فرض عدم وجود دين من الله والاستغناء عنه بحجتي العقل والضمير، من غير شك ممكن عقلا، بل راجح كما ثبت لي لاحقا، لأنه لا يتنافى مع العدل الإلهي، بحيث أن عدل الله المطلق يمنع وقوع أي إنسان تحت طائلة ظلم ما عبر الجزاء، ولو كان بمقدار مثقال ذرة، إضافة إلى انسجامه التام مع شروط الحكمة أي العقل العملي.
وحيث أنا افترضنا إمكانية ذلك، نفهم من وضع هذا الافتراض في حيز الإمكان العقلي، أنه ليس واجبا عقلا، بل يمكن أن نتصور ممكنا آخر، تتوفر فيه شروط تحقق العدل الإلهي بنفس الدرجة، أو بدرجة أكمل، أو بدرجة أخرى، دون الحكم على أيهما الأكمل، قد يكون الله اختاره بحكمته التي لا ندرك كل حيثياتها. وحيث أن هناك دعوى بوجود نبوات ورسل وكتب ورسالات وأديان، فيمكن أن نفترض أن هذا الممكن الآخر هو أطروحة النبوات والوحي هذه.
وقبل أن نفحص صدق أطروحة النبوة، لنفحص ابتداءً التبليغ كغرض للنبوة، والذي يمكن أن تكون النبوة وسيلة من وسائل تحقق هذا الغرض. فنطرح سؤالنا عن التبليغ، أي التبليغ عن الله – بأي وسيلة كان – إلى أفراد المجتمع الإنساني عما يريده الله منهم، فنسأل:
هل التبليغ ممتنع عقلا؟
– الجواب: بكل تأكيد لا.
– لأن ذلك:
ليس خارج قدرة الله.
ليس منافيا للحكمة.
ليس منافيا للعدل.
هل التبليغ إذن ممكن عقلا؟
– بكل تأكيد نعم.
– لأن ذلك:
مقدور عليه من قبل الله.
2. يتفق مع الحكمة.
3. يتفق مع العدل.
هل التبليغ واجب عقلا؟
– الجواب: بكل تأكيد لا.
– لأن ذلك أي عدم التبليغ:
لا تتوقف عليه حكمة الله.
لا يتوقف عليه عدل الله.
فلا العدل ولا الحكمة منحصر تحققهما في هذا الطريق المدَّعى أو المفترَض أو الممكن أو لعله المتحقق، أي التبليغ، ولا دعوى توقف اللطف الإلهي عليه يُعَدّ دليلا يحتم وجوب التبليغ