دعوني أوضح بادئ الأمر بأني لست مؤمنا بالمصطلحات ذات المدلولات الطائفية والعرقية (الدم الشيعي – الدم السني – الدم الكردي) بل أؤمن بحرمة الدم العراقي والمسلم بشكل عام ولا فرق بين دم ودم على أسس طائفية وعرقية وأن الارهاب الأعمى قد أستهدف جميع العراقيين بلا أستثناء قتلا وتهجيرا ، لكني أجد نفسي مضطرا لاستعمال هذه المصطلحات الطائفية لمخاطبة أبناء طائفتي الكريمة والتي يبدوا بأن الكثيرين منهم بدأت تستهويهم هذه المصطلحات وخاصة الشباب لايصال رسالتي اليهم .
تمكنت دموع النائبة الأيزيدية فيان دخيل من توجيه أنظار القوى الدولية الى مأساة الأيزيدين بالعراق بعد سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف على قضاء سنجار وهو مادفع بالولايات المتحدة وبريطانيا لتقديم المساعدات الانسانية للنازحين منهم وفك الحصار على المحاصرين في جبال سنجار ، كما تمكن السيد البارزاني من كسب التأييد الدولي والحصول على السلاح اللازم لصد خطر تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف عن أربيل والكورد عموما مستفيدا في الوقت ذاته من الضربات الجوية الامريكية ضد مقاتلي التنظيم ، ونجح السنة العراقيون في ايصال صوتهم للمجتمع الدولي من خلال اعتصامات أستمرت أكثر من عام دعمتها القوى السياسية السنية ليغدو المجتمع الدولي مصمما على انهاء أقصاءهم وتهميشهم ودمجهم بالكامل في العملية السياسية بعد أن كونت الدول الكبرى فكرة مفادها بأن هيمنة شيعية على مقاليد السلطة في بغداد ( ممثلة بالسيد المالكي) تقصي السنة والكرد وهي مسئولة بشكل مباشر عن ما أل اليه الوضع العراقي ، لكن واقع الحال يقول بأن الشيعة العراقيون لم يكونوا بحال أفضل من باقي المكونات العراقية فقد تعرضوا هم أيضا لأبشع حملة قتل طائفي ممنهج للمدنيين والعسكريين خلال السنوات السابقة تنوعت وسائلها بين السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة ناهيك عن استهداف مراقدهم الدينية وتمت هذه الحملة أما تحت شعار مقاومة الاحتلال أو معارضة
العملية السياسية، فهذه الصورة تحديدا فشل الساسة الشيعة بايصالها للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية التي باتت ترى فقط طائفة تحكم سيطرتها على جميع مفاصل الدولة الرئيسية وتضطهد باقي الطوائف متجاهلة حقيقة بأنه مهما كان عدد المستفيدين من أبنائها (أي الطائفة) من هذا الوضع الخاطئ وهم من المرتبطين بالأحزاب الدينية المتنفذة فأنهم قلة وسط غالبية شيعية ترزح تحت وطأة الفقر والحرمان وشظف العيش ، ومن هنا نسأل كيف تمكنت نائبة أيزيدية واحدة من أن تكسب تعاطف المجتمع الدولي مع معاناة أهلها ، وهو أمرا فشل فيه 163 نائب اسلامي شيعي في البرلمان العراقي فضلوا التزام الصمت أو أكتفوا بمجرد اشارات خجولة للمذابح اليومية التي يتعرض لها الشيعة العراقيون دون الأقرار صراحة بأنهم يتعرضون للقتل لكونهم شيعة فقط ؟
أولا نود الأشارة الى أن تدخل المجتمع الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة في أي انتهاك لحقوق الانسان لأي مجموعة دينية أو عرقية حول العالم انما هو مرتبط بالمصلحة الامريكية البحتة فأميركا ليست جمعية خيرية لنصرة المستضعفين حول العالم فأذا ما أقتضت المصلحة الاميركية التدخل لضرب عدو محتمل ينتهك حقوق الانسان فيكون حينئذ التدخل حتميا كما حصل في الهجوم العسكري لقوات حلف النيتو ضد يوغسلافيا في حرب كوسوفو عام 1999 لانقاذ المسلمين الألبان في كوسوفو أو