18 ديسمبر، 2024 10:58 م

هل السياسة اهمّ من الثقافة؟

هل السياسة اهمّ من الثقافة؟

وقعت في يدي- ولمرتين على التوالي- صحيفة محلية معروفة، فذهبت مباشرة الى الصفحة الثقافية، على اعتبار ميولي الثقافية هي الاكثر من غيرها من القضايا الاخرى؛ فذهُلت حيث لم أجد صفحة ثقافية تعني بالشأن الثقافي! وهو ما معتاد في كل صحفنا المحلية، فعزوتُ، في المرة الاولى، الامر الى نسيان غير مقصود من رئيس التحرير أو من المعنيين من المحررين، لكن في المرة الثانية تيقنت أن الامر مقصود، وقد دُبر بليل، كون هناك الكثير من اعلاميين وصحفيين وساسة- ولا اقول الكل- يبغضون الصفحات الثقافية، أو بالأحرى يبغضون الثقافة بصورة عامة، ولدي اكثر من دليل، اذ شاهدت كثير من هؤلاء من على بعض الفضائيات وهي تبث لقاءات لبعض من يدعي الفكر والمعرفة، فاراهم يتهربون من الاسئلة الثقافية والادبية، كذلك لقاءات الكثير مما يسمون بـ “ساسة”؛ الامر الذي أثار الانتباه جداً، وهو أن تشكيلتنا الوزارية المكونة من جميع الكتل والاحزاب المنضوية تحت هذا العنوان لا يرغبون بالحصول على وزارة الثقافة، ويعتبرون هذه الوزارة لا تعطي خبزاً!، انما عراكهم وقتالهم على الوزارات التي يعدونها سيادية مثل وزارة المالية، والداخلية والدفاع، بينما في بعض الدول الاوربية أن وزارة الثقافية هي الوزارة السيادية مطلقاً، وغيرها وزارات يعدونها ثانوية، وأن دل هذا على شيء انما يدل على وعي تلك الحكومات، وعلى ثقافتهم الموغلة في الفكر والمعرفة بكل ابعادهما، وبفضل هذه المعرفة المتعالية وصلت الى ما وصلت اليه شعوب تلك البلدان.
ولا أدري لماذا نحن نستهان بالثقافة ولا نشجع ابنائنا على العلوم والمعرفة وقطف ثمار الثقافة التي تخرج من معطف هذه الركائز، أعني: العلم والمعرفة والابداع؟.
انما سبب تأخرنا عن الركب الحضاري يعود الى الاهمال المقصود.. الركب الذي برزت به الدول المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا وبقية العلوم والمعارف الاخرى، وهو الاهتمام المنقطع النظير بكل الابعاد الثقافية وما يصب في اطارها العام.
وحتى الكتاب الذي يؤلفه أحد مثقفينا فيحتار في الجهلة التي تطبعه وتنشره، فيستعين في دول أخرى تتبنى الموضوع، واذا وجُد ناشر عراقي فأن الناشر هذا سيستغله، بحيث يطبع كتابه، بأخذ مبالغ هي فوق طاقته المالية، علاوة على أن كتابه يظل حبيس الرفوف ورحمة الاتربة، بسبب أن الكتاب المذكور لا يسوّق، واكبر دليل صارخ ما نذهب اليه مطبوعات (دار الشؤون الثقافية) فضلا عن غيرها. وقبل عشرة أعوام كتبت مقالا بهذا الخصوص، انتقدت فيه ما تقوم به هذه الدار، بمقال عنونته بـ (دار الشؤون أم دار الشجون) وساعتها عاتبني أحد العاملين في الدار، ودعاني الى زيارة الدار ولم اذهب اليها لعلمي بالأمر كوني لا احتاج الى مبرر او غير ذلك.
واليوم تذكرت تلك الحالة وانا اتصفح الصحيفة المحلية التي أشرت اليها، التي اهملت الصفحة الثقافية، بعلم وسبق اصرار، وهو: اما الهدف محاربة الثقافة بشكل عام وعدم الاعتراف بها، واما لجهل المقيمين على تلك الصحيفة، لأنهم يرون أن السياسة اهم من الثقافة، كون الاولى تمدهم بالمال والشهرة وتموّل صحيفتهم بالعطاء الثر؛ وأما الثانية – أعني الثقافة- فتأخذ منهم اكثر مما تعطيهم، كما يرون.