لا أدري إن كانت الصُدفة أم سُخرية القدر هي التي جَعَلت مِن كلمتي (نامية) مِن النمو و(نايمة) مِن النوم في اللغة العربية مُتشابهَتين بل ومُتطابقتين بالأحرُف الى هذا الحَد، بإستثناء تبادل المَواقع بين حَرفي الميم والياء في الكلمتين. قد يَتسائل البَعض عَن المَغزى مِن هذا الكلام والجَواب هو أن الدول العربية تسَمّى منذ عقود بالنامية، وهو وصف لايَمُت لها ولشعوبها بصِلة مِن قريب أو بعَيد، في حين بمُجرّد إبدال الياء بالميم في كلمة (نامية) ستصبح الكلمة (نايمة) وهي الأكثر تطابقاً مَع وضع هذه الدول وشُعوبها وسَوف تعطي صورة أوضَح ووصفاً أدق لهذه الدول والشُعوب.
إن الحَديث عَن نمو الشُعوب العربية هو حَديث سَفسطائي غير مَنطقي ولا مَوضوعي وفيه مضيعة للوقت والجُهد، فهي تفتقر للبُنية الأساسية الاقتصادية والعلمية والصناعية والسياسية التي مِن شأنها أن تحقق لها نمواً حقيقياً، وسَبب ذلك هو إفتقارها لبُنية فكرية ناضجة كون عُقول شَرائح واسِعة مِنها بحالة سُبات وغير قابلة للنمو مَهما رَوَيتها مِن عِلم وثقافة نتيجة للتربة الجافة المُتحَجّرة التي تنمو فيها. إن مُجتمعاتنا ما تزال قاصِرة لا ثِقة لها بنفسها تحكمها وتسيّرها ثقافة التبَعية والإنقياد لشَيخ العشيرة أو رجل الدين أو رَئيس الحزب، وهي لم تستفد مِن تجارب المُجتمعات الأخرى ولم تتعلم حَتى مِن تجاربها الخاصة، ولاتزال تفكر وتتحرك وتنظر للأمور بعَقلية القرون الوسطى، ونخبها سَواء كانت قومية أو شيوعية أو أو إسلامية أو لبرالية تعيش بأبراج عاجية ولم تطرح مُنذ عقود مَشروعاً حَضارياً واضحا قابلاً للتطبيق والنُهوض بهذه المُجتمعات، أما العَوام فلاتريد النمو لأنه رَديف العَمل والإنتاج و(تشغيل الدماغ)وهي تفضل البَقاء مُخدّرة بخزعبلات وغيبيات تعِدها بأن تحقق لها في عالم الغيب ما لم تستطع تحقيقه في عالم الواقع الذي تعيشه، والذي باتت بالدرك الأسفل مِن سُلمه الحضاري. طبعاً هنالك شعوب عربية مؤهلة ولديها فرصة أكثر من غيرها للنُهوض بواقِعها الإجتماعي والسياسي والإقتصادي كشعبي تونس ومَصر مثلاً، ولأسباب تأريخية ومجتمعية وجغرافية لا مَجال لذكرها الآن، لكن المُشكلة هي في كيفية البَدء بالإصلاح، ومِن أين، وعِبر تبّني أي رُؤية في ظل الفوضى الفكرية والمجتمعية التي يَعيشها العالم العربي حالياً.
إن أغلب الشعوب النايمة هي شُعوب خاملة ولا تريد أن تشغل نفسَها بالتفكير بأي شيء، لذا نجدها غير مُنتجة مُقارنة بالشُعوب الأوروبية والآسيوية بل حَتى الأفريقية التي بَزتها في النمو والتطور، لذا فهي مُنذ عُقود مُتأثرة غير مُؤثرة وليسَ لها ما تقدمه وما تمَني به النفس وتباهي به غيرها مِن الشُعوب سوى التغني بأمجاد الحَضارة العربية الإسلامية التي قامَت وإندَثرت مُنذ ألف عام ولاسَبيل لإحيائها مِن جَديد لعَدم توفر الظروف المَوضوعية لذلك. فحينها كانت الشُعوب أكثر وَعياً وإدراكاً مِن اليوم، كما كانت النُخب أكثر إحساساً بالمسؤولية وحِرصاً على مَصالح شعوبها مِن اليوم، وحَتى المُؤسّسات الدينية ورجالها كانت آنذاك أكثر وَعياً وإنفتاحاً وتسامحاً مِن المؤسسات الدينية الحالية التي تسيطر عليها عَقلية التكفير والقتل وإلغاء الآخر. فكيف يُمكن لدولة كالعراق مثلاً أن تنمو ودَوائرها ومَدارسها وكل مَفاصِلها تعطل بَين يوم وآخر، بَل إن ربع الأيام مِن كل شهر ضائعة وغير مَحسوبة من عُمر الشَعب العراقي بسَبب العُطل والمُناسبات الدينية،وكل هذا بتشجيع الدولة ومُباركة مَسؤوليها الذين يُشاركون بهذه المُناسبات ضاربين بعرض الحائط مَسؤولياتهم تجاه شعبهم ومنطلقين من رؤيتهم المتخلفة التي تقول (بأن الحُصول على ثواب المُشاركة بهذه المُناسبات أهم من الشعب ومعاناته اليومية المستمرة منذ 10 سنوات )، في حين أننا سَمعنا مُنذ سَنوات بأن الشَعب الياباني يُريد إلغاء عُطلة يوم السَبت والإبقاء فقط على عُطلة يوم الأحد بإعتبار أن لا داعي لتعطيل الدراسة وتأخير الإنتاج ليَومين في الإسبوع. وهنا نلاحِظ الفرق الشاسِع بين نوعين مِن الشُعوب ونوعَين مِن النخب التي تفرزها. بَين شُعوب ونُخب تغط بنوم عَميق، وشُعوب ونُخب تسابق الزمَن للحاق بعَجلة التطور! بَين شُعوب لاهية بأمور سَطحية ومَواضيع عَفى عَليها الزمن كالمُفاضلة بَين الصَحابة، وشُعوب لاهية بتطوير تكنولوجيا الآيفون والسامسونج غالاكسي! بَين شُعوب مُنشغلة بغزو جيرانها لإغتنام أموالهم وسَبي نسائهم، وشُعوب مُنشغلة بغزو الفضاء لسَبر أغواره وكشف أسراره!