في الهجوم على القوات الموالية للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي اثناء ثورة17 فبراير عام 2011 انقاذا لمدينة بنغازي معقل الثورة الليبية والثوار، أما اذا ما أنتفت المصلحة فيكتفي الغرب عادة بالشجب والتنديد ومن ذلك ماحصل ويحصل في سوريا من ابادة علنية منذ 3 أعوام أو أحداث حروب غزة ومايحصل فيها من جرائم وانتهاكات اسرائيلية مريعة أو حتى في العراق عندما وفرت الادارة الامريكية الغطاء السياسي لمجزرة حلبجة وتعاونت مع النظام السابق في سبيل القضاء على الأنتفاضة الشعبية عام 1991 ففي كل هذه الأحداث أكتفت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بمشاهدة انتهاكات صارخة لحقوق الانسان وسط صمت دولي مشين ، وفي الوضع العراقي الراهن كان الميل السياسي الشيعي العراقي لايران وعزوفه تدريجيا عن الولايات المتحدة رغم أنها من قامت بأسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين مانحة الشيعة فرصة ذهبية تاريخية لحكم العراق قد ساهم في استبعاد الشيعة من الحسابات الامريكية في العراق الذين أدركوا متأخرين بأن جهودهم قد ذهبت أدراج الرياح وأنهم قدموا العراق على طبق من ذهب لايران وهو مايفسر هذا الصمت الدولي تجاه مايتعرض له الشيعة العراقيون .
أما ثانيا فهو موقف التحالف الوطني الشيعي الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان العراقي والذي يلتزم غالبية أعضاءه الصمت أو مجرد الحديث العابر عن مأساة العراقيين جميعا (كلام حق يراد به باطل) فيما تقوم بعض النماذج منهم بأطلاق تصريحات نارية ضد الطوائف الأخرى متوهمين بأنهم بذلك يدافعون عن أبناء طائفتهم وهم بذلك كمن يصب الزيت على النار التي تحرق الجميع ، فكيف يتسنى لنا مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بادانة هذه الجرائم والعمل على محاكمة مرتكبيها في الوقت الذي يلتزم فيه نوابنا الأفاضل الصمت حيال هذا
الموضوع ؟ وكيف يمكن اقناع العالم بأن المكون الشيعي شأنه شأن كل المكونات العراقية قد تعرض هو الأخر للقتل والتهجير اذا لم ينطق بتلك الكلمات ساستنا ويقتنعوا بها حتى يتمكنوا من اقناع الأخرين بذلك ؟
ولنا في جريمة قاعدة سبايكر الأخيرة خير مثال حيث سقط فيها بيوم واحد 1700 شهيد من طلبة كلية القوة الجوية الذين تم اعدامهم بدم بارد لكونهم شيعة (وهو مايمثل 80% من عدد الشهداء الفلسطينيين في حرب غزة الأخيرة والتي دامت 51 يوما) وكالعادة مرت هذه الحادثة برغم بشاعتها مرور الكرام عند قياديي التحالف الوطني ( كجميع الجرائم التي سبقتها) بل أنكر بعض القادة العسكريين الفاشلين حصولها أصلا !!! وأستمر الأمر كذلك الى ان وقعت جريمة جامع مصعب بن عمير في ديالى ومارافقها من اتهامات للميلشيات الشيعية بأرتكابها فعاد الحديث سياسيا و اعلاميا وفي مواقع التواصل الأجتماعي عن مجزرة سبايكر المروعة رغم مرور مايزيد عن 70 يوم من الصمت !!! وذلك لمحو الضجة التي خلفتها جريمة ديالى وتلافي رد فعل دولي على تلك الميليشيات على غرار مايحضر لداعش وللدلالة على أن الشيعة أيضا يتعرضون للقتل الطائفي وهي حقيقة لاينكرها الا مخادع أو متورط ، ولنا أن نتصور لو ان حادثة جامع مصعب بن عمير لم تقع فسيكون النسيان والاهمال مصير شهداء قاعدة سبايكر شأنهم شأن كل شهداء العراق عامة والشيعة خاصة منذ عام 2003 وهو مايعني بأن الدم الشيعي بات سلعة رخيصة تباع وتشترى في سوق العرض والطلب الطائفي وفي مهب المزايدات السياسية.
