23 ديسمبر، 2024 12:03 م

هل الشيعة هم الأغلبية ؟!

هل الشيعة هم الأغلبية ؟!

في البدء علينا ان نثير تساؤلاً عن مفهوم الأغلبية السياسية ومن هي الأغلبية السياسية في العراق ؟!
عندما يتعلق الأمر بالحديث عن تشكيل الحكومة فإن الوسيلة التي تتبعها النسبة الاعلى من دول العالم هي ديمقراطية الأغلبية السياسية، إلا أن عددا قليلا جدا من الدول كانت تبنت ديمقراطيات من النوع الذي أطلق عليه بالتوافقية, وأبرز هذه الدول بطبيعة الحال هي العراق..
هذه الطريقة في رسم الديمقراطية لم تهبط من فراغ, بل جائت كتعبير عن, ولخدمة اجندات لها علاقة بتقسيم السلطة على أساس طائفي ديني أو قومي ولذلك حرص القائمون على هذه الديمقراطية أن تأتي صيغ تفسيرها ومناهجها وآلياتها بما يخدم هذا الهدف وبالإتجاه الذي الذي يقلل من إمكانات نشوء أي عامل أو ظرف يتهددها. فالدستور واللوائح والمناهج والآليات والثقافة السياسية والإجتماعية قد صيغت أو فُعِّلت بالإتجاه الذي يحفط لهذه الديمقراطية فاعليتها في عملية توزيع السلطة على أساس محاصصي لا على أساس المفهوم الحقيقي للمواطنة الحقيقة المتحضرة .
مفهوم الاغلبية السياسية حُرف عن هدفه المرسوم له في ظل تصارع الاجندات في داخل هذه الاغلبية ، لهذا نجد ان اي طرف في داخل التحالف لا يمكنه الجزم ان التحالف هو الكتلة الأكبر ، في ظل الخلاف والاختلاف من اجل مفهوم السيطرة والاستيلاء على السلطة في المركز .
هذا يفسر المأزق الذي يعيش به العراق الجديد وعلى جميع المستويات ، فبينما تجري التنافس في البلدان الديمقراطية المتقدمة الأخرى يسير على اساس أفضلية البرامج الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية وقضايا البيئة وأفضلية السياسات الخارجية. وبينما تُراقب مديات تنفيذ هذه البرامج بعد الإنتخابات لكي تُحدد من جديد الأفضليات التي يمكن أن تدور حولها التنافسات الجديدة, عكس الديمقراطية العراقية التي تأسست وفق نظرية الأحزاب الحاكمة لا على أساس البرامج وإقناع الناخب ، وعندما ندقق في البرامج المعلنة في جميع الانتخابات التي اجريت بعد عام ٢٠٠٣ نجد ان لا وجود لبرنامج انتخابي يتنافس عليه المرشحون ، وان وجد فهو مجرد دعاية انتخابية تنتهي بنهاية الانتخابات ، بل نجد في خطاب بعض الكتل المتنافسة خطاب يعني بتشغيل الشحن الطائفي بمستويات عدة وبأشكال مختلفة لكي يكون بإمكانها أن توفر ضمانات الفوز. وبطبيعة الحال فإن سيناريوهات كهذه لا تؤدي إلى تعميق التخلف كنتيجة وإنما تسعى أيضا لإيجاده كإشتراطات لإدامة وجودها السياسي .
 التجارب التي عاشها الشعب العراقي  خلال الحكومات المتعاقبة  لم تكن بالتجارب الايجابية  للشعب العراقي لان البعض وضع مصالحه ومصالح حزبه على حساب مصالح هذا الشعب المسحوق ، حتى وصل بنا الحال الى أن تكون المحاصصة على مستوى الموظف في وزارات الدولة فكيف يمكننا ان ننهض بواقع البلد السياسية والاقتصادي والاجماعي   لنواكب العالم بالصورة الصحيحة.
هذه التجارب الديمقراطية جعلت العراق لقمة سائغة لتدخلات الدول الاقليمية والدولية ، ولعل الكثير من البكائين الذين ذهبوا الى تلك الدول لينقلوا الصورة الخاطئة ويغالطون انفسهم من اجل ان يصلوا الى مرامي نفوسهم المتهرئة والفارغة التي لا تبحث عن واقع لخدمة البلد اكثر من بحثها عن حطام الدنيا التي يريد ان يعيشها موهوما انه باق ابد الآبدين متلذذا بنعيم الحياة في مقابل جوع الكثير من العراقيين وحاجتهم وعوزهم المادي والمعنوي.
كل تلك التراكمات تعشعشت في نفوس التشريعيين في البلاد بل حتى في نفوس المثقفين والأكاديميين ليكون العراق مثالا يحتذى به بنظام المحاصصة وفقا للطائفة والدين والقومية وأبعد من ذلك وفقا للمذهب الذي يتمكن من تقسيم الدين الى فرق وأفواج لا ترتضيها حتى وحدة الاسلام الحقيقي .
من هنا يجب ان نحدد مسار الاغلبية السياسية وفق اسس صحيحة متفق عليها ، لان التحالف الوطني الممثل الوحيد للشيعة منقسم بين ائتلافين هما الوطني ودولة القانون مع وجود تنافس وتصارع على الاغلبية ، فأي أغلبية هذا ؟! ومن يملكها ؟!
على سياسي التحالف الوطني إذابة هذين الائتلافين في تسمية جديدة ، وفق اسس جديدة يكون المعيار الاول فيها هي التساوي في الرأي ، وعدم التفرد به من اي جهة كانت ،  والتوحد في نقطة انطلاق واحدة تكون هي اساس بناء هذا الائتلاف، بعيداً عن أهداف الشخصنة الحزبية والفئوية التي حكمت العراق وقادته نحو المجهول .
اذا استطعنا ان نبني جيل جديد من السياسيين القادرين على ترسيخ مفاهيم الديمقراطية الحقيقة التي تتسق ومفهوم الدولة المدنية ، نكون قد وضعنا أرجلنا في اول عتبة بناء الدولة الجديدة ، واذا استطعنا ان نؤسس  لثقافة الوطن في شعارات الأحزاب والكتل نكون قد حققنا أولى خطوات هذا التطور في المفاهيم السياسية .
اما الاغلبية فيجب ان تعي انها لا تملك نفسها ، وليس من حقها ان تتحكم بمصير الاغلبية ،بل يجب ان تكون قادرة على النهوض بواقع هذه الاغلبية ، لا تتحكم بمصالحها ونهب وسرقة خيرات البلاد باسم الاغلبية، لان الاغلبية ليست وراثة ، وممكن ان يتحد كتلتين  من خارج التشيع وتشكل أغلبية وتسير نحو تشكيل الحكومة .
يجب ان يعي السياسيون الشيعة أنكم بلا أغلبية ما دمت متفرقون ، وما دامت المصالح الحزبية هي من تحرك ألسنتكم وأقلامكم ، لهذا من الواجب ان تنتبهوا ، والا سوف تجدون أنفسكم أقلية .