياناً مصطلحاتٍ لغوية لا يعرفون معانيها، ومنها ؛ ما أسلفنا ذكره في الأسطر القليلة الآنفه ، وهم في الأصل اللغوي مخطئون،بل؛ يهينون أنفسهم باستخداماتهم اللغوية الخاطئة ،  مرّةً يطلقون على الفرد من مجموعتهم بالطائفي ، وهي كلمة تأتي بمعنى الذباب الصغير الذي يدخل في العيون ، ومرّة ً يطلقون على مجموعتهم معنى الطائفة ، وينظرون إليها بعين الرضا الذي لا ينظرونه لطائفة غيرهم، بحيث يعتبرون طوائفَ غيرهم عيباً من عيوب معتقدات مجموعات في الأمّة الإسلامية الواحدة ، في الوقت الذي يغفلون فيه غفلتهم عن المشتركات الرئيسية في العقيدة الواحدة ، التي من الحريّ أن توظّف للصالح المشترك العام المفضي إلى الوئام والوفاق والإنسجام، ولعلَّ أهمها ما يلي:ـ
1. الرَّبُّ الواحد
2. الكتاب السماوي الواحد
3. النبي المرسل الواحد
4. القبلة الواحدة .. ( صَلاةً وحِجّا)
5. الصوم الواحد
6. العيد الواحد
7. الزكاة الواحدة
8. المصير الأخروي الواحد (المعاد)
فمنذ أنْ هبط جبرئيل(ع) على نبيِّنا المصطفى (ص) في غار حراء بمكة المكرمة ، والمسلمون يعتقدون بدين الإسلام ، يمارسون حياتهم الدنيوية على أساس تعاليم هذا الدين، يتزوجون ، يعبدون ، يتعاملون تعاملاتهم الدنيوية والرّبانية على أساس الإله الواحد والنبيّ الواحد والقرآن الواحد والصوم الواحد والصلاة الواحدة والحج الواحد ..
المسلمون جميعاً يشتركون بمشتركاتٍ عديدة ، ذات مظاهر واحدة، ولم يختلفوا إلاّ في طريقة الوضوء ، فالكل يصلّون بحركاتِ القيام والركوع والسجود، والكلُّ يقرأون آياتٍ من السور القرآنية ، فلم يلحظ الناظر إلى مسلم يصلي بأنه يختلف عن غيره من المسلمين ، ولم يلحظ المراقب على مسلم ٍ يختلف عن غيره في وجوب أداء فريضة الزكاة ، أو فريضة الحج، أو فريضة الصيام ، كما أنه لم يقرأ أحد أنَّ هنالك مسلماً لا يؤمن بالمعاد أو الحشر بعد الموت.
والحالة هذه ؛ فقد تعددت الطوائف في الأمة الإسلامية بعد موت نبيّ الأمة الإسلامية وصعود الوحي دون عودة إلى يومنا هذا ، السبب الذي جعل الأمّة الإسلامية تحار في موضوعة استنباط أحكامها الشرعية التي استحدثت بعد رحيل المصطفى (ص)، مثلما تحار في تفسيرات الآيات القرآنية الكريمة ، مما أحدث أيضاً انحناءاتٍ خطيرة في الشارع المقدس، تسببت في توالد اتجاهات فقهية متباينة ، تتبعها جماعات تابعة متباينة أيضا ، آنها ؛ تكوّنت مجموعات إسلامية أصطلح التداول عليها بكلمة ( طائفة ) ، بالرغم من أنّّ ذات الطائفة حصل فيها توجهات فقهية متباينة نوعما ، فما يصطلح عليه بطائفة أهل السنّة احتوت على مذاهبَ عديدة ، وما يصطلح عليه بطائفة الشيعة  احتوت على فرقٍ عديدة ٍ ، كما أنَّ تلكم المذاهب احتوت على اجتهادات متباينة في المذهب الإمامي الواحد ،حتى قيل هذا صدريّ وهذا خمينيّ وهذا شيرازيّ ..
ولو نظرنا إلى الديانة المسيحية للاحظنا حالها لا يختلف عن حال المسلمين في هكذا قراءة ، ولو لاحظنا الأحزاب الوضعية المعاصرة لرأيناها انقسمت أيضا ، فالماركسية انقسمت والشيوعية انقسمت والأفكار القومية انقسمت ، فبعث العراق لم يكن كبعث سوريا، والشيوعية السوفيتية لم تكن كالشيوعية الصينية ، كما أنّ الفكر القومي الاشتراكي هو اختلف أيضاً ، مثلما اختلفت اشتراكيات العالم ، فالقومية العربية تناحرت ، والقومية الألمانية تناحرت،وهكذا غيرها، حتى صار الإختلاف طبيعة سوسيولوجية في الأفكار العالمية الوضعية المعاصرة، حاولت الشعوب والحكومات أن لا تجعل من هذه الاختلافات سبباً للصراعات ، وإنْ حدثت .