وبالعودة للتحالف الوطني وفشله في عرض مذابح الشيعة سياسيا واعلاميا على المستويين الأقليمي والدولي رغم انتخاب أعضائه البرلمانيين على قاعدة نصرة المذهب !!! فأنه يمكننا أن نضع تفسيرا للأمر وهو أن الانغلاق السياسي الذي مارسته الأحزاب الشيعية في قيادتها للدولة العراقية وسعيها المحموم في تطوير علاقاتها بايران حصرا (المرفوضة والمعاقبة دوليا) ساهم في عزلة العراق عموما والشيعة خصوصا ، كما أن استخدامهم لعبارات وطنية منمقة عن استهداف الارهاب لكل العراقيين والخوف والخجل من ذكر حقيقة استهداف الشيعة لكونهم شيعة لايعود مطلقا لايمان التحالف الوطني بالوحدة الوطنية العراقية وسواسية دماء الأبرياء من العراقيين التي سفكت غدرا وعدوانا منذ العام 2003 ولغاية يومنا هذا فتيار الاسلام السياسي سنيا كان أو شيعيا هو تيار سياسي طائفي بأمتياز ولايمكن له الأنعتاق من طائفيته لأنه حينئذ يكون كمن ينسف وجوده من الأساس ، لكن تمكن صعوبة الأمر في كيفية اقناع العالم بأن مظلومية الشيعة المستمرة منذ 1400 عام والتي ينبغي أن تكون قد أنتهت في العام 2003 عندما تولى الشيعة زمام السلطة في العراق ماتزال مستمرة وان بأشكال مختلفة، فلا زال العراقي الشيعي يعيش في وضع مزري في محافظات الوسط والجنوب ويدفع بأبنه للموت من خلال التطوع في الأجهزة الأمنية سعيا في رزقا ينقذ عائلته من براثن الفقر وسط انتشار البطالة وانعدام فرص العمل الا لمن كان مقربا من السلطة وأحزابها الدينية ناهيك عن مطاردة السيارات المفخخة له والتي صبت جام غضبها على الأحياء الشيعية في بغداد وكأن قدر العراقي الشيعي أن يعيش في بؤس وعوز وقتل وتشريد
سواء كان حاكما أو محكوما وهو أمر لاتفسير له الا بفساد وضعف الطبقة السياسية الشيعية التي تاجرت بالدين والمذهب وأوهمت البسطاء وعامة القوم بأن انتخابها هو نصرة للمذهب وحماية لمعتنقيه !!! فهم بالتالي لايستطيعون أن يدينون أنفسهم أمام العالم بأسره ويقرون بفشلهم وفسادهم في ادارة الدولة العراقية سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا ، ومن هنا كان اللجوء للتحدث بالصبغة الوطنية التي لايمتون لها بصلة للتغطية على فشلهم وفسادهم وسلبهم لارادة قواعدهم الشعبية عن طريق العزف على لحن المظلومية التاريخية ومداعبة المشاعر الدينية التي هي نقطة ضعف كل انسان بغض التظر عن أنتماؤه الديني.
