وفق المنطق السليم؛ لايمكن لأي رأي متحرر أن يفرض نظرته الضيقة ليعممها على التعامل السياسي لحزب ديني وفق ماينتهجه الأخير من واقعية تلائم ظرفا معينا، ولا يمكن تحجيم دور الآخر وفق المعنى الضيق للدين، وبهذا لايمكن حصر الاسلام بأنه مساحة المسلمين لوحدهم أو مساحة مذهب اسلامي معين، فالدين الاسلامي هو دين للانسانية جمعاء وفق مقولة (الناس صنفان) لأمير المؤمنين (ع).
ربما جميع الأحزاب الإسلامية تدعي بأنها أحزابا وطنية ولكن البناءات الداخلية لها والمتبنيات ترسم لنا صورة معاكسة، وفي المقابل أيضا جميع التيارات المدنية تنظر للأحزاب الاسلامية على أنها أحزاب منغلقة على ذاتها ولامساحة فيها لغير المسلمين أو أبناء مذاهب محددة، وبهذا تختلف الاراء وتشوه الحقائق وتغذى عقول المواطنين وفق هاتين النظرتين المختلفتين عن الحقيقة، ومن هذا المنطلق يبني السيد عمار الحكيم منهجه السياسي وفق النظرية التي تجذر حقيقة تعامل الاسلام مع أبناء الديانات والطوائف الأخرى، حتى عندما كان رئيسا للمجلس الأعلى؛ فخطبه ومتبنياته ومشاريعه الوطنية تجسد هذه الحقيقة بوضوح، ولكن بعدما اختلفت الرؤى في قيادة المجلس الأعلى وجد الحكيم أن مشروعه الوطني لابد أن ينطلق في إطار جديد يحاكي الواقع ويكسر القيود، فانطلق تيار الحكمة بهذه الرؤية، والتي لقيت إقبالا واسعا لدى مختلف الأوساط الشعبية، حتى أصبح تيار الحكمة اليوم أكثر التيارات استقبالا للانتماءات الجديدة ومن مساحات شعبية مختلفة تتقدمها فئة الشباب التي لا تريد أن يكون الدين أوالمذهب أوالطائفة قيدا للانتماء السياسي فضلا عن السمات الأخرى التي تميز بها هذا التيار، فواقع الشعب التعايشي لايقبل هكذا منهجيات لم يجني منها البلد سوى اراقة الدماء وتعطيل الخدمات والفتنة الطائفية.
إن المتبنى الوطني اليوم (حزبيا وانتخابيا وتحالفيا)هو حاجة فعلية لبناء البلد، فضلا عن أن الشارع العراقي بشكل عام وصل الى مرحلة النضج السياسي الذي يملي عليه هذا الخيار بعد فشل الخيارات السابقة، وبالتالي كان تيار الحكمة موفقا حينما جعل مساحة واسعة في مؤتمره العام لأبناء الطيف الوطني بمختلف عناوينه الدينية والمذهبية والقومية،وهذا لايشكل خروجا عن الهوية الاسلامية لهذا التيار، بل أن الهوية الوطنية هي جزء لايتجزأ من منهجية الاسلام في المجال السياسي كما بينا سلفا، ولا قيمة اسلامية لمنهج لايحترم تعدديات الشعب ولا يراعي خصوصيات المكونات، بل الخيار الذكي هو الخيار الذي يجمع هذه التعدديات ويصنع منها قرارا وطنيا يمثل الجميع ويحافظ على حقوق وحريات الجميع.
نستشف من هذا أن منهج تيار الحكمة يمثل منهج الخلاص من عقد الحقبة السابقة، وعلى جميع من لازال مؤمنا بأفكاره الانغلاقية البالية أن يعي أن شباب الوطن قد هجروا تلك الأفكار ومن يؤمن بها أويقوم ببثها، وبالتالي سينعدم وجودهم السياسي خلال المرحلة المقبلة، ونقول لمن يدعي الاسلام أن الإسلام قد تشوهت حقيقته في عيون الكثيرين بسبب منهجياتكم الفاشلة، فانصفوا اسلامكم وغيروا مناهجكم وأدواتكم، والشعب مابات يهمه غير الوحدة وتقديم الخدمة.