الحرب هي السياسة بوسائل اشد عنفا .. مقولة اعتقد انها للزعيم الشيوعي لينين ، وبالتالي يمكن القول ان السياسة هي الحرب بوسائل اقل عنفا .. اي يوجد قدر من العنف في السياسة ، وفي السياسة يوجد تحالف ، ويوجد تخادم ، وقد يفسر التحالف تخادما والعكس صحيح . الا ان في ذلك خطأ كبير .
السياسة بحر ، ورغم انها بحر فهي غالبا ما تكون مستنقع فذر ، او عهر وقد استأذنت شاعرنا الكبير مظفر النواب عند لقائي به ان اكرر جزء من بيت له (( السياسة عهر فدول)) .. وبما انها بحر ومستنقع في الوقت نفسه فهي باتت موضوعا معقدا .. وبما ان لا احد يريد الاعتراف انه ليس سياسيا او عالما في السياسة ، وبما ان الكل تقريبا يقول لك معترفا انه ليس سياسيا ولكنه يرى ؟؟؟ ولا يقترح او يتوقع .. فهو يجزم مثلا في تحليله للصراع الامريكي الايراني ان امريكا وأيران في تحالف (تحت الطاولة) ، وهذا ينسحب على العلاقة بين ايران و(إسرائيل) .. تدمر (إسرائيل ) نطنز الإيراني .. تضرب الأذرع الايرانية في سوريا .. تقتل اكبر العلماء الايرانيين في المجال النووي .. ببساطة نعود ونقول انها لعبة ، وأن الذي تحت الطاولة هو عشق ، وما اكثر اللعب .. صدام حسين عميل لأمريكا !! اسأل لماذا اذا الحرب بينهما ؟؟ يجيبوك انها لعبة .. اجيبهم بسؤال وهو : هل يعقل ان تكون هناك لعبة بمليون جندي بحرب كلفت ترليون دولار ؟؟
كتبت الكثير عن ايران وأمريكا وزبدة ما اصل اليه هو ان الشرق الاوسط محط تنافس شديد وصراع وجود بين الثقافة الامريكية والثقافة الايرانية . وبين المصالح الامريكية والايرانية ،وأينما وردت أمريكا اضف لها (اسرائيل) فهما واحد الى حين . وهذا ما ينسحب على اوروبا بالضرورة .
عليه الأمر اليوم بات صراع بين ايران وأذرعها من جهة وبين الولايات المتحدة وأوروبا واسرائيل من جهة اخرى ، ولا داع لعرض قوات الطرفين الشاملة الخمسة ( الاقتصادية ..السياسية.. الاجتماعية .. العسكرية .. التطور العلمي .. )) ولا داعي لحساب المعنويات والثوريات حسب قول مصمم المسدس كولت الامريكي (الآن لم يعد هناك فرق بين الشجاع والجبان) ويعزز الرأي ان هناك ربع مليون ياباني شجاع ويحب وطنه كما تعرفون لم تفدهم معنوياتهم عندما نزلت عليهم هيروشيما وناكا زاكي وأبادتهم.
لم اذكر الصين وروسيا اللتان تدعمان ايران الى حد ما ولكنهما ليستا مستعدتان بالوقوف الى جانبها عندما يتكلم المدفع الامريكي وكنت قد كتبت للرئيس صدام حسين في 19/4/2002 خلال لقاءاته مع المواطنين (( نعول احيانا سيدي على الصين وروسيا والشارع العربي ،وهذه كلها تمتلك ادوارا اما هامشية أو مكملة فمفاتيح العراق بيد امريكا ، وعندما يتكلم المدفع الامريكي ستخرس كل الاصوات وسنجد اننا وحدنا في الساحة بكل ما نملكه من ضعف نتيجة الحصار الجائر والعزلة الدولية مقابل امريكا بكل ما تملكه من قوة وعنجهية ، وسيضيع العراق ، وأن لنا في رسول الله اسوة حسنة عندما ختم بخاتمه الشريف صلح الحديبية العقد الأكثر ذلا في التأريخ وهذا لم يمنع المؤرخين من الأجماع على ان هذا الصلح المهين كان المقدمة الحقيقية لفتح مكة ونشر الاسلام ووصوله ليون بفرنسا )) .
الا ينطبق هذا الأمر تماما على الصراع الامريكي الإيراني؟؟ الا نرى ان سياسة حافة الهاوية (brinkmanship policy ) لا تفلح في الغالب لأنك من الصعب ان تعرف موقع الحافة ووقت الوصول اليها فتسقط فيها ، لا تعرفها لأن العدو الاقوى يقدمها او يؤخرها ، وهذا ما حصل في الصراع الامريكي العراقي ، حيث رغم ان العراق عرفها منذ فترة مناسبة وحاول التملص الا ان الطرف المقابل كان قد اتخذ قراره بتنفيذ مآربه الدنيئة
اللعب مع الكبار ايام السيف والرمح لم يكن خطأ ، وكثيرا ما جاهدت القلة ضد الكثرة وربحت ، ولكن في الالفية الثالثة ، لم يعد هناك سيف ورمح وبات رابح الحرب خاسرها ، فشهداء بدر كانوا (14) وشهداء احد كانوا (70) وقد تكون كلفة الحرب شبه مجانية ، ولم تدمر المصانع والمفاعلات ، كما كانت كلفة تدمير مفاعل نطنز الايراني (10) مليار دولار فقط لا غير .