والحالة هذه أيضا ؛ والأمّة الإسلامية اليوم ، مهددةٌ وغارقة ٌ بطوفان الاختلافات ، تلك التي وصل بها التنافر والتناحر إلى درجة أنْ يُفَخِّخَ المسلمُ جسدَهُ ليفجّره بين مجموعة من المسلمين يصلّون لله باتجاه قبلته .. لعبادة ربّه الذي هو يؤمن به، وهم يتلون آياتٍ من قرآنه المجيد، أملاً بالجنّة التي هو راغبها .
ومهما يكنِ العداءُ ؛ لا أظنُّ أنَّ الخلاف يوصل المسلم إلى ما وصل إليه اليوم !!؟ ..
أقول ؛ إنَّ خطيئة المسلمين اليوم ، يدفع وزرها علماء الإسلام أمام الله والتاريخ .
لماذا اختلف المسلمون ؟!!
لماذا تحاقد المسلمون ؟!!
أليس الأجدر بعلماء الأمّة الإسلامية أن يتآلفوا أخوين أخوين ، كما تآخى المهاجرون والأنصار، أليس الأولى بالمسلمين أن يتعاشروا ويتعايشوا مثلما تعاشر وتعايش أهل مكة بعد فتحها .
على الأمّة الإسلامية أن تنتبه إلى مصيرها الخطير في العالم اليوم ، فأشراط فنائها لاحت في الآفاق ، وسيُنـزِلُ الله غضبه عليها ، وها هو يرسل حمم غضبه عليها سبحانه وتعالى، فأيُّ غضبٍ أقسى من أن يقتل المسلمُ مسلما، وأيُّ سخطٍ إلهي أوقع من تحامل علماء الأمّة الإسلامية على إخوانهم المسلمين ، الذين لا يختلفون عنهم إلاّ بطريقة الوضوء . هل يعلم علماء السنّة بأنَّ الشيعة من أبناء الطائفة الواحدة هذه غير متفقين سياسياً وفقهياً في الكثير من الأحيان، هل يعلم علماء السنّة بأن العلويون في سوريا غير الجعفريين في لبنان، هل يعلم علماء أهل السنّة بأن منظمة أمل الشيعية بقيادة نبيه بري غير حزب الله الشيعي بقيادة حسن نصر الله ،هل يعلم علماء أهل السنّة بأنَّ خاتمي ورفسنجاني غير علي الخامنئي،هل يعلم علماء أهل السنّة بأنَّ جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر غير عصائب أهل الحق الصدريون بقيادة قيس الخزعلي،وجماعة حزب الفضيلة الصدريون بقيادة اليعقوبي غيرهم ، هل يعلم علماء أهل السنّة بأنَّ إبراهيم الجعفري القيادي في حزب الدعوة الإسلامية اختلف عن حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي وأتجه إلى تأسيس تيار الإصلاح الوطني …
هؤلاء هم الشيعة،الذين يظنُّ علماء أهل السنّة بأنهم متساوون تحت وقع الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة ، في إيران أم في كويتا أم في كربلاء أم في السيدة زينب أم في جنوب لبنان أم في البحرين أم في كلِّ مكان من العالم،هل يعلم علماء أهل السنّة بأنَّ في العراق العديد من التوجهات الشيعية السياسية والفقهية المختلفة حدَّ التناحر، لا يوحد مصيرهم غير التفجير الإرهابي الذي يحرّضُ عليه علماء من أهل السنّة في العالم الإسلامي .
ألا يستحضرون وصية نبيّهم المصطفى (ص) : تكاثروا فإنّي مباهٍ بكم الأمم . لماذا يقتل المسلم أخاه المسلم ولا يتحاور معه على مائدة مستديرة ، يتفاهما ويتقاسما الهمَّ الإسلامي المشترك، لماذا لا يقف الإرهابيُّ لحظةً تأملٍ يسأل فيها نفسه: لماذا أُقلِّلُ عدد المسلمين؟!!
دعونا نعيشُ طوائفَ إسلاميةً متعددة ، خيراً من أنْ نتقاتل ، دعونا نتعايش بربّنا .. بنبيّنا ..بقرآننا.. برمضاننا.. بعيدينا.. بطوافنا حول القبلة الواحدة أيّها المسلمون !