22 ديسمبر، 2024 10:38 م

هل الدين مع وجود الله واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 5/5

هل الدين مع وجود الله واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 5/5

لكننا مع ما مر في الحلقة السابقة إذا علمنا عبر التجربة والواقع والتاريخ، وليس عبر النظرية المجردة، أن الأديان لم تحسم الخلاف، بل كانت هي سببا من أهم أسباب الاختلاف والفرقة والعداوة والاحتراب، ثم كون التحسين والتقبيح في بعض القضايا نسبيين، لا تلغى هذه النسبية بنزول الوحي، لأننا نجد أن ما يفترض فيه وحدة الرؤية من خلال الدين، قد تعددت فيه الرؤى بتعدد الاجتهادات في استنباط الأحكام الشرعية، بل وحتى في فهم تفصيلات العقيدة. فاختلاف الناس إذن ليس دليلا على وجوب بعث الأنبياء، بدليل أن بعث الأنبياء لم ينه الاختلاف، بل إن الأديان ربما أسهمت في تكريس الاختلافات وتعميقها وتصعيد حدتها. ثم اللطف لا يمكن أن يكون متحققا في فترة، وغير متحقق في فترات أخرى، أو متحققا لأقوام دون غيرهم. فالنبوات قد خُتِمَت، والإمامة المعصومة والمنصوص عليها بالتعيين الإلهي، والتي ينفرد بها الشيعة الإمامية قد جُمِّدَت وعُلِّقَت إلى إشعار آخر غير معلوم عبر الغيبة التي لا يدري أحد كم ستطول. فإذا كان اللطف هو الدليل على ثبوت النبوة ومثلها الإمامة، فهو دليل ضعيف الحجة. ولكن هذا لا ينفي وجود دليل عقلي غير دليل اللطف.

لكن المستدلين على وجوب التبليغ، يقولون – ردا على ما مضى – مع هذا أن اختلاف الناس الحادّ هذا يوجب إذن التبليغ، لاسيما في المسائل النسبية الترجيحية، وذلك من خلال قاعدة اللطف والعدل والحكمة. فالذي خلقهم على نحو تكون لهم فيه القابلية على الاختلاف، والذي يريد أن يعيدهم بعد هذه الحياة، ليحاسبهم فيجازيهم إثابة أو معاقبة، لابد له من أن يضم إلى العقل حجة أساسية على الإنسان، والذي سُمِّي بالرسول الباطني، وربما كذلك إلى الفطرة الإنسانية، التي تتضمن فيما تتضمن ما يُدعى بالضمير، طريقة إضافية ما للتبليغ من الخارج، لينبئ الإنسان، ما الذي يريده منه ربه، وما الذي ينهاه عنه. وهذا كله يقود من الناحية العقلية إلى رجاحة ثبوت النبوة والوحي، ولكن تبقى القضية دون درجة القطع واليقين، بدرجة ما هو الحال مع مقدمات النبوة، كوجود الله وتوحيده وكماله وتنزيهه وعلمه وقدرته وحكمته وعدله، وبالتالي ما يترتب على ذلك من وجود حياة أخرى من طبيعة غير طبيعة هذه الحياة التي نحياها، تجري فيها سد ثغرة العدل، والتي بدونها ينتفي العدل الإلهي، وهذا محال عقلا على نحو الوجوب العقلي القطعي الذي لا شك فيه. إضافة إلى وجود مرجحات ليكون عقل وضمير الإنسان هو الحاكم، خاصة في الجانب التطبيقي للدين فيما هي الأحكام والحقوق المتطورة والمتكاملة بتطور تجربة الإنسان مع ثبات المبادئ، والذي يمنحها ديناميكية تنسجم مع ديناميكية حركة التاريخ، ولا تجمد على نصوص كانت وليدة ظرفها الزماني والمكاني، فيُتوهَّم ثباتها بثبوت الدين، كونه صادرا عن إله ثابت غير متغير، من خلال عدم التمييز بين الثابت والمتغير، وإضفاء القداسة المطلقة على ما هو مقدس نسبي، ناهيك عما هو غير مقدس، بل حتى على ما هو مدنس كالقتل الديني، وهذا كما هو واضح يربك حركة التاريخ للمجتمع الإنساني. ومع هذا تبقى ثمة مرجحات لكل من إثبات النبوة ونفيها، لا بد من دراستها دراسة مستفيضة، للانتهاء بثبوتها وترتيب الأثر، أو عدم ثبوتها وترتيب الأثر، أو موقف عدم حسم العلم بثبوتها أو عدمه وترتيب الأثر باعتماد المذهب الظني أو المذهب اللاأدري.