لا ادري حقيقة كيف يفكر صناع القرار في ايران ؟؟ هل هم يتصورون ان امريكا سترحل من العراق تحت تأثير الكراد ام الكاتيوشا التي توجه الى السفارة الامريكية فيسقط احدها في الكرادة وسقط آخرها في الشيخ عمر ؟؟ ويحترق الآخر ويفجر العجلة التي حملته من بغداد الى البغدادي ام انهم يتوقعون ان كل هجماتهم من اليوم الاول لحد الآن التي قتلت متعهدا امريكيا واحدا في كركوك ستجعلهم ينسحبون ؟؟ .
اذا كانوا سينسحبون من العراق .. فلماذا انسحبوا من افغانستان؟؟ هل لأن امريكا قررت الانكفاء الى الداخل ؟؟ !! الا يعطي ذلك انهم قرروا القتال ضد ايران ؟؟ الا يعني تبليغ الأمريكان لرعاياهم عدم السفر الى العراق ان بايدن الذي علق بعض من لم يفهموا امريكا بعد .. آمالهم الإنفراجية عليه.. وهو قد بيت أمرا ؟؟ يجيبوك لقد سبق للرئيس اوباما ان انفرج مع ايران ، ونقول لهم : لم تكن ايران حينها تمثل تهديدا جديا حينها كما هي اليوم .. ؟؟ ولماذا استعداد ثلاث شركات نفطية كبرى لمغادرة العراق ؟؟ وهكذا الانسحاب السريع من قطر ، ، فضلا عن وجود تصريح غير مؤكد لبايدن مؤخرا يقول ان ابرز اهدافنا تحرير الشعوب من الميليشيات الموالين لأيران ، بالأمس البعيد حررنا من صدام حسين وبعدها من داعش واليوم من ما عش ولا ندري الى متى نظل حقل تجارب له ولغيره ؟؟ .. وفي السياق نفسه دعت بريطانيا رؤساء الاركان في اقطار مجلس التعاون والعراق والاردن ومصر ، ومصادر تشير الى ان القوة الامريكية سترايكر وقوامها 1800 جندي المعروفة بتسليحها وتدريبها فوق العادة لمقاتلة الارهاب ستصل الاردن قريبا يسانده انتشار بريطاني في الاردن نفسها وفي سنغافورة ، وغير ذلك الكثير مما سيحصل .
اتفق الى حد ما ان كل ذلك قد يكون للردع وليس للقتال ، وهذا الاحتمال محدود كون الردع عادة لا يعمل مع الدول الراديكالية كـالجمهورية الاسلامية .. عليه ستقع الحرب لا سمح الله وحجم الشظايا التي ستصيب العراق يعتمد على وعي الشعب العراقي وقواته المسلحة لحقيقة اننا قد نكون الضحية الاكبر، فضلا عن امتلاك الحكومة للإرادة السياسية لمنع ان يكون العراق مسرحا للعمليات في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل .
يبقى سؤال اوجهه لزعماء ايران وهو : لنفترض ان امريكا انسحبت فهل هذا يعني انها ستترك زرعها فيه ؟؟ وهي قد كلفها احتلاله ترليون دولار وكلفها الدفاع عنه ضد القاعدة وداعش (حرب حماية اعراض اهل لغربية) نفس المبلغ ؟؟.. يمكنها تركه لتأتينا داعش اشد دون تحالف دولي مساند لنا ومن يضمن لنا انهم سينتخون عندما نعود لطلب النخوة ؟؟؟ اقول قد تنسحب ولكن لتعيد انتشارها بالشكل الذي يجعله اكثر فاعلية تجاه العدو المركزي في الشرق الاوسط (ايران) وأكثر امنا لقطعاتها وامريكا مرحب بقواعدها اينما حلت فكثيرة هي البلدان التي يهدد امنها الدستور الايراني (( مهمة جمهورية ايران الاسلامية توحيد الأمة الاسلامية)) وكثيرة هي البلدان التي لمست حالة اللادولة التي عاشها العراق واليمن ولبنان
الذي يهمني هو ان يعي الجميع ما اعيه وهو ان السياسة قد تنتج لعبة ، وفوق الطاولة يؤكدها القول المأثور (( السياسة لعبة القوة)) عليه هي لعبة الحرب ، والسياسة هي الحرب بوسائل اقل عنفا ، ولو ان قائلها ظل حيا وعاصر سياسة امريكا تجاه العراق سابقا وأيران حاليا لما كان قالها ففي الحالتين كانتا سياستها اشد عنفا من الحرب فالموت البطيء من الجوع اشد وطأة من الموت الفوري بالقصف ويشهد الدينار العراقي والتومان الايراني على ذلك
حالة واحدة فقط تبعد التهديد عن الجمهورية الاسلامية واذرعها ، وهي ان تستجيب لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتحل اذرعها ، وهذا ما هو صعب للغاية بتقديري المتواضع كونها دولة مشروع عقائدي منذ سبعينيات القرن الماضي .. مع ذلك الحرب الاقتصادية قائمة وأذا ظهر انها لن تؤد الى نتيجة فالحرب ستكون الحل .
اللهم اجعلها بردا وسلاما على وطني .