وبَدلاً مِن البَدء بالتفكير في خطة إصلاح فكري وسياسي وإقتصادي واقعية تتناسَب مَع واقع مُجتمَعاتِها، إنشغلت نخَب الشُعوب العربية وعَوامها في الآونة الأخيرة بفوبيا الديمقراطية التي يُراد إختِزالها بفوضى تتلاعَب بها أجهزة مُخابرات ومافيات سِلاح ومُنظمات إرهابية مُسَلحة ترَوّع الناس وتنحَر رؤوسَهُم بإسم الحُرية والديمقراطية ومُحاربة الأنظمة الإستِبدادية. إن التحَوّل الى الديمقراطية بالدول العربية ولكي يَنجح يَجب أن تسبقه تهيئة بيئة مُجتمعية وسياسية مُناسبة لذلك وهي غير مُتوفرة حالياً بالمَرّة، كما يَجب أن يَتم بخطوات بَطيئة وليسَ دُفعة واحِدة وبإندفاع صبياني وتهَوّر مُراهقين كما حَدث في العراق، مِمّا أدى الى فوضى سياسية وإجتماعية عارمة لا يَزال العراق وشَعبه يَدفعون ثمَنها حَتى هذه اللحظة، وسَتبقى آثارها داخل نسيجه السياسي والإجتماعي الى أمَد بَعيد. فهذه الشُعوب وكما ذكرت ما تزال قاصِرة لا تمتلك الثقة بالنفس وتريد مَن يُسَيّرها لأنها مَأخوذة بشخصيّة الأب الروحي والزعيم الأوحَد والرئيس القائد الضَرورة، وهي مَبهورة وتضَع بنفسها هالة لرَجل الدين الذي تتصَوّر ويَدعي هو بأنه عالم بكل شيء لا يأتيه الباطِل مِن أمامَه أو خلفه. لذا فعِند الديمقراطية وصَندوق الإقتراع نراها تنتخِب أمثال هؤلاء مِمّن لا علاقة لهُم بتنمية الشعوب لا مِن قريب ولا مِن بَعيد لسَببين، الأول هو جَهلهم بهذا المَوضوع فبَعضهم أمّي والبَعض الآخر لا يَفهم حَتى مَعنى الكلمة، والسَبب الثاني هو أنهم حَتى إن سَمعوا بها وفهموا مَعناها فهُم لا يُريدون تطبيقها لأنها لا تخدُم أهدافهم التي تحتاج الى شُعوب مُدجنة تسمَع الأوامر وتنفذها دون مُناقشة وتفكير لأن التنمية لو حَدثت فأنها ستؤدي لتغيير وعي وطريقة تفكير هذه الشُعوب، وبالتالي دَفعها لإختيار شخصيّات وأحزاب وقوى سياسية ذات بَرامج تنموية حَداثية وليسَ الشَخصيات والأحزاب البالية الحالية التي لا تمتلك أي بَرامج تخدُم هذه الشُعوب.
إن أغلب شُعوب العالم مَرّت وتمُر بمَراحل نمو تأخذ فترات زمنية مُختلفة إعتماداً على مَجموعة عَوامل تختلف مِن شَعب لآخر، غير أن الشُعوب العربية مُشكلتها أكبر مَع التخلف العلمي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي بسَبب عَوامل داخلية وخارجية يوجَد بينها تأثير مُتبادل، لذا فإن نمُوها مُتوقف مُنذ فترة، بَل هي تعود اليوم بشَكل مُريع الى الوراء في أغلب نواحي الحياة، وهو أمر يُمكن مُلاحظته بسهولة مِن خلال القيام بنظرة مُقارنة سَريعة بَين حالها ومُستوى تطورها الحَضاري قبل قرن مِن الزمان وبَين حالها اليوم، سواء مِن ناحية وَعي الأفراد، أو تمدن المُجتمع وتحَضّره، أو حُقوق المَرأة والأقليات، أو الحُريات العامة والخاصة، أو نضوج الواقع السياسي وعلمانية الدولة، أو على مُستوى تطور التعليم والإقتصاد والزراعة. إن مَسؤولية التخلص مِن هذه الحالة المزرية تقع اليوم على كاهِل جميع فئات المُجتمع، بدئاً مِن السُلطات الحكومية وغير الحُكومية، مُروراً بالأوساط الثقافية والمَدنية وصولاً لمُختلف مُنظمات المُجتمع المَدني. لكن للأسَف الفئات الواعية في هذه الشُعوب والتي تسعى لإيقاف هذا التردي وعَكس اتجاهه باتت قليلة بل وشُبه مَعدومة، لذا فإن هذه الشَعوب بَدأت مُنذ فترة بالإنزلاق الى هاوية لا قرار لها وقد جاء سَيل الرَبيع العربي مُؤخراً ليَجرفها الى أعماقها السَحيقة.
[email protected]