لقد أستشهد الامام الحسين (ع) نتيجة امتزاج حقد وعدوان بني أمية عليه من ناحية وخذلان وخيانة من أعتقدهم شيعته وأنصاره في الكوفة من ناحية أخرى وهاهم شيعة العراق اليوم يدفعون ذات الثمن بين مطرقة داعش التي تكفرهم وتسفك دمائهم وتهاجم مراقدهم وحسينياتهم وبين سندان سلطة فاشلة فاسدة محسوبة عليهم فشلت في حمايتهم (كان توفير الغطاء السياسي للميلشيات هي الوسيلة الدفاعية الوحيدة للأحزاب الشيعية في درء الخطر عن أبناء الطائفة ولكن واقعيا جاءت النتائج معاكسة فكل ما أرتكبت هذه الميلشيات جريمة ضد المكون السني كان رد تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف (داعش) مدويا على البسطاء من الشيعة وهو مايعني غرق المواطنين العراقيين من عامة السنة والشيعة ببحر من الدماء نتيجة هذه السياسات الحمقاء) وتوفير أبسط مقومات العيش الكريم لهم ولا يهمها سوى مصالحها وأستمرارها بالحكم ولو على جماجم أبناء الطائفة الذين يقدمون كالقرابين في سبيل استمرار مجموعة من الفاسدين والفاشلين والطائفيين على هرم السلطة .
ختاما لايمكننا انكار ان هناك قوى محلية وأقليمية لاتريد حكما شيعيا ناجحا للعراق وان تلك القوى هي من عملت طوال السنوات الماضية على وضع العصا في الدولاب مستفيدة من أخطاء الساسة الشيعة وهو أمر كان يمكن تجنبه لو أحسن الناخب الشيعي الأختيار وأستفاد من تجاربه السابقة وأدرك أن الدين والمذهب وحب أهل البيت عليهم السلام شيْ والأعيب السياسة وكيفية ادارة الدولة شيْ أخر لذلك لاينبغي التوقف عند عامل التدخل الخارجي كثيرا كما لايمكن عده حجة أو سببا بأي حال من الأحوال لتبرير اعادة أنتخاب الفاسدين والفاشلين والطائفيين (أثبتت التجارب السابقة بأن انتخاب الطائفي يضر بطائفته أكثر مما ينفعها فهناك خيط رفيع بين الدفاع عن حقوق ومطالح الطائفة وبين الطائفية والتهجم على الطوائف الأخرى لايميزه الا دهاة السياسة) بل يجب أن يكون حافزا للاصرار على أنتخاب الكفاءات والتكنواقراط ومحترفي السياسة القادرين على التعامل مع الأمور بواقعية وحنكة وحكمة أكثر خلال السنوات القادمة وترسيخ ثقافة الأنفتاح على كافة شركائنا في الوطن والتعاون معهم بما يخدم المصلحة الوطنية العامة (فالوطن أنا وأنت لا أنا أو أنت) حتى لو تطلب الأمر الخروج عن السياق الأنتخابي المعروف والمتمثل بالتصويت المبني على أسس طائفية وعشائرية وانهاء فكرة خاطئة ترسخت في عقولنا مفادها بأن تمثيل الطائفة هو حكرا على الأحزاب الدينية
خصوصا في ظل قلة الكفاءات لدى هذه الأحزاب والتي فضل عقلاءها الأنزواء تاركين أمور البلاد والعباد بيد مجموعة من تجار الدين والدم وسارقي المال العام ومراهقي السياسة والميليشيات وهو مايفسر لنا الوضع المأساوي للعراق عموما وحالة التشتت والتخوف التي تسيطر على الشارع الشيعي خصوصا والتي ستنتهي بمجرد تمكن الدكتور العبادي من اختيار كابينة وزارية تجمع بين المهنية والكفاءة والشراكة الوطنية بمعزل عن المحاصصة المقيتة لتنفيذ حزمة الأصلاحات المنشودة التي يتوقف عليها بقاء هذا البلد موحدا من عدمه ، فأذا كنا قد أبتلينا بالمحاصصة الطائفية على الأقل في الوقت الراهن فليحسن أبناء كل طائفة أختيار ممثليهم وذلك أضعف الايمان.